فجرت محاولة اغتيال «فاشلة» تعرض لها عمر صالح الصغير، عميد بلدية زليتن (غربي ليبيا) مساء (الأربعاء)، قضية انتشار التشكيلات المسلحة في البلاد، وسط تخوفات من وقوع صدام مع المواطنين هناك.
وروى الصغير، وقائع محاولة اغتياله، بإطلاق شخصين ملثمين النار على سيارته، لكنه أفلت منهما، واصفاً العملية بأنها «جريمة إرهابية» تحتاج إلى «وقفة سريعة» حفاظاً على حياة الليبيين.
وانتقلت التشكيلات المسلحة، المنتشرة في مدن ليبية عديدة، من كونها تحمل السلاح وتحمي المنشآت الحكومية، وتنظم حركة المرور في الشوارع، إلى أجسام متداخلة بقوة في العملية السياسية، وتتحصل على رواتب وعمولات تخصم من الموازنة العامة للحكومات.
وعقب الإعلان عن نجاة عميد زليتن، من محاولة الاغتيال، طالب مجلس المشايخ والأعيان لقبائل المدينة، في بيان اليوم (الخميس) الجهات الرسمية «بسحب جميع التشكيلات المسلحة من داخل حدود البلدية فوراً، حفاظاً على الاستقرار، وتفادياً لما قد يحدث من تصادم مع المواطنين».
وقال المحلل السياسي الليبي، حسام القماطي، إن «التشكيلات المسلحة، هي عصب مشكلتنا؛ فمنذ اللحظة الأولى للأزمة تم تغذية هذه المجموعات، ودعمها بتغطية قانونية عن طريق شرعنتها وإدماجها داخل الأجهزة الأمنية الرسمية، ما تسبب في إطالة الأزمة».
وعبر القماطي، عن اعتقاده في تصريح لـ«الشرق الأوسط» اليوم (الخميس) أنه «لا حل للأزمة الليبية بدون وضع حد لهذه المجموعات، وتفكيكها أو مواجهتها بشكل مباشر، بجانب تجفيف منابع دعمها مالياً».
وبشأن كيفية تكون هذه المجموعات، خلال العقد الماضي، قال القماطي: «للأسف تم تحويل شبابنا على مدار العشرة أعوام الماضية، إلى (مرتزقة) ومجرمين بشكل أرهق الدولة وأفشل أي مشروع حقيقي للإصلاح».
ورأى أنه «يجب أن تكون هناك وقفة جادة حقيقية لمواجهة نفوذها داخل الأجهزة الأمنية، ودعم الجهاز الأمني الرسمي سواء عن طريق وزارة الداخلية أو الجيش لمساعدته في التصدي لهذا التغول».
وتكررت وعود الحكومات الليبية المتعاقبة بأنها تسعى لدمج التشكيلات المسلحة في مؤسستي الجيش والشرطة، وذلك منذ أن تبنى الفكرة فائز السراج، رئيس حكومة «الوفاق» السابقة عام 2017، دون تحقيق نتائج جديدة.
وسبق وأطلقت حكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، «مشروعاً وطنياً» لتأهيل الشباب المنضوين في التشكيلات المسلحة، والراغبين في الالتحاق بمؤسسات الدولة، دون الإعلان عن خطة واضحة لجمع سلاحها.
وأرجع مجلس المشايخ والأعيان في زليتن ما حدث لعميد البلدية إلى «غياب الدوريات الأمنية الثابتة والمتحركة بالبلدية، رغم اتساع رقعتها وموقعها على الحدود التونسية ومرور المهربين بناحية غربها». وأشار إلى أن «المسلحين يأتون ليلاً ويقفون على الطريق الدولي إلى تونس دون حسيب ولا رقيب»، لافتين إلى أنه «سبق لهؤلاء المسلحين مرات عدة، تعرضهم للمارة من تونس وإليها، وقيامهم بأخذ الإتاوات منهم تحت تهديد السلاح».
وتحدث المجلس عن أن هذه «الأعمال الإجرامية تفاقمت؛ وأبلغنا الجهات المعنية بهذا الوضع المخل بالأمن، والمسيء لسكان هذه البلدية»، لافتاً إلى واقعة خطف سابقة تعرض لها عميد البلدية من منزله دون مراعاة أنه شخصية تمثل جميع سكان البلدية بكامل شرائحها، كما يمثل الجهات الرسمية بالدولة، رغم هذه الواقعة.
ووجه المجلس حديثه إلى الجهات الرسمية، بضرورة شحن التشكيلات المسلحة من البلدية، على وجه السرعة، حفاظاً على الأمن، قبل أن تقع مشكلة.
ودور التشكيلات المسلحة في ليبيا، تطور على مدار السنوات الماضية، وبدا آخذاً في التصاعد، لما تحوزه هذه التشكيلات من سلاح، وما تتلقاه من دعم مالي، فضلاً عن تزايد نفوذها السلطوي، بالنظر إلى لجوء الحكومتين المتنازعتين إليها لدعمهما في صراع الواحدة ضد الأخرى.
وسبق لمستشار الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، السابقة ستيفاني ويليامز، التطرق إلى وضعية هذه التشكيلات. وقال: «الأزمة أن كل الجماعات المسلحة تأخذ رواتبها من السلطة المركزية، وهو ما يعد مشكلة عند نقل الصلاحيات إلى المحليات».
وعبرت «الرابطة الوطنية للمجالس البلدية» عن قلقها وأسفها للاعتداءات، التي وصفتها بـ«السافرة»، التي طالت منذ فترة عدداً من عمداء وأعضاء ومقار المجالس البلدية، وكان آخرها الاعتداء «الآثم» الذي تعرض له عميد بلدية زليتن واستهدفه، بالإضافة إلى الاعتداء على مقر المجلس البلدي في صرمان.
وقالت الرابطة في بيان أمس (الأربعاء) إن هذه الاعتداءات من شأنها مس بهيبة الدولة والسلم الاجتماعي، مشيرة إلى أنها تجدد تضامنها الكامل والمطلق مع المجالس البلدية كافة، في مختلف ربوع ليبيا في مواجهة أعمال التحريض والاستهداف، بجانب «ما يتعرض له عمداء وأعضاء المجالس البلدية من تهديد وترهيب ومحاولات اغتيال في بعض الأحيان».
ورأت الرابطة أن تكرار الاعتداءات على عمداء وأعضاء ومقار المجالس البلدية «يمثل خطورة على عمل المجالس البلدية؛ الأمر الذي قد يهدد مستقبل نظام الإدارة المحلية وما تحقق من إنجازات في مسار اللامركزية».
وناشدت الرابطة، رئاسة الوزراء لحكومة «الوحدة» ووزارتي الحكم المحلي والداخلية «بتأمين مقار المجالس البلدية والجهات التابعة لها، وتوفير الحصانة القانونية والحماية الأمنية لعمداء وأعضاء المجالس البلدية بما يمكنهم من القيام بأعمالهم في مناخ ملائم ومناسب».
وانتهت الرابطة الوطنية للمجالس البلدية، إلى ضرورة أن «تضطلع وزارة الداخلية بمهامها بالإسراع في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالملاحقة القانونية للجناة وضبطهم وتقديمهم للعدالة من أجل بناء دولة القانون والمؤسسات».
التشكيلات المسلحة في ليبيا... مال وسلاح و«نفوذ سلطوي» متصاعد
مطالب بتفكيكها بعد محاولتها اغتيال عميد بلدية في غرب البلاد
التشكيلات المسلحة في ليبيا... مال وسلاح و«نفوذ سلطوي» متصاعد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة