الفنزويلي رافايل كاديناس يفوز بجائزة ثرفانتيس للآداب الإسبانية

لا يغيب اسمه منذ سنوات عن القائمة القصيرة للمرشحين لنيل نوبل

رافايل كاديناس
رافايل كاديناس
TT

الفنزويلي رافايل كاديناس يفوز بجائزة ثرفانتيس للآداب الإسبانية

رافايل كاديناس
رافايل كاديناس

للسنة الخامسة على التوالي استقرّت جائزة ثرفانتيس للآداب الإسبانية على شاعر هو الفنزويلي رافايل كاديناس الذي يُعدّ أحد أبرز الأصوات الغنائية في الشعر الأمريكي اللاتيني، والذي سبق له أن فاز بجميع جوائز الأدب الإسباني الكبرى، من جائزة الملكة صوفيا إلى جائزة معرض غوادالاخارا الدولي، وجائزة غارسيا لوركا، ولا يغيب اسمه منذ سنوات عن القائمة القصيرة للمرشحين لنيل جائزة نوبل.
منذ عقود ينأى كاديناس عن الظهور العلني أو الإدلاء بتصريحات يعلّق فيها على شعره أو إعطاء مقابلات صحفية، وينصرف بتنسّك إلى الغوص في عالم الألغاز، يبحث عن المعاني السحيقة للكلمات، ويدفع الأنا إلى أقصى درجات الضمور كمدخل إلى الطمأنينة وسبيل نحو الشعر المصفّى، لكن خطابه الشعري لم يتجاهل معارج الألم ولحظات الامتلاء، مردداً «أن بهاء الحياة كامن في الحياة نفسها»، ومقللاً من أهمية الأحداث الكثيرة التي مرّت عليه طوال سنواته التسعين.
في الثانية والعشرين من عمره اضطر كاديناس بسبب انتمائه إلى الحزب الشيوعي الفنزويلي، لاختيار طريق المنفى إلى جزيرة ترينيداد، خلال حكم الدكتاتور ماركوس بيريز خيمينيز، لكنه كان يحرص على عدم إضفاء صورة بطولية على تلك الفترة (لأن الجزيرة لا تبعد سوى ثلاثين كيلومتراً عن السواحل الفنزويلية)، ولأنها كانت يومها مستعمرة بريطانية تنعم بمساحة واسعة من الحرية، عاد منها بعد أربع سنوات وفي جعبته مجموعتان من أرقى قصائده: «جزيرة»، «دفاتر المنفى».
بعد عودته من ترينيداد إلى فنزويلا، وفي ذروة حالة الاكتئاب الشديد الذي كان يعاني منه، نشر مجموعته «مناورات زائفة» التي تتضمّن أشهر قصائده بعنوان «هزيمة» التي تحولّت إلى أيقونة شعرية في أرجاء أميركا اللاتينية، رغم أنه كان يصرّ دائماً على عدم الاعتزاز بتلك الأبيات التي كتبها منذ ستة عقود، ويقول، اليوم، إن شهرتها تعود إلى النشوة الديمقراطية العارمة التي كانت تجتاح أمريكا اللاتينية في تلك الفترة، وليس إلى قيمتها الشعرية:

أنا الذي لم يمتهن في حياته حرفة
ويشعر بالوهن أمام منافسيه
أنا من ضلّ كل الدروب في الحياة
وما إن يحلّ في مكان حتى يستعجل الرحيل

بهذه الأبيات يستهلّ كاديناس قصيدته تلك التي يعلن فيها أنه ذليل، وتافه، وأحمق، بلا شخصية أو رغبة فيها، ويتملّكه شعور دائم بالخجل من أفعال لم يرتكبها.
وفي قصيدة أخرى يقول: «صغير أنا، صامت ومتمرّد»، جانحاً على الدوام إلى تعرية اللغة من غزارة الاندفاع نحو الزخارف، الأمر الذي توقفت عنده لجنة تحكيم جائزة ثرفانتيس بقولها: «تدلّ أعماله على قوة التغيير الكامنة في الكلمة عندما ترتقي اللغة إلى أقصى قدراتها الإبداعية».
في عام 2007 جمع كاديناس كل أعماله في مجلد واحد يقع في 700 صفحة، أضاف إليها تعليقات شعرية مختصرة على مقتطفات من كُتّاب مثل ويسلاوا سيمبورسكا وإميلي ديكينسون وبابلو نيرودا، وبالأخصّ ميغيل دي ثرفانتيس، نالت إعجاب النقّاد ولقيت رواجاً كبيراً عند القرّاء، وترجمت إلى أكثر من عشرين لغة.
ورغم عزوفه الطويل عن التصريحات، وحرصه على أن تكون أعماله تجسيداً لرهان لغوي متمايز وفريد، دفعه التمرّد إلى انتقاد النظام الفنزويلي بقوله: «حرية، ديمقراطية، عدالة، نزاهة... عندما تغيب هذه عن بلد، تجعل العيش مستحيلاً بالنسبة لمواطنيه. فنزويلا بأمسّ الحاجة للعودة إلى الوضع الطبيعي الذي لا يمكن أن يكون سوى ديمقراطي». وكان كاديناس يصرّ على عدم إضفاء أي بُعد سياسي على أعماله.
ويقول بهذا الصدد: «الشعر جبّار، ولكن لا قيمة له، لا قيمة له لأن تأثيره في العالم ضئيل جداً، وجبّار من حيث علاقته باللغة. أمّا السياسة فهي تفرّغ الكلمات من معانيها: الديمقراطية، العدالة، الحرية، والشعراء يلفتون الانتباه إلى هذا الفراغ. تفقد الكلمات قيمتها عندما لا تتطابق مع مسمياتها، وهذا ليس بجديد. كونفوشيوس كان يسمّي ذلك تصويب الأسماء، والشاعر هو الذي يصوّب الكلام».
لم يتراجع كاديناس قط عن قناعاته السياسية، ولم يتردد في إدانة الأنظمة الاستبدادية التي تعاقبت على الحكم في فنزويلا خلال العقود الستة المنصرمة، والتي لم تتمكّن من إسكات دعواته إلى المقاومة والتسلّح بالمبادئ الإنسانية في وجه التعصّب والبربرية. ويقول عنه صديقه الشاعر والكاتب الفنزويلي خوان كارلوس مينديز: «كاديناس شاعر كلّي لا تبقى أعماله في الكتب، بل هي تقفز فوراً إلى إيقاع التنفّس الحميم، ويستحيل على القارئ أن يبقى كما هو عندما يقع على كلمات مثل: «نتحدث عادة عن أسرار الكون من غير أن نعتبر أنفسنا جزءاً منه، كما لو أننا غرباء عنه ولا ننتمي إليه... إن الحيّز العائلي، الذي نتحرّك فيه كل يوم، هو نفسه الذي تدور فيه النجوم».
في قصيدته الشهيرة «هزيمة» أقسم كاديناس بأنه لن يرتدي أبداً ربطة العنق. لا ندري كيف سيمثل أمام العاهل الإسباني فيليبي السادس، أواخر أبريل (نيسان) من العام المقبل ليتسلّم الجائزة في جامعة «قلعة النهر»، حيث شهد النور صاحب «الكيخوتي»، وماذا سيقول الذي كتب في تلك القصيدة: «أنا الذي أذلّني أساتذة الأدب لسنوات».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
TT

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

سادت حالة من الحزن في الوسطين الفني والرسمي المصري، إثر الإعلان عن وفاة الفنان نبيل الحلفاوي، ظهر الأحد، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

وكان الحلفاوي قد نُقل إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات، الثلاثاء الماضي، إثر تعرضه لوعكة صحية مفاجئة، وهو ما أشعل حالة من الدّعم والتضامن معه، عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي.

ونعى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الفنان الراحل، وقال في بيان: «كان الفقيد قامة فنية شامخة؛ إذ قدّم عبر سنوات إبداعه الطويلة أعمالاً فنية جادة، وساهم في تجسيد بطولات وطنية عظيمة، وتخليد شخوص مصرية حقيقية خالصة، وتظلّ أعماله ماثلة في وجدان المُشاهد المصري والعربي».

الفنان الراحل نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

وعبّر عددٌ من الفنانين والمشاهير عن صدمتهم من رحيل الحلفاوي. منهم الفنانة بشرى: «سنفتقدك جداً أيها المحترم المثقف الأستاذ»، مضيفة في منشور عبر «إنستغرام»: «هتوحشنا مواقفك اللي هتفضل محفورة في الذاكرة والتاريخ، الوداع لرجل نادرٍ في هذا الزمان».

وكتبت الفنانة حنان مطاوع: «رحل واحدٌ من أحب وأغلى الناس على قلبي، ربنا يرحمه ويصبّر قلب خالد ووليد وكل محبيه»، مرفقة التعليق بصورة تجمعها به عبر صفحتها على «إنستغرام».

الراحل مع أحفاده (حسابه على «إكس»)

وعدّ الناقد الفني طارق الشناوي الفنان الراحل بأنه «استعاد حضوره المكثف لدى الأجيال الجديدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد أن يتصدّر الترند في الكرة والسياسة والفن»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحلفاوي رغم موهبته اللافتة المدهشة وتربيته الفنية الرّاسخة من خلال المعهد العالي للفنون المسرحية، لم يُحقّق نجوميةَ الصف الأول أو البطل المطلق».

وعبر منصة «إكس»، علّق الإعلامي اللبناني نيشان قائلاً: «وداعاً للقدير نبيل الحلفاوي. أثرى الشاشة برقِي ودمَغ في قلوبنا. فقدنا قامة فنية مصرية عربية عظيمة».

ووصف الناقد الفني محمد عبد الرحمن الفنان الراحل بأنه «صاحب بصمة خاصة، عنوانها (السهل الممتنع) عبر أدوار أيقونية عدّة، خصوصاً على مستوى المسلسلات التلفزيونية التي برع في كثير منها»، لافتاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السينما خسرت الحلفاوي ولم تستفِد من موهبته الفذّة إلا في أعمال قليلة، أبرزها فيلم (الطريق إلى إيلات)».

حنان مطاوع مع الحلفاوي (حسابها على «إنستغرام»)

وُلد نبيل الحلفاوي في حي السيدة زينب الشعبي عام 1947، وفور تخرجه في كلية التجارة التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرج فيه عام 1970، ومن ثَمّ اتجه لاحقاً إلى التلفزيون، وقدّم أول أعماله من خلال المسلسل الديني الشهير «لا إله إلا الله» عام 1980.

ومن أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد» التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة والجدية المخيفة، بجانب مسلسل «غوايش» و«الزيني بركات» 1995، و«زيزينيا» 1997، و«دهشة» 2014، و«ونوس» 2016.

مع الراحل سعد أردش (حسابه على «إكس»)

وتُعدّ تجربته في فيلم «الطريق إلى إيلات» إنتاج 1994 الأشهر في مسيرته السينمائية، التي جسّد فيها دور قبطانٍ بحريّ في الجيش المصري «العقيد محمود» إبان «حرب الاستنزاف» بين مصر وإسرائيل.

وبسبب شهرة هذا الدور، أطلق عليه كثيرون لقب «قبطان تويتر» نظراً لنشاطه المكثف عبر موقع «إكس»، الذي عوّض غيابه عن الأضواء في السنوات الأخيرة، وتميّز فيه بدفاعه المستميت عن النادي الأهلي المصري، حتى إن البعض أطلق عليه «كبير مشجعي الأهلاوية».

نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

ووفق الناقد محمود عبد الشكور، فإن «مسيرة الحلفاوي اتّسمت بالجمع بين الموهبة والثقافة، مع دقة الاختيارات، وعدم اللهاث وراءَ أي دور لمجرد وجوده، وهو ما جعله يتميّز في الأدوار الوطنية وأدوار الشّر على حد سواء»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لم يَنل ما يستحق على مستوى التكريم الرسمي، لكن رصيده من المحبة في قلوب الملايين من جميع الأجيال ومن المحيط إلى الخليج هو التعويض الأجمل عن التكريم الرسمي»، وفق تعبيره.