التضخم الأوروبي يتراجع للمرة الأولى في 17 شهراً

القلق يتواصل بين صناع السياسات

لافتات للأسعار في سوق محلية بمدينة نيس الفرنسية (رويترز)
لافتات للأسعار في سوق محلية بمدينة نيس الفرنسية (رويترز)
TT

التضخم الأوروبي يتراجع للمرة الأولى في 17 شهراً

لافتات للأسعار في سوق محلية بمدينة نيس الفرنسية (رويترز)
لافتات للأسعار في سوق محلية بمدينة نيس الفرنسية (رويترز)

انخفض معدل التضخم في منطقة اليورو إلى 10% في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بالمقارنة مع 10.6% في أكتوبر (تشرين الأول)، في أول تراجع منذ شهر يونيو (حزيران) عام 2021، على ما أعلن معهد «يوروستات»، أمس (الأربعاء).
وكان التضخم يسجل كل شهر منذ نوفمبر 2021 أعلى مستوى على الإطلاق، وتفاقم الوضع منذ الربيع مع بلبلة في الأسواق على خلفية الحرب في أوكرانيا.
نتائج التضخم تزامنت مع بيانات يوم الثلاثاء، أظهرت أن مؤشر المعنويات الاقتصادية في منطقة اليورو انتعش في نوفمبر بأكثر قليلاً من المتوقع، إذ ارتفع للمرة الأولى منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) وسط المزيد من التفاؤل بين المستهلكين وفي القطاعات الخدمية.
وقالت المفوضية الأوروبية إن مؤشرها للمعنويات الاقتصادية ارتفع إلى 93.7 نقطة في نوفمبر، من 92.7 في أكتوبر، متجاوزاً بفارق ضئيل التوقعات في استطلاع أجرته «رويترز» لخبراء اقتصاديين بالارتفاع إلى 93.5 نقطة.
وتدهورت المعنويات في قطاع الصناعة إلى «- 2.0» من «- 1.2» نقطة في أكتوبر، وهو أسوأ كثيراً مقارنةً بمستوى «- 0.5» الذي توقعته الأسواق، بينما تحسنت المعنويات في قطاع الخدمات أكثر من المتوقع إلى 2.3 من 2.1 نقطة الشهر قبل الماضي.
وزاد تفاؤل المستهلكين بشدة ليرتفع مؤشر ثقة المستهلكين إلى «- 23.9» من «- 27.5» نقطة في أكتوبر. كما تراجعت توقعات التضخم بين المستهلكين تراجعاً حاداً إلى 30.1 في نوفمبر من 37.3 في أكتوبر، وبين رجال الأعمال إلى 40.4 من 44.8 نقطة الشهر قبل الماضي. لكن رغم النتائج الإيجابية، أعرب رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق جان كلود تريشيه، عن قلقه إزاء التضخم المرتفع باستمرار في منطقة اليورو. وقال في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية: «أشعر بالقلق. من الضروري السيطرة على التضخم مجدداً... لقد مررنا بمرحلة في سبعينيات القرن الماضي فقدنا فيها السيطرة على التضخم. نحن نعلم تكلفة فقدان السيطرة على التضخم. علينا تجنب ذلك».
ويرى تريشيه، الفرنسي، أن البنك المركزي الأوروبي، الذي كان يترأسه خلال الفترة من نوفمبر 2003 حتى أكتوبر 2011، حدد المسار الصحيح من خلال قراراته الأخيرة، وقال: «لقد فعل البنك المركزي الأوروبي ما تعين القيام به، وأعتقد أنه سوف يواصل القيام بما هو ضروري. لذلك أنا متفائل بأن منطقة اليورو ستعود في غضون ثلاث سنوات إلى تعريفها لاستقرار الأسعار».
ويهدف البنك المركزي الأوروبي إلى استقرار الأسعار في منطقة اليورو على المدى المتوسط مع تضخم يبلغ 2%. وفي أكتوبر الماضي ارتفعت أسعار المستهلكين في منطقة اليورو، التي تضم 19 دولة، بنسبة 10.6% على أساس سنوي. وبعد فترة طويلة من التردد أقر البنك المركزي الأوروبي منذ يوليو (تموز) الماضي زيادات كبيرة في أسعار الفائدة لمواجهة التضخم المرتفع القياسي. ومعدل الفائدة الرئيسي في منطقة اليورو، والذي تم تجميده عند مستوى قياسي منخفض بلغ صفر% لسنوات، وهو الآن 2%. وأعلن قادة بنوك مركزية في منطقة اليورو عن مزيد من الزيادات في أسعار الفائدة. وسيعقد مجلس البنك المركزي الأوروبي اجتماعه المقبل في 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وأكد تريشيه، الذي يحتفل بعيد ميلاده الثمانين في 20 ديسمبر المقبل، أن «التضخم ليس مؤقتاً»، مشدداً لذلك على ضرورة يقظة البنك المركزي الأوروبي الآن أكثر من أي وقت مضى.
وأعرب تريشيه عن اعتقاده بأنه «من المهم بصورة بالغة تجنب الانفلات الكارثي لضغط التضخم في أوروبا وكذلك أيضاً في الاقتصادات المتقدمة الأخرى»، وأضاف أن «الأمر الواضح من وجهة نظري هو أن رد الفعل جاء متأخراً للغاية من كل البنوك المركزية تقريباً وكذلك أيضاً من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي»، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الأسباب لهذا، وقال إن من بين هذه الأسباب هو أنه بعد فترة من التضخم المنخفض للغاية ترسخت وجهة النظر التي ترى أن التضخم سيظل منخفضاً. كما ربطت البنوك المركزية نفسها بنظرة مستقبلية طويلة الأمد لسياستها النقدية، والتي يطلق عليها «التوجيه المستقبلي».
وتابع تريشيه أن البنك المركزي الأوروبي على سبيل المثال ألزم نفسه بعدم بالعودة إلى رفع أسعار الفائدة الرئيسية في منطقة اليورو إلا بعد أن يوقف صافي مشترياته من السندات الحكومية والأوراق المالية الأخرى «ولهذا السبب كان تغيير الاتجاه بمقدار 180 درجة، صعباً».
في الوقت نفسه، قال تريشيه إنه ليس لديه أي شك في عزم البنوك المركزية على كبح جماح التضخم، مشيراً إلى أن «الفيدرالي» والبنك المركزي الأوروبي أثبتا أنهما قادران على تغيير المسار بعد سنوات من السياسة النقدية شديدة التوسع والتي شملت شراء سندات تبلغ قيمتها مليارات.
وواصل تريشيه حديثه قائلاً إن «البنك المركزي الأوروبي أظهر للمشاركين في السوق وللمستثمرين وأصحاب الادخارات أنه يأخذ الضغط العام للتضخم مأخذ الجد للغاية. وأبدى البنك المركزي الأوروبي التزاماً صريحاً بهدفه الرامي إلى تحقيق استقرار للأسعار على المدى المتوسط في ظل معدل تضخم بنسبة 2% في منطقة اليورو».
وأشاد تريشيه بالزيادتين الأخيرتين التاريخيتين لأسعار الفائدة في منطقة اليورو بواقع 75 نقطة أساس في كل مرة، ورأى أن هاتين الزيادتين الكبيرتين «مبررتان تماماً». وأكد تريشيه في ختام المقابلة أن «الإنجازات التي حققها البنك المركزي الأوروبي في فترة تقارب ربع قرن هي الضمان لمصداقية البنك وشفافية مجلس إدارته».


مقالات ذات صلة

خلاف «النسبة» يهيمن على {المركزي} الأوروبي

الاقتصاد خلاف «النسبة» يهيمن على {المركزي} الأوروبي

خلاف «النسبة» يهيمن على {المركزي} الأوروبي

يتجه المصرف المركزي الأوروبي الخميس إلى إقرار رفع جديد لمعدلات الفائدة، وسط انقسام بين مسؤوليه والمحللين على النسبة التي يجب اعتمادها في ظل تواصل التضخم والتقلب في أداء الأسواق. ويرجح على نطاق واسع أن يقرّر المصرف زيادة معدلات الفائدة للمرة السابعة توالياً وخصوصاً أن زيادة مؤشر أسعار الاستهلاك لا تزال أعلى من مستوى اثنين في المائة الذي حدده المصرف هدفاً له.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد انقسام أوروبي حول خطط إصلاح قواعد الديون

انقسام أوروبي حول خطط إصلاح قواعد الديون

واجه وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، اقتراحا من قبل المفوضية الأوروبية لمنح دول التكتل المثقلة بالديون المزيد من الوقت لتقليص ديونها، بردود فعل متباينة. وأكد وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر أن مقترحات المفوضية الأوروبية لمراجعة قواعد ديون الاتحاد الأوروبي «ما زالت مجرد خطوة أولى» في عملية الإصلاح.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد نمو «غير مريح» في منطقة اليورو... وألمانيا تنجو بصعوبة من الركود

نمو «غير مريح» في منطقة اليورو... وألمانيا تنجو بصعوبة من الركود

ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة بلغت 0,1 % في الربع الأول من العام 2023 مقارنة بالربع السابق، بعدما بقي ثابتا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2022، وفق أرقام مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات). بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي برمّته، انتعش نمو الناتج المحلي الإجمالي بزيادة بلغت نسبتها 0,3 % بعد انخفاض بنسبة 0,1 % في الربع الأخير من العام 2022، وفق «يوروستات». وفي حين تضررت أوروبا بشدة من ارتفاع أسعار الطاقة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما يغذي تضخما ما زال مرتفعا للغاية، فإن هذا الانتعاش الطفيف للنمو يخفي تباينات حادة بين الدول العشرين التي تشترك في العملة الموحدة. وخلال الأش

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد أوروبا تشتري الوقت لتقليص الديون

أوروبا تشتري الوقت لتقليص الديون

من المقرر أن تحصل دول الاتحاد الأوروبي المثقلة بالديون على مزيد من الوقت لتقليص الديون العامة، لتمكين الاستثمارات المطلوبة، بموجب خطط إصلاح اقترحتها المفوضية الأوروبية يوم الأربعاء. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين: «نحتاج إلى قواعد مالية ملائمة لتحديات هذا العقد»، وأضافت «تمكننا الموارد المالية القوية من الاستثمار أكثر في مكافحة تغير المناخ، ولرقمنة اقتصادنا، ولتمويل نموذجنا الاجتماعي الأوروبي الشامل، ولجعل اقتصادنا أكثر قدرة على المنافسة». يشار إلى أنه تم تعليق قواعد الديون والعجز الصارمة للتكتل منذ أن دفعت جائحة فيروس «كورونا» - حتى البلدان المقتصدة مثل ألمانيا - إلى الا

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
TT

«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)

قال البنك المركزي الروسي إن مستويات أسعار النفط الحالية لا تشكل تهديداً لاستقرار الاقتصاد الروسي، لكنها قد تتحول إلى تحدٍّ خطير إذا انخفضت الأسعار دون الهدف الذي حُدد في الموازنة والذي يبلغ 60 دولاراً للبرميل.

وتشكل عائدات النفط والغاز نحو ثلث إيرادات الموازنة الروسية، وعلى الرغم من التوقعات بتراجع هذه النسبة في السنوات المقبلة، فإن إيرادات السلع الأساسية تظل تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد الروسي، كما أن سعر النفط بالروبل يعد عنصراً مهماً في الحسابات المالية للموازنة.

ووفقاً لحسابات «رويترز»، فإن سعر مزيج النفط الروسي «أورال» في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) قد تجاوز السعر المُستخدم في حسابات موازنة الدولة لعام 2024، وذلك بفضل الانخفاض الحاد في قيمة الروبل. وأكد البنك المركزي أن سعر النفط «أورال» بلغ 66.9 دولار للبرميل بداية من 15 نوفمبر.

وفي مراجعته السنوية، قال البنك المركزي: «لا تشكل مستويات أسعار النفط الحالية أي مخاطر على الاستقرار المالي لروسيا»، لكنه حذر من أنه «إذا انخفضت الأسعار دون المستوى المستهدف في الموازنة، البالغ 60 دولاراً للبرميل، فإن ذلك قد يشكل تحديات للاقتصاد والأسواق المالية، بالنظر إلى الحصة الكبيرة التي تمثلها إيرادات النفط في الصادرات الروسية».

كما أشار البنك إلى أن روسيا قد خفضت إنتاجها من النفط بنسبة 3 في المائة ليصل إلى 9.01 مليون برميل يومياً في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، وذلك في إطار التزامها باتفاقات مجموعة «أوبك بلس». وأضاف أن الخصم في سعر النفط الروسي مقارنة بسعر المؤشر العالمي قد تقلص إلى 14 في المائة في أكتوبر، مقارنة بـ 16-19 في المائة في الفترة من أبريل (نيسان) إلى مايو (أيار).

الإجراءات لدعم الروبل فعّالة

من جانبه، قال نائب محافظ البنك المركزي الروسي، فيليب جابونيا، إن البنك سيواصل اتباع سياسة سعر صرف الروبل العائم، مؤكداً أن التدابير التي اتخذها لدعم قيمة الروبل كافية وفعالة.

ووصل الروبل إلى أدنى مستوى له منذ مارس (آذار) 2022، إثر فرض أحدث جولة من العقوبات الأميركية على القطاع المالي الروسي. وفي خطوة لدعم العملة الوطنية، تدخل البنك المركزي، وأوقف شراء العملات الأجنبية بداية من 28 نوفمبر.

وفي مؤتمر صحافي، صرح جابونيا: «نعتقد أن التدابير المتبعة حالياً كافية، ونحن نلاحظ وجود مؤشرات على أن الوضع بدأ في الاستقرار». وأضاف: «إذا كانت التقلبات قصيرة الأجل الناجمة عن مشكلات الدفع تشكل تهديداً للاستقرار المالي، فنحن نمتلك مجموعة من الأدوات الفعّالة للتعامل مع هذا الوضع».

وأكد جابونيا أن سعر الفائدة القياسي المرتفع، الذي يبلغ حالياً 21 في المائة، يسهم في دعم الروبل، من خلال تعزيز جاذبية الأصول المقومة بالروبل، وتهدئة الطلب على الواردات.

وكانت أحدث العقوبات الأميركية على القطاع المالي الروسي قد استهدفت «غازبروم بنك»، الذي يتولى مدفوعات التجارة الروسية مع أوروبا، ويعد المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية في السوق المحلية. وقد أدت هذه العقوبات إلى نقص حاد في سوق العملات الأجنبية الروسية، ما تَسَبَّبَ في حالة من الهلع واندفاع المستثمرين نحو شراء العملات الأجنبية. ورغم هذه التحديات، أصر المسؤولون الروس على أنه لا توجد أسباب جوهرية وراء تراجع قيمة الروبل.

النظام المصرفي يتمتع بمرونة عالية

وفي مراجعة للاستقرار المالي، يوم الجمعة، قال المركزي الروسي إن الشركات الصغيرة فقط هي التي تواجه مشكلات في الديون في الوقت الحالي، في وقت يشكو فيه بعض الشركات من تكاليف الاقتراض المرتفعة للغاية مع بلوغ أسعار الفائدة 21 في المائة.

وأضاف أن نمو المخاطر الائتمانية قد أدى إلى انخفاض طفيف في نسبة كفاية رأس المال للبنوك الروسية في الربعين الثاني والثالث، لكنه وصف القطاع المصرفي بأنه يتمتع بمرونة عالية. كما نصح البنوك بإجراء اختبارات ضغط عند تطوير منتجات القروض، بما في ذلك سيناريوهات تتضمن بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترات طويلة.