رغم مضي أكثر من عامين على انتهاء الحرب في العاصمة الليبية طرابلس، وتوقف الصراع المسلح، الذي تسبب في اختفاء عديد من الليبيين بمناطق غرب البلاد، إلا أنه لا يزال الكثير من المواطنين في عداد المفقودين.
وتواصل أسر المفقودين البحث عن أثر لأقربائها، فيما يتم انتشال جثث من «المقابر الجماعية» التي أعلن عن اكتشافها طوال هذه المدة، إلا أن حقوقيين ونشطاء يرون أن تلك المقابر ليست المستقر الوحيد للمفقودين في ظل وجود سجون ومعتقلات سرية تديرها تشكيلات مسلحة.
وقال كمال السيوي، رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، إن «انتشار ظاهرة المقابر الجماعية بعدد من المدن الليبية كطرابلس وسرت جاء نتيجة للصراعات التي شهدتها البلاد منذ ثورة 17 فبراير مروراً بالصراع مع التنظيمات المتطرفة بالإضافة إلى الجرائم التي ارتكبتها العصابات كما هو الحال في مدينة ترهونة خلال وقوعها تحت سيطرة ميلشيا الكانيات».
وأضاف السيوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه منذ 2011 وحتى اليوم، تلقوا قرابة 4 آلاف بلاغ من ذوي المفقودين، متابعاً: «المشكلة الرئيسية التي تواجهنا ليست في أعمال الحفر وانتشال الجثث؛ فالفرق الفنية للهيئة مدربة على مستوى دولي، وإنما في إبلاغنا بمكان وجود مقبرة جماعية أو احتمالية وجود مقبرة بهذه المنطقة أو تلك لنبدأ الحفر».
وأفاد: «لدينا أكثر من 4 آلاف عينة بقاعدة البيانات الوراثية للحمض النووي لأهالي الضحايا التي من خلالها يمكن مطابقة العينات التي أخذت من الجثث المنتشلة»، لافتاً إلى أنهم عثروا على «جثث لعدد من النساء في المقابر المكتشفة بترهونة، وهو الأمر الذي لم يتكرر في مدينة أخرى».
وسيطرت ميلشيا «الكانيات» على ترهونة 90 كيلومتراً جنوب العاصمة، في السنوات الأولى بعد ثورة فبراير 2011 وحتى منتصف عام 2020. وبعد انسحاب «الجيش الوطني» من المدينة عثر المواطنون على العديد من المقابر الجماعية، ضمت مئات الجثث من مختلف الأعمار.
وسلط الناشط الحقوقي كريم سلامة، وينتمي لمدينة ترهونة، ولديه تسعة أقارب استخرجت جثثهم من المقابر الجماعية، الضوء على معاناة الأهالي حتى بعد الكشف عن رفات المفقودين، منتقدا «بطء الإجراءات ما بين التعرف على رفات المفقودين والسماح بدفنهم».
وقال سلامة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن أقاربه سبق وخطفوا في هجوم قادته ميلشيا الكانيات على منزل عائلته في ديسمبر (كانون الأول) 2019. وبعد تحرير المدينة بأيام بدأ الكشف عن المقابر الجماعية، وتم أخذ العينات من الأسرة، والتعرف عليهم في يناير (كانون الثاني) 2021 إلا أنهم لم يدفنوا إلا في مارس (آذار) من ذات العام لكثرة التصاريح والإجراءات القانونية المطلوبة.
وقال الناشط الحقوقي إن «ترهونة مجتمع قبلي لا مساحة كبيرة فيه لتحرك المرأة بمفردها ويزيد الوضع سوءا إذا كانت الزوجة بلا عمل وكان أشقاؤها قد تعرضوا للخطف والقتل».
وأكمل: «في ظل توقف إجراءات صرف معاش أو التعامل مع ميراث المفقود، فإن ذلك يتطلب استصدار شهادة وفاة رسمية، وبالتالي فإن هؤلاء النسوة يعانين الكثير في رحلة البحث لاستكمال الأوراق الرسمية، فضلا عن العوز المادي الذي دفع بعض الفتيات للتوقف عن الدراسة».
ويحذر سلامة، «من محاولة بعض الزعامات القبلية المساعدة في إفلات متورطين بجرائم القتل المتراكمة بإحداث مصالحة بين بعض المتعاونين مع الكانيات، وبين أهالي المفقودين بحجة الحفاظ على العلاقات بين أبناء المدينة، خاصةً بعد قتل وهروب بعض القيادات البارزة للميلشيا لدول الجوار.
وتوقع سلامة أن يتم العثور على نسبة 70 في المائة من المفقودين، وخاصةً من أبناء ترهونة ومحيطها بالمقابر الجماعية، فيما يتطلب البحث عن النسبة الباقية بعموم البلاد في السجون التابعة للتشكيلات المسلحة شرق البلاد وغربها.
وانضم أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا عبد المنعم الحر، للطرح السابق، بوجود «مفقودين جراء الخطف والاعتقال في فترات السلم بالإضافة إلى آخرين بأوقات الحروب والنزاعات المسلحة».
وشدد الحر لـ«الشرق الأوسط» على أن المقابر الجماعية في ترهونة «لا يتحمل مسؤوليتها ميلشيا الكانيات فقط»، متابعاً: «هم وغيرهم من الميلشيات استمدوا شرعيتهم من بعض قيادات المؤتمر الوطني، هؤلاء من زودوهم بالسلاح ووفروا لهم الحماية بعد ارتكاب جرائمهم».
ولفت إلى أن هناك «عناصر من الجيش الليبي تم استهدافهم خلال الضربات التي وجهتها قوات التحالف الدولي خلال فترة إسقاط النظام السابق، حيث كانوا بطريقهم لمدينة بنغازي ويرجح جمع جثثهم بعد احتراقها في مقبرة جماعية لم يعرف بعد موقعها، وللأسف لم يجر تحقيق موسع مع القيادات الليبية حينذاك ليكشفوا عن موقعها».
ويتفق الحر على أن «ترهونة تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المقابر الجماعية وإن وجدت مقابر بمدن سرت وطرابلس وأجدابيا وباطن الجبل»، متوقعا الكشف عن المزيد من المقابر بالمناطق المستهدفة بالبحث خاصةً إذا تمت الاستعانة بالوسائل الحديثة».
واستبعد الحقوقي أن تضم أي من المقابر جثث عناصر «داعش» أو أي من التنظيمات المتطرفة التي احتلت مدنا ليبية خلال السنوات الماضية، موضحا «جثث عناصر التنظيم حفظت بثلاجات موتى في بعض المدن كمصراتة وهناك علم دولي بشأنها».
واستبعد الحر، أن يتم فتح ملف التعويضات لأهالي الضحايا في التوقيت الراهن، مطالباً بضرورة تغيير التشريعات الخاصة بالمفقودين وتسهيل إثبات الوفاة في الحالات التي ترتفع فيها نسب سقوط المفقود كضحية للنزاع المسلح وبعد التأكد من عدم اعتقاله لدى أي جهة، وذلك لتفادي المشاكل والشرعية والاجتماعية والمالية التي تواجه ذويهم.
«مقابر ترهونة الجماعية»... جرائم متراكمة تنتظر التحقيق
عائلات عدة لم تعثر على مفقوديها
«مقابر ترهونة الجماعية»... جرائم متراكمة تنتظر التحقيق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة