النظام السوري «يعايد» الدمشقيين بإزالة «السبع بحرات»

قرار اعتُبر «لزوم ما لا يلزم» في العاصمة الباردة والمظلمة

ساحة «السبع بحرات» الحالية وسط دمشق (مواقع)
ساحة «السبع بحرات» الحالية وسط دمشق (مواقع)
TT

النظام السوري «يعايد» الدمشقيين بإزالة «السبع بحرات»

ساحة «السبع بحرات» الحالية وسط دمشق (مواقع)
ساحة «السبع بحرات» الحالية وسط دمشق (مواقع)

عشية الأعياد فاجأت محافظة دمشق السوريين بإزالة إحدى أهم ساحات العاصمة دمشق بزعم تجديدها وتحويلها إلى «شكل أكثر جمالية بمنظور حضاري حديث»، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من انهيار اقتصادي وظروف معيشية قاهرة لعدم توفر مواد الطاقة والمحروقات، واضطرار الحكومة إلى التعطيل لمدة 9 أيام مستغلة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية.
ونشرت محافظة دمشق على صفحتها في «فيسبوك»، عشية العيد، بياناً بررت فيه إزالة ساحة «السبع بحرات»، حيث يقع البنك المركزي وسط العاصمة، وقالت: «إنه بالتعاون مع المجتمع الأهلي تأهيل سيتم تجديد ساحة (السبع بحرات)»، التي ستتحول إلى «شكل أكثر جمالية بمنظور حضاري حديث». وأوضحت أن «عملية التأهيل لن تعوق حركة السير والمرور في المنطقة؛ إذ تم وضع مدة زمنية تصل إلى 6 أشهر كحد أقصى لإنجاز العمل». وجرى تداول صور عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتصميم الذي قيل إنه سيتم تنفيذه في الساحة.
قرار المحافظة أثار الاستياء والسخرية السوداء بين السوريين؛ لأن تصميم الساحة كان جميلاً، وتجديدها ليس من الأولويات في مدينة غارقة في الظلام، والغلاء الفاحش ينهش يومياتها، وشلل حركة السير يقطع أوصالها. مهندسة معمارية علقت بأسف على قرار إزالة الساحة، بقولها: «مع كل قرار يبرهنون على أن مهاراتهم بالتخريب والتدمير تفوق مهاراتهم بالإعمار وإعادة التأهيل، وكأنما خُلقوا لتدمير البلاد». متسائلة: «هل لدى الدولة فائض مالي حتى تذهب إلى تجميل لزوم ما لا يلزم، أو أن الفاسدين لم يصلوا لحد الكفاية من النهب؟ وكان الأجدى منع معمل أو حتى ورشة صغيرة من الإغلاق».
مصادر محلية في دمشق قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار المحافظة مريب ويثير العديد من الشكوك؛ لأن وضع ساحة «السبع بحرات» التي يقع فيها البنك المركزي، جيد، قياساً إلى أماكن أخرى كثيرة في العاصمة بحاجة للإصلاح والترميم. ووصفت هدم الساحة في هذه الظروف بالعمل «الاستفزازي»؛ لأنه يتزامن مع إغلاق عشرات المحلات والورش الحرفية في الشوارع المحيطة بالساحة، بسبب أزمة الكهرباء والمحروقات، ناهيك بإغلاق نحو 50 في المائة من المعامل في مدينة عدرا الصناعية بريف دمشق، بسبب أزمة المحروقات ومواد الطاقة، وتخفيض باقي المعامل إنتاجها وعدد أيام العمل بنسبة تتجاوز الـ50 في المائة، وهو مؤشر خطير عن مستوى الانهيار الاقتصادي. ورجحت المصادر أن محافظة دمشق اتخذت قرار إعادة تأهيل ساحة «السبع بحرات»، لوجود فائض مالي في ميزانيتها مع نهاية العام توجب عليها إنفاقه بأي مشروع، إلا أن مدير الدراسات الفنية في محافظة دمشق المهندس معمر الدكاك، قال في تصريح للإعلام المحلي، إن «تأهيل (ساحة السبع) هو بتمويل من المجتمع الأهلي بدمشق وبإشراف المحافظة». وأوضح أن أعمال التأهيل تشمل إعادة تجديد البلاط والرخام البازلتي، وتحديث تمديدات الإنارة، مع المحافظة على البحيرات المائية السبع بصورة جمالية تتناسب مع محيطها، ووضع كرة معدنية مصنوعة من مادة الكروم في منتصف تموضع «البحرات السبع».
يُذكر أن إنشاء ساحة «السبع بحرات» وسط مدينة دمشق، تم عام 1925 في ظل الانتداب الفرنسي، وسُميت باسم الضابط الفرنسي الكابتن ديكار بانتري، قائد فرقة الهجانة الفرنسية «حرس البادية»، الذي قتله الثوار السوريون في المكان ذاته عام 1921. وتم تصميم الساحة على شكل قبة محمولة على 4 أعمدة تنتهي بأقواس النصب التذكاري، ويحيط به بحرات سبع (نوافير) متضائلة الحجم، وصولاً إلى البحرة الرئيسة. وبعد جلاء الانتداب عام 1946 تم إزالة النصب التذكاري الفرنسي وسُميت الساحة بـ«ساحة 17 نيسان»، تخليداً لذكرى يوم الجلاء. وفي عام 1973 أعيد تسميتها باسم «ساحة التجريدة المغربية»، تيمناً باسم الكتيبة العسكرية المغربية التي شاركت في «حرب تشرين» في ذلك العام، إلا أن سكان دمشق تمسكوا بتسميتها ساحة «السبع بحرات».


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».