كثفت السلطات الإيرانية الأجواء الأمنية المشددة، بعد توتر شهدته جنوب محافظة أصفهان، إثر تجدد الاحتجاجات والصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وأضرم المحتجون النار في طرقات وسط المدينة، صباح أمس (الأحد)، بعدما أعلن نائب قائد «الحرس الثوري» بمحافظة أصفهان مقتل عنصر من «قوات الباسيج» في الاحتجاجات التي هزت مدينة سميرم، مساء أول من أمس (السبت).
ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن وكالة «إرنا» الرسمية أن أنحاء عدة من المدينة شهدت، أول من أمس، تحركات احتجاجية، وأن «قوات الأمن انتشرت لحفظ الأمن في المدينة، وسُجّلت في بعض الحالات مواجهات مع عدد من مثيري الشغب»، وهي التسمية التي تطلقها السلطات على المحتجين.
وأفادت «الوكالة» عن مقتل أحد عناصر قوات «الباسيج»، الميليشيا التابعة لـ«الحرس الثوري»، جراء «إطلاق نار من مجرمين مسلحين في سميرم».
وأظهر تسجيل فيديو نشره حساب «تصوير 1500»، متظاهرين يحرقون مكتباً لـ«مركز الدعاية الإسلامي» الخاضع مباشرة لـ«مكتب المرشد الإيراني»، علي خامنئي، بمدينة سميرم. ويُسمع من الفيديو هتافات «الموت لخامنئي».
وذكر حساب «تصوير 1500» أن أهالي مدينة سميرم «يشهدون وضعاً مقلقاً للغاية، بعد احتجاجات الليلة الماضية».
وأشار الحساب إلى اعتقال العشرات، بينهم أفراد عائلات قتلى الاحتجاجات، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وقال الحساب إن «الجمهورية الإسلامية نشرت المئات من قواتها لقمع الناس»، مشيراً إلى خلل في شبكة الإنترنت.
وكانت «وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان» (هرانا)، ومقرها في الولايات المتحدة، قد أفادت عن تجمعات صغيرة في العاصمة ومدينتَي أصفهان ونجف آباد، ونشرت تسجيلات مصورة تُسمع فيها هتافات منددة بالنظام.
في مدينة جوانرود الكردية، شارك مئات الأشخاص في تشييع برهان الياسي الذي قتل بنيران قوات الأمن، أول من أمس (السبت)، أثناء مشاركته في مراسم أربعينية قتلى سقطوا في المدينة، الشهر الماضي.
وقالت «هرانا»، الجمعة: «قُتل 508 محتجين، بينهم 69 قاصراً». وأضافت أن 66 من أفراد قوات الأمن قُتلوا أيضاً. وتقدر أن عدد المعتقلين وصل إلى 19199 متظاهراً.
دفعت الاحتجاجات التي أطلقت شرارتها وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني، بالجمهورية الإسلامية، إلى حقبة جديدة من الأزمة المتفاقمة بين المؤسسة الحاكمة والمجتمع بوجه عام. وعبّر المحتجّون عن غضبهم من القوانين التي تُلزم النساء بارتداء الحجاب خلال المسيرات الاحتجاجية.
وأطلقت وفاة أميني أثناء احتجازها بدعوى سوء الحجاب، العنان لمظالم مكبوتة منذ سنوات في المجتمع الإيراني، تتعلق بقضايا مختلفة؛ بداية من تشديد الضوابط الاجتماعية والسياسية إلى البؤس الاقتصادي والتمييز ضد الأقليات العرقية.
وفي مواجهة أسوأ أزمة تتعلق بالشرعية منذ ثورة 1979، حاولت أجهزة الدولة في إيران تصوير الاحتجاجات على أنها «انتفاضات انفصالية»، من جانب أقليات عرقية تهدد وحدة الأرضي الوطنية. وقالت أيضاً إنها «أعمال شغب بإيعاز من خصوم أجانب».
وفي هذا الصدد، قال عضو لجنة «المادة 90» التي تراقب أداء الحكومة، النائب نصر الله بجمان فر إن 350 مليون تغريدة انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي خلال الاحتجاجات من أجل «تلويث ذهنية الشعب الإيراني»، واتهم الأعداء بنشر تلك التغريدات.
وقال بجمان فر على هامش اجتماع بين أعضاء لجنة «المادة 90» ووزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب، إنه «في الاضطرابات الأخيرة، كان بعض المشاركين على صلة بأجهزة الاستخبارات الخارجية»، لافتاً إلى أن أعضاء البرلمان نقلوا مخاوفهم إلى وزير الاستخبارات.
وبدوره، أطلع خطيب أعضاء البرلمان على «الإجراءات الرادعة» التي أخذتها الأجهزة الاستخباراتية خلال اجتماع جرى حول أسباب ارتفاع سعر الدولار في إيران، بحسب بجمان فر، الذي أشار إلى تدهور سوق العملة. وقال: «أهم قضية في حرب الروايات، والعدو يطرح روايات وهمية، على نطاق واسع، وعندما تقدم تقارير حقيقية، نرى ذلك؛ أن العدو تمكن من السيطرة على أفكار الناس في المجتمع».
وخرج محتجون من شتى أطياف المجتمع إلى الشوارع مطالبين بإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية. ومزقت النساء الحجاب الإلزامي، وأحرقنه بغضب.
وكان المدعي العام الإيراني قد أعلن، في مطلع ديسمبر (كانون الأول)، إلغاء «شرطة الأخلاق»، لكن معارضين شككوا بالإعلان، في ظلّ استمرار تطبيق قانون الحجاب الإلزامي. وفي نهاية الشهر الماضي، قال سعید رضا عاملي، أمين اللجنة العليا للثورة الثقافية، إن الشرطة «لم تكن تريد أن تكون عنيفة في الأحداث الأخيرة، لذلك تعرضوا للعنف».
ونفى ضمناً الإشارات بشأن نهاية «شرطة الأخلاق»، وقال إن اللجنة «لم يكن لديها قرار بشأن دورية الإرشاد».
وذكرت وكالة أنباء «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني أن السلطات بدأت مرحلة جديدة من إرسال رسائل تحذيرية عبر الجوال (SMS) للنساء اللواتي ينزعن الحجاب في السيارات. وقال مسؤول كبير في الشرطة الإيرانية للوكالة إن قواته بدأت خطة «المراقب واحد» في جميع محافظات البلاد.
وبعد أكثر من 109 أيام على الاحتجاجات، وجهت شخصيات بارزة معارضة للنظام الإيراني رسالة مشتركة على «تويتر»، شددت على أن العام الجديد «سيكون عام تحقيق الحرية والعدالة في إيران».
وانتشرت الرسالة المشتركة في اللحظات الأولى من العام الجديد على شبكات التواصل الاجتماعي. وجاء فيها: «كان عام 2022 عام مجد وتضامن الإيرانيين من كل عقيدة ولغة وتوجه»، مشددين على أن «التنظيم والتضامن» سيجعلان من 2023 «سنة انتصار الأمة الإيرانية، وعام تحقيق الحرية والعدالة».
ونشر الرسالة رضا بهلوي، نجل شاه إيران الذي أطاحت به ثورة 1979، والناشط السياسي حامد إسماعيليون، رئيس رابطة ضحايا الطائرة الأوكرانية التي أُسقطت في عام 2020 بصواريخ من دفاعات «الحرس الثوري».
وضمت القائمة الممثلة البريطانية من أصل إيراني نازنين بنيادي، والممثلتين غلشيفته فراهاني، وزر أمير إبراهيمي، والنجم السابق لكرة القدم الإيرانية علي كريمي، وكذلك الناشطة النسوية والصحافية مسيح علي نجاد، والناشط وأستاذ العلوم السياسة في جامعة تيلبورخ عمار ملكي، وكذلك لادن برومند رئيس «مركز عبد الرحمن برومند لحقوق الإنسان»، وبدورها نشرت المحامية شيرين عبادي الرسالة عبر قناة على شبكة «تلغرام».
وعلى الفور، فسرت الرسالة في شبكات التواصل بأنها مؤشر على ظهور ائتلاف جديد يمكن أن يطرح بديلاً للنظام الإيراني.
وقالت غلشيفته فراهاني لـ«إذاعة فردا» الأميركية: «مثلما الإيرانيون داخل إيران متعاطفون ومتحدون، فإن الإيرانيين في الخارج متحدون ومتضامنون من أجل التوصل للحرية». وأضاف: «لا يهم مَن هم الأوائل، كلما زاد عددنا كان أفضل. نحن لسنا أحزاباً سياسية لكي نتوصل لائتلاف، يمكن أن نكون متحدين وعلى قلب واحد، وأن يحدث الائتلاف السياسي بين الأحزاب. نحن لسنا أحزاباً».