مسيرات بلوشستان تتضامن مع كردستان... والأمن الإيراني يستخدم القوة المفرطة

«الحرس الثوري» يواصل تعزيزاته في الشمال الغربي... وإمام جمعة زاهدان: البلاد وصلت إلى طريق مسدود

محتجون يرشقون سيارات لقوات مكافحة الشغب بالحجارة في زاهدان أمس (نشطاء البلوش)
محتجون يرشقون سيارات لقوات مكافحة الشغب بالحجارة في زاهدان أمس (نشطاء البلوش)
TT

مسيرات بلوشستان تتضامن مع كردستان... والأمن الإيراني يستخدم القوة المفرطة

محتجون يرشقون سيارات لقوات مكافحة الشغب بالحجارة في زاهدان أمس (نشطاء البلوش)
محتجون يرشقون سيارات لقوات مكافحة الشغب بالحجارة في زاهدان أمس (نشطاء البلوش)

تتواصل الاحتجاجات الإيرانية بأشكال مختلفة في الجهات الأربع من البلاد. وفي ختام الأسبوع العاشر من الحراك الذي أشعله وفاة الشابة مهسا أميني، ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية، الجمعة، أن «الحرس الثوري» عزز وجوده في المناطق الكردية ضمن حملة تهدف لاحتواء الاحتجاجات، أظهرت تسجيلات الفيديو مسيرة حاشدة في مدينة زاهدان مركز محافظة بلوشستان. وأطلقت قوات الأمن الغاز المسیل للدموع، والذخائر الحية على المحتجّين في مدينتي زاهدان وتفتان.
وسرعان ما انتشرت الاحتجاجات، التي أشعلتها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في 16 سبتمبر (أيلول) بعد أن احتجزتها شرطة الأخلاق، في أنحاء البلاد، إلا أنها أكثر حدة في المناطق الكردية شمال غربي البلاد، والبلوش في جنوب شرقي البلاد.
وواصل «الحرس الثوري» الإيراني إرسال مُعدات وأسلحة ثقيلة تشمل دبابات ومدافع إلى المناطق الكردية، وأظهرت مقاطع فيديو، مساء الخميس، إدخال الأسلحة إلى مدينتي بيرانشهر وسردشت، بالقرب من الحدود مع إقليم كردستان العراق.
بدوره أعلن قائد القوات البرية في «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال محمد باكبور إرسال وحدات مدرّعة وقوات خاصة إلى مناطق كردية بهدف «منع تسلّل إرهابيين» من إقليم كردستان، على حد ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية».
وقال باكبور إن «بعض الوحدات المدرعة والقوات الخاصة التابعة للقوات البرية تتجه حالياً إلى المحافظات الحدودية في غرب وشمال غربي البلاد»، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء «تسنيم».

سيارات إسعاف تنقل جرحى بالقرب من جامع مكي في زاهدان (نشطاء البلوش)

وأضاف أن «الإجراء الذي تقوم به القوة البرية للحرس الثوري يقوم على تعزيز الوحدات المتمركزة على الحدود ومنع تسلل الجماعات الإرهابية التابعة للجماعات الانفصالية المتمركزة في إقليم شمال العراق».
وتجدد قصف «الحرس الثوري» على مواقع إقليم كردستان، بموازاة الحملة الأمنية التي تقودها وحدات «الحرس» في المدن الكردية، وأوقعت أكثر من 50 قتيلاً في مدن مهاباد وبوكان وجوانرود وسنندج.
في هذه الأثناء، واصل رجال دين سُنة في المدن الكردية توجيه رسائل مصورة للاحتجاج على حملة القمع. وبعد مقاطع من رجال الدين في محافظة كردستان، وأخرى في مدينة أرومية، نشر رجال الدين السنة في مدينة مهاباد رسالة انتقدت استخدام العنف من القوات العسكرية والأمنية الإيرانية في المناطق الكردية.
وانتقدت الرسالة المصورة «صمت المراجع الشيعة» حيال الحملة التي تشنها السلطات ضد الحراك الاحتجاجي في أنحاء البلاد. وقالوا «رغم مضي شهرين من الأحداث المؤلمة في البلاد، من المستغرب أن مراجع التقليد والحوازات العلمية لم تصدر أي رد فعل، بينما عليهم الدفاع عن المظلومين حسب واجبهم». واحتجّوا على اتهامات مثل «العمالة للخارج، وأعمال الشغب، والانفصالية»، وهي اتهامات وردت على لسان غالبية المسؤولين الإيرانيين لوصف المحتجّين.

عناصر من قوات الأمن تحتفل بفوز المنتخب الإيراني بينما تتأهب لمواجهة محتجين في محافظة خراسان الشمالية (تويتر)

كما ينتقد هؤلاء الاعتقالاتِ التعسفية، و«تخريب الأموال الشخصية وإثارة الرعب وضرب الأشخاص، بمن في ذلك الأطفال والنساء». وقالوا إن «الاحتجاجات الأخيرة ناجمة من ظلم مضاعف على مدى أكثر من 40 عاماً على الناس، خصوصاً أقليات عرقية مثل الكرد والبلوش»، لافتين إلى أن السلطات «تعدّهم مواطنين من الدرجتين الثانية والثالثة».
وقالت وكالة نشطاء حقوق الإنسان في إيران «هرانا»، في إحصائية نشرتها في وقت متأخر الخميس، إن 445 محتجاً قُتلوا، من بينهم 63 طفلاً. وأشارت إلى اعتقالات لـ18170 شخصاً، في 156 مدينة و143 جامعة شهدت احتجاجات.
وكانت كردستان «بيت القصيد» للمسيرات الاحتجاجية، هذه الجمعة، في محافظة بلوشستان.وأظهرت لقطات نشرتها حسابات لنشطاء وجماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان على مواقع التواصل الاجتماعي، ما قيل إنه احتجاجات خرجت، اليوم الجمعة، في عدة مدن من محافظة بلوشستان المحاذية للحدود مع باكستان وأفغانستان.
وأتت احتجاجات بلوشستان، غداة تجدد الاحتجاجات الليلية في طهران وكرج ومشهد وأصفهان وهمدان وقزوين ومدن أخرى، حسبما تُظهر مقاطع فيديو نشرتها منظمات حقوقية على «تويتر».
وأفادت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان «هرانا» بخروج احتجاجات في خاش وسراوان وإيرانشهر وتشابهار. وردد البلوش شعار «من زاهدان إلى كردستان... روحي فداء لإيران»، ورفعوا لافتات كُتب عليها «كردستان وحدها... يدعمها البلوش». ويسمع من الفيديوهات شعارات «الموت لخامنئي، الموت للحرس الثوري، والموت للباسيج»، «كردستان كردستان سوف ندعمك»، و«سندعم كردستان»، كما يُسمع متظاهرون في تسجيل آخر نُشر على مواقع للتواصل الاجتماعي ولم يجرِ التأكد من صحته «أكراد وبلوش إخوة، متعطشون لدم المرشد».
وقال نشطاء، في وقت لاحق، إن قوات الأمن أطلقت النار على متظاهرين في المدينة.
وقالت «حملة نشطاء البلوش»، ومقرُّها لندن على قناة «تلغرام»، إن «العشرات قُتلوا أو جُرحوا»، ولم تتمكن وكالة الصحافة الفرنسية من التأكد من الحصيلة.
ونشرت المجموعة تسجيلاً مصوراً يُظهر عدداً من الرجال وهم يحملون جريحاً، على ما يبدو، من مسجد زكي في زاهدان، على الأرجح، أكبر مساجد السنة في إيران.
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية، نقلاً عن منظمة حقوق الإنسان في إيران؛ ومقرُّها أوسلو، بأن «الحرس الثوري» الإيراني استخدم مُعدات عسكرية، من بينها رشاشات ثقيلة؛ لقمع الأهالي.
وجدّد إمام جمعة زاهدان وأحد أبرز رجال الدين السنة في إيران، عبد الحميد إسماعيل زهي، انتقاداته الأخيرة للسلطات الإيرانية، ورفض مرة أخرى اتهام المحتجّين بتنفيذ مخططات «إسرائيلية وأميركية»، وطالب بوقف «المعاملة السيئة» مع السجناء. ونقلت «رويترز» قوله، في هذا الصدد: «تتردد في وسائل الإعلام أمور مروعة عن إساءة معاملة نساء، لا يسَعني تكرارها»؛ في إشارة، على ما يبدو، إلى تحقيق نشرته شبكة «سي إن إن»، الأسبوع الماضي، حول اغتصاب معتقلات أُوقفن خلال الاحتجاجات الأخيرة.
وسجلت بلوشستان، المحاذية للحدود الباكستانية الأفغانية، أكبر عدد من القتلى.
وكان إسماعيل زهي قد وجّه، الأسبوع الماضي، انتقادات لاذعة إلى الوفد الخاص الذي أرسله المرشد الإيراني علي خامنئي لتهدئة الوضع، وترأسه إمام جمعة طهران علي حاج أكبري. وبينما تحدث وسائل الإعلام الرسمية عن مبادرة خاصة من خامنئي لتحسين الأوضاع في المنطقة التي تشكو من الحرمان، قال عبد الحميد إن البلوش يرفضون «الترغيب والترهيب».
وأشار علي حاج أكبري، في خطبة جمعة طهران، إلى مهمته الأخيرة في بلوشستان، قائلاً إن خامنئي «مستاء من مقتل الأبرياء في بلوشستان».
لكن إسماعيل زهي جدد وقال: «لا يوجد مسؤول فوق القانون، ويجب أن يخضع جميع المسؤولين للمساءلة أمام القانون والانتقادات». وأضاف: «يجب مساءلة كل من يحمل على عاتقه مسؤولية»، مشدداً على أن «صرخة الناس تُظهر أن 43 عاماً من العمل السياسي وصل إلى طريق مسدود ولا يمكن إدارة البلاد بهذه السياسة».
وألقى إسماعيل زهي باللوم في الأوضاع الحالية على من لم يسمعوا صوت الانتقادات المتعلقة بمشكلات الناس. وقال: «أكبر ما يُقلقنا هو أن عدداً من المسؤولين رفضوا الاستماع إلينا». وأضاف: «هذا هو أكبر قلقنا؛ لأن عدداً من المسؤولين رفضوا الاستماع إلينا. كان الكثير من النقاد حريصين (على البلاد)... لكن لم يستمع أحدهم، وكانت النتيجة الاستياء في البلاد».
ووجه إسماعيل زهي انتقادات إلى التيار الإصلاحي لأنه لم يفصح عن الشخص الذي منعهم من الإصلاح، وقال، في هذا الصدد: «جاء الإصلاحيون وقالوا إننا سنقوم بإصلاحات، وحصلوا على أصوات كثيرة، لكن لم يتمكنوا من القيام بشيء، وكان أكبر الشكاوى منهم لماذا لم يقوموا بإصلاحات؟ لماذا التزموا الصمت؟ لم يقولوا مَن الذي لم يسمح لهم بإجراء إصلاحات؟ كان يجب أن يقولوا، في هذه الحالة لن يستاء الناس، لكنهم لم يقولوا إنهم لم يقوموا بإصلاحات، أو يتركوا للقيام بذلك». وأضاف: «لو نفذت هذه الإصلاحات في الجمهورية الإسلامية لما صعد الناس اليوم إلى المنصة ليصرخوا إننا نريد الحرية. في الماضي ضاعت الفرصة وفقدناها».
وتابع: «لو جرى تنفيذ هذه الإصلاحات في الجمهورية الإسلامية، لما نزل الناس اليوم إلى الشارع ليصرخوا إننا نريد الحرية، لقد ضيعنا فرصة الإصلاح في الماضي». وأضاف: «ربما هناك كثيرون لا يعرفون بالضغوط على كاهل الناس... العملة الإيرانية فقدت قيمتها إلى درجة لا يمكن شراء أي شيء بها».
في غضون ذلك قال محمد علي أبطحي، مدير مكتب الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، إن خامنئي تجاهل رسالة من خاتمي طلب فيها لقاء تجمع كبار الإصلاحيين بالمرشد لـ«منع العنف وإصلاح الأمور».
وأكد أبطحي على «إنستغرام»: «لا يوجد مؤشر على اهتمام المؤسسة الحاكمة بالمطالب».
واحتجّت زهرا رهنورد، زوجة الزعيم الإصلاحي ميرحسين موسوي، على قمع المحتجين، وقالت، في بيان نشره موقع «كلمة» الإصلاحي، الخميس: «قلتم وسجنتم التلاميذ والطلاب، لا أطيق آلام المواطنين أكثر من هذا». وقالت أيضاً: «تراق الدماء من بلوشستان وزاهدان حتى كردستان... الدم والرصاص والبنادق والهراوات، تغطي كل الجهات الأربع في إيران». وكتبت في نهاية البيان: «اقتلوني أو استسلموا لإرادة الشعب».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

احتجز «الحرس الثوري» الإيراني، أمس، ناقلة نقط في مضيق هرمز في ثاني حادث من نوعه في غضون أسبوع، في أحدث فصول التصعيد من عمليات الاحتجاز أو الهجمات على سفن تجارية في مياه الخليج، منذ عام 2019. وقال الأسطول الخامس الأميركي إنَّ زوارق تابعة لـ«الحرس الثوري» اقتادت ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما إلى ميناء بندر عباس بعد احتجازها، في مضيق هرمز فجر أمس، حين كانت متَّجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي قبالة خليج عُمان. وفي أول رد فعل إيراني، قالت وكالة «ميزان» للأنباء التابعة للسلطة القضائية إنَّ المدعي العام في طهران أعلن أنَّ «احتجاز ناقلة النفط كان بأمر قضائي عقب شكوى من مدعٍ». وجاءت الو

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)

إسرائيل قايضت فرنسا: المشاركة في اتفاق وقف النار مقابل الحصانة لنتنياهو

صورة أرشيفية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
صورة أرشيفية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

إسرائيل قايضت فرنسا: المشاركة في اتفاق وقف النار مقابل الحصانة لنتنياهو

صورة أرشيفية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
صورة أرشيفية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

أكد مسؤولون إسرائيليون أن مشاركة فرنسا في اتفاق وقف النار في لبنان جاء مقابل التنازل عن الالتزام بأوامر الاعتقال التي أصدرتها الجنائية الدولية ضد كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.

وقال أحد وزراء الحكومة لصحيفة «إسرائيل اليوم» إن تل أبيب كانت سترفض مشاركة باريس في الترتيبات في الشمال دون التنازل عن الالتزام بأوامر الاعتقال. ولمحت الصحيفة ووسائل إعلام إسرائيلية أخرى، إلى أن موافقة نتنياهو على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان كان جزءاً من تفاهمات بينه وبين دول غربية تتعلق بأوامر الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية.

وأكد الوزير الذي لم تذكر الصحيفة اسمه أنه «مقابل دمج فرنسا في اتفاق وقف إطلاق النار كانت المقايضة». وأضاف: «من دون الحصول على هذا التنازل من الفرنسيين، لم نكن لندمجهم في الاتفاق». ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار آخرين في إسرائيل أنه من المعقول والممكن، افتراض أن هناك علاقة بين موافقة إسرائيل على خطة وقف إطلاق النار، والتغيير الذي طرأ أيضاً في موقف أستراليا بشأن أوامر محكمة الجنايات الدولية.

ولمحت فرنسا، الأربعاء، إلى أن ثمة حصانة لبعض القادة من الاعتقال في تلميح فُهم في إسرائيل مباشرة أنه حول نتنياهو وغالانت، فيما تركت أستراليا القرار للمدعي العام هناك. وكان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، لمّح الأربعاء إلى إمكانية حصول نتنياهو وغالانت على حصانة.

ورد بارو على سؤال في مقابلة مع إذاعة «فرنس إنفو» الفرنسية، إذا كانت فرنسا ستعتقل نتنياهو وغالانت لو دخلا البلاد، بقوله: «يجب فحص مسائل الحصانة المحتملة لبعض كبار المسؤولين».

وقال بارو إن «فرنسا مرتبطة بشكل وثيق بالعدالة الدولية، وستعمل وفقاً للقانون الدولي، استناداً إلى التزاماتها بالتعاون مع القانون الدولي»، لكن قانون المحكمة «يتعامل مع مسائل الحصانة لبعض القادة، وهذا يخضع في نهاية المطاف لقرار السلطة القضائية».

وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» إن تصريح بارو جاء بعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ، وأسبوع تقريباً بعد قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بإصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، مذكرة بأن الخارجية الفرنسية أعلنت بعد إصدار الأوامر، أن «باريس ستتصرف وفقاً لمبادئ المحكمة الجنائية الدولية».

وأكد مسؤول دبلوماسي إسرائيلي رفيع، وفق الصحيفة، أن فرنسا أبدت نوعاً من التنازل فيما يتعلق بأوامر المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف: «هذا ليس شيئاً يُرضي إسرائيل، لكننا يمكننا التعايش مع هذا التنازل، لأننا في النهاية فهمنا أنه من دون الفرنسيين قد لا يكون هناك وقف لإطلاق النار. اللبنانيون والأميركيون ضغطوا في هذا الموضوع، ومنذ أن تراجعت فرنسا بشأن الأوامر، قبلنا الوضع».

وشهدت العلاقة الإسرائيلية الفرنسية توتراً زائداً بسبب الحرب على لبنان بعد قطاع غزة، في إسرائيل، كان هناك غضب كبير من فرنسا، جزئياً بسبب الاعتقاد بأن القاضي الفرنسي في المحكمة الجنائية الدولية الذي وقع على أمر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت «لم يكن ليجرؤ على فعل ذلك دون الحصول على الضوء الأخضر والدعم من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأيضاً بسبب استبعاد الصناعات الدفاعية الإسرائيلية من معارض الأسلحة الفرنسية» وفق الصحيفة. كما ادعى المسؤولون في إسرائيل أن فرنسا ألقت بظلال من الشك على المفاوضات الخاصة بالترتيبات، حيث قامت بإجراء مفاوضات غير مباشرة مع لبنان دون التنسيق مع الولايات المتحدة. وأكدت الصحيفة أنه في تل أبيب، تم فرض حق النقض (الفيتو) على مشاركة فرنسا في آلية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، قبل أن تربط موافقتها بتعهد فرنسا بعدم تنفيذ أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت.

وإضافة إلى ذلك، قال الإعلام الإسرائيلي إن خبيراً في القانون الدولي قدم رأياً قانونياً في أستراليا، أكد فيه أن المدعي العام في البلاد يحتفظ بالحق في رفض أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت. وكتب: «لدى المدعي العام السلطة التقديرية في عدم التعاون وعدم القيام بالاعتقال عندما تكون هناك التزامات دولية متضاربة».

وانتقد محام آخر «لاهاي» لإظهارها «تحيزاً واضحاً» في إصدار أوامر الاعتقال قائلاً إنه «ما كان ينبغي إصدارها أبداً». ولم يتخذ المدعي العام في أستراليا، موقفاً واضحاً بشأن مسألة كيفية تصرف بلاده في مواجهة مذكرات الاعتقال، عندما أجاب: «ليس من المناسب التكهن بقضايا فردية»، كما تناول وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تياني، مسألة مذكرات الاعتقال موضحاً: «هناك شكوك قانونية كثيرة بشأن مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو والقدرة على تنفيذها». وصدرت مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت يوم الخميس وأثارت ضجة كبيرة. وقالوا في المحكمة الجنائية الدولية إن «هناك احتمالاً معقولاً للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت ارتكبا جرائم حرب ضد الإنسانية في الحرب في غزة، التي تشمل استخدام التجويع سلاحاً في الحرب، والقتل، والاضطهاد، وأفعالاً أخرى، وأعمالاً غير إنسانية». ويفترض أنه عند هذه الأوامر، لن يتمكن نتنياهو وغالانت من السفر جواً إلى 124 دولة تعترف باختصاص «لاهاي»، لأنهما سيخاطران بالاعتقال. ومن بين دول أخرى، تعترف 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وجميع دول أميركا الجنوبية والوسطى وكندا واليابان وأستراليا ونيوزيلندا بسلطة «لاهاي». ويفترض أن يحسم نتنياهو أمره قبل يوم الخميس ما إذا كانت إسرائيل ستبلغ المحكمة الجنائية الدولية في «لاهاي» نيتها تقديم استئناف ضد أوامر الاعتقال، أو أنها ستتجاهل وتنتظر وصول إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب. وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» إن المستوى المهني نصح نتنياهو بالاستئناف على أساس أن إسرائيل لديها «قضية»، وأن هناك عيوباً في القرار، لكنّ وزراء ومسؤولين آخرين رفضوا ذلك، ويعتقدون بأن على إسرائيل أن تتجاهل قرار المحكمة، لأن الرد في حد ذاته هو اعتراف بسلطتها. وأجرى نتنياهو، الثلاثاء، مناقشة سرية حول مسألة مذكرات الاعتقال، لكن لم يتم اتخاذ قرار في هذا الشأن.

وأكدت «يديعوت أحرنوت» أن المستوى السياسي، يفضل وصول ترمب، ويعتقد بأنه سيفرض العقوبات على المحكمة. وقال مسؤول إسرائيلي كبير للصحيفة إن «الأميركيين يخططون لفرض عقوبات جهنمية على أي دولة تساعد المحكمة، وستكون هذه نهاية الأمر». وأضاف: «لا داعي أن نأتي ونتوسل إلى جهة لا نثق فيها»، رغم أن الرسائل تشير إلى إمكانية تعامل إسرائيل مع الوضع، في حال تشكيل لجنة تحقيق. وقال مصدر إسرائيلي مطلع آخر: «تقديري أنه في النهاية ستتراجع المحكمة، لأن الضغوط التي ستمارس عليها غير مسبوقة، ولن تعرف مثلها من قبل. سوف تتوسل إلينا أن نعطيها سلماً للنزول من الشجرة بعد أن تمر بورشة تعليمية ستعيدها إلى حجمها الطبيعي، سنفكر حين ذلك، ربما نساعدها على النزول من الشجرة».