المرض... نصاً أدبياً

كاتبتان تتحدثان عن تجاربهما وتجاوز محنتيهما

باتريسيا الحكيم  -  غادة صلاح جاد  -  يسري عبد الله
باتريسيا الحكيم - غادة صلاح جاد - يسري عبد الله
TT

المرض... نصاً أدبياً

باتريسيا الحكيم  -  غادة صلاح جاد  -  يسري عبد الله
باتريسيا الحكيم - غادة صلاح جاد - يسري عبد الله

حفظ تاريخ الأدب أعمالا لكتاب مشهورين عانوا من المرض على مدار سنوات عديدة، ووجدوا في الكتابة متنفسا للخروج من هذه المحنة، أو على الأقل معايشتها بسلام. وما بين كتابات اليوميات والمشاهد والرسائل دوّن الكتاب تلك الرحلة الذاتية مع المرض، ومكابداته، لعل أشهرها ما دوّنه فرانز كافكا حول معاناته مع مرض السُل، وعربياً جعل الروائي المغربي الراحل محمد خير الدين من تجربة إصابته بالسرطان موضوعا لكتابه «يوميات سرير الموت» الذي كان يدوّن به يوميات استفحال الداء الخبيث في جسده، وكذلك ترك السوري سعد الله ونوس يومياته مع المرض الخبيث في كتابه «عن الذاكرة والموت»، وأخيراً «أنا قادم أيها الضوء» للكاتب المصري محمد أبو الغيط الذي صدر عقب وفاته في عامه الرابع والثلاثين، وتحدث فيه عن تقاطعات المرض المُميت مع الأحلام والحب والعمر القصير.
في هذا التحقيق تروي كاتبتان رحلتهما القاسية مع المرض، مع رأي نقدي حول تجربة المرض معكوسة في النص الأدبي:

> الكاتبة اللبنانية باتريسيا الحكيم: بعد 25 سنة دوّنت تجربة فقدي لصوتي
أرى أن هذا النوع من الكتابة لا يحتاج إلى شجاعة من كاتبها، بقدر ما يحتاج إلى أن يكون قد تجاوز محنة المرض القاسي كي يستطيع الكتابة عنه دون أن تتسرب في الكتابة غُصة أو حسرة عند استرجاع كل عذاباته. البعض يعتبر الكتابة نوعا من التعافي أو جانبا من رحلته، قد يكون ذلك صحيحا، لكن بالنسبة لي أرى الكتابة مرحلة لاحقة على الألم وتجربته، كي يستطيع الكاتب الكتابة عنه وتأمله واستبصاره. فقد استغرق الأمر مني 25 سنة حتى أتمكن من كتابة كتاب «كلمات صوتي» الذي دوّنت فيه تجربة فقدي لصوتي بسبب خطأ جراحي، واستشرت أسرتي قبل الكتابة عن تلك المحنة، وقررت كتابة تجربتي كدرس حياة وأمثولة أكثر منها كتابة عن عذابات في غرف الجراحة، وجهته لقارئ قد يشعر أن تجربتي ملهمة له بصورة ما.
الجزء الأصعب في الكتابة بالنسبة لي كان التذكر والاستدعاء، لذلك فقد كتبته بسرعة كبيرة كما لو أنني كنت أخشى التألم من وقع الذكريات عليّ، تماما مثلما يكون المخاض في عملية الولادة هو الأصعب على الإطلاق، وفي الحقيقة لم أعد قراءة ما كتبت، وقلت للمحررة إنني سأقرأه بعد صدور الكتاب الذي صدر بالفرنسية أولاً قبل ترجمته للعربية بواسطة بارعة الأحمر.
جعلتني الكتابة أتأمل سلسلة الإحباطات التي رافقت تلك العملية الجراحية التي خسرت بسببها صوتي، وعندما أفقت منها وجدت أنه لم يكن هناك أي حل لاستعادته، كان الجميع من حولي ينتظرون عودة أنفاسي، فيما كنت أنا في انتظار عودة صوتي، والمفارقة القدرية كانت ارتباط صوتي بمهنتني بصفتي إذاعية، فكان غياب الصوت يعني كذلك فقدي لعملي الذي أحبه. لذلك فقد أخذت مني تلك الصدمة ما يتجاوز عشرين عاما حتى أستطيع التدوين والكتابة عنها.
وعندما فعلت ذلك شعرت بأنني شخص آخر يكتب، شخص غيري، كأنني خرجت من ذاتي وأنا أتأمل نفسي التي كانت، الكتابة جعلتني «هي» ولست «أنا»، وأستعير هنا هذا المقطع من الكتاب لتلك اللحظة التي تبدّل بعدها كل شيء: «أنا أتكلم وأنطق وأصرخ أيضاً، لكن ما من أحد يسمعني! تتبدّل تعابير الوجوه من حولي، تنمحي الابتسامات، ويبدو الحزن في العيون، ويستمر فشلي في إخراج صوتي! أحاول من جديدٍ ومن جديد، فأسمع بعد وقت خِلتُه دهراً، صوتاً غريباً يُشبه زمجرة حيوانٍ جريح... هذا أنا! هذا صوتي!».

> الكتابة المصرية غادة صلاح جاد: مواجهة سؤال الأنوثة
مرّت ست سنوات منذ نشر كتابي «الأنثى التي أنقذتني» حول تجربتي مع مرض السرطان، وأتصور أن قراري كتابة هذا الكتاب لم يكن فقط يحتاج مني لشجاعة بسبب مكابدات المرض، بقدر ما كانت الزاوية والأسئلة التي ساعدتني الكتابة على تأملها من جديد حول علاقة المرض بالأنوثة.
كتبت: «إِن انتصار كل أنثى قدر لها أن تُصَاب بِسرطانِ الثدي، لا يكمن فقَط في مقاومة مراحل عِلاجه، وإِنما فِي التغلب على الشعورِ أنه قد ينتقص من أنوثتها». وشعرت أنني أمام ضمير آخر في الكتابة وهو ضمير «الأنثى التي أنقذتني»، وصار سؤال الأنوثة يتسلل خلال الكتابة وفي أثناء فصول مرض شئنا أم أبينا يُصيب الأنوثة في مقتل.
بدأ الكتاب باستئصال جزء من ثديي وخضوعي لأهوال الكيميائي والإشعاعي، ثم عبر إلى مرحلة العلاج بالأقراص لمدة سبع سنوات، الذي أطلقوا عليه العلاج الهرموني، وهو علاج للمفارقة يقتل كل خلية استروجين (هرمون الأنوثة) في الجسم.
عندما أتذكر كيف تحدثت بالتفصيل في هذا الكتاب عن الألم الجسدي في مراحل العلاج المختلفة، أتذكر بالضرورة جراحا نفسية عميقة لأنثى مكلومة شعرت أنني أستدعيها من خلال الكتابة.
كنت واثقة أن الوجع القديم سيفرض نفسه وسط زخم هذه المشاعر والذكريات، الوجع المزمن الذي طالما كبّلني وحبسني في دائرة مغلقة. وجع نتيجة شيء فقدته، أو بالأصح لم أمتلكه من الأساس، وظللت حائرة أسأل نفسي: هل الحديث عن ذكريات المرض سيزيد من ألم هذا الوجع؟ أو ربما يكون سرد الحكايات بمثابة علاج للوجع؟ أو ربما سيتشابكان وتتعقد الأمور أكثر؟ أو ربما تجربة الكتابة عنهما ستفض هذا الاشتباك؟
أتذكر هذا المقطع في الفصل الثاني للكتاب: «ها أنا ذا الآن أقف أمام مرآتي في ثوبي الجديد: حليقة الشعر، وبندبة كبيرة في ثديي، وما كان كرهي لهذا الجسد بحاجة إلى المزيد، خذلني من قبل وأشقاني، ووأد أنوثتي في مهد صباها، والآن يخونني في أبشع صورة».
بين ثنايا التغيرّات التي سادت كل مرحلة من مراحل المرض والتعافي مرت بالكتابة تنويعات الألم الذي عانيت منه، والذي أحاول جاهدة حتى اليوم التعافي منه. وهو ذلك الألم النفسي الشديد الذي قد يتحول إلى أمراض بدنية خطيرة. كانت الكتابة، والتي لم أكن مارستها من قبل قبل هذا الكتاب، بمثابة تحرير لصوت ومشاعر هذه الأنثى التي تصالحت معها واحتضنتها لكي تنقذني من السرطان ومن جراح نفسي.

> د. يسري عبد الله: التعبير الجمالي عن الألم
ربما كانت الكتابة مصاحبة للألم باستمرار، تستحضره في أحايين كثيرة، لكن من المبالغة واللغط الفكري أن نقول إن الكتابة هي الألم، وذلك على الرغم من أن الرومانسيين الفرنسيين مثلا كانوا يعلنون دائما أنه ( لا يسعنا سوى أن نغني لهذا العالم ألما).
وهناك نصوص عديدة تستحضر الألم في بنيتها الإبداعية بوصفه إحدى تيمات الكتابة، وإذا كانت الآلام الظاهرية قد شهدت زخما هائلا في التعبير الجمالي عنها داخل النص الأدبي، فإن الآلام النفسية أيضا شهدت حضورا مماثلا وبصيغ مختلفة.
وقد حظيت تجربة المرض بحضور متجدد داخل النص الأدبي، ولعل من أبرز النصوص في هذا المسار رواية (يوميات امرأة مشعة) للروائية المصرية نعمات البحيري، وهي رواية تنتمي إلى سرود السيرة الذاتية بامتياز، وتعاين من خلالها تجربتها مع ذلك المرض العضال، عبر أسلوب اليوميات، الذي يصبح بمثابة الصيغة السردية المنفتحة على الذات في جدلها المستمر مع العالم، ولا يمكن أن ننسى في هذه الرواية الفصل الذي دونت فيه محنة الذات الساردة في دخول جهاز الرنين المغناطيسي الذي وصفته بالوحش المعدني، لتبدأ بعدها سلسلة من اجترارات الذاكرة في محاولة منها لمجابهة قسوة الحاضر عبر حكايا الماضي المحمل هو الآخر بالمأساة، لكنه يبدو حميما بدرجة أو بأخرى من وجهة نظر الساردة البطلة. فكانت يوميات امرأة مشعة هي يوميات للألم والمرض والمقاومة أيضا.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مصر: اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر

جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر

جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الثلاثاء، اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر، وهي المقبرة الملكية الأولى التي يتم العثور عليها منذ اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون عام 1922.

جاء الكشف خلال أعمال الحفائر والدراسات الأثرية التي تنفذها البعثة الأثرية المصرية - الإنجليزية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» بمصر، ومؤسسة «أبحاث الدولة الحديثة»، للمقبرة رقم «C4»، حسب بيان صحافي أشار إلى أن مقبرة الملك تحتمس الثاني هي «آخر مقبرة مفقودة لملوك الأسرة الثامنة عشرة في مصر».

وأوضح البيان أنه تم العثور على مدخل المقبرة رقم «C4» وممرها الرئيسي عام 2022 بمنطقة «وادي C» بجبل طيبة غرب مدينة الأقصر (صعيد مصر)، الذي يقع على بعد حوالي 2.4 كيلومتر غرب منطقة وادي الملوك. وقال إنه «تم العثور على أدلة تشير بوضوح إلى أن المقبرة تخص الملك تحتمس الثاني».

جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، فإنه «عند عثور البعثة على مدخل المقبرة وممرها الرئيسي في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، اعتقد فريق العمل أنها قد تكون مقبرة لزوجة أحد ملوك (التحامسة)، نظراً لقربها من مقبرة زوجات الملك تحتمس الثالث، وكذلك من مقبرة الملكة حتشبسوت، التي أعدت لها بصفتها زوجة ملكية قبل أن تتقلد مقاليد حكم البلاد كملك وتدفن في وادي الملوك».

وقال إنه «مع استكمال أعمال الحفائر، خلال الموسم الحالي، اكتشفت البعثة أدلة أثرية جديدة حددت هوية صاحب المقبرة، وأنها تعود للملك تحتمس الثاني، وأن من تولى إجراءات دفنه هي الملكة حتشبسوت بصفتها زوجته وأخته غير الشقيقة».

وأشار إلى «العثور على أجزاء من أواني الألبستر عليها نقوش تحمل اسم الملك تحتمس الثاني بصفته (الملك المتوفى)، إلى جانب اسم زوجته الملكية الرئيسية (حتشبسوت) مما يؤكد هوية صاحب المقبرة».

مقتنيات عثر عليها بالمقبرة المفقودة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووصف الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار هذا الكشف بأنه «أحد أهم الاكتشافات الأثرية في السنوات الأخيرة»، مشيراً إلى أن «القطع الأثرية المكتشفة بالمقبرة تُعد إضافة مهمة لتاريخ المنطقة الأثرية وفترة عهد الملك (تحتمس الثاني)، حيث تم العثور لأول مرة على الأثاث الجنائزي للملك، الذي لا يوجد له أي أثاث جنائزي في المتاحف حول العالم».

ووجدت المقبرة في حالة سيئة من الحفظ بسبب تعرضها للسيول بعد وفاة الملك بفترة قصيرة حيث غمرتها المياه، حسب رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار ورئيس البعثة من الجانب المصري محمد عبد البديع، الذي أوضح أن «الفريق الأثري عمل على انتشال القطع المتساقطة من الملاط وترميمها».

وأضاف أن «الدراسات الأولية تشير إلى أنه تم نقل محتويات المقبرة الأساسية إلى مكان آخر بعد تعرضها للسيول خلال العصور المصرية القديمة».

وتابع أن «أجزاء الملاط المكتشفة عليها بقايا نقوش باللون الأزرق ونجوم السماء الصفراء، وكذلك زخارف وفقرات من كتاب (إمي دوات)، الذي يُعد من أهم الكتب الدينية التي اختصت بها مقابر الملوك في مصر القديمة».

وتوفي تحتمس الثاني، وهو في الثلاثين من عمره، وعثر على موميائه في خبيئة الدير البحري، وهي موجودة حالياً في متحف الحضارة بالفسطاط في القاهرة.

من جانبه، قال رئيس البعثة الأثرية من الجانب الإنجليزي الدكتور بيرز ليزرلاند، إن «المقبرة تتميز بتصميم معماري بسيط كان نواة لمقابر من تواتر على حكم مصر بعد تحتمس الثاني خلال الأسرة الثامنة عشرة».

وتضم المقبرة ممراً غطيت أرضيته بطبقة الجص الأبيض، يؤدي إلى حجرة الدفن بالممر الرئيسي للمقبرة، حيث ترتفع مستوى أرضيته بنحو 1.4 متر عن أرضية الحجرة ذاتها. ويعتقد أنه «قد استخدم لنقل محتويات المقبرة الأساسية بما فيها جثمان تحتمس الثاني بعد أن غمرتها مياه السيول»، وفق ليزرلاند.

وستواصل البعثة أعمال المسح الأثري التي تجريها في الموقع منذ عامين، للكشف عن المزيد من أسرار هذه المنطقة، والمكان الذي نُقلت إليه باقي محتويات مقبرة تحتمس الثاني.

بدوره، أكد مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية الدكتور حسين عبد البصير «أهمية الكشف كونه يسهم في إضافة معلومات عن تلك الفترة من تاريخ مصر القديمة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المقبرة ستسهم في توضيح جزء مفقود من تاريخ الأسرة الـ18، والملك تحتمس الثاني الذي لا يُعرف عنه الكثير من المعلومات».

مومياء الملك تحتمس الثاني (متحف الحضارة)

وتحتمس الثاني هو ابن الملك تحتمس الأول من زوجة ثانوية، وتم تأمين حكمه عبر زواجه من أخته غير الشقيقة حتشبسوت. ولا يُعرَف الكثيـر عـن عصـر تحتمس الثاني، لا سيما مع قصر فترة حكمه نسبياً، حسب موقع المتحف القومي للحضارة المصرية.

وتختلف المراجع التاريخية بشأن مدة حكم تحتمس الثاني، رابع ملوك الأسرة الـ18، ويشير بعضها إلى فترة حكم تقل عن خمس سنوات. لكن رغم قصر الفترة، تشير المصادر التاريخية إلى «نجـاح الملـك تحتمـس الثانـي فـي إخماد العديد من الثورات في النوبة، كما قضى على قبيلة تسـمى (الشاسو) في سيناء، وربما قام بحملة عسـكرية علـى سوريا، وترك وراءه بقايا مشروع بناء متواضع في الكرنك، عبارة عـن بوابة مـن الحجر الجيري مـن فناء الصرح الرابع وإلفنتيـن، وكذلـك فـي النوبـة عنـد سـمنة وقمـا»، وفق موقع المتحف القومي للحضارة.