«التسعيرة الإجبارية»... ماذا يمنع مصر من توسيع العمل بها؟

عرفتها البلاد في الحقبة الاشتراكية... والحكومة تشدد على محدودية اللجوء إليها

صبي يمر قرب قائمة تعرض أسعار البيض المتغيرة في متجر مصري (رويترز)
صبي يمر قرب قائمة تعرض أسعار البيض المتغيرة في متجر مصري (رويترز)
TT

«التسعيرة الإجبارية»... ماذا يمنع مصر من توسيع العمل بها؟

صبي يمر قرب قائمة تعرض أسعار البيض المتغيرة في متجر مصري (رويترز)
صبي يمر قرب قائمة تعرض أسعار البيض المتغيرة في متجر مصري (رويترز)

وسط ارتباك في أسعار السلع، بموازاة تغيرات مرتقبة في «سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار»، أعلنت الحكومة المصرية تدخلات في الأسواق، بهدف «ضبطها والتصدي للارتفاع المستمر في أسعار السلع الأساسية»، مع تأكيدات رسمية لأن «تدخل الدولة سيكون محدوداً»، مُرْجِعَة الإجراءات إلى «أزمة اقتصادية عالمية، والحرب الروسية- الأوكرانية، وكذلك التغيرات المناخية التي أثرت سلباً على حجم الإنتاج العالمي لكثير من السلع الغذائية».
ومع إعلان مجلس الوزراء المصري تطبيق «التسعيرة الاسترشادية» في محاولة لضبط الأسواق، يبدو أن هذا الإجراء دفع خبراء إلى طرح كثير من الأسئلة التي تتعلق بالأزمة والحلول. وأبرز هذه الأسئلة: سؤال عن السبب الذي يمنع مصر من التوسع في تطبيق «التسعيرة الإجبارية» لضبط الأسواق؛ خصوصاً أن كثيراً من المراقبين والحكومة نفسها يرون أن أحد أسباب الارتفاع «غير المبرر» في أسعار السلع هو «جشع التجار»، وعدم وجود ضوابط للأسعار. وسؤالان آخران: هل يمكن أن يؤدي تدخل الدولة في السوق لضبط الأسعار إلى تعطيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟ وهل يحق للدول في حالة الأزمات المشابهة أن تتدخل لفرض «التسعيرة الإجبارية» دون أن يتسبب ذلك في مشكلات مع المؤسسات النقدية والجهات المانحة؟
كانت البداية إعلان الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية في مصر، الأحد الماضي، أنه «سيتم تشكيل لجنة عليا تضم كلاً من اتحاد الصناعات، واتحاد الغرف التجارية، وجهاز حماية المستهلك، لوضع سعر عادل للسلع الاستراتيجية والأساسية بالأسواق، والتي سوف يصل عددها إلى ما بين 10 و15 سلعة».
وعرفت مصر تعبير «التسعيرة الإجبارية» بقوة في الأسواق خلال الحقبة الاشتراكية في خمسينات وستينات القرن الماضي، والتي كانت للدولة خلالها قدرة على التدخل في الأسواق، غير أنه مع تحول مصر التدريجي منذ مطلع السبعينات للنظام «الرأسمالي»، تراجع استخدام ذلك المصطلح أيضاً بصورة تدريجية، قبل أن يعود استخدامه رسمياً لبعض السلع التي وصفتها الحكومة بـ«الاستراتيجية».
ويقول الدكتور شريف سمير فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعي، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا بديل أمام الحكومة سوى تطبيق نظام (التسعيرة الجبرية) على السلع الاستراتيجية، مثل الأرُز والزيت والسكر والمواد الغذائية الأساسية. فالحديث عن (الأسعار الاسترشادية) لن يُجدي»، وفق تقديره.
ويرى فياض أنه «يمكن تطبيق (التسعير الاسترشادي) فقط على السلع غير الاستراتيجية، مع تحديد هامش ربح لا يتجاوز 25 في المائة؛ لأن جزءاً كبيراً من مشكلة ارتفاع الأسعار هو (جشع التجار) -حسب وصفه- وبعض السلع يكون هامش الربح فيها أكثر من 60 في المائة».
لكن هل يمكن لمصر أن تتوسع في تطبيق نظام «التسعيرة الإجبارية»؟ وهل يدعو «صندوق النقد الدولي» لتخفيض الإنفاق الاجتماعي؟
يقول «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء» في تقرير نشره، الثلاثاء، إن «(النقد الدولي) لا يشترط على الحكومة خفض الإنفاق الاجتماعي، والاتفاق (بين مصر والصندوق) يستهدف في المقابل مزيداً من تقوية وتعزيز دور شبكات الحماية الاجتماعية للمواطنين، ودعم الاقتصاد الكلي».
بدوره، يشرح وائل النحاس، الخبير الاقتصادي المصري، بأن «التوسع في برامج الحماية الاجتماعية يُعَدُّ بديلاً لعدم قدرة الدولة على التدخل في السوق».
وقال النحاس لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحكومة المصرية لا يمكنها التوسع في التدخل في السوق وتطبيق نظام (التسعيرة الإجبارية) لأسباب تتعلق بـ(صندوق النقد الدولي)؛ إذ إن جزءاً من الاتفاق يُلزم بانسحاب الدولة من السوق، وعدم منافستها للقطاع الخاص»، مضيفاً: «ببساطة، الصندوق لا يريد سعرين بالسوق للسلعة نفسها، وأي تدخل في السوق من أي دولة -حتى في الأزمات- سيعرقل اتفاقاتها مع الصندوق».
وحسب النحاس: «توجد أسباب أخرى داخلية تعرقل تطبيق (التسعيرة الإجبارية)، منها أن النظام الاقتصادي المصري نظام رأسمالي، والتشريعات تمنع التدخل في السوق، لذلك تلجأ الدولة إلى طرح سلع مخفضة في منافذها الحكومية. والسبب الآخر أن الجهاز الإداري للدولة الآن لا يمكنه التحكم في السوق أو ضبطها، بسبب الاقتصاد غير الرسمي».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

قال محامون في الجزائر إن المحكمة العليا قبلت طعناً بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً، بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل، بناءً على توجيهات من تنظيم إرهابي»، يُسمى «حركة الحكم الذاتي في القبائل».

صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

وأكد المحامي والحقوقي الشهير، مصطفى بوشاشي، الذي ترافع لصالح بعض المتهمين، لصحافيين، أن أعلى غرفة الجنايات بأعلى هيئة في القضاء المدني نقضت، مساء أمس الخميس، الأحكام التي صدرت فيما بات يعرف بـ«قضية الأربعاء ناث إراثن»، وهي قرية ناطقة بالأمازيغية (110 كيلومترات شرق)، شهدت في صيف 2021 حرائق مستعرة مدمرة، خلفت قتلى وجرحى، وإتلافاً للمحاصيل الزراعية ومساحات غابات كبيرة، وعقارات ومبانٍ على غرار قرى أخرى مجاورة.

مبنى المحكمة العليا بأعالي العاصمة الجزائرية (الشرق الأوسط)

غير أن الحرائق ليست أخطر ما حدث يومها في نظر القضاء، فعندما كان سكان القرية يواجهون النيران بوسائلهم الخاصة البسيطة، تناهى إليهم أن شخصاً بصدد إضرام النار في بلدتهم عمداً، وفعلاً ألقت الشرطة بهذه الشبهة على ثلاثيني من منطقة بوسط البلاد، يُدعى جمال بن سماعين، فتوجهوا وهم في قمة الغضب إلى مقر الأمن، وكان الشاب في تلك الأثناء داخل سيارة الشرطة فأخرجوه منها، غير عابئين بالعيارات النارية، التي أطلقها رجال شرطة لثنيهم عن قتله، وأخذوه إلى الساحة العامة، فنكّلوا به وأحرقوا جثته، بينما كان يتوسل إليهم أن يخلوا سبيله، وبأنه حضر إلى القرية للمساعدة وليس لإشعال النار.

وجرى تصوير مشاهد التنكيل المروعة بكاميرات الهواتف النقالة، واعتقل الأمن لاحقاً كل الذين ظهروا في الصور.

جمال بن سماعين قُتل على أيدي سكان قرية التهمتها النيران (متداولة)

على أثر ذلك، طالبت قطاعات واسعة في المجتمع بـ«القصاص»، ورفع التجميد عن عقوبة الإعدام، التي تصدرها المحاكم دون أن تنفذ، وذلك منذ تطبيقه بحق 3 إسلاميين عام 1993، بتهمة تفجير مطار العاصمة صيف 1992 (42 قتيلاً). لكن أثبت التحقيق بأن بن سماعين لا يد له في الأحداث المأساوية.

وبثّ الأمن الجزائري «اعترافات» لعدد كبير من المعتقلين بعد الأحداث، أكدوا كلهم أنهم وراء النيران المستعرة، وبأنهم ارتكبوا الجريمة بأوامر من رئيس تنظيم «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، فرحات مهني، الذي يتحدر من المنطقة، ويقيم منذ سنوات طويلة بفرنسا بصفته لاجئاً سياسياً.

فرحات مهني المتهم بإشعال النار في منطقة القبائل (الشرق الأوسط)

وقال محامو المتهمين بعد تداول هذه «الاعترافات» إن القضاء «يبحث عن مسوّغ لإنزال عقوبة ثقيلة في حقهم»، وهو ما حدث بالفعل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بإدانتهم بالإعدام. علماً بأن التهم وجهت لمائة شخص في هذه القضية، وحُكم على بعضهم بالسجن بين عام و5 سنوات مع التنفيذ، في حين نال آخرون البراءة.

وتمثلت التهم أساساً في «نشر الرعب في أوساط السكان بإشعال النيران»، و«الانتماء إلى منظمة إرهابية» تُدعى «ماك»، و«قتل شخص عن سبق إصرار والتنكيل بجثته»، و«القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان، وخلق جو انعدام الأمن»، وتم تثبيت الأحكام بعد استئنافها.

أما فرحات مهني فكذّب، في فيديو نشره بالإعلام الاجتماعي، التهمة المنسوبة إليه، وطالب بفتح تحقيق مستقل في الأحداث «من طرف جهة أجنبية».

وفي نظر عدد كبير من المحامين على صلة بهذا الملف، فإن القضاء يبحث من خلال نقض الأحكام عن «إصلاح أخطاء تسبب فيها بإصدار قرارات متسرعة»، وبأن القضاة «كانوا تحت ضغط رأي عام طالب بالقصاص». ووفق ما ينص عليه القانون، ستعاد محاكمة المتهمين في محكمة الجنايات بتشكيل قضاة غير الذين أدانوهم في المرة السابقة.