حي «مصر الجديدة» ينبض بالعراقة ويتنفس الحداثة

يحتفظ برونقه وتراثه المعماري الأوروبي

بنايات وشوارع مصر الجديدة صنعت للحي سحره الخاص (مبادرة تراث مصر الجديدة)
بنايات وشوارع مصر الجديدة صنعت للحي سحره الخاص (مبادرة تراث مصر الجديدة)
TT

حي «مصر الجديدة» ينبض بالعراقة ويتنفس الحداثة

بنايات وشوارع مصر الجديدة صنعت للحي سحره الخاص (مبادرة تراث مصر الجديدة)
بنايات وشوارع مصر الجديدة صنعت للحي سحره الخاص (مبادرة تراث مصر الجديدة)

يحاكي التاريخ، ويتشح برداء الحداثة، يقف حي «مصر الجديدة» شامخاً في شرق العاصمة القاهرة، مفتخراً بأنه واحد من أرقى أحيائها. وُلد الحي على يد رجل الأعمال البلجيكي إدوارد لويس جوزيف إمبان الذي اشتهر بـ«البارون إمبان»، قبل 128 عاماً، حيث تم إنشاؤه عام 1905. وطوال هذه العقود احتضن زواره وسكانه من المصريين والأجانب، بين بناياته وشوارعه وميادينه التي لكل منها نكهته المميزة التي صنعت للحي سحره الخاص.

قصر البارون (وزارة السياحة والآثار)

إذا أخذتك قدماك إلى حي مصر الجديدة، فإنك قد ذهبت في رحلة إلى خارج إطار القاهرة الصاخب، وخلالها سترصد عيناك كيف خُطط له بشكل مميز، وستنتعش ذائقتك مع النمط العمراني وجماليات العقارات ذات الطراز المعماري المتميز بالحي، كما ستسرح بخيالك لتضع إجابة عن سؤال: كيف تطور الحي عبر العصور؟

روح أوروبية
مع نشأة الحي بأيدٍ أجنبية على غير ما هو معتاد في ذلك الوقت، فإن أول من سكنوه كانوا من الأجانب الذين وفدوا إلى مصر للعمل، وبدورهم صمموا منازل وفيلات على الطراز المعماري الأوروبي لمحاكاة طبيعة حياتهم، بل واستقدموا لذلك كبراء المهندسين الأوروبيين.

حي مصر الجديدة يتسم بجماليات العقارات ذات الطراز المعماري الأوروبي (مبادرة تراث مصر الجديدة)

ولنقل هؤلاء السكان إلى ضواحي القاهرة الأخرى، نفذت إحدى الشركات الفرنسية أول خط مترو كهربائي في الشرق الأوسط، والذي عُرف بعد ذلك بـ«مترو مصر الجديدة»، والذي أضحى إحدى العلامات المميزة بالحي.
بعد جلاء السكان الأجانب عن الحي وتركهم مصر مع قيام ثورة يوليو 1952، سكنت الحي الطبقة الأرستقراطية والغنية من المصريين، وهو ما ساهم في الحفاظ على هيئة الحي ومستواه الاجتماعي حتى الآن.

ماذا تزور في مصر الجديدة؟
يملك الحي إرثاً غنياً تركه الأجانب، ممثلاً في بعض المعالم الأثرية أو مناطق بعينها، وهي تجذب الزوار للحي، للتجول فيها والتنزه بمعالمها التي ما زالت محتفظة برونقها.
- قصر البارون: إحدى العلامات المميزة للحي، ويقع في قلبه، وبالتحديد في شارع العروبة، وهو من أهم التحف المعمارية التي شُيِّدَت بمصر الجديدة، بل وفي مصر بشكل عام، فعبر صورته المعمارية ذات الطراز الهندي، واللون البني المحروق (السيينا)، يقف متميزاً عن بقية المدينة.
أنشأه البارون إمبان في الفترة بين 1907 و1911، وهو رجل أعمال وصناعة بلجيكي الأصل، منحه ملك بلجيكا لقب «بارون» نظراً لما حققه من نجاحات اقتصادية كبرى، وقد كلف المهندس المعماري الفرنسي ألكساندر مارسيل ببناء هذه التحفة المعمارية.
يتكون التصميم الداخلي للقصر من بدروم وطابقين يعلوهما سطح؛ وتحيط بالقصر حديقة كبيرة من جميع الجهات. خُصص بدروم القصر مسكناً للخدم، ويتكون من مجموعة من الغرف تربطها ممرات وأبواب. ويتوسط مبنى القصر سلم حلزوني، ومصعد يربط جميع أدوار القصر بالبدروم.
يتكون الدور الأرضي من غرفة استقبال، وغرفة طعام، بالإضافة إلى غرفة للبلياردو. أما الدور الأول فيتكون من أربع غرف، لكل منها الشرفة والحمام الخاص بها. أما عن سطح القصر فهو بمثابة مساحة مفتوحة تقع بأحد جوانب البرج المميز لقصر البارون.
يفتح القصر أبوابه من 9 صباحاً إلى 6 مساء، وأسعار التذاكر للأجانب تبلغ 100 جنيه مصري، (الدولار يساوي 30 جنيهاً في المتوسط)، كما يمكن زيارة بانوراما سطح القصر بتذكرة منفصلة عن تلك الخاصة بزيارة القصر بقيمة 50 جنيهاً، كذلك تتاح جلسات التصوير بالقصر مقابل 800 جنيه.
- قصر السلطانة ملك: يقع أمام قصر البارون مباشرة، وأحد أهم القصور التاريخية وأجملها في مصر. يعود إنشاؤه إلى بدايات القرن العشرين، وتم أخيراً الانتهاء من ترميمه وافتتاحه كمركز للإبداع الرقمي وريادة الأعمال.
كان القصر معروفاً باسم صاحبه الأمير حسين كامل، ثم شاعت تسميته بقصر السلطانة ملك، زوجته التي عاشت فيه، وأحياناً يطلق عليه قصر السلطان نسبة إلى اسم الشارع المجاور له. ويعد القصر من أوائل المباني التي شُيدت في حي مصر الجديدة، حيث بدأت أعمال تشييده في صحراء هليوبوليس شمال شرقي القاهرة، بين عامي 1906 و1907.
- كنيسة البازيليك: وهي كنيسة تاريخية أسسها أيضاً مؤسس الحي، وهي تتوسط مصر الجديدة، ويمكن أن تراها ماثلة أمامك من شوارع مصر الجديدة الرئيسية. وتتسم بتصميمها المعماري الفريد على الطراز البيزنطي المشابه لكاتدرائية آيا صوفيا في إسطنبول. وقد دفن البارون إمبان في «البازيليك» عام 1930، حسب وصيته، رغم وفاته في مسقط رأسه بلجيكا.
وبجانب الآثار التاريخية، تتعدد مناطق مصر الجديدة التي يمكن زيارتها، وأبرزها:
- الكوربة: هي منطقة تعد متحفاً مفتوحاً بلا أسوار، حيث يوجد ميدان ذو طبيعة خاصة، يتميز بشكله المثلث، ترقد على أضلاعه ثلاث بنايات ضخمة صممت بهندسة معمارية فريدة من نوعها، إلى جانب انتشار الكافيهات ذات الطابع الغربي.
وترجع تسمية الميدان بهذا الاسم «لا كوربيه» إلى استدارة الشارع على غير عادة الشوارع في ذلك الوقت، والكلمة تعني بالإيطالية: الانحناءة، أو القوس، حيث كان المترو يأخذ انحناءة أو دوراناً في هذا المكان، فكان «الكمساري» البلجيكي الجنسية ينادي بكلمة «الكورب» فصارت اسماً للمكان.
يتميز هذا الميدان ببنايات ضخمة صممت بهندسة معمارية فريدة من نوعها، ومن هذا الميدان كانت بداية مصر الجديدة ذات «البوائك» أو الأقواس التاريخية التي يشتهر بها ميدان الكوربة. ويضم الميدان فندق «هليوبوليس بالاس»، أو قصر الاتحادية (قصر الرئاسة الآن)، الذي يعد درة تاج الكوربة. وقد بدأ العمل فيه عام 1906، وافتتح عام 1910 في حفل فخم.
ويشهد «الكوربة» وفود المصريين والعرب والأجانب من مختلف الفئات السِّنية، كما أن أصول بعض ساكنيه تمتد لجذور أجنبية، للاحتفال بأجواء الأعياد والمناسبات المختلفة، مع تخليد الذكرى بالتقاط الصور التي تتزين خلفيتها بالتراث المعماري الأوروبي المميز. كما يضم كثيراً من المحال التجارية والمطاعم والكافيهات والأسواق التجارية.
- روكسي: تعد من أكثر المناطق التجارية التي تجذب نحوها المواطنين، لا سيما متاجر بيع الملابس، كما أن بها كثيراً من المتنزهات والكافيهات والمطاعم.
- شوارع وميادين مصر الجديدة: يوجد بالحي عدد كبير من الشوارع والميادين الحديثة التي تربط بين المناطق وبعضها ببعض، وأهمها: ميدان تريومف، وميدان المحكمة، وميدان سفير، وميدان سانت فاطيما، وميدان الجامع، وميدان هليوبوليس، وميدان الإسماعيلية، وشارع الحجاز، وشارع الأهرام، وشارع الميرغني، وشارع إبراهيم اللقاني.

خدمات ترفيهية
تتمثل الخدمات الترفيهية في مصر الجديدة في وجود كثير من المراكز التجارية الضخمة، وأهمها «سيتي ستارز مول»، و«سيتي سنتر ألماظة»، اللذان يعدان من أشهر المراكز التجارية المصرية، إلى جانب عدد من دور السينما. ويضم الحي عدداً من الحدائق الشهيرة، مثل حديقة «الميريلاند» وحديقة «الغابة»، كذلك يضم الحي مكتبة مصر الجديدة، ومطار القاهرة الدولي، ومدينة ملاهي «السندباد»، وعدداً كبيراً من النوادي الرياضية والاجتماعية، ومنها: الغابة، والشمس، وهليوبوليس.
كما تكثر في مصر الجديدة المطاعم والكافيهات، القديمة والحديثة، الفاخرة والشعبية، والتي تنتمي لكافة المطابخ العالمية، وتمتاز بتصاميم رائعة ومميزة، وجميعها يواكب متطلبات المكان وسكانه وزواره، وتناسب جميع الأذواق والفئات.

أين تقيم؟
إذا كنت ترغب في الإقامة بمصر الجديدة، فأمامك مجموعة كبيرة من الفنادق التي يمكن الاختيار من بينها، وأهمها:
- فندق «توليب الجلاء» مصر الجديدة (يبعد حوالي 5 كيلومترات عن مطار القاهرة الدولي). وفندق «لو ميريديان» مطار القاهرة (يرتبط الفندق بمبنى رقم 3 للركاب بمطار القاهرة الدولي). وفندق «هيلتون هليوبوليس» (يبعد حوالي 5 كيلومترات عن مطار القاهرة الدولي). وفندق «تريومف بلازا» (يبعد عن مطار القاهرة الدولي مسافة 30 دقيقة بالسيارة). وفندق «البارون» (يواجه قصر البارون مباشرة، ويقع على بعد 12 كيلومتراً من مطار القاهرة الدولي).

التنقل والمواصلات
ما يميز حي مصر الجديدة سهولة الوصول إليه من جميع أنحاء القاهرة، فهو قريب من مطار القاهرة الدولي وكذلك من وسط القاهرة، كما يمكن الوصول إليه بشتى أنواع المواصلات، كما يمر به الخط الثالث لمترو الأنفاق (في محطتي كلية البنات والأهرام).


مقالات ذات صلة

«الأزهر» يؤكد رفضه القطعي لدعاوى «الديانة الإبراهيمية»

شمال افريقيا «الأزهر» يؤكد رفضه القطعي لدعاوى «الديانة الإبراهيمية»

«الأزهر» يؤكد رفضه القطعي لدعاوى «الديانة الإبراهيمية»

أعلنت مشيخة الأزهر في القاهرة «رفضها القطعي لدعاوى (الديانة الإبراهيمية)». وأكدت دعمها لـ«التعاون» بين الأديان وليس دمجها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جورجيت جبارة... ذكريات «الباليرينا» العربية الرائدة

جورجيت جبارة... ذكريات «الباليرينا» العربية الرائدة

في وقتٍ كان فيه كل لبناني يغنّي على ليل قضيّته، جعلت جورجيت جبارة من الباليه الكلاسيكي قضيتها. عبرت به خطوط التماس وحواجز المسلّحين بين «شرقيّة» و«غربيّة»، من بيروت المسيّجة بالنيران إلى طرابلس شمالاً. بحذاء «الساتان» الزهري قطعت الأميال بين مدرسة زرعتها في شارع «الحمراء»، وأخرى في عاصمة الشمال، وما بينهما معهد الرقص الذي امتدّ على وسع أحلامها في قضاء كسروان. عمر الباليرينا قصير كحياة فراشة، لكن جورجيت جبارة وهي فوق ثمانينها، ما زالت مسكونة بالرقص. صحيحٌ أن جسدها اعتزله منذ 35 عاماً، إلا إن روحها تنبض به.

كريستين حبيب (بيروت)
شمال افريقيا القاهرة تستضيف النسخة الرابعة  من معرض «طلال تاريخ تقرأه الأجيال»

القاهرة تستضيف النسخة الرابعة من معرض «طلال تاريخ تقرأه الأجيال»

بمناسبة مرور 35 عاماً على تأسيس الأمير طلال بن عبد العزيز، المجلس العربي للطفولة والتنمية، يستضيف المجلس معرض «طلال تاريخ تقرأه الأجيال»، في نسخته الرابعة 2023 في مقرّه بالقاهرة. وقال الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز، رئيس المجلس، لـ«الشرق الأوسط»: «يتناول المعرض ملامح مسيرة مؤسسه الأمير طلال بن عبد العزيز، وعطاءاته للإنسانية ودوره في حفز الاهتمام بمختلف أبعاد قضايا الطفل العربي، ويسلط الضوء على أسباب إنشاء المجلس، وكذلك أسباب إنشاء المنظمات التنموية المختلفة التي دشّنها الأمير طلال، سواء كانت للمرأة أو للطفل، أو للتنمية المستدامة، أو الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، أو حتى فيما يتعلق ب

نادية عبد الحليم (القاهرة)
شمال افريقيا حريق دار مسنين في القاهرة يعيد أزمة «الحماية المدنية» للواجهة

حريق دار مسنين في القاهرة يعيد أزمة «الحماية المدنية» للواجهة

أعاد حريق دار مسنين في القاهرة الحديث عن «إجراءات الحماية المدنية».

منى أبو النصر (القاهرة)
يوميات الشرق من أعمال الفنانة مريم حتحوت بمعرضها الحالي (حتحوت)

لماذا ألهم الحمار تشكيليين مصريين؟

بألوان دافئة وخطوط معاصرة تقدم الفنانة مريم حتحوت رؤية فلسفية واجتماعية للحمار من خلال 30 لوحة في معرضها المقام حالياً بغاليري «ديمي» بالقاهرة، بعنوان «تنويعات على الحمار»، تتضمن جميع اللوحات معالجات بصرية تثير تعاطف المتلقي معه، وتجعله يشعر بالألفة تجاهه. وتُعَدُّ لوحات حتحوت في المعرض حلقة من سلسلة أعمال ومعارض وفعاليات تشكيلية مصرية كثيرة احتفت بهذا الحيوان على مدى سنوات طويلة، لم تقتصر على الفنانين الذين تصدوا لتناول الريف المصري؛ فالحمار لم يكن مجرد عنصر بارز من عناصر البيئة لمن أراد استلهامها في تجربته الإبداعية، إنما امتد تجسيده ليمثل جزءاً أساسياً في بعض الأعمال. وكان الفنان المصري الر

نادية عبد الحليم (القاهرة)

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان
TT

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط أعضاء مجلس الأمن في مناقشات موسعة حول مشروع قرار أعدته بريطانيا لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال والسماح بتسليم المساعدات بشكل آمن وسريع ودون عوائق عبر الجبهات والحدود، أملاً في لجم التدهور السريع للأوضاع الإنسانية ووضع حد لأكبر أزمة نزوح في العالم.

وكشف دبلوماسيون في الأمم المتحدة عن أن بريطانيا تريد عرض مشروع القرار للتصويت «في أسرع وقت ممكن» بضمان تبنيه من تسعة أصوات أو أكثر من الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن، وعدم استخدام حق النقض «الفيتو» من أي من الدول الخمس الدائمة العضوية: الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا أو روسيا أو الصين.

ويطالب النص المقترح «قوات الدعم السريع» بـ«وقف هجماتها على الفور» في كل أنحاء السودان. كما يدعو الأطراف المتحاربة إلى «وقف الأعمال العدائية على الفور (...) والسماح وتسهيل الوصول الإنساني الكامل والآمن والسريع وغير المقيد عبر الخطوط والحدود إلى السودان وفي كل أنحائه».

المقترح يشدد أيضاً على «إبقاء معبر أدري الحدودي مع تشاد مفتوحاً لتسليم المساعدات، والحاجة إلى دعم الوصول الإنساني عبر كل المعابر الحدودية، في حين تستمر الحاجات الإنسانية، ومن دون عوائق».

ومن المقرر أن تنتهي صلاحية الموافقة التي مدتها ثلاثة أشهر والتي قدمتها السلطات السودانية للأمم المتحدة وجماعات الإغاثة لاستخدام معبر أدري الحدودي للوصول إلى دارفور في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

صورة جوية لملاجئ مؤقتة للسودانيين الذين فرّوا من الصراع في دارفور بأدري في تشاد (رويترز)

وأصدر مجلس الأمن قرارين في شأن السودان، الأول في مارس (آذار) الماضي، ويدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية خلال رمضان المبارك، ثم في يونيو (حزيران) الماضي للمطالبة بوقف حصار مدينة الفاشر التي يبلغ عدد سكانها 1.8 مليون شخص. كما دعا القراران - اللذان تم تبنيهما بأغلبية 14 صوتاً وامتناع روسيا عن التصويت - إلى الوصول الإنساني الكامل والسريع والآمن وغير المقيد.

«أعمال مروعة»

وفي مستهل جلسة هي الثانية لمجلس الأمن خلال أسبوعين حول التطورات في السودان، وصفت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للشؤون السياسية وعمليات السلام، روزماري ديكارلو، السودان بأنه «محاصر في كابوس»، مشيرة إلى الموجة الأخيرة من الهجمات التي شنتها «قوات الدعم السريع» في ولاية الجزيرة الشرقية، والتي وصفتها المنظمات غير الحكومية بأنها «من أشد أعمال العنف تطرفاً في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة».

وأضافت: «قُتل عدد كبير من المدنيين. وفقد الكثير منازلهم وأجبروا على الفرار. ونحن نتلقى تقارير عن انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك العنف الجنسي المرتكب في الغالب ضد النساء والفتيات».

وكذلك أشارت ديكارلو إلى استمرار القتال في الفاشر والخرطوم ومناطق أخرى «حيث يتعرض المدنيون لمعاناة مروعة»، مشددة على أن الشعب السوداني «يحتاج إلى وقف فوري لإطلاق النار».

وعدّت أن «الوقت حان منذ فترة طويلة لكي يأتي الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات» لأن «الطريق الوحيد للخروج من هذا الصراع هو الحل السياسي التفاوضي».

ولفتت ديكارلو إلى أن القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، الملقب «حميدتي» «كل منهما مقتنعة بقدرتها على الانتصار في ساحة المعركة».

وقالت إنه «مع اقتراب نهاية موسم الأمطار، تواصل الأطراف تصعيد عملياتها العسكرية وتجنيد مقاتلين جدد وتكثيف هجماتها»، عادّة أن «هذا ممكن بفضل الدعم الخارجي الكبير، بما في ذلك التدفق المستمر للأسلحة إلى البلاد».

واتهمت ديكارلو «بعض الحلفاء المزعومين للأطراف» بأنهم «يمكّنون المذابح في السودان». ورحبت بجهود الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد» من أجل استعادة الحوار السياسي السوداني الشامل.

كما أشادت بالتحالف من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان لتعزيز تنفيذ «إعلان جدة» والقضايا الرئيسية الأخرى.

تنفيذ إعلان جدة

وركزت المسؤولة الأممية على دور المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان رمطان لعمامرة، الذي أعد التقرير الأخير للأمين العام في شأن حماية المدنيين في السودان، موضحة أنه «يحتوي على توصيات قوية. ولدينا مسؤولية جماعية لتكثيف جهودنا لتفعيلها».

وقالت: «إننا في حاجة ماسة إلى إحراز تقدم عاجل في تنفيذ إعلان جدة. ويتعين على الأطراف في النهاية أن تتحرك وفقاً لالتزاماتها بحماية المدنيين»، مضيفة أن إنشاء آلية الامتثال التي اتفق عليها الأطراف المتحاربة، بدعم من الشركاء الرئيسيين، يعد «خطوة حاسمة لمحاسبة الأطراف على التزاماتها. وفي الوقت نفسه، وفي غياب وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، فإننا في حاجة ماسة إلى إحراز تقدم في مجال وقف إطلاق النار المحلي الذي قد يمنح المدنيين بعض الراحة، ويخلق سبل الحوار، وربما يمهد الطريق لاتفاق أكثر شمولاً».

وزير الخارجية السعودي إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في جدة (رويترز)

وأكدت أن «الدعم المستمر من مجلس الأمن للمبعوث الشخصي لعمامرة أمر بالغ الأهمية».

وكذلك استمع أعضاء المجلس لإحاطة من مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية راميش راجاسينغهام، نيابة عن وكيلة الأمين العام للشؤون الإنسانية منسقة المعونة الطارئة جويس مسويا حول مستجدات الوضع الإنساني المتردي في أنحاء السودان.

دارفور

وفي سياق قريب، أنهى فريق من خبراء مجلس الأمن المعني بتنفيذ القرار (1591) الخاص بحظر الأسلحة في إقليم دارفور، الثلاثاء، زيارة استمرت لثلاث أيام، إلى مدينة بورتسودان التي تعد عاصمة مؤقتة للبلاد، لمتابعة تنفيذ القرار.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي مدد مجلس الأمن قرار حظر تسليح الكيانات المتحاربة في دارفور لمدة عام.

والتقى الفريق في أول زيارة له للسودان منذ اندلاع الحرب، عدداً من المسؤولين السودانيين المدنيين والعسكريين.

وقالت المفوض العام لـ«مفوضية العون الإنساني» (مؤسسة حقوقية سودانية) سلوى آدم بنية، التي التقت فريق خبراء مجلس الأمن، إنها أطلعتهم على «الأوضاع في دارفور ومدن البلاد الأخرى، وتقديم وثائق مصورة» قالت إنها «تُثبت الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها (ميليشيا الدعم السريع)».

جنود من «قوات الدعم السريع» خلال دورية بمنطقة شرق النيل (أرشيفية - أ.ب)

واتهمت بنية، عناصر «الدعم السريع» بـ«التعدي على فرق المساعدات الإنسانية». وأكدت «استعداد الحكومة السودانية على استمرار العمل بإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر الحدودي غرب البلاد، بعد الاتفاق على آلية مشتركة تضم الأمم المتحدة والجارة تشاد لتسهيل مراقبة المنقولات الواردة للسودان».

وكذلك ناقش وزير الداخلية خليل باشا سايرين، مع الفريق «الجهود التي تقوم بها الحكومة السودانية لحماية المدنيين»، مؤكداً «التزامها بتسهيل إجراءات منح التأشيرات لدخول موظفي الأمم المتحدة، بجانب تسهيل إجراءات التخليص الجمركي بالمواني والمطارات».

وتتهم الحكومة السودانية دولاً بتقديم أسلحة وعتاد لـ«الدعم السريع».

وتطالب تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» وتمثل أكبر تحالف سياسي مدني مناهض للحرب، بتوسيع حظر الأسلحة في دارفور ليشمل كل السودان، وترى أن وقف تدفق الأسلحة أمر حاسم لتخفيف حدة العنف وإنهاء النزاع.