الجزائر لتشديد الرقابة على تمويل «أنشطة الإرهاب»

من خلال قانون جديد يدقق في مصادر الهبات الممنوحة للمؤسسات والأفراد

رشيد طبي (وزارة العدل)
رشيد طبي (وزارة العدل)
TT

الجزائر لتشديد الرقابة على تمويل «أنشطة الإرهاب»

رشيد طبي (وزارة العدل)
رشيد طبي (وزارة العدل)

شددت الحكومة الجزائرية من ترسانتها القانونية، في إطار محاربة غسل الأموال وعلاقته بالأنشطة الإرهابية، من خلال إطلاق قانون ينص على تعزيز مراقبة الهبات والتبرعات المالية التي تتسلمها التنظيمات والجمعيات ذات الطابع الخيري؛ خصوصاً التي يكون مصدرها الخارج.
وأكد وزير العدل رشيد طبي، أول من أمس، بالعاصمة، خلال عرضه «مشروع قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما»، على البرلمان: «ضرورة اتخاذ الجمعيات والمنظمات غير الربحية قواعد التصرف الحذر، لا سيما الامتناع عن قبول التبرعات والمساعدات المالية المجهولة المصدر، أو المتأتية من أعمال غير مشروعة، أو من أشخاص أو تنظيمات، أو هياكل ثبت تورطهم داخل تراب الجمهورية أو خارجه في أنشطة لها علاقة بالجرائم الإرهابية، وكذا الامتناع عن قبول أي مبالغ مالية نقدية دون رخصة من الوزارة المختصة».
والمعنيون أيضاً بالقانون -حسب الوزير- المؤسسات المالية التي «تمارس لأغراض تجارية، أنشطة أو عمليات باسم أو لحساب زبون، على غرار تلقي الأموال والودائع الأخرى القابلة للاسترجاع، والقروض أو السلفيات، وغيرها من العمليات الأخرى». كما يخص -وفق تصريحات طبي- المؤسسات والمهن غير المالية التي «تمارس نشاطات غير تلك التي تمارسها المؤسسات المالية، بما في ذلك المهن الحرة المنظمة، مثل المحامين عند قيامهم بمعاملات ذات خصائص مالية لحساب موكليهم، والموثقين والمحضرين القضائيين، ومحافظي البيع بالمزايدة وخبراء المحاسبة، وغيرهم من الملزمين بتطبيق التدابير الوقائية، بما فيها القيام بالإخطار بالشبهة».
ولتفادي الوقوع تحت طائلة العقوبات، طالب ممثل الحكومة المؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني بـ«التبليغ عن العمليات المشبوهة»، مبرزاً أن مشروع القانون «يلزم الخاضعين بإبلاغ الهيئة المتخصصة (خلية معالجة الاستعلام المالي بوزارة المالية) بكل عملية يشتبه بأنها تتعلق بأموال متحصل عليها من جريمة أصلية، أو مرتبطة بتبييض الأموال، أو لها علاقة بتمويل الإرهاب، أو تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل».
وأضاف طبي أن مشروعه ينص على «إلزام الخاضعين للقانون الجديد المرتقب باتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة، لتحديد وتقييم مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والتي يتعين أن تتناسب مع طبيعة وحجم أنشطتهم وطبيعة الخطر».
ويتناول نص الحكومة «توسيع مجال التعاون الدولي في كل ما يتعلق بطلبات التحقيق والإنابات القضائية الدولية، وتسليم الأشخاص المطلوبين».
وأبرمت الجزائر اتفاقات قضائية مع عدة دول، تسمح بتسليم أشخاص مدانين بتهم الفساد. ومن أشهر الأمثلة: تسليم الإمارات العربية المتحدة رئيس مجموعة «سوناطراك» للمحروقات، عبد المؤمن ولد قدور، العام الماضي، لاتهامه بـ«غسل أموال» و«سوء التسيير». وفي عام 2013، سلَّمت بريطانيا مالك بنك «الخليفة» الخاص، رفيق خليفة، لضلوعه أيضاً في «غسل أموال».
ومن أهم التعديلات التي وردت في مشروع القانون الجديد -حسب وزير العدل- مقارنة بالنص السابق (يعود إلى 2006): «مصادرة الأموال حتى في حالة غياب حكم بالإدانة، إذا كانت تشكل عائدات ناتجة عن ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في النص الجديد».
وتتهم الحكومة رسمياً تنظيمين صنفتهما العام الماضي «جماعتين إرهابيتين» بـ«تلقي تمويلات مشبوهة من الخارج، بغرض تنفيذ أعمال إرهابية في الداخل»، هما: «حركة الحكم الذاتي في منطقة القبائل»، و«حركة رشاد» ذات التوجه الإسلامي. وجرى اعتقال عشرات من المنتسبين إليهما، وإدانتهم بالسجن بتهم «الإرهاب»، وأصدرت المحاكم مذكرات اعتقال دولية ضد قادة التنظيمين، اللاجئين -في معظمهم- بأوروبا، بعد إدانتهم غيابياً بأحكام ثقيلة بالسجن.


مقالات ذات صلة

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

شمال افريقيا الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

الجزائر تحشد إمكانات كبيرة لتجنب عودة حرائق الغابات

أكد وزيران جزائريان استعداد سلطات البلاد لتجنب سيناريو موسم الحرائق القاتل، الذي وقع خلال العامين الماضيين، وسبّب مقتل عشرات الأشخاص. وقال وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري، عبد الحفيظ هني، في ندوة استضافتها وزارته مساء أمس، إن سلطات البلاد أعدت المئات من أبراج المراقبة والفرق المتنقلة، إضافة لمعدات لوجيستية من أجل دعم أعمال مكافحة الحرائق، موضحاً أنه «سيكون هناك أكثر من 387 برج مراقبة، و544 فرقة متنقلة، و42 شاحنة صهريج للتزود بالمياه، و3523 نقطة للتزود بالمياه، و784 ورشة عمل بتعداد 8294 عوناً قابلاً للتجنيد في حالة الضرورة القصوى».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

الجزائر: التماس بسجن وزير سابق 12 سنة مع التنفيذ

التمست النيابة بمحكمة بالجزائر العاصمة، أمس، السجن 12 سنة مع التنفيذ بحق وزير الموارد المائية السابق، أرزقي براقي بتهمة الفساد. وفي غضون ذلك، أعلن محامو الصحافي إحسان القاضي عن تنظيم محاكمته في الاستئناف في 21 من الشهر الحالي، علماً بأن القضاء سبق أن أدانه ابتدائياً بالسجن خمس سنوات، 3 منها نافذة، بتهمة «تلقي تمويل أجنبي» لمؤسسته الإعلامية. وانتهت أمس مرافعات المحامين والنيابة في قضية الوزير السابق براقي بوضع القضية في المداولة، في انتظار إصدار الحكم الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

رئيس الشورى السعودي يدعو من الجزائر لتوسيع الاستثمار ومصادر الدخل

استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقر القصر الرئاسي بالجزائر، الثلاثاء، الدكتور عبد الله آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى السعودي الذي يقوم بزيارة رسمية؛ تلبية للدعوة التي تلقاها من رئيس مجلس الأمة الجزائري. وشدد آل الشيخ على «تبادل الخبرات لتحقيق المصالح التي تخدم العمل البرلماني، والوصول إلى التكامل بين البلدين اللذين يسيران على النهج نفسه من أجل التخلص من التبعية للمحروقات، وتوسيع مجالات الاستثمار ومصادر الدخل»، وفق بيان لـ«المجلس الشعبي الوطني» الجزائري (الغرفة البرلمانية). ووفق البيان، أجرى رئيس المجلس إبراهيم بوغالي محادثات مع آل الشيخ، تناولت «واقع وآفاق العلاقات الثنائية الأخوية، واس

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

الجزائر: السجن بين 10 و15 سنة لوجهاء نظام بوتفليقة

قضت محكمة الاستئناف بالعاصمة الجزائرية، أمس، بسجن سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل، 12 سنة مع التنفيذ، فيما تراوحت الأحكام بحق مجموعة رجال الأعمال المقربين منه ما بين ثماني سنوات و15 سنة مع التنفيذ، والبراءة لمدير بنك حكومي وبرلماني، وذلك على أساس متابعات بتهم فساد. وأُسدل القضاء الستار عن واحدة من أكبر المحاكمات ضد وجهاء النظام في عهد بوتفليقة (1999 - 2019)، والتي دامت أسبوعين، سادها التوتر في أغلب الأحيان، وتشدد من جانب قاضي الجلسة وممثل النيابة في استجواب المتهمين، الذي بلغ عددهم 70 شخصاً، أكثرهم كانوا موظفين في أجهزة الدولة في مجال الاستثمار والصفقات العمومية، الذين أشارت التحقيقات إلى تو

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

قال محامون في الجزائر إن المحكمة العليا قبلت طعناً بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً، بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل، بناءً على توجيهات من تنظيم إرهابي»، يُسمى «حركة الحكم الذاتي في القبائل».

صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

وأكد المحامي والحقوقي الشهير، مصطفى بوشاشي، الذي ترافع لصالح بعض المتهمين، لصحافيين، أن أعلى غرفة الجنايات بأعلى هيئة في القضاء المدني نقضت، مساء أمس الخميس، الأحكام التي صدرت فيما بات يعرف بـ«قضية الأربعاء ناث إراثن»، وهي قرية ناطقة بالأمازيغية (110 كيلومترات شرق)، شهدت في صيف 2021 حرائق مستعرة مدمرة، خلفت قتلى وجرحى، وإتلافاً للمحاصيل الزراعية ومساحات غابات كبيرة، وعقارات ومبانٍ على غرار قرى أخرى مجاورة.

مبنى المحكمة العليا بأعالي العاصمة الجزائرية (الشرق الأوسط)

غير أن الحرائق ليست أخطر ما حدث يومها في نظر القضاء، فعندما كان سكان القرية يواجهون النيران بوسائلهم الخاصة البسيطة، تناهى إليهم أن شخصاً بصدد إضرام النار في بلدتهم عمداً، وفعلاً ألقت الشرطة بهذه الشبهة على ثلاثيني من منطقة بوسط البلاد، يُدعى جمال بن سماعين، فتوجهوا وهم في قمة الغضب إلى مقر الأمن، وكان الشاب في تلك الأثناء داخل سيارة الشرطة فأخرجوه منها، غير عابئين بالعيارات النارية، التي أطلقها رجال شرطة لثنيهم عن قتله، وأخذوه إلى الساحة العامة، فنكّلوا به وأحرقوا جثته، بينما كان يتوسل إليهم أن يخلوا سبيله، وبأنه حضر إلى القرية للمساعدة وليس لإشعال النار.

وجرى تصوير مشاهد التنكيل المروعة بكاميرات الهواتف النقالة، واعتقل الأمن لاحقاً كل الذين ظهروا في الصور.

جمال بن سماعين قُتل على أيدي سكان قرية التهمتها النيران (متداولة)

على أثر ذلك، طالبت قطاعات واسعة في المجتمع بـ«القصاص»، ورفع التجميد عن عقوبة الإعدام، التي تصدرها المحاكم دون أن تنفذ، وذلك منذ تطبيقه بحق 3 إسلاميين عام 1993، بتهمة تفجير مطار العاصمة صيف 1992 (42 قتيلاً). لكن أثبت التحقيق بأن بن سماعين لا يد له في الأحداث المأساوية.

وبثّ الأمن الجزائري «اعترافات» لعدد كبير من المعتقلين بعد الأحداث، أكدوا كلهم أنهم وراء النيران المستعرة، وبأنهم ارتكبوا الجريمة بأوامر من رئيس تنظيم «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، فرحات مهني، الذي يتحدر من المنطقة، ويقيم منذ سنوات طويلة بفرنسا بصفته لاجئاً سياسياً.

فرحات مهني المتهم بإشعال النار في منطقة القبائل (الشرق الأوسط)

وقال محامو المتهمين بعد تداول هذه «الاعترافات» إن القضاء «يبحث عن مسوّغ لإنزال عقوبة ثقيلة في حقهم»، وهو ما حدث بالفعل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بإدانتهم بالإعدام. علماً بأن التهم وجهت لمائة شخص في هذه القضية، وحُكم على بعضهم بالسجن بين عام و5 سنوات مع التنفيذ، في حين نال آخرون البراءة.

وتمثلت التهم أساساً في «نشر الرعب في أوساط السكان بإشعال النيران»، و«الانتماء إلى منظمة إرهابية» تُدعى «ماك»، و«قتل شخص عن سبق إصرار والتنكيل بجثته»، و«القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان، وخلق جو انعدام الأمن»، وتم تثبيت الأحكام بعد استئنافها.

أما فرحات مهني فكذّب، في فيديو نشره بالإعلام الاجتماعي، التهمة المنسوبة إليه، وطالب بفتح تحقيق مستقل في الأحداث «من طرف جهة أجنبية».

وفي نظر عدد كبير من المحامين على صلة بهذا الملف، فإن القضاء يبحث من خلال نقض الأحكام عن «إصلاح أخطاء تسبب فيها بإصدار قرارات متسرعة»، وبأن القضاة «كانوا تحت ضغط رأي عام طالب بالقصاص». ووفق ما ينص عليه القانون، ستعاد محاكمة المتهمين في محكمة الجنايات بتشكيل قضاة غير الذين أدانوهم في المرة السابقة.