أفلام عربية تتمنى وغربية تنتظر توقعات متساوية

«الشرق الأوسط» في مهرجان القاهرة (5)

«رحلة يوسف» (سوريا)
«رحلة يوسف» (سوريا)
TT

أفلام عربية تتمنى وغربية تنتظر توقعات متساوية

«رحلة يوسف» (سوريا)
«رحلة يوسف» (سوريا)

‫كما كان متوقعاً، أحدثت الدورة الرابعة والأربعون التي تخطو خطواتها صوب حفل الاختتام اليوم (22 الحالي) الاهتمام الشعبي الكبير الذي توخّته وربما أكثر منه. ‬
الصالات في معظم العروض كانت ممتلئة. الاهتمام بالمخرجين والحوارات معهم بعد عرض أفلامهم كانت، حسب مخرجين عديدين، ثرية والأسئلة جادة وتعكس حباً للسينما وللأفلام. وإدارياً، أحدثت إدارة حسين فهمي تغييراً أوقف هدر الأوقات وفوضى المواعيد وبعض المشاكل السابقة التي كانت تتكرر من عام لآخر.
في لقاء آخر مع رئيس المهرجان تم قبل يومين سألته عما أراد تغييره عندما تسلم مهامه، فأجاب بأن الاهتمام الأول كان توجيه المهرجان للجمهور، «الجمهور كان شاغلي الأول، والإدارات السابقة كانت معنية بذلك، لكني أعتقد أننا خطونا صوب تطوير هذا الرغبة عبر توسيع رقعة العروض في القاهرة بحيث لا يعد لزاماً على هاوي السينما أو المُشاهد عموماً اجتياز مسافات طويلة لكي يأتي إلى دار الأوبرا».

فيلم «السد» (السودان)

هذا كان معمولاً به سابقاً بالطبع، لكن ربما على نطاق أضيق مما هو عليه الآن. سألته عما إذا كانت لديه شروط لقبول المنصب عندما اختارته وزارة الثقافة له «أبداً. هو طلب واحد فقط: رفع الميزانية إلى ما يمكن معه تمكين المهرجان من الإيفاء بمصاريفه وعلى نحو كامل».
• الميزانية الممنوحة من قِبل الوزارة هي 40 مليون جنيه مصري (قرابة مليونَي دولار). صحيح؟
- صحيح. لكن الاعتماد كذلك كان على المساهمين والرعاة. هنا ارتفع عدد الرعاة واستعادوا الثقة والرغبة في المساعدة على استكمال الميزانية أو توفير الإمكانيات المطلوبة.
- لماذا انتقد البعض اختيارك لإدارة المهرجان؟
‫• ‬بصراحة لا أدري ولا يهمني كثيراً ما قيل في هذا الصدد. العمل هو الذي علينا في النهاية الحكم له أو عليه. لكن النقد لم يتوقف فقط عند مرحلة ما قبل بداية المهرجان. استمر ومستمر (يضحك).
يحكي حسين فهمي في هذا المجال عن مخرجة (لم يسمّها) هاجمت اختياره متسائلة «هوا ما فيش حد تاني بمصر غير حسين فهمي؟»، ثم قابلته وكررت اعتراضها. يضحك ويكرر، أن النقد المسبق مشكلة تؤذي أصحابها، ويضيف «لكن تسلمت تهاني كثيرة، وهذا كان تأكيداً لي على أن على هذا المهرجان أن ينجز كل ما يعد به. لكن في الحالتين النتيجة هي التي تعكس الواقع وليس أي شيء آخر».
كيف كنا
على صعيد الأفلام، ومع ختام لجنة التحكيم التي تترأسها المخرجة اليابانية ناوومي كواسي (اختيار ذكي آخر) وتضم ستّة سينمائيين آخرين، بينهم مديرة التصوير نانسي عبد الفتاح، والممثلة الهندية سوارا شهاسكار، والموسيقار راجح داود، والمخرج المكسيكي خواكين دل باسو، ارتفعت التوقعات.
الأفلام المختارة، كانت بمعظمها تستحق هذا الاختيار والمتنافسون العرب (أربعة) وفّروا أفلامهم تبعاً لاختيارات أسلوبية أو درامية متباينة.

من «جزيرة الغفران» (تونس)

من تونس عرض المخرج ذو الباع الطويل رضا الباهي فيلمه الجديد «جزيرة الغفران» الذي يتحدث عن ذكريات بطله الصبي في زمن ساده التعايش بين الأديان، وردد، إنه الفيلم الأقرب إليه في هذه المرحلة التي «يحاول فيها البعض فرض واقع متطرّف جديد». وأضاف «هو فيلم عن مرحلة مثالية ناضجة يذكّر الفيلم بها ويدعو لإعادتها».
من السودان (أو تحت عَلَم السودان، علماً بأن التمويل جاء بقاع أوروبية وعربية مختلفة) شاهدنا «السد» العمل الأول للبناني علي شرّي. يتردد أن إنتاجه تطلّب خمس سنوات من العمل. يُثير ذلك - عند مشاهدة الفيلم - بعض التعجب؛ كون الميزانية لا يمكن أن تكون تجاوزت 800 ألف دولار أو نحوها.
يرصد المخرج مجموعة من العمّال في الصحراء السودانية يصنعون الطوب من الطمي بالقرب من سد على نهر النيل. منطقة بعيدة ومعزولة من دون توفير سبب لاختيار ذلك المكان ولا السبب وراء ركوب ماهر دراجته النارية إلى موقع بعيد آخر بنى فيه (كما يبدو) صرحاً من التراب والطين، ونراه يؤمه لكي يرممه بمزيد من الطين... بعد حين، تمطر السماء بغزارة فيتفتت الطين المضاف، ثم يهوي الصرح وتجرفه المياه. هل لم يفكر ماهر باحتمال حدوث ذلك؟ المَشاهد التي يتألّف منها الفيلم موحية، وحسناً فعل المخرج بتحديد الحوار وعدم بناء أي موقف عليه. لكن هذا ليس كافياً لابتداع فيلم وجداني يستخدم الرمز أو سواه.
يضعنا الفيلم، بمشاهده الطويلة أمام حالات تريد أن تفصح عن حالات. لكن القليل يصل والغالبية تبقى حالات غير مفسّرة حتى ولو لم يكن الغرض تفسيرها على نحو تقليدي. لماذا قتل ماهر الكلب الذي كان يطعمه؟ لماذا مشهد الحريق الكبير قبل نهاية الفيلم؟ وما هو سر الأصوات التي تخرج من الأرض غير مفهومة؟ لا بد أن هناك تفسيراً لكل شيء، لكن اختيار المَشاهد لا يؤدي إليها فتبقى غامضة. تصوير جيد من باسم فيّاض وإنتاج يبقى في نطاق المحدود من الإمكانيات المادية التي تصنع في النهاية عملاً تجريبياً لافتاً أثر منه ناجحاً.
حكاية عَلَم
باسم فلسطين (مع تمويل خارجي شبه كامل) تم تقديم «عَلَم» لفراس خوري. دراما تطفو فيها العاطفة فوق الوقائع على الرغم من النية الحسنة التي تحرّك خطابه.
يختار المخرج فراس خوري، أو ربما آخرون، عدم ترجمة كلمة «علم» للغة الأجنبية، بل إبقاء الاسم الأجنبي كما أعلاه. اختيار يشي بأن «عَلَـم» يتمحور حول الراية التي يدعو إليها الفيلم وما ترمز إليه. هناك، فوق مدرسة تقع (على الأرجح) في القدس المحتلّة (نرى المسجد الأقصى في الخلفية في مشهد واحد) علم إسرائيلي يرفرف فوق السطح. تامر (محمود بكري) ورفاقه يخططون لاستبدال العلم فلسطيني بالعلم الإسرائيلي. «المهمّة عليها أن تبقى سريّة خوفاً من العواقب».
العَلَم بالطبع هو رمز، لكن الحكاية لا تعدو في نهايتها جمع ما بين الموضوع السياسي (القضية والهوية) ومتابعة بيئة شبابية مراهقة موزّعة بين عواطف مختلفة مع علاقة عاطفية تنمو (بتمهّل جيد) بين تامر وميساء (سيرين خاص). يلقي المخرج نظرة عارفة على تلك البيئة والعالم المحدود بين المدرسة والبيت. بين الأستاذ هنا والأب هناك. في أحد المشاهد يخرج معظم التلامذة من الصف تضامناً مع أحدهم حين احتج أن الأستاذ يدرّس تاريخ الاحتلال الإسرائيلي من خلال منهج الاحتلال. ما بعد ذلك، يبدأ تطوير الخطّة ثم الاشتراك في مظاهرة يُقتل فيها أحدهم. تامر نفسه يُضرب. طعم الهزيمة مر. الاحتلال قوي. المناهضة ضعيفة وينتهي الفيلم بلا قرار ذاتي لتامر. هل سينخرط في الرفض أو سيعود إلى موقعه. يمر معظم الفيلم في حوارات بين تامر وأصحابه كاشفة لشخصيات كل منهم، لكن ليس هناك لا من إدارة ولا من معالجة فنيّتان. مشاهد المظاهرات تهدف لرفع مستوى الحماس ما يحيل الفيلم إلى عمل عاطفي آخر مع نهاية هامدة، تلك التي نرى فيها تامر وهو لا يزال بلا قرار والبحث عن هوية حقيقية لنفسه كفلسطيني يمضي بشعور من العبث.
تكرار
في آفاق السينما العربية، وهي مسابقة خاصة بالأفلام العربية، تم عرض الفيلم السوري «رحلة يوسف» وسط احتفاء جماهيري كبير. الجمهور يحب أفلام جود سعيد كما برهن مرّات من قبل، وبدأ المخرج منتشياً من هذه العاطفة التي أحيط بها.
نقدياً، وعند هذا الناقد ربما أكثر من سواه، لا يُضيف الفيلم الكثير لأفلام المخرج السابقة مثل «نجمة الصبح» و«مسافرو الحرب». هي المشاكل ذاتها والشخصيات نفسها والحرب ووقائعها ونتائجها التي لا تتغير.
في «رحلة يوسف» (له عنوان آخر هو «المنسيون») نتعرّف على دافن الموتى يوسف (أيمن زيدان) في مشهد أوّل بديع التصميم. كاميرة وائل عز الدين من موقع بعيد ليوسف وهو عائد إلى القرية الصغيرة التي يعيش فيها. ولاحقاً ما يدير المخرج ومدير تصويره مشاهد جميلة في طبيعتها القاحلة تذكّرنا بإرث من أفلام آسيوية (تركية وإيرانية على الأخص) من حيث التعامل مع المكان وسمائه وثلوجه.
ندلف من هنا إلى حكاية عن البيئة التي يعيش فيها يوسف وحفيده الواقع في حب فتاة يريدها لنفسه أحد «الشبّيحة». القرار المتّخذ هو هروب زياد بمن يحب وبعض عائلتها إلى خيام تشرف عليها منظمّة الصليب الأحمر. لكن هناك تجد العائلة مشاكل جديدة تزداد خطورة عندما يصل من يبحث عن زياد وحبيبته اللذان تزوّجا في تلك الخيام. قصّة حب أخرى بين يوسف وامرأة في مثل سنّه تتكلل بالنجاح ثم تتخللها ذات المصاعب الناتجة من خطورة التوابع والأشرار الذين يقفون ضد حياة هادئة ومزدهرة في تلك الأجواء الصعبة من سوريا اليوم.
شاهدنا هذا النوع من الرحيل والتجاذب حول المرأة التي يرغب فيها أكثر من طرف كل طرف يمثّل اتجاهاً سياسياً معادياً للآخر. شاهدناه في «انتظار الخريف» و«مسافرو الحرب». ليس هناك من فوارق تُذكر على صعيد الدراما التي على الحكايات أن توفّرها ولا على صعيد الشخصيات ومشاربها وتوجهاتها ولا كذلك على صعيد الدعوة لحل إنساني يوحّد ولا يفرّق. ومن تابع أفلام جود سعيد يدرك أن الشخصيات التي يقدّمها كثيرة والخط الأساسي للحكاية سريعاً ما يتفرّع إلى أحداث ذات صياغات متشابهة.
نوايا متوقعة
بالعودة إلى أفلام المسابقة الرئيسية فإن التوقعات متساوية.
هناك من يرغب في أن يرى الفيلم المصري «19 ب» لأحمد عبد الله يخرج فائزاً. لكن قسماً كبيراً من هذا التمنّي عاطفي بطبيعة الحال. الفيلم ذاته، كشأن أفلام المخرج السابقة، يلج مسافة طويلة من حسن العمل والإتقان لكنه لا يحقق، في النهاية ما يلزم.
«السد» و«العلم» يمرّان بطموحات، الأول لفيلم وجداني والآخر لفيلم ذي قضية من دون توقف كثير عند متطلّبات نجاح أي من هذين الوضعين.
الغالب أن نيّة لجنة التحكيم ستتجه إلى اختيار فيلم أجنبي والأكثر استحقاقاً، عند هذا الناقد، «أشياء لم تُقل» للمقدونية إليانورا ڤينينوڤا (يؤازره هذا الاختيار كونه من إخراج امرأة) و«لا أريد أن أستحيل غباراً» للمكسيكي إيڤان لوينبيرغ و»قصّة الحطّاب» للفنلندي ميكو ميليلاهتي.
بين العروض في هذه المسابقة «رجل» لمخرج ياباني من الجيل الجديد هو كي إتشيكاوا. حكاية بسيطة، لكن سردها متعثر على أي حال حول رسّام تفتح القلّة التي تعرّفت عليه تحقيقا لمعرفة ماهيّته. المشاهد في مجملها آسرة لكن التنفيذ متردد في توزيع اهتمامات الفيلم وأسبابه.
كونه يابانياً لن يؤثر على قرار لجنة التحكيم التي تقودها المخرجة كواسي، لكن الإجماع على الفيلم الأول الذي سيفوز بالهرم الذهبي هو المسيرة الشاقة التي تواجه لجنات التحكيم في مهرجانات شتّى.


مقالات ذات صلة

حي «مصر الجديدة» ينبض بالعراقة ويتنفس الحداثة

شمال افريقيا حي «مصر الجديدة» ينبض بالعراقة ويتنفس الحداثة

حي «مصر الجديدة» ينبض بالعراقة ويتنفس الحداثة

يحاكي التاريخ، ويتشح برداء الحداثة، يقف حي «مصر الجديدة» شامخاً في شرق العاصمة القاهرة، مفتخراً بأنه واحد من أرقى أحيائها. وُلد الحي على يد رجل الأعمال البلجيكي إدوارد لويس جوزيف إمبان الذي اشتهر بـ«البارون إمبان»، قبل 128 عاماً، حيث تم إنشاؤه عام 1905. وطوال هذه العقود احتضن زواره وسكانه من المصريين والأجانب، بين بناياته وشوارعه وميادينه التي لكل منها نكهته المميزة التي صنعت للحي سحره الخاص.

محمد عجم (القاهرة)
شمال افريقيا «الأزهر» يؤكد رفضه القطعي لدعاوى «الديانة الإبراهيمية»

«الأزهر» يؤكد رفضه القطعي لدعاوى «الديانة الإبراهيمية»

أعلنت مشيخة الأزهر في القاهرة «رفضها القطعي لدعاوى (الديانة الإبراهيمية)». وأكدت دعمها لـ«التعاون» بين الأديان وليس دمجها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جورجيت جبارة... ذكريات «الباليرينا» العربية الرائدة

جورجيت جبارة... ذكريات «الباليرينا» العربية الرائدة

في وقتٍ كان فيه كل لبناني يغنّي على ليل قضيّته، جعلت جورجيت جبارة من الباليه الكلاسيكي قضيتها. عبرت به خطوط التماس وحواجز المسلّحين بين «شرقيّة» و«غربيّة»، من بيروت المسيّجة بالنيران إلى طرابلس شمالاً. بحذاء «الساتان» الزهري قطعت الأميال بين مدرسة زرعتها في شارع «الحمراء»، وأخرى في عاصمة الشمال، وما بينهما معهد الرقص الذي امتدّ على وسع أحلامها في قضاء كسروان. عمر الباليرينا قصير كحياة فراشة، لكن جورجيت جبارة وهي فوق ثمانينها، ما زالت مسكونة بالرقص. صحيحٌ أن جسدها اعتزله منذ 35 عاماً، إلا إن روحها تنبض به.

كريستين حبيب (بيروت)
شمال افريقيا القاهرة تستضيف النسخة الرابعة  من معرض «طلال تاريخ تقرأه الأجيال»

القاهرة تستضيف النسخة الرابعة من معرض «طلال تاريخ تقرأه الأجيال»

بمناسبة مرور 35 عاماً على تأسيس الأمير طلال بن عبد العزيز، المجلس العربي للطفولة والتنمية، يستضيف المجلس معرض «طلال تاريخ تقرأه الأجيال»، في نسخته الرابعة 2023 في مقرّه بالقاهرة. وقال الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز، رئيس المجلس، لـ«الشرق الأوسط»: «يتناول المعرض ملامح مسيرة مؤسسه الأمير طلال بن عبد العزيز، وعطاءاته للإنسانية ودوره في حفز الاهتمام بمختلف أبعاد قضايا الطفل العربي، ويسلط الضوء على أسباب إنشاء المجلس، وكذلك أسباب إنشاء المنظمات التنموية المختلفة التي دشّنها الأمير طلال، سواء كانت للمرأة أو للطفل، أو للتنمية المستدامة، أو الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، أو حتى فيما يتعلق ب

نادية عبد الحليم (القاهرة)
شمال افريقيا حريق دار مسنين في القاهرة يعيد أزمة «الحماية المدنية» للواجهة

حريق دار مسنين في القاهرة يعيد أزمة «الحماية المدنية» للواجهة

أعاد حريق دار مسنين في القاهرة الحديث عن «إجراءات الحماية المدنية».

منى أبو النصر (القاهرة)

«هدنة غزة»: تحركات لـ«إدارة ترمب» تعزز جهود الوسطاء

أطفال ينظرون فيما يتفحص فلسطينيون الأضرار في مخيم يؤوي النازحين عقب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
أطفال ينظرون فيما يتفحص فلسطينيون الأضرار في مخيم يؤوي النازحين عقب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: تحركات لـ«إدارة ترمب» تعزز جهود الوسطاء

أطفال ينظرون فيما يتفحص فلسطينيون الأضرار في مخيم يؤوي النازحين عقب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
أطفال ينظرون فيما يتفحص فلسطينيون الأضرار في مخيم يؤوي النازحين عقب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)

تحركات جديدة من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بهدف «إتمام صفقة الرهائن، وهدنة في قطاع غزة» تنضم إى حديث سابق عن مهلة لإبرام الاتفاق قبل تنصيبه في 20 يناير (كانون ثاني) المقبل، وسط جهود تتواصل للوسطاء لتجاوز أي «تباينات بين الطرفين».

فالحديث عن زيارة مرتقبة لمسؤول في إدارة ترمب إلى المنطقة، خلال أيام، بعد جولة لمستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، يعد -حسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»- ضمن «محاولات تعزيز جهود الوسطاء لتفادي أي ضغوط قد تحدث». وتوقعوا أن تسهم تلك التحركات إلى «التوصل إلى اتفاق جزئي بوقف مؤقت لإطلاق النار».

وأفاد موقع «واينت» الإسرائيلي، الأحد، بأن بنيامين نتنياهو تحدث، السبت، مع ترمب حول الحرب في غزة وصفقة الأسرى، تزامناً مع إعلان صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن مستشار ترمب لشؤون الرهائن والمفقودين، آدم بوهلر، من المتوقع أن يزور إسرائيل هذا الأسبوع، وأن يعقد اجتماعات ومشاورات بشأن الصفقة المحتملة.

وكان مبعوث الرئيس الأميركي المنتخب، ترمب، إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قد زار المنطقة في 9 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وصرح بأنه «لن يكون من الجيد عدم إطلاق سراح» الرهائن المحتجزين في غزة قبل تنصيب الرئيس، في إشارة إلى تحذير ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي من أن الشرق الأوسط سيواجه «مشكلة خطيرة» إذا لم يُطلَق سراح الرهائن قبل 20 يناير المقبل.

جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة (رويترز)

كان مصدر مطَّلع قد تحدث لـ«رويترز» في 5 ديسمبر الماضي، بأن ويتكوف سافر إلى قطر وإسرائيل في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والتقى نتنياهو، ورئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لبدء جهود دبلوماسية للتوصل إلى إطلاق سراح الرهائن قبل تولي ترمب منصبه، لافتاً حينها إلى أن «فريق ترمب على تواصل مع مسؤولين في الشرق الأوسط، ويدعمون التوصل إلى اتفاق».

وحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير علي الحفني، فإن تحركات ترمب وفريقه «تدل على إصرار على الدفع باتجاه التوصل إلى صفقة رهائن، وتعطي انطباعاً إيجابياً بالرغبة في إنجاز اتفاق خلال فترة وجيزة»، لافتاً إلى أن هذا «يسهم في تعزيز جهود الوسطاء للتوصل إلى تفاهمات بين إسرائيل و(حماس) وتجاوز أي عراقيل قد تحدث».

ويتفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، مع أن التحركات بمثابة خطوات تشجيعية من ترمب لنتنياهو وللوسطاء لإكمال صفقة جزئية، على أن تُستكمَل بعد وصوله إلى السلطة بمفاوضات «إنهاء الحرب»، لافتاً إلى أن مهاتفة ترمب لنتنياهو لن تخرج عن «حثه على إنجاز اتفاق قريب وعدم وضع عراقيل».

تأتي تحركات ترمب وفريقه وسط حراك لافت للوسطاء، كان أبرز ملامحه، الثلاثاء الماضي، زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك رونين بار، القاهرة، لبحث اتفاق الهدنة، وتلاها وصول جيك سوليفان إلى إسرائيل، الخميس، وقطر، الجمعة، ومصر، السبت، والتشاور بشأن الصفقة «وتنفيذها في أقرب وقت»، وفق ما نقله موقع «واللا» الإسرائيلي نهاية الأسبوع الماضي.

رد فعل فلسطينيين في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة (رويترز)

وتحدث سوليفان في تصريحات، الخميس، عن أن «موقف (حماس) تغير بعد فصل جبهة لبنان عن غزة واغتيال إسرائيل قادة (في الحركة)، ووضع المحادثات على المسار الصحيح»، مستهدفاً «التمكن من إبرام صفقة في غزة خلال ديسمبر الجاري»، في ظل «إحساسه» بأن نتنياهو مستعد لاتفاق بشأن غزة.

كما التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، الأسبوع الماضي، مع رئيس الوزراء القطري، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق.

وبرأي الحفني، فإنه «من الواضح أن جهود الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة، نشطة عمّا قبل، وتحاول تحقيق اختراق حقيقي في المفاوضات لنصل إلى اتفاق قبل تولي ترمب السلطة»، مضيفاً: «كل شيء وارد حدوثه مع تلك التحركات».

ويعتقد الرقب أن جهود الوسطاء لا سيما مصر، مكثفة أخيراً، ورأينا هذا في التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن «إدارة قطاع غزة» برعاية القاهرة، وكذلك محادثات الهدنة، لافتاً إلى أن «تحركات سوليفان، والمشاورات الإسرائيلية في قطر، تؤكد أن هناك اتفاقاً قد يحدث أقرب من أي وقت مضى».

دخان تصاعد من غارات إسرائيلية على رفح في وقت سابق (أ.ف.ب)

وتشى نتائج تلك التحركات وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي، السبت، بأن هناك «تقدماً كبيراً» تحقق في المحادثات، وتبقى البنود الأساسية للصفقة المحتملة بعيدة عن الأضواء، لـ«تجنب تدخلات قد تعرقلها»، مضيفاً أن مجلس الوزراء الإسرائيلي أُبلغه قادةُ الموساد والشاباك بأن «(حماس) أبدت استعدادها للتوصل إلى صفقة، وأن التقديرات تشير إلى احتمال الوصول إلى اتفاق (في غضون أسابيع قليلة)».

وبالتزامن، ذكرت قناة «i24NEWS» الإسرائيلية، أنه من المتوقع أن يتم التوصل إلى صفقة تُنفَّذ على مراحل تبدأ نهاية ولاية جو بايدن وتمتد إلى ولاية ترمب، ونقلت صحيفة «هآرتس»، عن مصدر إسرائيلي، قوله إن «تقدماً» حدث في المفاوضات.

وحسب الرقب، فإن ترويج الإعلام الإسرائيلي لـ«وجود تقدم في المفاوضات» يعد رسالة للداخل الإسرائيلي لتهدئته، وللخارج بأن هناك مساراً قد ينجز قريباً، متوقعاً «حدوث الصفقة قريباً قبل نهاية الشهر الجاري».

ويُبدي الحفني تخوفه من الحديث عن قرب إبرام الاتفاق، قائلاً: «شهدنا في كل مرة نقترب من الاتفاق عراقيل وشروطاً من نتنياهو»، داعياً إلى ترقب التطورات في ضوء قرب مهلة ترمب.