ليلي بريك وفلاديمير ماياكوفسكي: الحب على الحافة بين الشعر والانتحار

اختطفته من أختها إلسا تريوليه وأولمت قلبها لرجال كثيرين

ليلي بريك وفلاديمير ماياكوفسكي: الحب على الحافة بين الشعر والانتحار
TT

ليلي بريك وفلاديمير ماياكوفسكي: الحب على الحافة بين الشعر والانتحار

ليلي بريك وفلاديمير ماياكوفسكي: الحب على الحافة بين الشعر والانتحار

يصعب على نقاد الشعر ودارسيه ألا يتوقفوا ملياً عند التجربة المهمة والثرية لفلاديمير ماياكوفسكي الذي استطاع رغم قصر حياته أن يحقن القصيدة الروسية بلغة جديدة وطازجة، وأن يمهرها ببصمته وتوقيعه الخاصين. وإذا كان الشعر الروسي قد انتظر طويلاً ظهور ألكسندر بوشكين في القرن التاسع عشر لكي ينقله من طور إلى طور ويشهد على يديه ولادته الحقيقية، فإنه يدين بولادته الثانية لعدد من شعراء «العصر الفضي» الذين قضى معظمهم انتحاراً، من أمثال يسينين وباسترناك وبلوك وأخماتوفا، كما لماياكوفسكي على وجه الخصوص، وهو الذي تمكن بما يمتلكه من موهبة عالية وحساسية مختلفة إزاء اللغة والعالم، من تجاوز المنجز الإبداعي لأسلافه، ومن وضع الشعر الروسي في قلب المغامرة الحداثية للقرن العشرين.
ولأن الطفولة بالذات هي البوصلة الأصلية التي تحدد وجهة سير الحياة برمتها، فقد كان فقدان ماياكوفسكي المبكر لأبيه هو الحدث الأكثر مأساوية في حياة الطفل المولود في جورجيا عام 1893، حيث اضطرت العائلة للانتقال إلى موسكو لتواجه هناك حالة من الفاقة والعوز تسببت في فصل الفتى عن الدراسة عام 1908، الأمر الذي ترك خدوشه العميقة في قلبه ووجدانه، وكان السبب الأبرز في اعتناقه الفلسفة الماركسية وانضمامه إلى صفوف الحزب البلشفي المناهض للحكم القيصري، وهو لا يزال في الخامسة عشرة من عمره. أما تجربة السجن التي واجهها المراهق الممتلئ حماسة وسعياً إلى التغيير، إثر إدانته بتهريب بعض النسوة الثائرات من السجون، فقد مكنته على قسوتها من تعميق ثقافته وإيجاد الوقت اللازم لقراءة بايرون وشكسبير وتولستوي وغيرهم.
ومع انتسابه اللاحق إلى معهد الفنون الجميلة في موسكو لم يتأخر ماياكوفسكي في الانضمام إلى حركة المستقبليين الروس الذين أصغوا بإمعان مشوب بالدهشة إلى نصوصه المبكرة، واصفين إياه بالشاعر العبقري. أما معرفته بإلسا تريوليه التي ستصبح في حقبة لاحقة حبيبة الشاعر الفرنسي أراغون وزوجته فناجمة عن زيارة الشاعر إلى منزل العائلة الثرية ليبيع قصيدته «ثورة الأشياء» بفعل الضائقة المالية التي كان يكابدها آنذاك.
«لقد كان يذرع شوارع موسكو بهامته الشاهقة على رؤوس غيره من المارة. تلك الهامة العجيبة ذات الجمجمة الضخمة المستديرة، والوجنتين المستطيلتين الغائرتين والفك القوي، والعينين الكستنائيتين الذاهلتين. وكانت تحمله قدمان قويتان، فيما القسم الأعلى من جسمه يتخذ بمنكبيه العريضين شكل تمثال نصفي»، بهذه الدقة الحاذقة ترسم إلسا تريوليه بورتريها شديد الدقة لملامح ماياكوفسكي الذي سحرها بشعره وحضوره دون أن تتحرج رغم ذلك من الحديث عن هندامه الفوضوي وقميصه الأصفر الفاقع ذي الكمين النصفيين، أو عن اعتداده بنفسه، وهو الذي كان يمهر رسائله لها بعبارة «رائد المستقبل فلاديمير ماياكوفسكي».
لم تكن العلاقة العاطفية التي ربطت بين إلسا وماياكوفسكي لسنتين اثنتين خافية على أحد، حيث كان الشاعر يتردد على منزل الفتاة العائلي دون أي ممانعة من الوالدين المثقفين والمنتميين إلى الطائفة اليهودية، الأمر الذي أتاح لابنتيهما ليلي وإلسا أن يتعلقا بدورهما بالثقافة والأدب والفن ويتقنا لغات عدة، فضلاً عن جمالهما الباهر الذي تنافس على تخليده في وقت لاحق فنانون كبار من وزن شاغال وليجيه وماتيس. إلا أن تريوليه تمر على تلك العلاقة بشكل عرضي في كتابها عن ماياكوفسكي الذي نشرته بعد سنوات من انتحاره. وهي بالطريقة نفسها تشير إلى علاقة ماياكوفسكي بليلي مركزة بالمقابل على الجانبين الإبداعي والعقائدي من حياته القصيرة، كما لو أن دخول أختها على خط العلاقة واختطاف عشيقها منها هو بالنسبة لها أمر عادي لا يستحق العناء. ولعل الأسلوب التلقائي والبارد الذي عرضت فيه إلسا للجانب العاطفي من علاقتها بماياكوفسكي يعود على الأرجح لعلاقة الحب العاصفة التي كانت قد جمعتها بأراغون وتم تتويجها بالزواج، وما رتبه ذلك عليها من إغضاء متعمد عن تفاصيل غرامياتها السابقة، رغم إقرارها الصريح بتلك العلاقة. كما يعكس من ناحية أخرى الوطأة الثقيلة للآيديولوجيا الماركسية في تلك الحقبة، حيث أولوية النضال الثوري تتقدم على كل شأن آخر. فيما السبب الثالث متصل بعدم رغبة إلسا في الإقرار بهزيمتها أمام ليلي، أو بفتح معركة خاسرة وغير متكافئة مع أختها الكبرى.
لا تنفي إلسا في كتابها عن ماياكوفسكي علاقتها العاطفية والجسدية به. ومع ذلك فهي تحاول الإيحاء للقارئ بأنها هي التي قررت قطع علاقتها بالشاعر، كمحاولة منها للتخفيف من غضب الأم، بخاصة بعد أن سألتها أختها المتزوجة ليلي إثر زيارتها لمنزل العائلة: «من هو هذا الماياكوفسكي الذي يتردد على منزلنا؟ وإذا كنت تصرين على معاشرته فإن ما تفعلينه يحمل والدتنا على البكاء». والأرجح أن كبرياء تريوليه الجريح، هو الذي دفعها للقول بأنها قد أخلت الساحة بشكل طوعي لأختها الشرهة للرجال، مع أن الدلائل كلها كانت تشير إلى أن ما حدث كان أقرب إلى عملية اختطاف أو قرصنة عاطفية.
لم يكن زواج ليلي من الناقد الحداثي المستقبلي أوسيب بريك عام 1912، ليردعها رغم ذلك عن محاولة الظفر بقلب الشاعر المتعطش إلى الحب، الذي حدست بما تملكه من ثقافة وتبصر بمكانته اللاحقة في عالم الإبداع. حرضت ليلي زوجها المعجب بدوره بماياكوفسكي بأن يُخرجا زواجهما من ربقة المؤسسة وجدرانها الضيقة ويحولاه إلى نوع من الزواج الحر «المفتوح»، وأقنعته بتحويل منزلهما العائلي إلى صالون أدبي دوري يلتقي في رحابه مبدعو روسيا وكتابها ونُخبها المثقفة. وهو ما أتاح للزوجة الشرهة إلى متع الحياة المختلفة ألا تكتفي بجعل ماياكوفسكي عشيقاً علنياً لها، بل حرصت أشد الحرص على توسيع سريرها الزوجي بما يجعله قابلاً للتقاسم بين الأطراف الثلاثة، الزوج والزوجة والعشيق. ولم تكن رغبة ليلي التي اعتبرها بابلو نيرودا ملهمة الحداثة الأدبية الروسية في أن تكون ملهمة ماياكوفسكي وعشيقته الأثيرة بعيدة عن التحقق باعتبار أنها هي بالذات المرأة التي تقف وراء أعظم وأجمل أشعاره، وبينها القصيدة الأكثر شهرة وتميزاً «غيمة في سروال» التي كتبها عام 1915 ويقول فيها:

«ماذا يهم، تزوجي فسأصمد
أترين كم أنا هادئ كنبض الموتى؟
أنت الجيوكندا التي ينبغي أن تُسرق وقد سرقوها بالفعل
ومرة أخرى أخرج إلى اللعبة عاشقاً
والنار تضيء حاجبي المحنيين
وتشاكسينني مشاكسة القرش للشحاذ
ولديكِ من الزمرد ما يسلب العقل»
إلا أن إلسا تريوليه تتعمد في كتابها عن ماياكوفسكي ترك الباب موارباً فيما يخص استمرار علاقتها به. فهي إذ تشير غير مرة إلى ارتباطه العاطفي بليلي تلمح من جهة أخرى إلى أن علاقتهما الشخصية لم تنقطع تماماً. وهو ما يظهر جلياً في حديثها عن أن ماياكوفسكي كان يبحث عن أسباب مختلفة لمخاصمتها، وأن أختها الكبرى هي التي كانت تتدخل باستمرار لتهدئة الخصام. ثم في أي خانة غير خانة الحب أو ما شابهه يمكننا أن نضع قول إلسا الحرفي «لقد عدت إلى باريس حيث لم يكن ينتظرني أحد. وقد سافر ماياكوفسكي إلى هناك مراراً وساد بيننا سلام ضمني. ولكم كنت أحب الذهاب إلى المحطة لأنتظره!»، خصوصاً أن علامة التعجب التي وضعتها تريوليه في نهاية المقطع، تتكفل أكثر من سواها بحملنا إلى حيث ينبغي أن نذهب.
ورغم كل ذلك فإن بريك بالذات كانت بالنسبة لشاعر الثورة السوفياتية الأبرز المرأة التي قلبت حياته رأساً على عقب على امتداد خمسة عشر عاماً من علاقتهما الحميمة والعاصفة. فهي لم تحظ بالقسم الأوفر من قصائده فحسب، بل بعث لها بعشرات الرسائل التي تحولت مع الزمن إلى واحدة من أبرز الوثائق العاطفية والثقافية والسياسية في القرن الفائت. ومع ذلك فإن الصورة التي تركتها ليلي في أذهان معاصريها، كما الأجيال اللاحقة، لم تكن بالقطع صورة المرأة المثقفة ومتعددة المواهب، بل المرأة اللعوب والشريرة، التي عملت على إغواء الكثير من الرجال وإيقاعهم في حبائل فتنتها الطاغية وجمالها الآسر. وإذ أبدى زوجها ذو العقل المنفتح والأفكار الفوضوية الكثير من التفهم لعلاقاتها مع الرجال لم يلبث أن حسم قراره بالانفصال عنها إثر حملها من الموسيقي المؤلف غريغوري كراين، ثم إجهاضها للجنين، وعدم تمكنها لاحقاً من الإنجاب. إلا أن ليلي التي استوقفها اهتمام زوجها بشعر ماياكوفسكي وترويجه لمؤلفاته آثرت أن تحتفظ بالطرفين معاً، الزوج والعشيق في آن واحد.
على المستوى الشعري، كان نجم ماياكوفسكي يتجه نحو مزيد من السطوع في عشرينيات القرن المنصرم. ومع ذلك فقد بدت حادثة انتحاره عام 1930 أقرب إلى اللغز الذي لم يتم فك شفرته بالكامل حتى اليوم. فثمة من ربط قراره التراجيدي بالانتحار بالهجمات التي كانت تشن عليه من غير جهة وفريق. فالمتعصبون للنظام السياسي وشعرية التعبئة الدعائية أخذوا عليه إغراقه المطرد في الرمزية والتعقيد، في حين أن الرمزيين والمستقبليين رأوا في قصائده السياسية كقصيدته عن لينين على سبيل المثال لا الحصر نوعاً من الارتداد السلبي عن مغامرة الحداثة وتوجهاتها التغييرية الجذرية. إلا أن دارسين ومؤرخين آخرين ذهبوا إلى تحميل ليلي بريك بالذات مسؤولية انتحاره، وهي التي لم تتورع رغم تعلقها به عن نسج علاقات غرامية متفاوتة العمق مع فنانين وشعراء وسينمائيين كثر، من أمثال ألكسندر روشينكو وإيف سان لوران وبازوليني وأراغون وآخرين. كما أن عشرات الرسائل التي تركها الشاعر المنتحر خلفه، والتي لم يُكشف عن معظمها بعد، تقدم تلميحات متفاوتة الوضوح عما تسببت به المرأة التي التحقت بجهاز المخابرات الروسية لصاحب «مزمار الفقرات» من جروح نفسية وعصبية بالغة. ومع أن ماياكوفسكي لم يشأ أن يحمل أحداً غير الحياة نفسها مسؤولية ما فعله بنفسه حين كتب قبيل انتحاره بلحظات «إنني أموت، فلا تتهموا أحداً ولا حاجة بكم إلى التقول. إنها ليست طريقة للموت ولا أنصح أحداً بها، ولكنني لم أجد لنفسي نهاية أخرى». فإن عبارته اللاحقة «ليلي امنحيني حبك» ليست سوى إشارة ضمنية إلى ما كان يعانيه من شحها العاطفي ومن حاجته إلى الاحتضان، حيث أراد من امرأته المخاتلة أن تعطيه بعد موته ما لم تعطه إياه في حياته. أما بريك من جهتها فقد كتبت مقالة مطولة عن انتحاره تقول فيها «لقد أحب ماياكوفسكي الحياة بشوق كبير. لقد أحبها بكل تجلياتها، الثورة، الفن، العمل، أنا، المرأة، الإثارة والهواء الذي يتنفس. لكنه أدرك أنه لم يكن قادراً على دحر الكِبَر، وبخوف رهيب راح ينتظره منذ صباه المبكر». لكن هاجس الخوف من الشيخوخة لا يمكن أن يكون السبب الأبرز لانتحار شاعر من وزن ماياكوفسكي، متفرد وشغوف بالحياة، الذي لم يكن يتجاوز حينها عتبة السابعة والثلاثين. وما قالته ليلي في هذا الصدد، لم يكن سوى محاولة مكشوفة لتضليل قراء الشاعر ومحبيه، ولنفي أي دور لها في إيصاله إلى مأساته.
وقد يكون شعور ليلي بالذنب إزاء ما فعله ماياكوفسكي بنفسه، هو الذي جعلها تطلب من ستالين إعادة الاعتبار للشاعر الراحل والسماح لمؤلفاته بالتداول بعد أن تعرض بُعيد انتحاره لحملات التخوين، كما للمنع والتغييب الكاملين. وإذا كان قد قُدر لليلي أن تعيش طويلاً بعد عاشقها المنتحر، وتنتقل بعد طلاقها النهائي من أوسيب من عشيق إلى عشيق ومن زواج إلى آخر، فإن من سخريات القدر ومفارقاته الأكثر غرابة، أن تُقْدم هي الأخرى على الانتحار بواسطة الحبوب المنومة بعد أن كسرت وركها في حادثة سقوط مؤلمة، وخشية من أن تصبح في شيخوختها عالة على أحد. وكأنها أرادت بذلك أن تشاطر الرجل الذي أحبها حتى الثمالة طريقته في الموت معتذرة بصورة مواربة عما ألحقته به من عذابات.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

أسدل مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» الستار على دورته الـ45 في حفل أُقيم، الجمعة، بإعلان جوائز المسابقات المتنوّعة التي تضمّنها. وحصدت دول رومانيا وروسيا والبرازيل «الأهرامات الثلاثة» الذهبية والفضية والبرونزية في المسابقة الدولية.

شهد المهرجان عرض 190 فيلماً من 72 دولة، كما استحدث مسابقات جديدة لأفلام «المسافة صفر»، و«أفضل فيلم أفريقي»، و«أفضل فيلم آسيوي»، إلى جانب مسابقته الدولية والبرامج الموازية.

وكما بدأ دورته بإعلان تضامنه مع لبنان وفلسطين، جاء ختامه مماثلاً، فكانت الفقرة الغنائية الوحيدة خلال الحفل لفرقة «وطن الفنون» القادمة من غزة مع صوت الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهو يُلقي أبياتاً من قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وأكد رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، أنّ «الفنّ قادر على سرد حكايات لأشخاص يستحقون الحياة»، موجّهاً الشكر إلى وزير الثقافة الذي حضر حفلَي الافتتاح والختام، والوزارات التي أسهمت في إقامته، والرعاة الذين دعّموه. كما وجّه التحية إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسِّس مهرجان «الجونة» الذي حضر الحفل، لدعمه مهرجان «القاهرة» خلال رئاسة فهمي الأولى له.

المخرجة السعودية جواهر العامري وأسرة فيلمها «انصراف» (إدارة المهرجان)

وأثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعالياته؛ فقالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ «عدم حضوره قد يشير إلى وقوع خلافات»، مؤكدةً أنّ «أي عمل جماعي يمكن أن يتعرّض لهذا الأمر». وتابعت لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عصام زكريا ناقد كبير ومحترم، وقد أدّى واجبه كاملاً، وهناك دائماً مَن يتطلّعون إلى القفز على نجاح الآخرين، ويعملون على الإيقاع بين أطراف كل عمل ناجح». وعبَّرت الناقدة المصرية عن حزنها لذلك، متمنيةً أن تُسوَّى أي خلافات خصوصاً بعد تقديم المهرجان دورة ناجحة.

وفي مسابقته الدولية، فاز الفيلم الروماني «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم للمخرج والمنتج بوجدان موريشانو، كما فاز الفيلم الروسي «طوابع البريد» للمخرجة ناتاليا نزاروفا بجائزة «الهرم الفضي» لأفضل فيلم، وحصل الفيلم البرازيلي «مالو» للمخرج بيدرو فريري على جائزة «الهرم البرونزي» لأفضل عمل أول.

وأيضاً، حاز لي كانغ شنغ على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي «قصر الشمس الزرقاء»، والممثل الروسي ماكسيم ستويانوف عن فيلم «طوابع البريد». كما حصلت بطلة الفيلم عينه على شهادة تقدير، في حين تُوّجت يارا دي نوفايس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم البرازيلي «مالو»، وحصل الفيلم التركي «أيشا» على جائزة أفضل إسهام فنّي.

الفنانة كندة علوش شاركت في لجنة تحكيم أفلام «المسافة صفر» (إدارة المهرجان)

وأنصفت الجوائز كلاً من فلسطين ولبنان، ففاز الفيلم الفلسطيني «حالة عشق» بجائزتَي «أفضل فيلم» ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ولجنة التحكيم الخاصة. وأعربت مخرجتاه منى خالدي وكارول منصور عن فخرهما بالجائزة التي أهدتاها إلى طواقم الإسعاف في غزة؛ إذ يوثّق الفيلم رحلة الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة داخل القطاع. ورغم اعتزازهما بالفوز، فإنهما أكدتا عدم شعورهما بالسعادة في ظلّ المجازر في فلسطين ولبنان.

وكانت لجنة تحكيم «أفلام من المسافة صفر» التي ضمَّت المنتج غابي خوري، والناقد أحمد شوقي، والفنانة كندة علوش؛ قد منحت جوائز لـ3 أفلام. وأشارت كندة إلى أنّ «هذه الأفلام جاءت طازجة من غزة ومن قلب الحرب، معبِّرة عن معاناة الشعب الفلسطيني». وفازت أفلام «جلد ناعم» لخميس مشهراوي، و«خارج التغطية» لمحمد الشريف، و«يوم دراسي» لأحمد الدنف بجوائز مالية قدّمتها شركة أفلام «مصر العالمية». كما منح «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، برئاسة الإعلامي عمرو الليثي، جوائز مالية لأفضل 3 أفلام فلسطينية شاركت في المهرجان، فازت بها «أحلام كيلومتر مربع»، و«حالة عشق»، و«أحلام عابرة».

ليلى علوي على السجادة الحمراء في حفل الختام (إدارة المهرجان)

وحصد الفيلم اللبناني «أرزة» جائزتين لأفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود، وأفضل سيناريو. فأكدت بو عبود تفاؤلها بالفوز في اليوم الذي يوافق عيد «الاستقلال اللبناني»، وأهدت الجائزة إلى أسرة الفيلم وعائلتها.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة التي رأست لجنة تحكيمها المخرجة ساندرا نشأت، فاز الفيلم السعودي «انصراف» للمخرجة جواهر العامري بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقالت جواهر، في كلمتها، إن المهرجان عزيز عليها، مؤكدة أنها في ظلّ فرحتها بالفوز لن تنسى «إخوتنا في فلسطين ولبنان والسودان». أما جائزة أفضل فيلم قصير فذهبت إلى الصيني «ديفيد»، وحاز الفيلم المصري «الأم والدب» على تنويه خاص.

كذلك فاز الفيلم المصري الطويل «دخل الربيع يضحك» من إخراج نهى عادل بـ4 جوائز؛ هي: «فيبرسي» لأفضل فيلم، وأفضل إسهام فنّي بالمسابقة الدولية، وأفضل مخرجة، وجائزة خاصة لبطلته رحاب عنان التي تخوض تجربتها الأولى ممثلةً بالفيلم. وذكرت مخرجته خلال تسلّمها الجوائز أنها الآن فقط تستطيع القول إنها مخرجة.

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

كما فاز الفيلم المصري «أبو زعبل 89» للمخرج بسام مرتضى بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى تنويه خاص ضمن مسابقة «أسبوع النقاد». ووجَّه المخرج شكره إلى الفنان سيد رجب الذي شارك في الفيلم، قائلاً إنّ الجائزة الحقيقية هي في الالتفاف الكبير حول العمل. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النجاح الذي قُوبل به الفيلم في جميع عروضه بالمهرجان أذهلني»، وعَدّه تعويضاً عن فترة عمله الطويلة على الفيلم التي استغرقت 4 سنوات، مشيراً إلى قُرب عرضه تجارياً في الصالات. وحاز الممثل المغربي محمد خوي جائزة أفضل ممثل ضمن «آفاق السينما العربية» عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا».

بدوره، يرى الناقد السعودي خالد ربيع أنّ الدورة 45 من «القاهرة السينمائي» تعكس السينما في أرقى عطائها، بفضل الجهود المكثَّفة لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا، وحضور الفنان حسين فهمي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الدورة حظيت بأفلام ستخلّد عناوينها، على غرار فيلم (هنا) لتوم هانكس، والفيلم الإيراني (كعكتي المفضلة)، و(أبو زعبل 89) الذي حقّق معادلة الوثائقي الجماهيري، وغيرها... وكذلك الندوات المتميّزة، والماستر كلاس الثريّة».