على أبواب التسعين... يوسا ينفصل عن صديقته

على أبواب التسعين...  يوسا ينفصل عن صديقته
TT

على أبواب التسعين... يوسا ينفصل عن صديقته

على أبواب التسعين...  يوسا ينفصل عن صديقته

«أكاد لا أصدق ما ينتابني من مشاعر كل ليلة منذ أن هجرت زوجتي. أفكر فيها، وأغرق في متاهة الندم. أعتقد أني ارتكبت شراً واحداً في حياتي، وهو أني هجرت كارمنسيتا لأذهب مع امرأة لم تكن تستحق ذلك... أفكر فيها كل ليلة وأتوسل منها الصفح عما فعلت».
هذا ما «يقوله» ماريو فارغاس يوسا في قصة قصيرة صدرت له عام 2021 بعنوان «الرياح»، يروي فيه حكاية رجل على أعتاب خريف عمره، يتملكه شعور بالخيبة والندم لهجرته زوجته، والارتماء في أحضان امرأة أخرى. ويتابع يوسا على لسان بطل القصة قائلاً: «لم أعد أذكر اسم تلك التي لأجلها هجرت كارمنسيتا. لم أحبها أبداً، وما كان بيننا هو عشق عنيف وعابر، ضرب من الجنون الذي يقلب حياتك رأساً على عقب. ولأني فعلت ما فعلت، تدمرت حياتي وما عدت أعرف طعم السعادة... لم يكن عشقاً نابعاً من أعماق الفؤاد، بل من أحشاء الرغبة التي انطفأ جمرها اليوم».
عندما صدرت «الرياح» لصاحب «أحاديث في الكاتدرائية» و«عرس التيس»، لم تنتبه جماهير قراء يوسا إلى ما كانت تعكسه تلك القصة عن الحالة التي كان يمر بها، لكن المقربين منه شعروا أنها تحمل رسالة واضحة تعبر عن الملل الذي كان قد بدأ يشعر به بعد سبع سنوات من المساكنة مع إيزابيل بريسلير، التي لأجلها هجر زوجته وهو على أبواب الثمانين.
ويوم استقبل يوسا «الشرق الأوسط» في دارة إيزابيل مطالع سبتمبر (أيلول) الفائت لإجراء حديث مطول معه توطئة لمباشرة نشر مقالاته في الصحيفة، حاولت أن أستفسر منه عن مشارب ذلك الكتاب الذي كنت قد قرأته بعيد صدوره ثم أعدت قراءته قبل المقابلة، فابتسم وطلب بدماثته المعهودة أن نقصر الحديث على المواضيع التي تم الاتفاق على خطوطها العريضة.
كنت يومها على يقين من أن ثمة غيوماً تتلبد في سماء تلك العلاقة التي من بدايتها كانت موضع اهتمام واسع في الأوساط الاجتماعية والأدبية الإسبانية. ماريو فارغاس يوسا، أشهر الأدباء الأحياء في أميركا اللاتينية، المتوج بنوبل للآداب، الذي تتهافت الأوساط الثقافية والفكرية على كتاباته ومحاضراته، والذي كان قد قرر الانتقال للعيش في مدريد بعد أن منحته إسبانيا الجنسية الفخرية وفتحت له أبواب الأكاديمية الملكية للغة، عزم على أن يهجر زوجته لأجل عيني إيزابيل بريسلير، أيقونة المجتمع المخملي الإسباني منذ عقود بلا منازع.
في «سجل» إيزابيل، إلى جانب أناقتها المشهودة، وجمالها الهادئ الذي يحمل مسحة الشرق الأقصى (ولدت في الفلبين منذ 71 عاماً)، أنها كانت الزوجة الأولى للمطرب الإسباني الشهير خوليو إيغليزياس وأم أولاده الذين لا يقلون عنه شهرة، ثم زوجة ميغيل بوير أشهر وزراء الاقتصاد الإسبان، الذي قيل إنه حاول الانتحار مرتين بسببها، وبعده زوجة أحد كبار الأرستقراطيين الإسبان الأثرياء، قبل أن «تضم» ماريو فارغاس يوسا إلى قائمة فتوحاتها الغرامية.
والشواهد في «الرياح» كثيرة على أن ثمة عاصفة كانت على وشك الهبوب في العلاقة بين يوسا وإيزابيل. إشارات كثيرة إلى زوجته السابقة باتريسيا التي له منها أولاده الثلاثة. فاسمها الأول هو كارمن، وتصغيره للتحبب كارمنسيتا كما اعتاد أن يناديها. وانتقادات لا تحصى للمجتمع المخملي الذي تنتمي إليه إيزابيل، وتتربع على عرشه ملكة غير متوجة منذ سنوات، حيث يستحيل أن تصدر المجلات الاجتماعية الأسبوعية من غير أن تكون على غلاف واحدة منها في الأقل.
يقول في مقطع آخر: «من المستحيل التمتع بحفلة موسيقية، أو أوبرا، أو حتى مسرحية خفيفة، محاطاً بناس لا يكفون عن النقر على هواتفهم ولوحاتهم الإلكترونية». ثم يقول، «يخطر لي أحياناً أن حياتي صارت تسري فيما يجري حولي، ولم أعد أميز بين الثقافة الحقيقية وما يشبه للناس بأنه ثقافة في هذا العالم الصاخب المجنون». وفي نهاية القصة، يتمكن بطلها من الهرب واللجوء إلى شقته القديمة في شارع «فلورا»... حيث المنزل الذي سكنه يوسا لسنوات مع زوجته كارمن باتريسيا يوسا في مدريد.
ويقول مقربون من الكاتب إن الأزمة في العلاقة مع إيزابيل تعود، في الأقل، لعام 2020 الذي وضع فيه «الرياح»، وإنها ليست وليدة خلافات حديثة، بل هي «النهاية الطبيعية لسلسلة من الشكوك والندم وعدم الارتياح، تعتمل منذ سنوات»، كما تقول سيدة مقربة من الاثنين. الخبر الأول عن نهاية العلاقة صدر عن إيزابيل في تصريح إلى مجلة «Hola» التي تصدرت غلافها عشرات المرات، حيث قالت: «أنا وماريو قررنا إنهاء علاقتنا بشكل نهائي، ولا أريد الإدلاء بأي تصريح آخر». في المحيط الضيق حول يوسا كانوا يرددون منذ فترة أنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين تفصل بينهما هوة سحيقة: هو مهتم بالثقافة، وهي مهتمة بالاستعراض. ويقول آخرون إن الكاتب كان يشعر منذ فترة بأن صورته تحولت إلى قطعة تزين الحفلات واللقاءات الاجتماعية التي تنظمها إيزابيل أو تدعى إليها.
ولا شك في أن يوسا كان قد استسلم لمغريات هذا المجتمع الذي طالما انتقده بشدة، خصوصاً في بحث مطول له بعنوان «حضارة الاستعراض»، وكان يقول إنه يخضع لجلسات التصوير بجانب إيزابيل «حباً لها»، لكنه لا يعرف طريقة للتنصل من ذلك. وبعد أن كان يصف صحافة المغامرات العاطفية وأخبار المشاهير بأنها «تفتقر إلى القيم الجمالية، ويسيطر عليها كرنفال الدجالين»، صار يقول عندما بدأت علاقته مع إيزابيل: «إنها ظاهرة ثقافية في هذا العصر. ثمة ملايين من البشر يسعون وراء ما يدفعهم إلى الحلم. في الماضي هذا ما كانت توفره لهم الرواية والشعر، أما اليوم فتوفره هذه الصحافة بقدر هائل من الموهبة».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

رجل إطفاء يتحوَّل «بابا نويل» لإسعاد الأطفال المرضى

بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)
بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)
TT

رجل إطفاء يتحوَّل «بابا نويل» لإسعاد الأطفال المرضى

بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)
بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)

زَرَع رجل إطفاء البهجة في نفوس عدد لا يُحصى من الأطفال خلال عطلة عيد الميلاد على مرّ السنوات، لكنَّ ديفيد سوندرز (50 عاماً)، يقول إنّ القيام بدور «بابا نويل» يُرخي أثراً سحرياً عليه أيضاً. بالنسبة إلى سوندرز المقيم في مقاطعة فيرفاكس بولاية فرجينيا، فإنّ أداء دور «بابا نويل» يتجاوز التقاليد: «إنه مَهمَّة شخصية عميقة مستوحاة من العائلة وتغذّيها الرغبة في نشر الفرح». بدأ سوندرز، وهو والد لـ5 أطفال، ذلك العمل الموسميّ منذ 16 عاماً. في ذلك الوقت، كان ابنه البالغ 6 سنوات يعاني مرضاً تسبَّب بتنقّله بين المستشفيات. نقلت عنه «فوكس نيوز» قوله لشبكة «إس دبليو إن إس»: «في كل مرّة كنّا نقصد المستشفى، كان يرى جميع الأطفال المرضى. وخلال المغادرة راح يقول لي: (أتمنّى لو نستطيع فعل شيء لطيف لهم). كنتُ أجيبه: (اكتشف ما تريد فعله، وسنحاول)».

مَهمَّة شخصية عميقة مستوحاة من العائلة (مواقع التواصل)

تحوَّلت هذه الرغبة دعوةً غير متوقَّعة للأب والابن، اللذين بدآ في ارتداء زيّ «بابا نويل» وجنّيته المساعدة لإسعاد المرضى الصغار. حالياً، يُنجز سوندرز بين 100 إلى 150 زيارة منزلية كل عام؛ مُرفقةً ببعض الإعلانات التجارية وفيلمين لعيد الميلاد. قال: «أحبُّ إسعاد الناس. أستمتعُ برسم البسمة على وجوههم». وكلّ عام، كان يرى أطفالاً اعتاد رؤيتهم منذ أن كانوا رضَّعاً: «استمتعتُ بمراقبتهم وهم يكبرون. تحملهم بكونهم أطفالاً، ثم تشاهدهم يكبرون. أحياناً تعتقد أنهم لن يرغبوا في عودتك هذا العام، لكنَّ أمهاتهم أو آباءهم يتّصلون دائماً ويقولون: (إنهم لا يريدون أن يمرَّ عيد الميلاد من دونك)». ورغم أنّ دور «بابا نويل» مبهج عموماً، فإنَّ سوندرز أقرّ بمواجهة تحدّيات: «أرى بعض الأطفال المرضى أو الذين ليس لديهم الكثير. أحياناً يكون الأمر مُرهقاً عقلياً».

بدأ سوندرز عمله الموسميّ منذ 16 عاماً (مواقع التواصل)

وبعد 30 عاماً من كونه رجل إطفاء، يتطلَّع الآن إلى تحويل عمله الجانبي وظيفةً بدوام كامل. تابع: «عملي رجل إطفاء وظيفة رائعة. إنه أيضاً أحد تلك الأشياء المُرهِقة عقلياً وجسدياً، لكنْ كانت لديَّ مهنة جيّدة. جسدي يؤلمني، وأنا أكبُر في السنّ؛ لذلك حان الوقت للمضيّ قدماً. آمل أن تنمو هذه التجارة أكثر». سحرُ عيد الميلاد هو ما يستمرّ في إلهام سوندرز لإسعاد الأطفال والكبار على السواء: «أعتقد أنّ جميع الأطفال، وحتى البالغين، يريدون شيئاً يصدّقونه، خصوصاً في هذا العيد».