وسط مطالب شعبية وطبية في ليبيا بـ«ضرورة الإسراع في استكمال خطوات توطين العلاج»، شدد أكاديميون واختصاصيون على أهمية تحديث السياسات الصحية المطبقة بعموم البلاد، والتي قالوا إنها «لم يجرِ عليها أي تغيير منذ عقود».
وقالت الدكتورة منى محمد أبو سنوقة، الطبيبة بـ«البرنامج الوطني لمكافحة السرطان» التابع لحكومة «الوحدة» المؤقتة، إن توطين العلاج في ليبيا «سيسهم بتخفيض الأعباء الضخمة التي تتكبدها خزينة الدولة من المليارات التي تنفق على العلاج في المستشفيات خارج البلاد»، كما «سيساعد في رفع معدلات الشفاء حال وجود المريض وسط أسرته في ليبيا».
وأرجعت أبو سنوقة، وهي رئيس سجل السرطان بالمنطقة الوسطي، هذه الأزمة، إلى «عدم اعتماد خطة موحدة وشاملة لتوطين العلاج، تعمل على تنفيذها الوزارات والجهات الحكومية المعنية كافة، وليس وزارة الصحة فقط»، لافتة إلى أن أغلب الحكومات الليبية السابقة قالت إنها «تسعى لتحقيق هذا الهدف».
وقالت إن «عدد الأطباء لدينا جيد، ولكننا نحتاج لاستقدام مجموعات إضافية من الأطقم الطبية المساعدة المدربة، وهؤلاء يحتاجون لرواتب بالعملة الصعبة، وبالتالي الأمر يتطلب تسهيلات من الحكومة والمصرف المركزي».
وكان رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، أكد منذ ما يزيد على عام أنها تعمل على توطين العلاج بالداخل، لكن أكاديميين ليبيين يرون أن هذه خطوات «بطيئة لا تتواكب مع معاناة المرضى».
وانطلقت في ليبيا أول قافلة طبية من مستشفى العيون بالعاصمة طرابلس متجهة إلى الجنوب، وشملت مدن غدامس وغات وسبها والشاطئ، خلال العام الماضي.
ورأت رئيس سجل السرطان بالمنطقة الوسطي، أنه بجانب شراء الأجهزة التشخيصية وجميع مستلزمات المعامل ومراكز الأشعة، «لا بد من توافر المواد المشغلة لهذه المعامل وبكميات كبيرة، إلى جانب توافر خبرات فنية لتشغيل وصيانة تلك الأجهزة بشكل دوري».
ودعت أبو سنوقة لـ«دعم وتحديث المنظومة الخاصة بتوافر أدوية مرضى الأورام، بما يضمن تحقيق أكبر فاعلية ممكنة»، منوهة إلى أن «انفراد الدولة باستيراد تلك الأدوية أمر ضروري لضمان صلاحيتها وجودة تخزينها».
وبشأن حجم التكلفة التي يتحملها مريض الأورام إذا لم تتوافر الجرعات العلاجية والأدوية المكملة بالمستشفيات العامة، قالت: «سعر عبوة واحدة من الأدوية المخصصة لعلاج أورام الثدي، وتكفي أسبوعاً واحداً، بـ5 آلاف دينار ليبي في الصيدليات، في حين تحتاج المريضة علاجاً على مدار العام، إلى جانب جرعات كيماوي وعلاجات أخرى».
وحول عدد مرضى الأورام في ليبيا، نوهت الطبيبة، للإحصاءات التي نشرتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، عن ليبيا خلال عام 2020، وهي 17531 حالة داخل البلاد، في حين توفي 4750 مريضاً العام الماضي، ورصد أكثر من 7 آلاف مريض بالسرطان خلال العام ذاته.
وأفادت أبو سنوقة، بأنه طبقاً للنتائج المبدئية لقاعدة البيانات الجاري إنجازها حالياً من قبل السجل الوطني للسرطان، فإن ترتيب انتشار أنواع الأورام السرطانية في ليبيا خلال النصف الأول لعام 2020 جاء سرطان الثدي في المقدمة بنسبة تفوق 25 في المائية، يليه القولون بنسبة 18.9 في المائة، ثم سرطان الرئة بنسبة 5.1 في المائة.
بدوره، طالب أيضاً الدكتور فرج الحمري، أستاذ الأمراض الباطنة والجهاز الهضمي وعضو اللجنة العلمية لسجل السرطان ببنغازي، بتوطين العلاج في البلاد.
وقال الحمري في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدولة تصدر القرارات للمرضى للعلاج في دول الجوار، ويبدأون رحلة تلقي العلاج، لكن بمجرد انتهاء المخصصات المالية التي تتسلمها السفارات، وتسددها للمستشفيات والمصحات، يتم إيقاف علاجهم، وربما طردهم».
وناشد الحمري، السلطات في البلاد «تفعيل المنظومة الوطنية الخاصة بحصر مرضى الأورام بليبيا»، وقال إن «الأرقام سترشد الحكومة لاستيراد الجرعات المطلوبة خلال عام على الأقل، ونتفادى بذلك أزمة عدم توافر الأدوية البيولوجية المكملة لها بالمستشفيات العامة».
وقدر الحمري، وهو العميد السابق لكلية الطب بجامعة عمر المختار، سعر بعض الجرعات الكيماوية بما يقترب من ألفي دينار في الصيدليات الخاصة وشركات الأدوية».
ودعا الحمري لـ«تسهيل الأوضاع على المرضى بوجود لجنة في كل مدينة تستقبل طلباتهم للعلاج بالخارج بدلاً من تكبد القاطنين منهم خارج العاصمة مشقة السفر لاستصدار القرار من طرابلس».
من جانبه، دعا عضو مجلس النواب الليبي، أبو صلاح شلبي، لتحديث السياسات الصحية المطبقة بعموم البلاد، والتي قال إنه «لم يجرِ عليها أي تغيير منذ عقود».
وأضاف شلبي لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشرفين على القطاع الصحي، وخاصة في السنوات الأخيرة، لم يفكروا في تطوير آليات مناسبة لما تقدمه الدولة من علاج مجاني لأبنائها عبر ربط ذلك بنظم التأمين المعمول بها بدول عديدة، أو توطين العلاج بالداخل، مما أفقد الحديث عن المجانية الكثير من الجدوى».
ونوّه إلى «تدهور أوضاع المستشفيات، وهجرة الكفاءات الطبية الوطنية من الشباب للخارج، وكذلك العمالة الأجنبية المدربة تحت وطأة الأوضاع الأمنية والمعيشية التي شهدتها البلاد على مدار العقد الماضي»، لافتاً إلى أنه «بات من الصعب إجراء بعض العمليات الجراحية الصغيرة، وهذا بدوره انعكس على تزايد اللجوء للعلاج بالخارج، سواء على نفقة الدولة أو على نفقة المريض».
ورأى شلبي، وهو عضو لجنة الصحة بالبرلمان، أن الحديث عن الفساد وتراكم الديون جراء تضخم فواتير علاج مرضى الأورام بالخارج، مشكلة يمكن التصدي لها، في حال انتزاع دور الوسطاء من شركات تتولى رعاية أوضاع المرضى الليبيين بدول الجوار وغيرها.
وانتهى إلى أنه «يمكن لوزارة الصحة الليبية طلب معرفة القيمة المالية التي سيتطلبها علاج كل حالة خلال فترة زمنية محددة، ولو بشكل تقديري، قبل مباشرة أي تعاقد، لوضع الميزانيات الخاصة بها وإيقاف أي تلاعب».
مطالب شعبية وطبية بسرعة «استكمال توطين» العلاج بليبيا
وسط معاناة لمرضى السرطانات... وارتفاع أسعار الدواء
مطالب شعبية وطبية بسرعة «استكمال توطين» العلاج بليبيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة