نقمة واسعة في لبنان ومطالبات بـ «العدالة»... ودعوات لمحاسبة قضاة

الناشط وليم نون يؤكد بعد إطلاقه مواصلة نضاله لاستكمال التحقيقات

وليم نون (يسار) بعد إطلاق سراحه مع رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل (أ.ف.ب)
وليم نون (يسار) بعد إطلاق سراحه مع رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل (أ.ف.ب)
TT

نقمة واسعة في لبنان ومطالبات بـ «العدالة»... ودعوات لمحاسبة قضاة

وليم نون (يسار) بعد إطلاق سراحه مع رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل (أ.ف.ب)
وليم نون (يسار) بعد إطلاق سراحه مع رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل (أ.ف.ب)

اتخذت قضية توقيف الناشط وليم نون، شقيق إحدى ضحايا انفجار مرفأ بيروت لدى المديرية العامة لأمن الدولة، بُعداً يتخطى الانقسامات السياسية التقليدية، بعد تدخل الكنيسة المارونية رفضاً لتوقيفه، ووصفت الإجراء بـ«الجائر»، بموازاة تصعيد من أهالي الضحايا يهدد الهدوء السائد في الشارع منذ أكثر من عامين. وأطلقت المديرية العامة لأمن الدولة، عصر أمس السبت، سبيل وليم نون، أحد أبرز المتحدثين باسم عائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت، غداة احتجازه بسبب تصريحات أدلى بها، في خطوة أثارت نقمة واسعة على وقع تعليق التحقيق منذ أكثر من عام.
وجاء إطلاق سراحه بعد اعتصام مفتوح نفذه العشرات من أهالي ضحايا الانفجار، بمشاركة نواب وناشطين أمام مقر المديرية في بيروت. وفي كلمة مقتضبة بعد إطلاق سراحه، قال وليم الذي فقد شقيقه من فوج الإطفاء في انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس (آب) 2020 لصحافيين: «نحن أبناء قضية 4 آب، وليس لدينا أمر شخصي ضد أي أحد». وأضاف: «نريد فقط الحقيقة والعدالة»، متعهداً بمواصلة النضال من أجل استكمال التحقيق.
وأوضح المحامي رالف طنوس، وكيل نون، للصحافيين أنّ الأخير «وقّع تعهداً بألا يرمي حجارة على قصر العدل، ولا يتوجه بشتائم إلى القضاة».
وكانت التحركات الميدانية تجددت في أكثر من منطقة لبنانية، على خلفية توقيف نون بأمر قضائي، للمطالبة بالإفراج عنه، وإعادة تفعيل المسار القضائي، واخترقتها مواجهات في جبيل، ليل الجمعة – السبت، مع الجيش اللبناني الذي حاول منع إغلاق طريق جبيل في شمال بيروت ليلاً.
ودان مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم «ما يجري من إجراءات قضائية جائرة مع الناشط وليم نون وأهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت»، واستنكر في بيان «التعرض للخوري جورج صوما في جبيل والتعاطي مع المحتجين بهذه الخشونة غير المعهودة».
وأمل أبو كسم «الكفّ عن هذه الممارسات وعدم تحويل الدولة إلى دولة بوليسية، وأن تُدان الضحية بدل كشف الحقيقة في ملف تفجير مرفأ بيروت». وأكد «التضامن مع أهالي ضحايا المرفأ وقضيتهم المحقة ودعوته إلى الإفراج الفوري عن وليم نون، والتراجع عن ملاحقة أهالي الضحايا المظلومين».
ويمثل هذا البيان موقفاً صريحاً ضد توقيف نون والإجراءات القضائية والأمنية التي رافقته، وهو انخراط أكثر وضوحاً في الملف الذي تطالب البطريركية المارونية على الدوام بتفعيل مساره القضائي عبر استئناف التحقيقات، وإزالة الموانع السياسية التي تعوق استئنافه.
وينضم الموقف إلى مواقف رافضة للإجراءات الأمنية، بينها تأكيد راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم وعدد من الكهنة، رفضهم التعدي على أهالي ضحايا المرفأ، قائلين في بيان: «التعدي على أهالي الضحايا والشهداء، والحريات والتوقيف الاعتباطي، سوف يواجه من قبلنا ومن قبل شعبنا بكل الوسائل القانونية المتاحة للحد من هذا الإسفاف القانوني».
كذلك، دعت مطرانية جبيل المارونية إلى «التصرف بحكمة في هذه الظروف الراهنة التي تعصف بالوطن»، وطالبت «القوى الأمنية والعسكرية بفتح تحقيق بالاعتداء على الخوري جورج صوما؛ سعياً إلى تحقيق العدالة وإظهار الحق». وقال المطران ميشال عون: هناك ظلم وقع على وليم نون في توقيفه، وأطالب القاضي بالإفراج عنه فوراً، وأدعو قيادة الجيش إلى فتح تحقيق في الأحداث التي وقعت في جبيل.
وأعاد توقيف نون الانقسامات السياسية التقليدية، حيث ظهر حزبا «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» في طليعة المنضمين إلى المحتجين ضد توقيف نون، إلى جانب شخصيات سياسية مستقلة، في مقابل مواقف أقل حدة صدرت عن «التيار الوطني الحر».
وقال النائب جبران باسيل في حسابه على «تويتر»: «مهما تعسفتم، لن تستطيعوا إيقاف العدالة. وسنبقى نناضل لكشف حقيقة المرفأ، ولتحرير الموقوفين ظلماً، ولكشف سرقة العصر وأموال المودعين». وأضاف: «تستطيعون أن تتلاعبوا ببعض القضاة الدمى، ولكن سيبقى للبنان قضاة وطنيون عصيون. ولن تستطيعوا حكماً أن توقفوا القضاء الخارجي. سنبقى نلاحقكم، لتلتحقوا بمصيركم».
في المقابل، بدا موقف «القوات اللبنانية» أكثر حدة؛ إذ اعتبر النائب غسان حاصباني أن «الأنظمة القمعية التي نشاهد رواسبها اليوم، تلفظ أنفاسها الأخيرة»، مشيراً إلى أنها «تتلطى خلف قضية انفجار المرفأ وتستدعي أهالي الشهداء لعرقلة وصول الملف إلى نهايته ومعرفة الحقيقة ومحاسبة المرتكبين».
ولفت من أمام مقر جهاز أمن الدولة، حيث تم توقيف نون، إلى أن «المجرمين يسرحون ويمرحون وأهالي الضحايا يعتقلون. هذه المشهدية تجسد الأنظمة القمعية التي يحاولون إحياءها. كل هذه الضغوط والممارسات لن تركع الشعب اللبناني»، لافتاً إلى أن «قضية وليم نون هي قضية كل لبنان وتوقيفه دليل على أن ثمة تلاعباً بالقضاء اللبناني لتشويهه وتغييبه وتدميره».
وقال حاصباني إن «القضاء أمام اختبار مفصلي، إما يطهر نفسه ويحاسب القضاة المرتكبين وتحديداً القاضي الذي يتولى ملف وليم نون؛ لأن ثمة ارتياباً حوله، لأنه معني شخصياً، ولا يجوز أن يتسلم التحقيق، ولا أن يسمح له القضاء بمتابعة هذا الملف...».
وبالتزامن مع التلويح بالتصعيد للإفراج عن نون، مما يهدد بإنهاء حالة الهدوء الميداني السائدة في الشارع اللبناني منذ انفجار المرفأ، رأى تجمع «أهالي شهداء وجرحى ومتضرري انفجار مرفأ بيروت»، في بيان، أن توقيف نون «يندرج ضمن مخطط لتخويف وتطويع أهالي شهداء المرفأ لكسر عزيمتهم وإصرارهم على معرفة الحقيقة وصولاً للعدالة والمحاسبة»، مؤكدين أن «هذا الأمر لن يزيدهم إلا إصراراً على مواجهة هذه المنظومة الفاسدة بقضائها وسياسييها».
وتصاعدت الإدانة للسلطات جراء توقيف نون، وجاء أبرزها على لسان رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة الذي أعرب عن استهجانه واستنكاره لـ«التصرف الغبي والمشين بإيقاف شقيق أحد شهداء المرفأ بسبب عبارة تلفّظ بها نتيجة الظلم الواقع على شقيقه الشهيد، وعلى جميع أهالي شهداء المرفأ، وعلى الآلاف ممن أصيبوا في تلك الجريمة في الوقت الذي يمنع القضاء من ممارسة دوره في تحقيق العدالة لمعرفة الملابسات واستجلاء الحقيقة جراء ذلك التفجير ومعاقبة جميع الذين تسببوا بهذه الجريمة النكراء». ودعا السلطات للمبادرة «بكل تصميم وجدية إلى إنهاء التحقيق واعتقال المجرمين الحقيقيين المسؤولين عن مجزرة المرفأ».
من جهته، استنكر رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط «ما يحصل من ممارسات تسلطية ممن يفترض بهم تقديم النظم والقوانين الإنسانية على أساليب القمع والعدالة الاستبدادية التي لا تزال تتحكم ببعض العقول تجاه أهالي ضحايا انفجار المرفأ خصوصاً، والذين ما زالوا ينتظرون كشف الحقيقة كاملة لقضيتهم المحقة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الفاجعة».
وقال، في بيان، إن «الإجراءات المتمادية بحق وليم نون شقيق الشهيد جو نون، والتعاطي المستنكر مع الخوري جورج صوما ومدنيين آخرين، يؤكدان الحاجة القصوى لختم هذا الملف بإحقاق العدالة المطلقة وعدم الهروب من المسؤوليات، مهما كانت النتائج وبلغت التدخلات».
وكان نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب رأى أن «توقيف الناشط وليم نون بهذا الشكل الفاضح غباءٌ مشكوك بأمره وبهدفه غير البريء». ولفت في تصريح له في «تويتر» إلى أنه «لا تفرض هيبة القضاء بهذه الطريقة، فالقضاء الذي لم يتحمل كلام وليم المعترض على إخفاقاته ومجلس القضاء الأعلى الذي لم يجد حلاً لاستكمال التحقيق بجريمة المرفأ لا يفرض احترامه بهكذا تصرف، وسيهزم أمام وليم وقضيته».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

الأمطار تزيد معاناة الغزيين... وتحرمهم من المصدر الوحيد للكهرباء

فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)
فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)
TT

الأمطار تزيد معاناة الغزيين... وتحرمهم من المصدر الوحيد للكهرباء

فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)
فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

منذ أن قطعت الحكومة الإسرائيلية الكهرباء عن غزة بفعل حربها المستمرة ضد القطاع منذ نحو 14 شهراً، اعتمد السكان على البديل الوحيد المتوفر، وهو الطاقة الشمسية، لشحن جوالاتهم وأجهزتهم البسيطة.

ومع دخول فصل الشتاء، زادت معاناة السكان في ظل البرد والغيوم الكثيفة ما حرم أصحاب الطاقة الشمسية من شحن مستلزماتهم، مثل الجوالات والبطاريات التي كان يعتمدون عليها لتشغيل التلفزيون أو الأجهزة الكهربائية.

ويقول وائل النجار الذي يعيش في حي النصر بمدينة غزة، إنه يملك ألواحاً عدة للطاقة الشمسية من أجل شحن البطاريات والجوالات للمواطنين الذين لا يتوانون في انتظاره أمام منزله منذ ساعات الصباح الباكر لشحن أجهزتهم من أجل استخدامها خصوصاً في ساعات الليل. ويوضح النجار في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الغزيين في ظل الأجواء الشتوية وغياب الشمس خلال الأيام الماضية باتوا يعيشون ظروفاً صعبة، بعدما توقف عنهم المصدر الوحيد المتبقي للكهرباء، مضيفاً أن بعضهم، وخصوصاً في منطقة جباليا، لا يجد حتى الإنارة البسيطة. وتابع النجار: «خلال اليومين الماضيين، أمضى السكان لياليهم من دون كهرباء، كان مشهداً قاسياً يطبق تصريحات قادة الاحتلال بإعادة سكان غزة إلى العصر الحجري».

نازحون فلسطينيون يسيرون في شارع غرب مدينة غزة الاثنين (أ.ف.ب)

«وضع لا يطاق»

بدورها، تقول فاطمة شاهين، النازحة من مخيم جباليا إلى حي النصر، أحد الأحياء الراقية في قطاع غزة قُبيل الحرب، إنها تعيش مع عائلتها المكونة من 16 فرداً في محل تجاري فارغ بعدما عجزت عن إيجاد مكان لعائلتها: «لكن في اليومين الأخيرين عانينا كثيراً من فقدان أبسط شيء في الحياة، وهو مصباح حتى أتمكن من رؤية زوجي وأبنائي». وتابعت فاطمة: «وصلنا إلى حال لا يطاق أبداً، حتى جوالاتنا البسيطة لم نستطع شحنها بعد أن رفض صاحب الطاقة الشمسية القريبة منا شحن أي جوالات أو بطاريات بسبب الأجواء الماطرة. في العادة، نعتمد على شحن بطاريتين أو بطارية بالحد الأدنى، للإنارة ليلاً، ومشاهدة التلفزيون لساعة أو ساعتين في أفضل الأحوال، لكن منذ أن نزحنا لم يعد يتوفر لدينا أي تلفزيون، والآن بالكاد نستطيع فقط إنارة المكان الذي نوجد فيه، حتى أن جوالاتنا التي نعتمد فيها على تشغيل إضاءتها لم نعد نستطيع شحنها لنتدبر أمورنا ليلاً».

فتاة فلسطينية تجلس وسط ركام مبنى مدمر بفعل القصف الإسرائيلي غرب مدينة غزة الاثنين (أ.ف.ب)

«أسعار باهظة»

يُذكر أنه بعد يوم واحد فقط من هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قطعت إسرائيل خطوط الكهرباء التي تزود بها القطاع، ثم بعد أيام قامت طائرات حربية بقصف أهداف رئيسة لشركة الكهرباء، وكذلك محيط المحطة ما تسبب في أعطال كبيرة فيها، كما منعت إدخال الوقود لتشغيلها، ما أدى لتوقفها نهائياً وخروجها عن الخدمة، ليصبح قطاع غزة بأكمله من دون كهرباء. وأدت الحرب إلى تهافت الغزيين المقتدرين على شراء ألواح الطاقة الشمسية، ما رفع أسعارها بشكل كبير، حيث كان سعر الواحد يصل 700 شيقل فقط (نحو 200 دولار)، أما حالياً فيصل سعره إلى أكثر من 13 ألف شيقل (نحو 3500 دولار).

فلسطينية تتحدث عن المعاناة أمام خيمتها التي غمرتها المياه الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه البحر والأمطار في خان يونس جنوب قطاع غزة الاثنين (رويترز)

خيام غارقة في المياه

ويقول التاجر جمال أبو ناجي إن «ارتفاع أسعار الطاقة بشكل جنوني كان بسبب فهم السكان أن الحرب ستطول، وأنهم سيحتاجونها لتدبير أمور حياتهم، لكنهم لم يدركوا حجم الدمار الذي سيلحق بمنازلهم، ولذلك دفع الكثير منهم أموالاً طائلة من دون أن يستفيدوا من شراء الطاقة الشمسية، خصوصاً أن الاحتلال أوقف إدخال كل مشتقات الوقود، وبذلك توقفت المولدات الكهربائية عن العمل، ولم يبق هناك أي مصدر للكهرباء سوى الطاقة الشمسية». وأوضح أبو ناجي أن الاحتلال تعمد استهداف الطاقة الشمسية الموجودة لدى المطاعم والمخابز والشركات وحتى المستشفيات والأماكن الحيوية، ثم استهدف ما بقي منها على أبراج سكنية وخدماتية، واستهدف الألواح التي كانت على كثير من المنازل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا أسهم في زيادة سعرها، ولم تعد متوفرة حالياً سوى بالحد الأدنى وبأسعار باهظة لا يستطيع أحد شراءها.

ولم تكن الحال أفضل بالنسبة لسكان جنوب قطاع غزة، وكذلك بالنسبة للنازحين إليه بأعداد كبيرة، حيث حُرموا خلال اليومين الماضيين من إنارة خيامهم، ومن شحن جوالاتهم، وأُجبر على المبيت باكراً جداً ومن دون أي وسائل تدفئة في ظل هذه الأجواء الباردة، والأمطار التي ضاعفت أزماتهم، وتسببت في غرق كثير من الخيام.

وتعرضت الخيام في منطقة شواطئ مواصي خان يونس ورفح جنوب القطاع، وكذلك قبالة شواطئ دير البلح والزوايدة وسط القطاع، للغرق بمياه الأمطار من جهة ومياه البحر من جهة أخرى، بعد أن أصبح منسوب البحر عالياً بشكل كبير، كما تضاعفت معاناة آخرين على بُعد عشرات ومئات الأمتار من شواطئ البحر، بعد أن اقتلعت الرياح خيامهم.

عائلة فلسطينية تجلس وسط الركام الناجم عن القصف الإسرائيلي في غرب مدينة غزة الاثنين (أ.ف.ب)

«نريد وقف الحرب»

وتقول آلاء حرب، النازحة من حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة إلى مواصي خان يونس: «تعرضت خيمتنا للغرق، ولم يكن لدينا أي مصدر إنارة نستطيع من خلاله تحديد أماكن تسرب المياه، قبل أن يتدخل أحد الجيران ويأتي بجواله ويضيء لنا المكان، لنفاجأ أن مياه البحر غمرتنا تماماً، والأمطار كانت تتسرب من الجوانب العليا للخيمة». وأضافت: «لا نعرف ما نفعل، تعبنا من كل شيء، وما بقيت لنا قدرة على استيعاب ما يحدث، نريد العودة إلى بيوتنا، نريد وقف الحرب، كفى معاناة». وتابعت بكلمات غلبت عليها الحرقة: «نعيش منذ يومين من دون كهرباء، ولا نرى أي شيء، حتى جوالاتنا مغلقة ولا نستطيع التواصل مع باقي أقاربنا في شمال القطاع حتى نعرف أخبارهم ونطمئن عليهم ويطمئنوا علينا. حياتنا صارت جحيماً».

بدوره، قال سامح مطاوع، إنه يملك لوحين من الطاقة الشمسية، لكنه لم يستطع حتى شحن بطارياته بسبب الطقس الغائم، وهذا الأمر حرمه حتى من أن تكون لديه إنارة في خيمته ليلاً، الأمر الذي تسبب في خوف أطفاله من العتمة التي واجهوها على مدار يومين من الأجواء الماطرة. وأضاف مطاوع: «فصل الشتاء في بداياته، ومن الواضح أن معاناتنا ستكون أكبر مما كنا نتوقع، ولا أحد يهتم لأمرنا، ولذلك كثير منا بات يفضل الموت على البقاء حياً».