منذ إعلان النظام الفيدرالي في الصومال، تدور خلافات بين الحكومات المتتالية وحكام الولايات الصومالية، حول نظام الحكم، آخِرها الخلاف بين الحكومة المركزية وولاية «بونت لاند» في شمال شرقي البلاد، التي أعلنت «استقلالها» إلى حين حل أزمتها، فيما يُرى أن تلك الخلافات تعود لأسباب جوهرية بشأن إنشاء دستور دائم للبلاد، وأسباب أخرى متعلقة بمشكلات سياسية محلية يواجهها رئيس الولاية.
واليوم الخميس، قال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح المؤتمر السنوي للقضاء الصومالي، إن إدارته «لا تتشاجر مع أي حكومة إقليمية، بل على العكس من ذلك تسعى إلى مساعدة الولايات الإقليمية في تحقيق أهدافها التنموية».
وقالت ولاية بونت لاند في شمال شرقي الصومال، الاثنين الماضي، «إنها ستعمل بصفتها دولة مستقلة إلى أن تقوم الحكومة الفدرالية بصياغة دستور يجري طرحه في استفتاء شعبي». وأشار بيان رسمي لحكومة الولاية إلى أنها «ستتفاوض مع الحكومة الفدرالية بشروطها الخاصة بشأن استكمال الدستور الفيدرالي والاتفاقيات حول تقاسم السلطة والمساعدات الدولية والترتيبات الأمنية»، وفقاً لما أورده موقع الصومال الجديد.
وحثّت الولاية الحكومة الفدرالية على تسوية المسائل السياسية القائمة منذ فترة طويلة بين إقليم «أرض الصومال» و«بونت لاند» قبل وضع اللمسات الأخيرة على النظام الفدرالي في البلاد.
ووفقاً لما أوردته «رويترز»، مطلع الشهر الحالي، قُتل 20 شخصاً على الأقل في منطقة أرض الصومال الانفصالية في اشتباكات بين محتجّين مناهضين للحكومة وقوات الأمن على مدى أيام عدة.
ويطالب المحتجّون بأن تتخلى ولاية أرض الصومال عن سيطرتها على مدينة لاسعانود المتنازع عليها بين الولايتين لصالح بونت لاند.
وليست تلك المرة الأولى التي يلوّح فيها حكام الولاية بورقة الانفصال، ففي عام 2015، لوّح عبد الولي علي غاس بانفصال بونت لاند، مشيراً إلى أن البند الرابع من دستور بونت لاند ينص على أنه يحق لها تقرير مصيرها.
وفي عام 2014 وقعت خلافات بين رئيس بونت لاند عبد الرحمن محمود فرولي، ورئيس الصومال الحالي حسن شيخ محمود، حول قضايا عدة، وأعلن فرولي وقف العمل مع الحكومة الفدرالية.
وفي ديسمبر الماضي عُقد اجتماع المجلس الاستشاري الوطني بمقديشو، وترأّسه رئيس الجمهورية، بمشاركة رؤساء الولايات الإقليمية. وأسفرت المناقشات عن توقيع المجلس اتفاقاً سياسياً بشأن تطبيق الفدرالية في القضاء، وتبنّي عملية قضائية موحدة، كما جرى التوصل لاتفاق سياسي حصل التوقيع عليه بشأن تحديد صلاحيات كل من السلطة الفدرالية والسلطة الإقليمية. وكانت ولاية بونت لاند الولاية الوحيدة التي رفضت توقيع الاتفاق.
يأتي موقف حكومة بونت لاند في ظل اتهام بعض الأحزاب السياسية في الولاية رئيس الولاية سعيد عبد الله دني بـ«الانحراف عن مسار الديمقراطية». وفي أكتوبر الماضي اتهم كل من وزير التعليم السابق في ولاية بونت لاند علي حاج ورسمي، ووزير المالية السابق فارح علي شري، الرئيس سعيد عبد الله دني بالسعي إلى تمديد ولايته لمدة عامين إضافيين. ومن المتوقع إجراء انتخابات ولاية بونت لاند في يناير (كانون الثاني) المقبل.
ووفق الصحافي الصومالي أحمد جيسود، فإنه ومنذ نشأة النظام الفدرالي عام 2004 «تبرز خلافات على الصلاحيات الممنوحة بواسطة الدستور المؤقت الذي لم يحدث استفتاء عام عليه حتى الآن، ولم يجرِ التوافق على دستور دائم».
وقال جيسود، لـ«الشرق الأوسط»: «الدستور المعمول به الآن لا يحدد بوضوح الصلاحيات للولايات، ومنها ولاية بونت لاند التي ترى أنها تستحق صلاحيات أكبر ودوراً أكبر في إدارة البلاد؛ لأنها أقدم من الولايات الأخرى، ولديها مؤسساتها الراسخة قبل جميع الولايات».
وأضاف: «جرى التوصل إلى اتفاق في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقّعت عليه جميع الولايات عدا بونت لاند، ولم يعلن رئيس الولاية سعيد عبد الله دني تفاصيل الخلافات، لكنه ادعى أن الحكومة المركزية تريد السيطرة على كل ملفات إدارة الدولة في يدها».
ويرى جيسود أن هناك بُعداً آخر للأمور في الولاية؛ وهو «الخلاف الشخصي بين دني والرئيس الصومالي الحالي شيخ محمود، حيث كان دني منافساً لشيخ محمود في الانتخابات الأخيرة وكان ينشد الحصول على منصب رئيس الوزراء بعد الخسارة، لكن الرئيس الصومالي عيّن رئيس الوزراء الحالي حمزة عيدي».
وقال جيسود: «منذ خَسارة الانتخابات الرئاسية، يعمل دني على معارضة سياسات الحكومة الفدرالية، حيث رفض حضور اجتماع مجلس التشاور الوطني، إلا أنه شارك عبر تطبيق (زوم)، ورفض التوقيع على بندين من الاتفاق السياسي بين قيادة الحكومة الفدرالية ورؤساء الولايات، مؤكداً أن البندين يعارضان تطبيق النظام الفدرالي».
وأشار جيسود إلى أن الأحزاب المحلية في بونت لاند تتحفظ على قرارات دني الأخيرة؛ ومنها «إقالة بعض الوزراء في حكومته، وقطع العلاقات مع الحكومة الصومالية المركزية، بالإضافة إلى عمليات التحضير للانتخابات المحلية في بونت لاند والتي يرون فيها تمهيداً لتمديد ولايته، علاوة على مشكلات متعلقة بالأوضاع الاقتصادية المتردية في الولاية التي تتسبب في غلاء كبير، وتسببت كذلك بعدم دفع رواتب الموظفين خلال الأشهر الثلاثة الماضية».
واعتبر التهديد بانفصال بونت لاند عن الصومال «مشابهاً في بعض سياقاته للمرات السابقة»، ورأى أن «حِدة الخلاف ستقلّ، وتجري الآن وساطات لحلحلة الأزمة».
ما مستقبل الخلاف بين «بونت لاند» والحكومة الصومالية؟
بعد تلويح الولاية الشمالية بـ«استقلالها»
ما مستقبل الخلاف بين «بونت لاند» والحكومة الصومالية؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة