«الناتو»... العين على روسيا والهاجس في الصين

واشنطن تدفع منذ فترة طويلة باتجاه موقف أطلسي حازم تجاه بكين

موظف يركز علماً أميركياً قبل المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بوخارست أمس (إ.ب.أ)
موظف يركز علماً أميركياً قبل المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بوخارست أمس (إ.ب.أ)
TT

«الناتو»... العين على روسيا والهاجس في الصين

موظف يركز علماً أميركياً قبل المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بوخارست أمس (إ.ب.أ)
موظف يركز علماً أميركياً قبل المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بوخارست أمس (إ.ب.أ)

بعد لقائه الشخصي الأول منذ وصوله إلى البيت الأبيض مع الزعيم الصيني شي جينبينغ المتوّج حديثاً بصلاحيات غير مسبوقة في تاريخ الحزب الشيوعي، قال الرئيس الأميركي جو بايدن قبل مغادرته قمة مجموعة العشرين في جزيرة بالي أواسط الشهر الفائت، إنه على يقين من عدم وجود ما يستوجب نشوب حرب باردة جديدة بين واشنطن وبكين، فيما كان الطرفان يعلنان استئناف الحوار حول التغيّر المناخي كدليل على الجهد المشترك لتخفيف التوتر في العلاقات الثنائية.
لكن ذلك اللقاء الذي أملته مصلحة الطرفين في تنفيس الاحتقان المتصاعد بينهما منذ أشهر في أجواء دولية بالغة التعقيد ومفتوحة على كل الاحتمالات، وما صدر عنه من مؤشرات على الرغبة المشتركة في تحاشي تحوّل المنافسة إلى مواجهة تتخطى الحيّز الاقتصادي والسياسي، ليس كافياً لتمويه الهاجس الذي يتملك الإدارة الأميركية من صعود الصين على كل الجبهات، كما دلّت قرارات واشنطن الأخيرة منع تصدير التكنولوجيا المتطورة إلى الشركات الصينية، والقمة الأطلسية الأخيرة التي أنهت أعمالها أول من أمس في بوخارست.
عنوان قمة «الناتو» في العاصمة الرومانية كان مواصلة الدعم لأوكرانيا في مواجهتها للعدوان الروسي، لكن القسم الأكبر من المحادثات التي دارت بين وزراء خارجية الأطلسي خلال اليومين المنصرمين، والأعمال التحضيرية التي دامت أشهراً قبل الاجتماع، تركزّت على تقرير أعدّه خبراء الحلف حول «الخطر الصيني الداهم والسبل المشتركة للتصدّي له»، كما جاء في الوثيقة التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط».
تشير الوثيقة التي وضعها خبراء دائرة الدراسات الاستراتيجية في «الناتو»، إلى أن القضية المحورية في العلاقات الدولية خلال القرن الحادي والعشرين، هي تحديد الإطار الذي ستندرج فيه المواجهة مع الصين، والشروط التي ستحكم هذه المواجهة. وتنبّه الوثيقة إلى أن كثافة المجهود الذي تبذله بكين منذ سنوات لتطوير ترسانتها العسكرية، وتوسيع دائرة وجودها من القطب المتجمد الشمالي إلى منطقة البلقان الغربية، تستدعي جهوزية كاملة من الحلفاء الغربيين، ورؤية مشتركة لمواجهة هذا التحدي وعدم التقليل من خطورته عن طريق مقاربته في ضوء الاعتبارات الاقتصادية.
وفي الكلمة التي قدّم بها الأمين العام للحلف هذا التقرير أمام الاجتماع الأطلسي الثلاثاء الفائت، قال ينس ستولتنبيرغ: «الحرب في أوكرانيا كشفت اعتمادنا المفرط على الغاز الروسي، ويجب أن تدفعنا إلى مراجعة اعتمادنا على دول أخرى تحكمها أنظمة استبدادية ليست الصين أقلّها شأناً».
وتذكّر الوثيقة بأن «التركيز الراهن على الخطر الروسي الداهم، لا يجب أن يكون حائلاً دون توحيد الموقف الأطلسي المشترك من الصين» التي كانت الوثيقة الاستراتيجية الجديدة التي أقرّتها قمة «الناتو» الأخيرة في مدريد نهاية يونيو (حزيران) الفائت قد وصفتها، للمرة الأولى، بأنها «التحدي الأكبر الذي يواجه مصالح الغرب وأمنه وقيمه الأساسية في الأمدين المتوسط والطويل». وأشار الأمين العام للحلف في كلمته أمام الاجتماع تنامي الروابط بين الصين وروسيا، والبيان المشترك الذي صدر عن قمة بوتين وجينبينغ مطلع فبراير(شباط) الفائت، حيث شدّد الطرفان على «النمط الجديد من العلاقات بين القوتين العالميتين، والصداقة التي لا حدود لها، والتعاون الذي لا يستثني أي مجال».
وتقول أوساط أطلسية إن الاندفاعة الأميركية لدعم أوكرانيا وتعبئة الحلفاء الغربيين لمساعدتها في وجه الغزو الروسي، لم تقلل من شأن الهاجس الصيني الذي ما زال يتقدم على كل أولويات واشنطن الاستراتيجية منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، حيث لم تتوقف مساعي الخارجية الأميركية عن إدراج «التهديد الصيني» على جدول أعمال الحلف الأطلسي. وتضيف هذه الأوساط أن واشنطن، مدعومة من كندا وبريطانيا، تدفع منذ فترة طويلة باتجاه موقف أطلسي موحد وحازم تجاه الصين التي كانت مقاربة العلاقات معها موضع انقسام كبير داخل الحلف، حيث تراهن فرنسا وألمانيا على موقف براغماتي يحول دون توسيع دائرة الاهتمامات العسكرية الأطلسية، ويحافظ على العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين.
وفيما لا يزال الاتحاد الأوروبي يواجه صعوبة في المفاضلة بين المقاربات المتشددة والمتساهلة للعلاقات مع الصين، يبدأ اليوم رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال زيارة رسمية إلى بكين لـ«البحث في سبل التعاون المشترك حول التحديات العالمية الكبرى» كما جاء في بيان صادر عن مكتبه فيما كانت تتوالى الدعوات المطالبة بإلغاء الزيارة احتجاجاً على القمع الذي تواجه به بكين المظاهرات المنددة بسياسة تصفير (كوفيد) وتقييد الحريات، وكان لافتاً في هذا الصدد ما أدلى به مطلع هذا الأسبوع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك خلال عرض رؤيته للسياسة الدولية واستراتيجية حكومته من التحدي الصيني، حيث قال إن العهد الذهبي في العلاقات مع بكين قد ولّى «لأن الصين التي تشكّل تحدياً منهجياً لقيمنا ومصالحنا، وهو تحد يتنامى مع جنوحها نحو المزيد من الاستبداد، اختارت قمع احتجاجات المواطنين بالعنف، عوضاً عن الإصغاء إليهم والحوار معهم». وتدعو الوثيقة التي أقرها اجتماع «الناتو» الدول الأعضاء إلى زيادة مراقبتها ليس فقط للتمدد العسكري الصيني، بل أيضا لاستخدامها القوة التكنولوجية والاقتصادية من أجل توسيع دائرة نفوذها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
وتذكّر بأن الغرب ما زال يعتمد بنسبة عالية على سلاسل الإمدادات الصينية، بما فيها المعادن النادرة، في العديد من المجالات الصناعية الحيوية. يضاف إلى ذلك أن استخدام الصين لرصيدها النقدي الهائل كذراع سياسية تكاد تستحيل منافستها في الظروف الراهنة «يشكّل تهديداً بعيد الأثر على المصالح الغربية» كما قال الأمين العام للحلف، مضيفاً «سنستمر في التواصل التجاري والاقتصادي مع الصين، لكن يجب أن نكون مدركين لخطورة اعتمادنا على المصادر الخارجية وضرورة مواجهة المخاطر بمواقف موحدة».


مقالات ذات صلة

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الولايات المتحدة​ الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

تواجه المحكمة العليا للولايات المتحدة، التي كانت تعدّ واحدة من أكثر المؤسّسات احتراماً في البلاد، جدلاً كبيراً يرتبط بشكل خاص بأخلاقيات قضاتها التي سينظر فيها مجلس الشيوخ اليوم الثلاثاء. وتدور جلسة الاستماع، في الوقت الذي وصلت فيه شعبية المحكمة العليا، ذات الغالبية المحافظة، إلى أدنى مستوياتها، إذ يرى 58 في المائة من الأميركيين أنّها تؤدي وظيفتها بشكل سيئ. ونظّمت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، جلسة الاستماع هذه، بعد جدل طال قاضيين محافظَين، قبِل أحدهما وهو كلارنس توماس هبة من رجل أعمال. ورفض رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، المحافظ أيضاً، الإدلاء بشهادته أمام الك

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي قبول دعوة الرئيس جو بايدن للاجتماع (الثلاثاء) المقبل، لمناقشة سقف الدين الأميركي قبل وقوع كارثة اقتصادية وعجز الحكومة الأميركية عن سداد ديونها بحلول بداية يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون اللقاء بين بايدن ومكارثي في التاسع من مايو (أيار) الجاري هو الأول منذ اجتماع فبراير (شباط) الماضي الذي بحث فيه الرجلان سقف الدين دون التوصل إلى توافق. ودعا بايدن إلى لقاء الأسبوع المقبل مع كل من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (ديمقراطي من نيويورك)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب ميتش ماكونيل (جمهوري من كنتاكي)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز (ديمقراطي م

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

تمكّن تلميذ أميركي يبلغ 13 سنة من إيقاف حافلة مدرسية تقل عشرات التلاميذ بعدما فقد سائقها وعيه. وحصلت الواقعة الأربعاء في ولاية ميشيغان الشمالية، عندما نهض مراهق يدعى ديلون ريفز من مقعده وسيطر على مقود الحافلة بعدما لاحظ أنّ السائق قد أغمي عليه. وتمكّن التلميذ من إيقاف السيارة في منتصف الطريق باستخدامه فرامل اليد، على ما أفاد المسؤول عن المدارس الرسمية في المنطقة روبرت ليفرنوا. وكانت الحافلة تقل نحو 70 تلميذاً من مدرسة «لويس أي كارتر ميدل سكول» في بلدة وارين عندما فقد السائق وعيه، على ما ظهر في مقطع فيديو نشرته السلطات.

يوميات الشرق أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

كشفت دراسة أجريت على البشر، ستعرض خلال أسبوع أمراض الجهاز الهضمي بأميركا، خلال الفترة من 6 إلى 9 مايو (أيار) المقبل، عن إمكانية السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني، من خلال علاج يعتمد على النبضات الكهربائية سيعلن عنه للمرة الأولى. وتستخدم هذه الطريقة العلاجية، التي نفذها المركز الطبي بجامعة أمستردام بهولندا، المنظار لإرسال نبضات كهربائية مضبوطة، بهدف إحداث تغييرات في بطانة الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة لمرضى السكري من النوع الثاني، وهو ما يساعد على التوقف عن تناول الإنسولين، والاستمرار في التحكم بنسبة السكر في الدم. وتقول سيلين بوش، الباحثة الرئيسية بالدراسة، في تقرير نشره الجمعة الموقع ال

حازم بدر (القاهرة)
آسيا شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

نقلت وكالة الإعلام الروسية الحكومية عن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قوله، اليوم (الجمعة)، إن موسكو تعزز الجاهزية القتالية في قواعدها العسكرية بآسيا الوسطى لمواجهة ما قال إنها جهود أميركية لتعزيز حضورها في المنطقة. وحسب وكالة «رويترز» للأنباء، تملك موسكو قواعد عسكرية في قرغيزستان وطاجيكستان، لكن الوكالة نقلت عن شويغو قوله إن الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون إرساء بنية تحتية عسكرية في أنحاء المنطقة، وذلك خلال حديثه في اجتماع لوزراء دفاع «منظمة شنغهاي للتعاون» المقام في الهند. وقال شويغو: «تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها، بذريعة المساعدة في مكافحة الإرهاب، استعادة حضورها العسكري في آسيا الوسطى

«الشرق الأوسط» (موسكو)

طائرات مسيّرة غامضة تثير قلق السكان والسياسيين في نيويورك

TT

طائرات مسيّرة غامضة تثير قلق السكان والسياسيين في نيويورك

صورة لإحدى المسيرات الغامضة في سماء نيويورك (نيويورك بوست)
صورة لإحدى المسيرات الغامضة في سماء نيويورك (نيويورك بوست)

أثار رصد مجموعة من الطائرات المسيرة الغامضة في منطقة مدينة نيويورك الأميركية، التي تشمل بعض أجزاء ولاية نيو جيرسي المجاورة، قلق السكان والسياسيين المحليين والوطنيين ودفع السلطات إلى إجراء تحقيقات.

وكتبت حاكمة نيويورك كاث هوتشيل على موقع «إكس» يوم الجمعة: «نعرف أن سكان نيويورك رصدوا مسيرات في الجو هذا الأسبوع ونحن نقوم بالتحقيق... في هذا الوقت، لا يوجد دليل على أن هذه المسيرات تشكل تهديداً للسلامة العامة أو الأمن القومي».

وقالت هوتشيل إن مكتبها يقوم بالتنسيق مع مكتب التحقيقات الاتحادي ومكتب وزارة الأمن الداخلي، «لحماية سكان نيويورك».

وفي رسالة تم إرسالها يوم الخميس إلى هذين المكتبين الاتحاديين، بالإضافة إلى إدارة الطيران الاتحادية، التي تشرف على الحركة الجوية في الولايات المتحدة، طالب عضوا مجلس الشيوخ عن نيويورك تشاك شومر، زعيم الأغلبية، وكيرستن جيليبراند، وعضوا مجلس الشيوخ عن ولاية نيوجيرسي كوري بوكر وأندرو كيم، بإحاطة حول نشاط المسيرات.

وجاء في الرسالة: «منذ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، أبلغ سكان في منطقة مدينة نيويورك وشمال نيوجيرسي عن عدة حوادث لظهور طائرات مسيرة في الليل، مما أثار قلق السكان وسلطات إنفاذ القانون المحلية».

وقال عضو الكونغرس الأميركي ريتشارد بلومنتال، إن المسيرات الغامضة يجب أن «يتم إسقاطها إذا لزم الأمر»، رغم أنه لا يزال غير واضح من يملكها.

وقال بلومنتال من ولاية كونيتيكت يوم الخميس، إن «علينا القيام بتحليل استخباراتي عاجل وإخراجها من السماء، خصوصاً إذا كانت تحلق فوق المطارات أو القواعد العسكرية».

وأضاف أن هناك مخاوف من أن المسيرات قد تشارك الأجواء مع الطائرات التجارية، وطالب بمزيد من الشفافية من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. وقال المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي يوم الخميس، إن مراجعة التقارير عن رصد مسيرات أظهرت أن كثيراً منها في الواقع طائرات مأهولة تحلق بشكل قانوني. وأكد أنه لم يتم رصد أي مسيرات في أي منطقة جوية محظورة، وأن خفر السواحل الأميركي لم يعثر على أي دليل على تورط أجنبي من السفن الساحلية.