في مطلع الأسبوع الـ13 على اندلاع الاحتجاجات الإيرانية، تمسك نائب وزير الداخلية بالمضي قدماً في تنفيذ الأحكام القضائية ضد الموقوفين في المسيرات المناهضة للنظام، في وقت تحول التهديد بإعدام المحتجين إلى محور الحراك الذي يعصف بأنحاء البلاد، ففي طهران تعالت هتافات ليلية، باسم محسن شكاري الذي أعدمته السلطات الأسبوع الماضي، في سنندج مركز محافظة كردستان، وهاجمت قوات أمنية الطلاب المحتجين على الإعدامات حسبما أظهرت تسجيلات الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي.
وشهدت مناطق من العاصمة طهران، مرة أخرى ليلة صاخبة، تخللها شعارات «الموت للديكتاتور» بشكل أساسي، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد متظاهرين في شارع ستارخان مساء السبت.
وفي وقت متأخر الجمعة، نزلت مجموعة من المحتجين إلى شوارع بلدة تشيغر، غرب طهران وسط إجراءات أمنية مشددة. وسمع منها هتافات «لم نقدم قتلى لكي نساوم الزعيم القاتل»، و«سنقف حتى النهاية، قسماً بدماء الرفاق»، حسب الفيديوهات نشرها حساب «1500 تصوير» الذي يرصد تطورات الاحتجاجات الإيرانية عن كثب. وأعدمت إيران الخميس محسن شكاري 23 عاماً بتهمة إغلاق شارع ستارخان، من بؤر الاحتجاجات في غرب طهران وطعن حارس أمن بسكين، في أول إعدام من نوعه بعد آلاف الاعتقالات المتعلقة بالاحتجاجات، وهو ما أثار موجة غضب داخلية بموازاة الإدانات الغربية.
وتجددت الاحتجاجات في عدد من الجامعات الإيرانية على خلفية الغضب الناجم عن إعدام شكاري، وفي جامعة الزهراء بطهران، اعتقلت قوات الأمن عدداً من الطالبات اللواتي رفعن لافتات للتنديد بإعدام شكاري. وفي جامعة العلوم والثقافة بطهران، ردد المحتجون هتافات تنديداً بإعدام شكاري. ونظم طلاب جامعة بهشتي في طهران وقفةً احتجاجيةً صامتة. وطاردت عناصر قوات الأمن، مجموعة من الطالبات المحتجات على إعدام محسن شكاري في جامعة سنندج، مركز محافظة كردستان. وتظهر تسجيلات الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، حالة هلع في باحة الجامعة وصريخ طالبات.
وتمثل الاحتجاجات، التي اندلعت على مستوى البلاد بعد وفاة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 عاماً) في مقر للشرطة في 16 سبتمبر (أيلول)، أحد أكبر التحديات للمؤسسة الحاكمة على مدى 43 عاماً من صعود نظام ولاية الفقيه.
وتجمع المحتجون حول قبر محسن شكاري، وأمام منزل عائلته في منطقة نارمك شمال طهران في وقت متأخر الجمعة. وأظهر مقطع مصور انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي محتجين يهتفون من فوق أسطح منازل في شمال طهران في ساعة متأخرة من مساء اليوم «كلنا محسن» و«خامنئي قاتل» في إشارة إلى المرشد علي خامنئي، بحسب رويترز.
وأثار إعدام شكاري مخاوف من مواصلة السلطات الإيرانية تنفيذ الإعدامات بحق المعتقلين الذين وجهت إليهم اتهامات «المحاربة» (الحرابة) و«الإفساد في الأرض» وعقوبتهما الإعدام.
وقال مجيد ميراحمدي، مساعد الشؤون الأمنية وإنفاذ القانون لوزير الداخلية الإيراني، إن بلاده تعتزم تنفيذ الأحكام القضائية، الصادرة ضد المحتجين بـ«صرامة»، مشيراً إلى «هجوم إعلامي» ضد الجهاز القضائي «لكي يجبر النظام على التراجع» لكن «افتعال الأجواء (الدعاية) لن تؤثر ذرة على عزم المسؤولين القضائيين، ومن المؤكد سينال هؤلاء عقوبتهم حتى آخر شخص».
بدورها، دافعت صحيفة «جوان» التابعة لـ«الحرس الثوري»، عن تنفيذ أحكام الإعدام ضد المحتجين. وكتبت في عددها الصادر السبت، إن «إجراءات القضاء في محاكمة ومعاقبة مرتكبي الأحداث الأخيرة تتوافق مع المعايير القانونية وتستند إلى المطالبة بحقوق الناس». وأشارت الصحيفة إلى مقتل 60 عنصراً من قوات الأمن. وأضافت «القانون يلزم السلطة القضائية بإدانة جميع مرتكبي جريمة القتل». وقالت إن «إعدام شكاري ليس أول وآخر إعدام في الاضطرابات الأخيرة». وأضافت «ضجيج بعض الناس بعد إعدام محسن شكاري تظهر أن إجراءات القضاء صحيحة وتتماشى مع المعايير القانونية، علينا أن ننتظر محاكمة ومعاقبة من يقفون خلف الاضطرابات، هل سيعوض جزءا من خسائر المحاربين والمتواطئين معهم ضد إيران والإيرانيين».
من جهتها، نشرت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية قائمة بأسماء 25 محتجاً يواجهون تهمة «المحاربة»، التي تصل عقوبتها للإعدام. وناشدت الصحيفة المسؤولين القضائيين بإعادة النظر في إصدار أحكام الإعدام، لتفادي المزيد من الإعدامات.
والشهر الماضي، أثار نواب البرلمان الإيراني جدلاً بتوقيعهم بيانا يطالب بإصدار أحكام «القصاص» والإعدام للمحتجين. وحاول بعض النواب النأي بنفسه عن البيان.
وقالت منظمة حقوق الإنسان في إيران ومقرها أوسلو إن عشرات الناشطين الإيرانيين وجهوا رسالة إلى أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قالوا فيها إن «ردكم يمكن أن يوقف ماكينة الإعدام» في إيران.
وتحمل الرسالة توقيع 45 ناشطاً بارزاً منهم رئيس منظمة حقوق الإنسان في إيران، محمود أميري مقدم، والمحامية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي ومحاميات وناشطات مثل نسرين ستوده ومهرانكيز كار.
وأفادت الرسالة أن «الإعدام الصادم والمتسرع وغير القانوني للمتظاهر محسن شكاري هو أشبه بالمحاكم الميدانية والحربية، أغرق بلادنا وشعبنا في بحيرة دهشة وحزن ثقيل». وأضافوا «هذا الشاب الذي نزل للشارع للمطالبة بحقوقه والحرية... أدين في محكمة الثورة غير الشرعية دون حضور محامٍ وفرصة للدفاع، وفي انتهاك واضح لقوانين تعترف بها السلطات الإيرانية بما في ذلك الدستور، وقانون العقوبات الإسلامي وقانون الإجراءات الجنائية والمواثيق الدولية التي انضمت إليها إيران».
ولفتت الرسالة إلى إصدار المحكمة «الثورية» أحكاما بالإعدام ضد عدة محتجين «كانت جريمتهم الوحيدة هي المشاركة في المظاهرات السلمية تحت شعار «المرأة الحياة الحرية». وشددوا «من أجل منع تنفيذ هذه الإعدامات غير القانونية، وغير الإنسانية، نطلب من المسؤول الذي يتولى أعلى منصب في تلك المنظمة المرموقة (...) أن يستخدم الأدوات القانونية ومساعدة المجتمع الدولي... أن يطالب الحكومة في الجمهورية الإسلامية بوقف عاجل وصريح لأحكام الإعدام الصادرة وأن تطالب الحكومة بوقف المسار غير القانوني للمحاكمات بما في ذلك الأطفال، وأن تقيم المحاكم مستقبلاً وفقاً للقوانين المحلية والمعايير والمواثيق الدولية حضور محامين مستقلين».
ونوه الموقعون أن محاكمة المتظاهرين جارية في جميع المدن الإيرانية بتوجيهات من مسؤولي الأمن والاستخبارات وفي أقسام قضائية خاصة يعمل فيها قضاء يصدرون أحكاما صادمة فضلاً عن الانتهاك الواسع والصارخ للقانون. وقال الموقعون على الرسالة في الختام، «نحن على يقين من أن التدخل السريع من سيادتكم والرأي العام العالمي والحكومات الديمقراطية والشخصيات المؤثرة هي وحدها القادرة على وقف آلة الإعدام والقمع للجمهورية الإسلامية».
في غضون ذلك، أدان الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي الذي تفرض عليه السلطات الإقامة الجبرية، إعدام محسن شكاري. وقال إنه «صدر حكم الإعدام بحق المرحوم محسن شكاري وجرت المصادقة عليه وتنفيذه بسرعة تتماشى مع فرض أجواء الرعب، هذا في حين أنه لم يرتكب قتلا وأفعالا لا تمثل المحاربة».
وقال كروبي «أخشى أن يكون تنفيذ هذا الحكم مقدمة لإصدار وتنفيذ المزيد من الأحكام لحصد الأرواح حسب إرادة صاحب السلطة». وأضاف «السيد خامنئي للأسف، دون أن يتهم بمسببات الاحتجاجات، يركز فقط على إزالة المشكلة وتخليصه وتعمد إسناد كل احتجاج أو طلب إلى العدو من أجل توفير الأساس لقمعه». مؤكداً أن «نظرية النصر بالرعب لم تعد فعالة لهذه الأمة التي سئمت القهر والإذلال والتمييز والفساد». وتابع محذرا: «لا تنسوا أن ما تزرعه الرياح تحصده العاصفة».