الحركة الاحتجاجية الإيرانية ومستقبل الجمهورية الإسلامية

عقد مصالحة مع واشنطن يعني نهاية الثورة واختفاء الحاجة إلى المرشد و«الحرس الثوري»

مناوشات المحتجين وقوات الشرطة خلال مسيرة احتجاجية بعد وفاة مهسا أميني بطهران في 21 سبتمبر 2022 (إ.ب.أ)
مناوشات المحتجين وقوات الشرطة خلال مسيرة احتجاجية بعد وفاة مهسا أميني بطهران في 21 سبتمبر 2022 (إ.ب.أ)
TT

الحركة الاحتجاجية الإيرانية ومستقبل الجمهورية الإسلامية

مناوشات المحتجين وقوات الشرطة خلال مسيرة احتجاجية بعد وفاة مهسا أميني بطهران في 21 سبتمبر 2022 (إ.ب.أ)
مناوشات المحتجين وقوات الشرطة خلال مسيرة احتجاجية بعد وفاة مهسا أميني بطهران في 21 سبتمبر 2022 (إ.ب.أ)

لم يصادف المرشد الإيراني علي خامنئي، رئيساً يوافق رغباته، ونهجه الفكري منذ توليه السلطة عام 1989، حتى وصول إبراهيم رئيسي، الرئيس الحالي، إلى سدة الحكم عام 2021. حتى محمود أحمدي نجاد، الذي بلغ الرئاسة بدعم من «الحرس الثوري»، تظاهر بادئ الأمر بطاعة خامنئي، وبعد ذلك شرع تدريجياً في تبني مواقف معارضة لإرادة خامنئي، الأمر الذي وضعه، في فترة رئاسته الثانية، في صراع مباشر مع المرشد الإيراني.
وتركز الصراع بين خامنئي والرؤساء الثلاثة: أكبر هاشمي رفسنجاني (1989 - 1997)، ومحمد خاتمي (1997 - 2005) وحسن روحاني (2013 - 2021)، بشكل أساسي حول الدعم غير المشروط الذي يوليه المرشد للمحافظين المتشددين، ما أسفر في كثير من المواقف عن تخريب سياسات الثلاثة رؤساء السابقين.
وشكلت السياسة الخارجية لب المواجهة بين خامنئي و«الحرس الثوري» من ناحية، والرؤساء الثلاثة من ناحية أخرى. واحتلت العلاقات مع العالم، خصوصاً الولايات المتحدة، وبدرجة أقل الغرب بوجه عام، وكذلك السياسات الإقليمية التي اعتبرها خامنئي و«الحرس الثوري» الإيراني وسيلة لتوسيع دائرة نفوذ الجمهورية الإسلامية (واستوحوا إلهامهم في ذلك من فكرة تصدير الثورة)، موقع القلب من المعركة.

محتجون يرفعون لافتات تحمل رموزاً تشير إلى نهاية النظام الإيراني في إسطنبول (رويترز)

من ناحيتهم، ينظر المتشددون الذين يشكلون لب السلطة، إلى حالة العداء مع الولايات المتحدة باعتبارها تبرر وجودهم وهويتهم. ولذلك، فإن عقد مصالحة مع واشنطن يعني نهاية الثورة. ومع انتهاء الثورة، تختفي الحاجة إلى مرشد الثورة و«الحرس الثوري»، وستتلاشى تماماً أهمية المعسكر المتشدد. ومن أجل ذلك، يشدد «الحرس الثوري» الإيراني على أن الصراع مع الولايات المتحدة «أساسي وآيديولوجي ووجودي ولا يمكن تسويته عبر المفاوضات».
وعند نهاية رئاسة حسن روحاني عام 2021، قرر خامنئي وأنصاره وضع نهاية لحالة الديمقراطية، التي كانت أقرب إلى صورة كاريكاتورية من الديمقراطية الحقيقية، داخل إيران إلى الأبد، والتخلص من الإصلاحيين والمعتدلين داخل هرم السلطة إلى غير رجعة.
واعتبر المتشددون، تحت قيادة خامنئي، أنه من خلال دفع «مجلس صيانة الدستور» لاستبعاد مرشحي الصف الأول، بل وحتى الثاني من العناصر المعتدلة والإصلاحية، لن تكون هناك فرصة لانتخابهم. وبذلك، يمكن للمتشددين السيطرة على السلطتين التشريعية والتنفيذية. وقضى هذا الإجراء على بصيص الأمل الباقي أمام فصيل ضخم من المجتمع يدعم الحداثة، الأمر الذي يعد سبباً رئيسياً وراء الانتفاضة الحالية.

متظاهر إيراني يرفع لافتة تحمل صورتين لمهسا أميني، أثناء احتجاج بعد وفاتها، خارج القنصلية الإيرانية بإسطنبول في أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)

في الواقع، تمثل الانتفاضة الحالية، في جوهرها، استمراراً لمعركة تدور رحاها منذ قرن بين المعسكر المحافظ، المعروف أيضاً باسم التقليديين من جهة، والحداثيين (المسلمون الليبراليون والعلمانيون) من جهة أخرى. لقد اشتد الصراع بين التراث والحداثة منذ وصول رضا شاه إلى السلطة في عام 1925 وبدء مشروع التحديث من قبله واستمر حتى اليوم. يتشكل جزء كبير من المضمون الفكري لاحتجاجات عام 2022 في الصراع بين الحداثة والتراث.
على أي حال، وجد الفصيل الساخط داخل المجتمع، الذي أبقى على ولائه طيلة 25 عاماً لفكرة أن الإصلاح ممكن عبر صناديق الاقتراع، نفسه أمام واقع جديد.
ونتيجة لذلك، أدار هذا الفصيل الكبير ظهره لصناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية عام 2019. وجاءت نسبة المشاركة أكثر قليلاً عن 40 في المائة، المعدل الأدنى على امتداد 11 دورة انتخاب برلمانية. في محافظة طهران، انخفضت المشاركة من 50 في المائة بالانتخابات السابقة إلى 25 في المائة. ويعني ذلك أنه من بين نحو 10 ملايين ناخب مؤهل، قرر 7.5 مليون عدم الإدلاء بأصواتهم.
ونظراً لاستحالة إجراء استطلاع مستقل وموثوق به داخل إيران، من الصعب التحديد بدقة نسبة الفئة من المجتمع التي تعارض النظام. ومع ذلك، فإن واحدة من أكثر النتائج المثيرة للاهتمام التي خلصت إليها النشرة السرية، التي أعدتها وكالة أنباء «فارس»، وسربتها مجموعة قرصنة تطلق على نفسها «بلاك ريورد»، ترسم صورة لـ«الديمقراطية الدينية» بإيران. وجاء في التقرير أن «70 في المائة من الأفراد لا يرغبون في المشاركة بمسيرة داعمة للنظام والثورة، في الوقت الذي اختار فيه 21.4 في المائة (كثيراً)، واختار 5.9 في المائة (إلى حد ما)».
ويعني ذلك ببساطة، أنه طبقاً للمسح الذي أجراه النظام نفسه، فإن ما بين 70 في المائة و75 في المائة من سكان البلاد لا يساندون النظام، مع الأخذ في الاعتبار أن أنصار النظام من المحافظين شديدو الولاء بدرجة لن يترددوا في مسيرة بسيطة لدعم المؤسسة الحاكمة المفضلة.
جدير بالذكر أن وكالة «فارس» التي أعدت الدراسة، تخضع لإدارة «الحرس الثوري»، ووضعت الدراسة لإطلاع قائد الحرس، حسين سلامي، عليها.
ويؤكد كثير من التقارير حول احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 (المعروف باسم «نوفمبر الدامي»)، أن جموع الفقراء شكلوا العمود الفقري للاحتجاجات. في هذا الصدد، قال النائب السابق علي مطهري، المعروف بصراحته الشديدة، في كلمة له أمام البرلمان: «حسب اعتراف أجهزة الاستخبارات، فإن المحتجين من الجماهير الفقيرة».
وفي ظل أعمال القمع الوحشي واسع النطاق ضد الاحتجاجات، التي، تبعاً لما أفاده يد الله جواني، مساعد الشؤون السياسية لقائد «الحرس الثوري» الإيراني، وقعت «في 29 من أصل 31 محافظة، بجانب (مئات المدن)»، أصبح النظام على ثقة كبيرة من أنه قضى على احتمالية ظهور حركات احتجاجية جديدة لسنوات مقبلة.
وفي أعقاب إقصاء المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين عن الانتخابات البرلمانية، عقد «مجلس صيانة الدستور» كذلك انتخابات 2021 الرئاسية التي تمخضت عن انتخاب إبراهيم رئيسي والفريق المعاون له، الذين يشكلون الإدارة الأقل كفاءة من بين جميع الإدارات التي تعاقبت على الرئاسة ما بعد الثورة. وكان من أبرز نتائج ذلك، الموقف المتشدد للإدارة الجديدة خلال المحادثات النووية في فيينا، ما أهدر فرصة التوصل إلى اتفاق نووي من شأنه رفع العقوبات الأميركية، والإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة في أرصدة إيران.
على سبيل المثال، أصر المفاوضون الإيرانيون على التخلي عن تحقيق تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول جسيمات نووية عثر عليها في عدد المواقع النووية بإيران، باعتبار ذلك شرطاً مسبقاً لتوقيع اتفاق نووي.
ولثقتهم في أنهم لن يواجهوا أي مقاومة، أعاد المتشددون المتطرفون تفعيل «دورية الإرشاد»، التي تعمل باسم شرطة الأخلاق، لاعتقال النساء اللاتي ينتهكن قواعد الحجاب. وبالفعل، جرى تسجيل مشاهد مروعة لاعتقال النساء بسبب مسألة الحجاب، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كانت النهاية المأساوية للفتاة مهسا أميني (22 عاماً)، في سبتمبر (أيلول). بعد مواجهة عنيفة مع شرطة الآداب، بمثابة الشرارة التي أشعلت بركان الغضب الكامن في نفوس المواطنين. وتحولت عبارة «المرأة والحياة والحرية» إلى الشعار الرئيسي للاحتجاجات، ولعبت المرأة دوراً محورياً في حركة الاحتجاجات على نحو غير مسبوق.
ومع ذلك، يبقى ثمة اختلاف كبير بين هذه الموجة الجديدة من الاحتجاجات، وتلك التي وقعت عام 2019. أظهرت الهجمات المكثفة التي شنها المتظاهرون ضد سلاسل المتاجر الكبرى والبنوك عام 2019، أن الفقراء كانوا القوة المحركة وراء تلك الانتفاضة. كما كشفت الشعارات التي رددها المتظاهرون أن اهتماماتهم الرئيسية تدور حول سبل العيش والمصاعب الاقتصادية. وردد المتظاهرون شعارات مثل: «الفقر والمذبحة والغلاء ـ الناس يصبحون الضحايا» أو «زاد الوقود كلفة ـ وازداد الفقراء فقراً»، بجانب شعارات «الموت للديكتاتور» و«الموت لخامنئي». إلا أنه خلال الاحتجاجات الأخيرة، تركزت الشعارات بشكل أساسي حول حقوق المرأة وعبرت عن اشمئزاز شديد من الديكتاتورية.
إضافة لذلك، تمثل اختلاف آخر بين احتجاجات 2019 و2022 في رفع المتظاهرين عام 2019 شعارات تشيد بآخر حاكمين لإيران من آل بهلوي الذين أطاحت بهم ثورة 1979. في المقابل، لم تظهر هذه الشعارات كثيراً خلال الاحتجاجات الأخيرة. ويكشف ذلك أن متظاهري 2019 لم يبالوا كثيراً بمسألة الديكتاتورية، وأن اهتمامهم انصب البحث عن الراحة من مصاعب العيش. على النقيض، أظهر المتظاهرون هذا العام موقفاً قوياً مناهضاً للديكتاتورية، وحتى مع معارضتهم الجمهورية الإسلامية، لم يطالبوا بعودة نظام حكم على غرار نظام رضا شاه ومحمد رضا شاه.
ومثلما كانت الحال مع جميع موجات الاحتجاجات الماضية، افتقرت احتجاجات هذا العام إلى «زعيم يتمتع بشعبية جارفة تتجاوز نطاق سيطرة الجمهورية الإسلامية». ولذلك، باتت الاحتجاجات مهددة. وفي هذا السياق، سادت مقارنة خاطئة في صفوف المحتجين الذين جادلوا بأن البلدان التي شهدت أحداث «الربيع العربي» لم يكن لحركات الاحتجاج فيها أي قيادات واضحة أو معروفة. وتكمن مشكلة هذه الحجة في أن هذه السمة على وجه التحديد كانت السبب وراء هزيمة جميع هذه الحركات الاحتجاجية بعد سقوط الأنظمة القائمة. الحقيقة أن نجاح أي حركة احتجاجية مرهون بوجود زعيم شعبي قادر على حشد المتظاهرين وتوحيد صفوفهم وتوجيههم، وكذلك ملء فراغ السلطة بعد سقوط النظام القائم.
وتمثلت نقطة ضعف رئيسية أخرى في موجة الاحتجاجات الحالية، بعجزها عن جذب الطبقات الاجتماعية منخفضة الدخل. ولأن القوة الدافعة للاحتجاجات كانت الدفاع عن حقوق المرأة ومعارضة الديكتاتورية، فإنه نادراً ما ترددت شعارات تتعلق بسبل العيش. لذلك، لم تجتذب الاحتجاجات الفصيل الضخم من ذوي الدخل المحدود الذين تتركز اهتماماتهم على قضايا الخبز وسبل العيش.
الأمر المحير أنه على امتداد مسيرة الجمهورية الإسلامية، وبغض النظر عمن ظهر زعيماً للمعارضة، داخل إيران وخارجها، بمن في ذلك القادة الإصلاحيون الذين جاءوا من رحم الطبقات الوسطى الحضرية، لم يظهر صوت معبر عن الأعداد الهائلة من الفقراء من أبناء الشعب.
وتبعاً لبيانات وزارة العمل، يعيش 30 مليون إيراني في «فقر مدقع». ويؤكد تقرير صادر عن وكالة «إيلنا» العمالية وهي وكالة شبه رسمية، أن سبعة من كل عشرة إيرانيين يعيشون تحت خط الفقر.
الواضح أن زعيم الثورة الإيرانية عام 1979، المرشد الأول (الخميني)، أدرك جيداً هذا الأمر، ما دفعه للتأكيد باستمرار على أن السمة الأساسية للحركة التي يتزعمها هي كونها ثورة للفقراء والحفاة والمضطهدين. كما اعتاد التعهد: «سنبني بيوتاً للمشردين بمختلف أرجاء إيران. وسنوفر للفقراء مياهاً وكهرباء مجاناً، وكذلك حافلات مجانية» ـ وإن كان أي من هذه الوعود لم يرَ النور.
أما شرح حالة الاقتصاد الإيراني المتداعي، فيحتاج إلى مقال منفصل. ويكفي أن نعرف أن أسعار المواد الغذائية قد شهدت ارتفاعاً هائلاً لدرجة أن إيران تحتل اليوم المرتبة الثالثة في «تضخم الغذاء الحقيقي» من بين 161 دولة، بعد زيمبابوي ولبنان، طبقاً لتقديرات البنك الدولي.
وسعياً من جهتها لحل الأزمة الاقتصادية، أقدمت إدارة رئيسي، حسب إملاءات المرشد خامنئي، على طباعة النقود بمعدل فلكي، ما أدى إلى انفجار الأسعار، وذلك بدلاً من السعي لرفع العقوبات الأميركية لزيادة الدخل من العملات الأجنبية والإفراج عن الأصول المجمدة، التي تقف البلاد اليوم في أمس الحاجة إليها.
أما سعر الصرف أمام الدولار، الذي كان 250 ألف ريال بداية رئاسة رئيسي، فقد ظل عند مستوى 400 ألف ريال حتى وقت كتابة هذا المقال، ما يعني ببساطة أنه في غضون 16 شهراً، فقدت العملة الوطنية 40 في المائة من قيمتها.
ومع تسارع انخفاض قيمة العملة الوطنية، يرى خبراء داخل إيران أن الاضطرابات الداخلية الحالية وعدم الاستقرار السياسي الناتج عنها، السبب الرئيسي وراء هذا الاتجاه.
ثمة عامل آخر أجج القلق بإيران، وزاد من اضطراب العملة الإيرانية، وهو الرحلة الأخيرة للرئيس الصيني شي جينبينغ للمملكة العربية السعودية. وحتى قبل هذه الرحلة، كانت الصين أكبر شريك تجاري للسعودية، وبلغ حجم التجارة بينهما 87 مليار دولار سنوياً. وأثناء الزيارة، جرى التوقيع على عدة مذكرات تفاهم بقيمة نحو 30 مليار دولار، وتوقيع «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، الأمر الذي عزز الانطباع السائد في إيران بأن الصين لا تنظر إلى إيران باعتبارها مصدراً موثوقاً لإمدادات النفط، بسبب عدم الاستقرار الداخلي للبلاد وسياستها الخارجية العدوانية، خصوصاً صراعها المستمر مع الولايات المتحدة. من ناحيته، أكد شي خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في أكتوبر (تشرين الأول)، أن «أمن الطاقة» يمثل أولوية رئيسية لبلاده.
دعم الصين لـ«مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة لحل سلمي لقضية الجزر الثلاث» الذي جاء في بيان رؤساء الدول العربية، نظراً للمكانة الاستثنائية التي تحتلها الصين في الاقتصاد والسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، والشكوك في أن مذكرة التفاهم الصينية الإيرانية لمدة 25 عاماً قد فقدت أهميتها، حير السياسيين الإيرانيين وجعل سوق العملات أكثر توتراً.
ويبدو أنه للخروج من العاصفة السياسية والاقتصادية الراهنة، تميل الجمهورية الإسلامية نحو العودة لطاولة المفاوضات لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق نووي. وبعد محادثات استغرقت ساعتين مع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على هامش مؤتمر «بغداد 2» في الأردن، أعلن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، استعداد بلاده لإنجاز محادثات فيينا على أساس مسودة حزمة المفاوضات التي جاءت نتيجة شهور من المحادثات المكثفة والصعبة. ومن شأن التوصل إلى اتفاق تعزيز قدرة الجمهورية الإسلامية على بيع النفط بدرجة كبيرة، وكذلك الإفراج عن الأموال المحجوبة في بنوك أجنبية، والتي أفاد ممثل عن الأمم المتحدة بأنها تتراوح بين 100 و120 مليار دولار.
ومع ذلك، فإن توقيع اتفاق نووي جديد قد يمنح النظام الإيراني هدنة مؤقتة، لكنه لن يحل المشاكل الهيكلية التي تزعزع استقرار النظام في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى.
الحقيقة أن أي اتفاق بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، سيأتي مفتقراً إلى الاستقرار. من ناحيته، يرفض خامنئي المحادثات وخفض التصعيد مع واشنطن، لأن استمرار العداء مع أميركا يشكل إحدى ركائز بقاء هذا النظام، مثلما أشرنا من قبل.
ومع ذلك، فإنه في إطار التاريخ المعاصر للعلاقات الدولية، يستحيل إيجاد مثال لبلدين في حالة صراع تتعذر تسويته، ولا يجريان محادثات حول سبل وقف التصعيد، ويظل اتفاق بينهما مستقراً. في ذروة الحرب الباردة، جرى توقيع كثير من الاتفاقيات لخفض التوتر بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. ويظل سيناريو انسحاب ترمب من الاتفاق النووي قابلاً للتكرار.
علاوة على ذلك، تبقى الفجوة الناجمة عن المواجهة العدائية بين معارضي النظام والحكومة شديدة العمق، لدرجة أن إسكات هذه الاحتجاجات لن يؤدي سوى إلى تأجيج غضب المكبوتين، مثل حريق تحت الرماد يترقب فرصة كي يشتعل. المؤكد أن هذه لن تكون نهاية الأمر.
وأخيراً، خلصت دراسة أجراها المكتب الوطني الأميركي للبحوث الاقتصادية، باستخدام نظرية الألعاب وبناء نموذج رياضي، إلى أن «الديكتاتوريين لا ينجون بسبب استخدامهم للقوة أو الآيديولوجية، وإنما لأنهم يقنعون الجمهور ـ عن صواب أو خطأ ـ بأنهم يتمتعون بالكفاءة. وإذا استنتج المواطنون أن الديكتاتور غير كفء، فإنهم يطيحون به عبر ثورة». وأظهرت الدراسة أن «الديكتاتوريين غير الأكفاء يمكنهم البقاء على قيد الحياة طالما أن الصدمات الاقتصادية التي تمنى بها بلادهم ليست بالغة الضخامة. وبحسب نتائج هذا البحث، مع التشكيك في كفاءة النظام لدى الضمير العام للمجتمع وانهيار الاقتصاد، تتشكل ثورة لتحل محل النظام الحاكم.
- محلل سياسي وصحافي مستقل


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

احتجز «الحرس الثوري» الإيراني، أمس، ناقلة نقط في مضيق هرمز في ثاني حادث من نوعه في غضون أسبوع، في أحدث فصول التصعيد من عمليات الاحتجاز أو الهجمات على سفن تجارية في مياه الخليج، منذ عام 2019. وقال الأسطول الخامس الأميركي إنَّ زوارق تابعة لـ«الحرس الثوري» اقتادت ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما إلى ميناء بندر عباس بعد احتجازها، في مضيق هرمز فجر أمس، حين كانت متَّجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي قبالة خليج عُمان. وفي أول رد فعل إيراني، قالت وكالة «ميزان» للأنباء التابعة للسلطة القضائية إنَّ المدعي العام في طهران أعلن أنَّ «احتجاز ناقلة النفط كان بأمر قضائي عقب شكوى من مدعٍ». وجاءت الو

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)

مقتل 6 رهائن في غزة ربما يكون مرتبطاً بضربة إسرائيلية

الجيش الإسرائيلي يقول إنه استعاد جثث 6 رهائن إسرائيليين من غزة (رويترز)
الجيش الإسرائيلي يقول إنه استعاد جثث 6 رهائن إسرائيليين من غزة (رويترز)
TT

مقتل 6 رهائن في غزة ربما يكون مرتبطاً بضربة إسرائيلية

الجيش الإسرائيلي يقول إنه استعاد جثث 6 رهائن إسرائيليين من غزة (رويترز)
الجيش الإسرائيلي يقول إنه استعاد جثث 6 رهائن إسرائيليين من غزة (رويترز)

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، إنه استعاد جثث 6 رهائن إسرائيليين من غزة في أغسطس (آب) ربما ارتبط مقتلهم بضربة جوية إسرائيلية بالقرب من موقع احتجازهم.

ووفقاً لـ«رويترز»، قال الجيش في بيان عن التحقيق في مقتل الرهائن: «في وقت الضربة، لم يكن لدى الجيش أي معلومات، ولا حتى شك، بأن الرهائن كانوا في المجمع تحت الأرض أو بالقرب منه».

وأضاف: «لو توافرت مثل هذه المعلومات، لما وقعت الضربة».

وجاء في البيان: «من المرجح بشدة أن وفاتهم ارتبطت بالضربة التي وقعت بالقرب من المكان الذي كانوا محتجزين فيه»، على الرغم من أن الملابسات الدقيقة لم تتضح بعد.

وقال الجيش إن الغارة الجوية وقعت في فبراير (شباط) بينما تم العثور على جثث الرهائن في أواخر أغسطس (آب).

وأضاف التقرير أن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن المسلحين أطلقوا النار عليهم في وقت الضربة نفسه. ومن المحتمل أيضاً أن يكونوا قد قتلوا بالفعل في وقت سابق، أو أنهم تعرضوا لإطلاق النار عليهم بعد وفاتهم بالفعل.

وجاء في التقرير: «بسبب مرور وقت طويل، لم يتسن تحديد سبب وفاة الرهائن بوضوح أو التوقيت الدقيق لإطلاق النار».

وقال مسؤول عسكري إسرائيلي في إفادة صحافية إن أحد التغييرات التي طبقها الجيش منذ استعادة جثث الرهائن في أغسطس هو التأكد من عدم وجود رهائن في المنطقة قبل إصدار الأمر بشن غارة ضد المسلحين.

وأضاف المسؤول أن ما خلص إليه الجيش هو أن المسلحين المستهدفين في فبراير (شباط) «قُتلوا نتيجة لتأثيرات ثانوية لضربتنا»، مثل نقص الأكسجين، لكن العديد من تفاصيل الواقعة لم يتم تأكيدها بالكامل.

وقال منتدى عائلات الرهائن والمفقودين الذي يضغط للمطالبة بتحرير أكثر من 100 رهينة من إسرائيل ودول أخرى يعتقد أنهم ما زالوا محتجزين في غزة، إن النتائج «تمثل دليلاً آخر على أن حياة الرهائن تواجه خطراً يومياً مستمراً... الوقت حاسم».

وشنت إسرائيل حملتها العسكرية على غزة بعد أن هاجم مقاتلون بقيادة حركة «حماس» بلدات في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهو الهجوم الذي أسفر، وفقاً لإحصاءات إسرائيلية، عن مقتل 1200 شخص واقتياد أكثر من 250 رهينة إلى غزة. وأُطلق سراح أقل من نصف الرهائن خلال هدنة وحيدة في الحرب استمرت أسبوعاً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وقالت السلطات الصحية في غزة إن الحملة العسكرية الإسرائيلية أسفرت عن مقتل أكثر من 44500 فلسطيني في القطاع الفلسطيني الذي تحول إلى أنقاض.