ضربة إسرائيلية في أصفهان... وطهران تعلن إسقاط مسيرات

استهدفت منشأة «عسكرية» تابعة لوزارة الدفاع... ومواقع «الحرس» توعدت تل أبيب

أشخاص يجتمعون أمام منشأة تعرضت لهجوم في أصفهان فجر أمس... وفي الإطار لهيب الانفجار (فارس)
أشخاص يجتمعون أمام منشأة تعرضت لهجوم في أصفهان فجر أمس... وفي الإطار لهيب الانفجار (فارس)
TT

ضربة إسرائيلية في أصفهان... وطهران تعلن إسقاط مسيرات

أشخاص يجتمعون أمام منشأة تعرضت لهجوم في أصفهان فجر أمس... وفي الإطار لهيب الانفجار (فارس)
أشخاص يجتمعون أمام منشأة تعرضت لهجوم في أصفهان فجر أمس... وفي الإطار لهيب الانفجار (فارس)

أعلنت إيران أن دفاعاتها أحبطت هجوماً بطائرات مسيرة انتحارية تحمل متفجرات، على أحد مصانع الذخيرة التابعة لوزارة الدفاع في وسط مدينة أصفهان بالقرب من أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم، في وقت نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين ومصادر مطلعة قولهم إن إسرائيل وراء الضربة السرية، في أحدث هجوم يستهدف المنشآت الإيرانية الحساسة، وسط تصاعد التوترات الإقليمية والدولية التي تجتاح إيران.
وقالت وزارة الدفاع الإيرانية في بيان رسمي إن الهجوم نفذته ثلاث مسيرات صغيرة الحجم من نوع «كوادبتر»، فيما أشارت قنوات تابعة لـ«الحرس الثوري» إلى سقوط أربع مسيرات «كوادبتر» أطلقت من بعد قليل. ولم تُفصح وزارة الدفاع الإيرانية عن أية معلومات بشأن من يُشتبه في أن يكون مُنفذ الهجوم، الذى جاء إثر اندلاع حريق بمصفاة للتكرير بصورة منفصلة في شمال غربي البلاد، مع زلزال قوته 5.9 درجة ضرب المنطقة المجاورة، مما أسفر عن مصرع ثلاثة أشخاص.
وقال محمد رضا جان نثاري، نائب الشؤون السياسية والأمنية لحاكم أصفهان في تصريح متلفز إنّ الهجوم «لم يُسفر عن إصابات»، مضيفاً أنّ تحقيقاً فُتح لتحديد أسبابه.
وأوضح بيان وزارة الدفاع الإيراني، الذي تناقلته وسائل الإعلام الرسمية: «أصاب الدفاع الجوي واحدة من (الطائرات المسيرة)... ووقعت الطائرتان الأخريان في فخاخ دفاعية وانفجرتا. ولحسن الحظ لم يتسبب هذا الهجوم الفاشل في خسائر في الأرواح وألحق أضراراً طفيفة بسقف المصنع».
وقال البيان: «الهجوم لم يؤثر على منشآتنا ومهماتنا... ولن يكون لمثل هذه الإجراءات العمياء تأثير على استمرار مسيرة تقدم البلاد».
ووفق وكالة «إرنا»، لم تتضرر إحدى هاتين المسيّرتين كثيراً و«تم تسليمها إلى قوات الأمن المتمركزة في المجمّع». وأضاف أنّ الهجوم لم يتسبب بوقوع إصابات وإنّما أحدث فقط «أضراراً طفيفة في سقف أحد المباني».
وكانت وكالات أنباء إيرانية قد أفادت في وقت سابق بوقوع الانفجار القوي وبثت تسجيلاً مصوراً يسمع فيه صوت انفجار من ارتطام جسم طائر بأرض المصنع الذي قيل إنه مستودع ذخيرة، وشوهدت عربات طوارئ وعربات إطفاء خارج المصنع، على طول طريق السريع المزدحم، الذي يتجه إلى الشمال الغربي من أصفهان، وهي إحدى الطرق العديدة التي يسلكها السائقون ذهاباً إلى مدينة قُم والعاصمة طهران. وقد وقف حشد صغير متجمهراً بالقرب من موقع إطلاق النار المضادة للطائرات، يراقبون انفجاراً وشظايا تضرب مبنى مظلماظة.
وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن المعطيات تتوافق مع موقع في شارع «مينو» شمال غربي أصفهان بالقرب من مركز تسوق يحتوي على سجاد ومتجر للإلكترونيات. ونقلت وكالة «مهر» الحكومية عن مدير خلية الأزمة في محافظة أصفهان، منصور شيشة فروش أنه «سمعت أصوات غير معروفة في شارع الخميني ويتم التحقق من أسبابها». ويسمع أحدهم يقول: «يا إلهي! تلك كانت طائرة مسيرة، أليس كذلك؟ نعم، لقد كانت طائرة مسيرة». وقد فر من كانوا هناك بعد الضربة.
وقبل أن يصدر بيان وزارة الدفاع الإيرانية، أكدت وكالتا «فارس» و«تسنيم»، التابعتان لـ«الحرس الثوري» وقوع الانفجار، لكنها وصفتا الأوضاع في المدينة بـ«العادية».
ورشة مسيرات
وانتشرت عدة مقاطع فيديو بسرعة البرق على شبكات التواصل تظهر وقوع انفجارين ضخمين في المنشأة الواقعة قرب طريق سريع في ضواحي أصفهان. ويسمع من الفيديوهات صوت الدفاعات الجوية. وعكس إحدى المقاطع انفجاراً هائلاً وتصاعد عمود من النار.
لم تذكر السلطات تفاصيل عن نشاط الموقع المستهدف والواقع شمال مدينة أصفهان الكبيرة، لكن قناة «صابرين نيوز» من المنابر الدعائية لـ«الحرس الثوري» على شبكة «تلغرام»، قالت في منشور لها إن الهجوم «استهدف ورشة لتجميع المسيرات».
وبعد ساعات، أفادت قنوات «الحرس الثوري» على «تلغرام» في رسالة نشرت في توقيت متزامن أن «المعلومات تفيد أن عدة مسيرات انتحارية صغيرة الحجم، تحمل كل منهما كيلوغرامين من مادة آر - دي - إكس المتفجرة، أقلعت على مسافة نحو كيلومتر واحد، وأصاب إحداها مخازن الذخائر في أصفهان». ونشرت بعض قنوات «الحرس» رسالة كتب فيها إن «الرد سيكون بسقوط مسيرات انتحارية عن سفن إسرائيلية».
وتعرضت إيران لهجمات مماثلة في السابق، وحمل هذا الهجوم نقاط تشابه مع الهجوم الذي استهدف منشأتي بارشين للأبحاث العسكرية، وكذلك ورشة لتجميع أجهزة الطرد المركزي في كرج، وهجوم استهدف منشأة نطنز النووية قبل عامين. وشكلت تلك الهجمات سجالاً داخلياً حول اختراق إسرائيل للداخل الإيراني، وانتقد مسؤولون كبار ما وصفوه بـ«التلوث الأمني».
وفي محاولة لرفع معنويات الأجهزة الداخلية، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: «تعمل أجهزتنا بقوة لتحقق أقصى مستويات الأمن في البلاد».
في الأثناء، نقل التلفزيون الرسمي عن نائب رئيس لجنة شؤون الأمن القومي عباس مقتدايي أن اللجنة ستعقد اجتماعاً لمناقشة الهجوم وإرسال لجنة تحقيق إلى أصفهان لاتخاذ قرارات في هذا الصدد.
نجاح هائل
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين وأشخاص مطلعين أن إسرائيل نفذت ضربة سرية بطائرة مسيرة ضد مجمع عسكري في أصفهان، حيث تبحث الولايات المتحدة وإسرائيل عن طرق جديدة لاحتواء طموحات طهران النووية والعسكرية.
ورفض المسؤولون الإسرائيليون التعليق على الهجوم. نادراً ما يعترف المسؤولون الإسرائيليون بالعمليات التي تقوم بها الوحدات العسكرية السرية في البلاد أو جهاز الموساد. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي عاد مؤخراً إلى رئاسة الوزراء، كان لفترة طويلة يعتبر إيران التهديد الأكبر الذي يواجه بلاده.
في هذا الصدد، نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن مصادر المخابرات الغربية والمصادر الأجنبية، أن «هجوم المسيرات على إيران في أصفهان حقق نجاحاً هائلاً رغم المزاعم الإيرانية».
وأكدت الصحيفة أن معظم الاستخبارات الغربية والمصادر الإيرانية نسبت الفضل إلى الموساد بسبب الهجمات الناجحة المماثلة التي كان قد نفذها الموساد في الماضي مثل قصف منشأة نطنز النووية الإيرانية في يوليو (تموز) 2020. ومرفق نووي مختلف في نطنز في أبريل (نيسان) 2021. ومنشأة نووية أخرى في كرج في يونيو (حزيران) 2021 وتدمير نحو 120 طائرة إيرانية من دون طيار أو أكثر في فبراير (شباط) 2022.
بدوره، نفى مسؤول أميركي للإذاعة الإسرائيلية قيام قوات عسكرية أميركية بشن ضربات داخل إيران، وأضاف: «نراقب الوضع عن كثب بعد الهجوم على مستودع أسلحة في أصفهان». وصرح خبير أمني في الشؤون الإيرانية للإذاعة بأن «الطائرات من دون طيار وتسمى (كوادكوبتر) لأن لديها أربع دوارات، ولديها مدى طيران قصير، وبما أن أصفهان موجودة في العمق الإيراني بعيداً عن الحدود الدولية، فإن الاعتقاد الأقرب إلى المنطق، هو أن الطائرات المسيرة التي نفذت الهجوم يوم السبت أقلعت من داخل إيران.
وهذه أول ضربة إسرائيل لمنشآت إيرانية، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الذي شهدت بلاده قبل أيام أضخم مناورات أميركية - إسرائيلية على الإطلاق، في خضم التوترات مع إيران. وشارك فيها الآلاف من الجنود، وسفن وقاذفات نووية للتدريب على السيناريوهات المتعددة.
وتعيد العملية للأذهان سلسلة العمليات التي جرت في إيران بين عامي 2009 و2021، وكان أبرزها نقل الأرشيف النووي الإيراني من طهران إلى تل أبيب، في عملية معقدة سبقت الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
منطق الحرب
وقال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان خلال مؤتمر صحافي مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أمس الأحد: «وقع اليوم عمل جبان لجعل إيران أقل أمناً»، مضيفاً أن «مثل هذه الأفعال لا يمكن أن تؤثر على إرادة خبرائنا لتطوير الطاقة النووية السلمية».
في غضون ذلك، حذر أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، على شبكة الإنترنت من أن هجوم أصفهان يمثل حدثاً آخر في «التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة راهناً». وقد استهدفت الإمارات بهجمات صاروخية وهجمات بطائرات مسيرة خلال العام الماضي، تبناها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران.
وغرد قرقاش على «تويتر»، قائلاً: «لا يصُب ذلك في مصلحة المنطقة ومستقبلها. ورغم أن المشاكل في المنطقة مُعقدة، فإنه لا بديل عن الحوار».
وفي أوكرانيا، التي تتهم إيران بتزويد روسيا بالمئات من الطائرات المسيرة لمهاجمة أهداف مدنية في مدن بعيدة عن جبهة القتال، قال مستشار بارز للرئيس الأوكراني إن ما حدث في إيران له صلة مباشرة بالحرب في بلاده. واعترفت إيران بإرسال طائرات مسيرة إلى روسيا لكنها تقول إنها وصلتها قبل أن تبدأ موسكو غزو أوكرانيا العام الماضي. وتنفي موسكو استخدام قواتها طائرات مسيرة إيرانية في أوكرانيا رغم إسقاط عدد منها وانتشال بقاياه هناك.
وقال مخايلو بودولياك في «تغريدة»: «منطق الحرب لا يرحم وفتاك. يحاسب المسؤول والمتواطئ بحزم... ليلة متفجرة في إيران... إنتاج مسيرات وصواريخ ومصاف نفطية. حذرناكم».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

احتجز «الحرس الثوري» الإيراني، أمس، ناقلة نقط في مضيق هرمز في ثاني حادث من نوعه في غضون أسبوع، في أحدث فصول التصعيد من عمليات الاحتجاز أو الهجمات على سفن تجارية في مياه الخليج، منذ عام 2019. وقال الأسطول الخامس الأميركي إنَّ زوارق تابعة لـ«الحرس الثوري» اقتادت ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما إلى ميناء بندر عباس بعد احتجازها، في مضيق هرمز فجر أمس، حين كانت متَّجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي قبالة خليج عُمان. وفي أول رد فعل إيراني، قالت وكالة «ميزان» للأنباء التابعة للسلطة القضائية إنَّ المدعي العام في طهران أعلن أنَّ «احتجاز ناقلة النفط كان بأمر قضائي عقب شكوى من مدعٍ». وجاءت الو

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)

شبح اعتقال الضباط والجنود في الخارج يحاصر إسرائيل

فلسطينيون يفرون من الجزء الشمالي من غزة، الأربعاء وسط عملية عسكرية إسرائيلية، في جباليا في شمال قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يفرون من الجزء الشمالي من غزة، الأربعاء وسط عملية عسكرية إسرائيلية، في جباليا في شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

شبح اعتقال الضباط والجنود في الخارج يحاصر إسرائيل

فلسطينيون يفرون من الجزء الشمالي من غزة، الأربعاء وسط عملية عسكرية إسرائيلية، في جباليا في شمال قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يفرون من الجزء الشمالي من غزة، الأربعاء وسط عملية عسكرية إسرائيلية، في جباليا في شمال قطاع غزة (رويترز)

طلب الجيش الإسرائيلي من الضباط والجنود الذين أنهوا مهمتهم في قطاع غزة، وكانوا يعتزمون السفر إلى الخارج، الامتناع عن القيام بذلك، في حين أصدرت الأوامر لـ8 على الأقل بالعودة من الخارج؛ خشية من الاعتقالات، بعد إصدار الجنائية الدولية مذكرتَي اعتقال لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.

وكانت المحكمة الدولية أصدرت في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مذكرتَي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بتهمتَي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» إنه في ظل تقديرات في الجيش بأن قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، سيعطي زخماً للاعتقالات والإجراءات الجنائية الأخرى في جميع أنحاء العالم أيضاً ضد كبار الضباط في الجيش، وحتى ضد الجنود النظاميين والاحتياط الذين قاتلوا في قطاع غزة، بدأ الجيش في صياغة «تقييم المخاطر» لكل جندي يقدم استمارة طلب مغادرة البلاد، مع التركيز على المقاتلين والقادة الذين عملوا في غزة. وطلب الجيش من الجنود إزالة أي وثائق متعلقة بنشاطهم في غزة، وعدم تحميل صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم أثناء تواجدهم في غزة، أو التي تشير إلى تواجدهم في الخارج. وقد تم تعيين عشرات المحامين في الخارج لمواجهة «قوائم سوداء» للضباط والجنود.

وتشنّ إسرائيل حرباً على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي وقد قتلت نحو 50 ألف فلسطيني وجرحت أكثر من 100 ألف وخلَّفت دماراً واسعاً حوَّل الحياة إلى غير ممكنة في القطاع الساحلي الصغير.

خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 26 يونيو 2024 (أ.ب)

وبحسب «يديعوت أحرنوت»، فقد حدد الجيش الإسرائيلي، في الآونة الأخيرة، نحو 30 حالة تم فيها تقديم شكاوى وتم اتخاذ إجراءات جنائية ضد ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي الذين شاركوا في القتال في قطاع غزة، وكانوا يعتزمون السفر إلى الخارج، وتم تحذيرهم لتجنب القيام بذلك بسبب الخوف من الاعتقال أو الاستجواب في البلد الذي يريدون زيارته، فيما قيل لثمانية منهم على الأقل، بما في ذلك المقاتلون الذين انطلقوا بالفعل في رحلة إلى الخارج، إلى قبرص وسلوفينيا وهولندا، أن يغادروا ذلك البلد على الفور بسبب المخاطر. وكان ضباط وجنود وثَّقوا عمليات تفجير واعتقال وتحقيق في قطاع غزة، ونشروها بصورة أثارت انتقادات وجدلاً واسعاً، وأدت إلى إعداد منظمات كثيرة «قوائم سوداء» لهم. وأكدت «يديعوت» أنه تم الطلب من الضباط والجنود الدائمين والاحتياطيين الذي عملوا في غزة منذ بداية القتال، وحتى مؤخراً، الامتناع عن نشر صور وفيديوهات لهم وهم يقاتلون في قطاع غزة؛ حتى لا يتم استخدامها ضدهم دليلاً في تحقيق جنائي متعلق بارتكاب جرائم حرب.

وتم مؤخراً شحذ هذه السياسة في ضوء ردة الفعل العالمية العنيفة ضد إسرائيل. وقالت «يديعوت أحرنوت» إن المنظمات المؤيدة للفلسطينيين تعمل بشكل رئيس من أوروبا، لكن منتشرة في شبكة من الممثلين في جميع أنحاء العالم. وهي تراقب، بالإضافة إلى نشر أسماء وصور الجنود منشوراتهم كذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، على أمل أن ينشروا قصصاً عن إجازتهم في بلجيكا، أو زيارتهم إلى فرنسا، أو رحلة إلى الولايات المتحدة أو الهند، على سبيل المثال. وفي تلك اللحظة سيتم تقديم شكوى ضدهم إلى النيابة المحلية، أو التماس شخصي ضدهم إلى المحكمة في ذلك البلد؛ وذلك للتحقيق معهم وتأخير مغادرتهم ذلك البلد. ولهذا السبب؛ نصح الجيش الجنود الذين يبلغون عن سفرهم إلى الخارج بتجنب نشر مواقعهم في العالم؛ حتى لا يصبحوا فريسة سهلة من شأنها أن تعرّضهم للخطر من جانبين: القانون الجنائي وبالطبع الأمن الشخصي أيضاً وتحذيرات ومناشدات.

نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

ومنذ إصدار أوامر باعتقال نتنياهو وغالانت، ثمة مخاوف في أوساط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن يطال ذلك قادة الجيش وجنوده. وتخشى إسرائيل حتى من صدور أوامر اعتقال سرية من قِبَل المحكمة الجنائية الدولية، ضد قادة الجيش الإسرائيلي، وكبار الضباط فيه. وتدور المخاوف بشكل أساسي حول إمكانية صدور مذكرة اعتقال بحق رئيس أركان الجيش، هيرتسي هاليفي. وثمة قلق في إسرائيل من أن مثل هذه المذكرات قد صدرت بالفعل داخل المحكمة وتم إبقاؤها سراً لحين تفعيلها في الوقت الذي تقرره المحكمة.

ويقدّر مكتب المدعي العام العسكري في إسرائيل أن المدعي العام في لاهاي، كريم خان، يمكن أن يتعامل مع مذكرات اعتقال لهاليفي وقادة كبار ولن يتعامل مع الجنود أو القادة الصغار؛ لأنهم نفّذوا تعليمات تلقوها في ساحة المعركة. وتخشى إسرائيل من أن الوضع الحالي قد يصبح متفجراً بالفعل إذا توقف القتال في غزة وفتحت الطريق أمام الصحافيين ومنظمات حقوق الإنسان. واستعداداً لمرحلة كهذه؛ تم تشكيل فريق موسع مشترك بين الوزارات، بقيادة وزارتي العدل والخارجية وإدارة القانون الدولي بمكتب المدعي العام العسكري، وتمت الاستعانة بخدمات قانونية من محامين في عشرات دول العالم.

وشارك في الفريق الإسرائيلي ممثلون عن الموساد (المخابرات الخارجية) والشاباك (الأمن العام).