يخيم شبح الركود على الاقتصاد الأميركي بعدما تراجعت مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة بأعلى نسبة منذ عام، وهو ما يشير إلى فقدان المستهلكين الأميركيين لجزء من المرونة التي أبقت على نمو الاقتصاد في مواجهة معدل التضخم المرتفع، والزيادة السريعة في أسعار الفائدة الأميركية، مما يضع إنفاق المستهلكين والاقتصاد بصورة عامة على مسار ضعيف للنمو مع بداية 2023.
ومن المرجح أن يؤدي الانخفاض الواسع في المبيعات الذي أعلنته وزارة التجارة الأميركية، مساء الأربعاء، بالإضافة إلى التضخم المتراجع، لتشجيع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) على إبطاء وتيرة زيادة أسعار الفائدة الشهر المقبل.
وتراجعت مبيعات التجزئة 1.1 بالمائة في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتم تعديل بيانات نوفمبر (تشرين الثاني) لتظهر انخفاض المبيعات واحداً بالمائة بدلاً من 0.6 بالمائة، وفقاً لما أُعلن سابقاً. وهذا هو الانخفاض الشهري الثاني على التوالي. وكان اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا انخفاض المبيعات 0.8 بالمائة. وارتفعت مبيعات التجزئة 6 بالمائة على أساس سنوي في ديسمبر.
وبحسب تقرير الوزارة، تراجعت مبيعات 10 من بين 13 فئة سلعية، منها السيارات والأثاث ومستحضرات العناية الشخصية. في الوقت نفسه تراجعت قيمة مبيعات محطات البنزين بنسبة 4.6 بالمائة خلال الشهر الماضي مع التراجع المطرد في الأسعار.
وأشارت «بلومبرغ» إلى أن تراجع المبيعات في نهاية العام الماضي يمهد لما يتوقعه المحللون من تراجع الإنفاق الاستهلاكي خلال العام الحالي، وبالتالي تراجع وتيرة نمو الاقتصاد الأميركي. وفي حين أن سوق الوظائف القوية تدعم المتسوقين الأميركيين، فإنهم ما زالوا يشعرون بالقيود نتيجة الزيادة الكبيرة في أسعار الفائدة.
وأظهر تقرير منفصل من وزارة العمل، يوم الأربعاء، انخفاض مؤشر أسعار المنتجين 0.5 بالمائة في ديسمبر على أساس شهري، بعد ارتفاعه 0.2 بالمائة في نوفمبر. وفي 12 شهراً حتى ديسمبر، تراجع مؤشر أسعار المنتجين إلى 6.2 بالمائة، بعدما صعد 7.3 بالمائة في نوفمبر. وكان محللون توقعوا في استطلاع لـ«رويترز» انخفاض المؤشر 0.1 بالمائة على أساس شهري، وتسجيل 6.8 بالمائة على أساس سنوي.
وقال بول أشوورث، كبير محللي اقتصاد أميركا الشمالية في شركة «كابيتال إيكونوميكس»: «بشكل عام تضيف التقارير الأخيرة المزيد من الدعم لرؤيتنا بأن تضخم أسعار المستهلك سيتراجع بوتيرة أسرع من توقعات مجلس الاحتياط الاتحادي خلال العام الحالي»، وأضاف أن مجلس الفيدرالي لن يوقف زيادة أسعار الفائدة حتى يرى دليل ارتباط تراجع الطلب على العمالة وتباطؤ وتيرة نمو الأجور. وأشار صناع السياسة في مجلس الفيدرالي إلى أنهم سيمضون قدماً في رفع أسعار الفائدة، ودعم عدد منهم سعر فائدة أعلى عند 5 بالمائة على الأقل، حتى مع ظهور علامات على أن التضخم بلغ بالفعل ذروته وعلى تباطؤ النشاط الاقتصادي.
وقالت لوريتا ميستر، رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، يوم الأربعاء، في مقابلة مع وكالة «أسوشيتد برس»: «أعتقد أننا بحاجة إلى الاستمرار، وسنناقش في الاجتماع مقدار ما يجب القيام به». وأضافت أنها تتوقع أن يحتاج سعر الفائدة إلى أن يرتفع «لأعلى قليلاً»، وأن يظل عند ذلك المستوى لبعض الوقت لإبطاء التضخم أكثر.
ويبدو أن تصريحاتها تعكس وجهة نظر مشتركة على نطاق واسع مع زملائها من صناع السياسة. ويقع سعر الفائدة على الإقراض لليلة واحدة حالياً في النطاق المستهدف بين 4.25 و4.50 بالمائة، ويتوقع المستثمرون أن يرفع مجلس الاحتياطي هذا المعدل بمقدار ربع نقطة مئوية في نهاية اجتماعه الذي يعقد يومي 31 يناير (كانون الثاني)، والأول من فبراير (شباط).
ومثل ميستر، قال جيمس بولارد، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، في حديث مع صحيفة «وول ستريت جورنال»، إنه يتوقع أيضاً ارتفاع سعر الفائدة إلى نطاق 5.25 إلى 5.50 بالمائة، مضيفاً أن صناع السياسة يجب أن يتخطوا الخمسة بالمائة «بأسرع ما يمكننا».
وعبر عدد من مسؤولي البنك المركزي الأميركي عن دعمهم لإبطاء رفع أسعار الفائدة إلى ربع نقطة مئوية، بعد وتيرة أسرع بكثير في العام الماضي بزيادات قدرها 75 نقطة أساس ونصف نقطة مئوية. لكن بولارد أبدى نفاد صبره، وعندما سئل عما إذا كان منفتحاً على زيادة قدرها نصف نقطة مئوية في الاجتماع المقبل لمجلس الفيدرالي، سأل: «لماذا لا نذهب إلى حيث يفترض أن نذهب؟... لم المماطلة؟».
ويمكن العثور على إجابة جزئية في تقرير «الكتاب البيج» الأحدث الذي نشره مجلس الاحتياطي الاتحادي يوم الأربعاء؛ إذ أظهر تجميع لبيانات مسوح من مناطق البنك المركزي في أنحاء البلاد استمرار الارتفاع في الأسعار، لكن بوتيرة أبطأ في معظم المناطق. واستمرت العمالة في النمو بوتيرة «ضئيلة إلى معتدلة» في معظم أنحاء البلاد، وأبلغت مناطق عديدة عن نمو اقتصادي متواضع.
ومع ذلك، يقول صناع السياسة في المركزي الأميركي إن الخطأ الذي لا يريدون ارتكابه هو التوقف قبل هزيمة التضخم، وأن يضطروا إلى رفع أسعار الفائدة بوتيرة أعلى لهزيمته في وقت لاحق، كما حدث في السبعينات والثمانينات.
وحتى باتريك هاركر، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، الذي يعتبر عموماً أقل صرامة في التشديد النقدي من ميستر أو بولارد، ويريد التحول إلى زيادات بمقدار ربع نقطة مئوية في المستقبل، توقع «المزيد» من الرفع في تكاليف الاقتراض قبل التوقف.
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، عقب اجتماع السياسة الشهر الماضي، إن النصر لم يتحقق في معركة التضخم، وإنه ستكون هناك زيادات أخرى في أسعار الفائدة في عام 2023. وثبتت إصابة باول بفيروس كورونا، يوم الأربعاء، ويعاني من أعراض خفيفة.
«شبح الركود» يحوم حول الاقتصاد الأميركي
{الفيدرالي} يصر على مزيد من رفع الفائدة
«شبح الركود» يحوم حول الاقتصاد الأميركي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة