أثار قرار ألمانيا تزويد الأوكرانيين بدفعات من الدبابات الثقيلة من طراز «ليوبارد»، غضباً في موسكو التي كانت قد حذّرت الغرب من «نقل الصراع إلى مستوى جديد». ووصف الكرملين التطور بأنه «استفزاز صارخ»، وتعهّد بـ«إحراق الدبابات الغربية»، في حين حملت تعليقات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزارة خارجيته إشارات إلى مسارعة موسكو لاستخدام الوضع، والسجالات الحادّة التي جرت داخل البيت الأوروبي حول مسألة تسليم كييف الدبابات، لتوسيع الهوة بين المواقف المختلفة الغربية، ومحاولة «دق إسفين» بين واشنطن وحليفاتها.
وتوالت ردود الفعل الروسية الغاضبة، وبعد تصريحات نارية أطلقها السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنطونوف، وتحدّث فيها عن «منحى أخطر» للصراع الدائر بعد «الاستفزاز الصارخ» من جانب البلدان الغربية، أكد الكرملين، في بيان، أن موسكو تتعامل بقوة وحسم مع مسألة تزويد أوكرانيا بتقنيات ثقيلة.
وقال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف إن «الدبابات الأميركية والألمانية سوف تحترق مثل غيرها، لكنها باهظة الثمن، وهو ما سيقع في نهاية المطاف على عاتق دافعي الضرائب الأوروبيين». ولفت بيسكوف إلى التباينات الغربية حول هذا الملف، وزاد: «هناك بالفعل عدد من الخلافات بين ألمانيا والولايات المتحدة، وعدد من التصريحات المتناقضة بهذا الشأن. ومن الواضح أن كل شيء لا يسير بسلاسة داخل التحالف، كما أنه من الواضح أن الخطة فشلت من حيث الجوانب التكنولوجية وإعادة التقييم الواضحة للإمكانيات التي يمكن أن ترفع من قدرات أوكرانيا». وأفاد بيسكوف بأن موسكو ليست على اتصال مع برلين في ضوء عمليات التسليم المحتملة لدبابات «ليوبارد» إلى أوكرانيا، لكنه انتقد بقوة «دفاع السياسيين الغربيين عن ضرورة تزويد أوكرانيا بأسلحة جديدة انطلاقاً من قناعة البعض بأن استمرار الحرب يشكل ضمانة لأمن قارة أوروبا»، مضيفاً أن هذا الكلام «يعكس السخف والغباء».
وقال بيسكوف: «نقرأ يومياً كثيراً من التقارير تطرح قناعة بعض الخبراء بأن استمرار الحرب يضمن أمن القارة، وهذا سخف وغباء. كنا مقتنعين بذلك منذ عام، عندما دعا (الرئيس فلاديمير) بوتين إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وعندما حذّر من أن استمرار هذا الخط أمر خطير، وما زلنا مقتنعين به الآن. وما نمر به الآن نتيجة لمثل هذه القناعات».
لكن التعليق الأقوى جاء على لسان الرئيس الروسي الذي تجنّب التطرق بشكل مباشر إلى موضوع الدبابات، لكنه هاجم الوجود الأميركي في ألمانيا، ووصفه بأنه «احتلال». وقال، خلال لقاء مع ناشطين شباب، إن «القوات الأميركية في ألمانيا، حتى ولو كان وجودها يحمل مسمى قانونياً، إلا أنها في الواقع قوات احتلال». وأضاف بوتين: «بعد الحرب العالمية الثانية، كانت ألمانيا، كما تعلمون، مقسَّمة إلى 4 قطاعات: الأميركية، والبريطانية، والفرنسية، والسوفياتية. وقام الاتحاد السوفياتي بإضفاء الطابع الرسمي على إنهاء وضع وجوده فيها، لكن الولايات المتحدة لم تفعل ذلك. بالمعنى الدقيق للكلمة، رسمياً وقانونياً، هناك قوات احتلال أميركية على أراضي ألمانيا».
ولفت بوتين خلال الحديث إلى أن أوروبا «ستستعيد سيادتها عاجلاً أم آجلاً، لكن يبدو أن الأمر سيستغرق بعض الوقت». وجدَّد الرئيس الروسي تأكيد أن «الهدف من العملية العسكرية الروسية الخاصة هو حماية روسيا وسكانها من أي تهديدات من الأراضي المجاورة التي هي أراضيها التاريخية (..) الهدف، كما قلت مرات عدة، هو حماية الناس، أولاً وقبل كل شيء، حماية روسيا نفسها من التهديدات، التي يحاولون خلقها في أراضينا التاريخية المجاورة لنا. ولا يمكننا السماح بذلك».
اللافت أن تصعيد الحديث الروسي عن ضرورة «تخلص أوروبا من الهيمنة الأميركية» تَفاقم أكثر على خلفية ما وُصف بأنه ضغوط مُورست على ألمانيا للقبول بنقل الدبابات إلى أوكرانيا. وعكست تعليقات وزارة الخارجية الروسية المنحى نفسه الذي ذهبت إليه تصريحات بوتين، وقالت المتحدثة باسم «الخارجية» الروسية ماريا زاخاروفا إن أوروبا «بحاجة لأن تستيقظ من سباتها العميق، وتعي أن الولايات المتحدة كانت المستفيدة من الحربين العالميتين السابقتين اللتين شنّتهما دول غربية».
وأضافت زاخاروفا: «ألا يفهمون أن الولايات المتحدة تجرُّ أوروبا إلى حرب كبيرة؟ لماذا؟ لأن واشنطن لم يكن لديها منذ فترة طويلة موارد أخرى لتأمين الدولار والحفاظ على نمو الاقتصاد الأمريكي، باستثناء خلق بؤر التوتر في العالم».
في غضون ذلك عاد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري مدفيديف إلى التلويح بالخيار النووي لبلاده. وبعد مرور يومين على تهديده بأن «القوى النووية لا يمكن أن تخسر في صراع إذا كانت مصالحها مهددة»، وجّه مجدداً تحذيراً قويَّ اللهجة إلى ألمانيا والولايات المتحدة؛ على خلفية قرارات تسليمهما أوكرانيا دبابات ثقيلة. ودعا مدفيديف «قادة الولايات المتحدة وألمانيا لوقف دقات عقارب الساعات النووية». وقال إنه يدعو (الرئيس جو) بايدن و(المستشار أولاف) شولتس، للحكمة ووقف الانزلاق نحو كارثة عالمية.
وعلّق على تحذير علماء الذرة من اقتراب خطر حدوث كارثة عالمية، فيما وُصف بأنه «عقارب ساعة يوم القيامة»، والتي وصلت إلى رقم قياسي، بالإشارة إلى أن «الإجابة عن سؤال ما العمل لإعادة هذه الساعة إلى الوراء قليلاً: دعُوا صانعَي الساعات بايدن وشولتس يُوقفا دقات الساعة الذرية لفترة من الوقت... للقيام بذلك، عليهما أن يفهما أن سهمهما الأوكراني صدئ منذ فترة طويلة».
وفي وقت سابق صرح مدفيديف بأن العملية العسكرية في أوكرانيا أصبحت إجراء قسرياً ورداً على التحضير للعدوان من قِبل الولايات المتحدة وأتباعها، وحذَّر من أن العالم أصبح يقترب من خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة.
بدوره جدد الكرملين تأكيد أن خطر المواجهة الفعلية المباشرة بين روسيا وحلف الناتو بات جديّاً. وقال الناطق الرئاسي الروسي إن «الوضع متوتر بشأن التراشق النووي بين روسيا والولايات المتحدة، وروسيا و(الناتو)».
وزاد، في حديث مع الصحافيين: «الوضع ينذر بالخطر، وعلى الرغم من أن ما قلته هو تعبير رمزي، فإن الوضع في واقع الأمر متوتر جداً والمسار الذي تسير عليها الولايات المتحدة الأميركية وحلف (الناتو) لا يسهم في انفراج الوضع، بل يجعله أكثر توتراً». وأشار بيسكوف إلى «عدم وجود مَخرج دبلوماسي من الأزمة الأوكرانية في المستقبل المنظور».
روسيا تتعهد «إحراق» دبابات «الناتو» وتلوّح مجدداً بالتصعيد «النووي»
بوتين ينتقد «الاحتلال الأميركي» لألمانيا ويؤكد أن أوروبا سوف «تستعيد سيادتها»
روسيا تتعهد «إحراق» دبابات «الناتو» وتلوّح مجدداً بالتصعيد «النووي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة