جنوب سوريا... حالة الغموض والولاءات المختلفة تفاقم الانفلات الأمني وعدم الاستقرار

أحد أحياء درعا البلد (الشرق الاوسط)
أحد أحياء درعا البلد (الشرق الاوسط)
TT

جنوب سوريا... حالة الغموض والولاءات المختلفة تفاقم الانفلات الأمني وعدم الاستقرار

أحد أحياء درعا البلد (الشرق الاوسط)
أحد أحياء درعا البلد (الشرق الاوسط)

برغم استمرار الحوادث الأمنية المتمثلة في الاغتيالات وعمليات الخطف في الجنوب السوري عموما، إلا أن التصعيد الأخير في درعا البلد ضد مجموعات متهمة بالانتماء لتنظيم «داعش»، يعيد إلى الأذهان حالة غموض ولاء واتجاهات الأطراف المتحاربة فيما بينها، وسط اتهامات متبادلة بين الجميع بـ«العمل مع النظام»، أو «تنفيذ أجندة خارجية»، أو الانتماء إلى «تنظيم داعش».
وانعكست تلك الاتهامات على المنطقة حتى وصلت إلى حالة صعبة من الانفلات الأمني وانتشار القتل والاغتيالات في كل مكان.
ويقول الناشط محمد الزعبي، «أن الجديد الآن في درعا هو الحديث عن نشاط خلايا داعش في أكثر من منطقة... وهذه تدافع عن نفسها إعلامياً وعسكرياً وتنفي التهمة، وتتهم الفصائل التي تهاجمهم بأنها تنفذ أوامر النظام السوري».
إلا أن فصائل المعارضة السابقة التي قبلت بالتسوية مع النظام السوري برعاية روسية في عام 2018، نشرت وثائق صوتية ومصورة، تبين تورط قادة هذه المجموعات المتهمة بالانتماء لـ«داعش» بالتعامل مع التنظيم، أو تنفيذ عمليات قتل واغتيال وخطف استهدفت فصائل المعارضة السابقة واللجان المركزية للتفاوض ومدنيين.
واعتبر قائد إحدى المجموعات المحلية في درعا في حديثه لـ«شرق الأوسط» أنه بشكل عام «يبقى الخوف من المجهول هو السائد بين أبناء المحافظة، فما كادت العملية الأمنية في مدينة جاسم تنتهي بعد الإعلان عن القضاء على متزعمي خلايا داعش هناك ومنهم عبد الرحمن العراقي وأبو مهند اللبناني وأبو لؤي القلموني، حتى تفاجأ أهالي المحافظة بعمل جديد يقوده اللواء الثامن المحسوب على روسيا، ضد خلايا جديدة في أحياء درعا البلد المحاذية للأراضي الأردنية».
وكان من أهم أسباب العملية الجديدة، التفجير الانتحاري الذي استهدف أحد المعارضين السابقين إضافةً إلى مدنيين آخرين كانوا معه. وبرغم تضارب التصريحات والأقاويل حول وجود عناصر وقادة من «داعش» إلا أن العملية العسكرية قد بدأت ضدهم.
وتشير هذه الدلائل إلى مساعٍ محلية لإنهاء الحالة العشوائية في محافظة درعا المتمثلة بانعدام الأمن والاستقرار وعمليات الاغتيالات والقتل التي وفرت للنظام الذريعة الكافية للانقلاب على ترتيبات اتفاق التسوية ومحاولة إنهائها وإعادة السيطرة الكاملة أو الفعلية على الأرض... ذلك ما دفع فصائل التسويات إلى التحرك ضد المجموعات التي تترك للنظام السوري ذريعة لتغيير وضع المنطقة الذي تعيشه منذ بدء اتفاق التسوية الذي تم في العام 2018.
وسواء كانت المجموعات تابعة أو متعاونة مع «داعش» أو تمارس أفعالا تسعى لتغيير حالة المنطقة، فإنها في دائرة العمليات العسكرية للفصائل المحلية ومعها «اللواء الثامن»، لرغبتها باستمرار إبعاد سيطرة النظام الفعلية عن المنطقة، وإبعاد الذرائع التي تسمح له بشن عمليات عسكرية في المنطقة تسهل عليه استقدام ميليشيات إيران و«حزب الله» إليها، أيضاً بسبب المخاوف من الملاحقات الأمنية التي تفرض على المعارضين السابقين، وفرض شروط جديدة مجحفة بحق مناطق التسويات، وتعديل بنود الاتفاق بما يتماشى مع رغبة النظام السوري.
ووسط سيل الاتهامات التي تكال من كل الأطراف ضد بعضها البعض، يبقى المواطن الحوراني تائها في دوامة «التخوين» و«الدعشنة» و«موالاة النظام» و«البنادق المأجورة» واتجاه إطلاقها. وتعكس الأرقام التي تصدرها مكاتب التوثيق المحلية في درعا، حجم الفوضى وحالة عدم الاستقرار والغموض الذي يكتنف عمليات الاغتيالات الجارية في المحافظة. فخلال شهر واحد هو سبتمبر (أيلول) الماضي تم توثيق 27 محاولة اغتيال أسفرت عن مقتل 23 شخصاً بينهم 17 مدنيا، وبعضهم لم يعرف عنه انتماء إلى فصيل بعينه أو مشاركته مع جماعة معارضة.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.