الثروة الحيوانية بدرعا... قطاع يتهاوى والحكومة تعد بشرائح إلكترونية

ارتفاع المحروقات والخوف من المصادرة على الحواجز أعجز مربي المواشي

مواشٍ ترعى في ريف دعا (الشرق الأوسط)
مواشٍ ترعى في ريف دعا (الشرق الأوسط)
TT

الثروة الحيوانية بدرعا... قطاع يتهاوى والحكومة تعد بشرائح إلكترونية

مواشٍ ترعى في ريف دعا (الشرق الأوسط)
مواشٍ ترعى في ريف دعا (الشرق الأوسط)

المتابع لأحوال مربي المواشي والمستمع إلى شكاواهم، يدرك حجم المخاطر التي تهدد قطاع الثروة الحيوانية في محافظة درعا، فارتفاع سعر الأعلاف والأدوية والخدمات البيطرية أدى إلى زيادة الأعباء المالية وتكاليف الإنتاج على المربين، في وقت وعدتهم فيه الحكومة بتركيب شريحة إلكترونية على كل رأس من رؤوس الأغنام أو الأبقار ومراقبتها إلكترونياً، لإغلاق حالات الفساد في هذا القطاع وتوفير العلف اللازم.
وارتفع سعر طن النخالة مؤخراً من 135 ألف ليرة سورية إلى 300 ألف، وطن العلف الجاهز من 225 ألفاً إلى ما يقارب 400 ألف، وطن الشعير من 180 ألف ليرة سورية إلى 350 ألفاً، في حين يقول أحد المربين لنا في جولتنا، إن «الأسعار أعلى بكثير مما ذكروا لك».
يقول أبو بشار، وهو أحد مربي المواشي في ريف درعا الغربي لـ«الشرق الأوسط»، «أجبرت على بيع نصف قطيع الأغنام من المواشي كي أطعم النصف الآخر. بعض المربين راكم ديوناً على نفسه وصلت في بعض الأحيان إلى 50 مليون ليرة سورية، لإنقاذ مواشيه، ولا يزال حتى اليوم يدور في دوامة السداد وتأخير المستحقات إلى أجل بعيد على أمل تحسن الظروف وانتعاش قطيعه من جديد». وأضاف: «كثيراً ما يضطر المربون وأنا منهم إلى بيع رؤوس الأغنام بأسعار رخيصة جداً، فالطلب قليل بعد ارتفاع سعر اللحوم، وأنا أحتاج إلى إطعام قطيعي وأقف الآن عاجزاً عن شراء الأعلاف من السوق السوداء».
توجهنا بهذه الشكوى إلى رئيس الوحدة الإرشادية في إحدى بلدات الريف الغربي بدرعا، فأجابنا بأن المؤسسة العامة للأعلاف بدرعا توزع ما بين 2 إلى 3 كيلو غرام من الأعلاف في الدورة العلفية للرأس الواحد، وخلال السنة يتم تسليم دورتين علفيتين. ولفت إلى أن «المربين لا يعطوننا أرقاماً صحيحة، ودائماً ما تكون هناك زيادة في الأعداد لأننا لا نقوم بالإحصاء، ونعتمد في معلوماتنا على المربين أنفسهم».
اللافت في الأمر أن الحكومة ومنذ ما يقارب الثلاثة أشهر، سمحت، حسب صحيفة سورية محلية، بتصدير ذكور الأغنام والماعز الجبلي عبر كافة المنافذ الحدودية البرية والبحرية. وحددت الحكومة سقف 200 ألف رأس حداً أعلى للتصدير مشترطة على المصدرين تصريف مبلغ 300 دولار عن كل رأس من المصرف السوري المركزي وتسلم مقابله بالليرة السورية، علماً بأن سعر الصرف المركزي هو 4000 ليرة، في حين وصل في السوق السوداء إلى 6000 ليرة.
لا يعلم كثير من المربين في درعا بهذا القرار، وقد نفى معظمهم إطلاعهم عليه. يقول سالم (57 عاماً) وهو من كبار مربي المواشي في الريف الغربي، «ليس لدي اطلاع على هذا القرار، وحتى لو علمت به، فمبلغ 300 دولار للرأس الواحدة مبلغ جيد شرط تصريفه في السوق السوداء، لكنني أوكد لك بأن سوق المواشي في درعا شبه متوقف وستجد أحياناً سوقاً هنا وآخر هناك».
يضيف أنه في العموم ارتفعت تكاليف نقل المواشي إلى هذه الأسواق بعد ارتفاع المحروقات، حيث بلغ سعر لتر المازوت 8000 ليرة، ما يزيد من أعباء تجار وأصحاب المواشي. ومعظم المربين أو كلهم تقريباً، لا يجرؤون على اصطحاب مواشيهم إلى العاصمة دمشق، حيث السوق الأنشط، بسبب انتشار الحواجز الطرقية وخوفهم من مصادرتها، «لذا نعتمد على سوق محلية للبيع ما أدى إلى انخفاض الأسعار بشكل كبير».
بالنسبة للحكومة السورية، فاللافت في موقفها تصريح سابق لوزير الزراعة السوري قبل شهرين، باعتماد آلية جديدة لإحصاء رؤوس المواشي. وحسب تصريح لصحيفة «الثورة» السورية: «سيتم تركيب شريحة إلكترونية على كل رأس من الثروة الحيوانية ومراقبتها إلكترونياً، بحيث يحدد عدد رؤوس الأغنام أو الأبقار أو أي نوع من أنواع الثروة الحيوانية»، مضيفاً أن تطبيق هذه الآلية «سيغلق كل حالات الفساد والتغيير في تعداد الثروة الحيوانية».
علامات الاستغراب والاستهجان كانت بادية على وجوه المربين حين واجهناهم بالآلية الجديدة لوزارة الزراعة، وتساءلوا عما إذا ما كان الوزير جاداً فيما يقول.
وتبقى خطط وزارة الزراعة فيما يخص الثروة الحيوانية قاصرة ودون المأمول، بينما تزداد خسائر هذا القطاع بشكل كارثي يهدد وجوده في حين يقع العبء الأكبر على المربين لإنقاذ مواشيهم وأنفسهم من الهلاك والاندثار.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».