يكفي أن نُقارن الحرب الأوكرانيّة بما نصح به المفكّر الصيني صان تسو، لنعرف مسار هذه الحرب المستقبليّة.
قال صان تسو «أن يُقلّد القائد العسكري في خططه مسار المياه عندما تُصبّ على الأرض. فهي وبحكم قوانين الفيزياء الطبيعيّة سوف تتّبع المسار الأقل مقاومة». كما قال صان تسو، إن على القائد العسكري أن يعتّم على خططه كالليل الأعشى.
> أين أوكرانيا من نصائح صان تسو؟
تبدو الساحة الأوكرانيّة حالياً كساحة مكشوفة عسكريّاً، لا أسرار فيها على كل المستويات، الاستراتيجيّة، العملانيّة كما التكتيكيّة. إذ لا يمكن لفريق معيّن أن يفاجئ الفريق الآخر. من هنا غياب مبدأ المفاجأة والذي يُشكّل ركناً أساسياً في مبادئ الحرب التسعة. كذلك الأمر، لا يمكن إخفاء الخطط العسكريّة المستقبليّة؛ لأنها أصبحت مفضوحة. وقد يعود سبب هذه الشفافيّة إلى الأمور التاليّة: تصريحات السياسيين والعسكر عن الأهداف المستقبليّة وبصورة علنيّة. تأثير الجغرافيا والطوبوغرافيا على مسار الحرب حتى هذه اللحظة. كما دخول القطاع الخاص خاصة في البُعد التكنولوجي لتغيير مسار الحرب بصورة جذريّة (إيلون ماسك و«ستارلينك»). وأخيراً وليس آخراً، تحوّل الحرب إلى حرب بالواسطة بين الجبابرة.
> الإسقاط على مرحلة ما بعد خيرسون
حقّق الجيش الأوكراني إنجازات عسكريّة مهمّة. وقد يعود السبب إلى سوء إدارة الحرب من قبل الجيش الروسي، وأيضاً التدخّل الغربي بكلّ ثقله لمنع الجيش الروسي من تحقيق أهدافه.
كذلك، قد يعود السبب إلى جمود العقيدة العسكريّة الروسيّة في عدم القدرة على التأقلم السريع مع المستجدات الميدانيّة خاصة التكتيكيّة، وذلك في مقابل ليونة كبيرة للجيش الأوكراني حتى مستوى المقاتل الفرديّ، بالإضافة إلى قدرة هذا الجيش على دمج التكنولوجيا الغربيّة الحديثة مع الحلول التكتيكيّة الناجعة، وفي الوقت نفسه الاستفادة من العامل الجغرافيّ.
> في الإنجازات وما بعدها
استردّ الجيش الأوكراني ما يقارب من 8000كلم2 من الأرض في إقليم خاركيف عبر حرب خاطفة وسريعة. كما استردّ مؤخراً ثلث إقليم خيرسون (الضفّة الغربيّة لنهر دنيبرو)، أي ما يقارب من 9000كلم2. وبذلك، يكون الجيش الروسي قد اضطّر إلى الانسحاب من الأراضي الأوكرانيّة ثلاث مرّات: المرّة الأولى الانسحاب القسري من حول كييف، وذلك عندما كان الجيش الروسي في وضع الهجوم. المرّة الثانيّة الانسحاب القسري من خاركيف، عندما كان وضع الجيش الروسي في وضعيّة الدفاع الثابت. وأخيراً، انسحب الجيش الروسي من مدينة خيرسون مُرغماً، لكن بقرار رسمي من القيادة الروسيّة العسكريّة، وبغياب لافت للرئيس بوتين.
> ماذا بعد؟
تيّمناً بما قاله صان تسو، لا بد من النظر إلى طريق انسياب المياه على الساحة الأوكرانيّة. لكن كيف؟
جبهة خيرسون:
عندما عزلت القوات الأوكرانيّة القوات الروسيّة المنتشرة في الضفة الغربيّة للنهر (في المدينة)، وذلك عبر قطع كلّ طرق المواصلات واللوجيستيّة مع الضفة الشرقيّة للنهر عبر تدمير البنى التحتيّة خاصة الجسور (أنطونوفسكي، ونوفا كاكوفكا)، اضطّر الجيش الروسي إلى الانسحاب من مدينة خيرسون، إلى الضفة الشرقيّة للنهر. وفي هذه المعادلة، انقلب السحر على الساحر. لكن كيف؟ أصبح النهر يشكّل عائقاً طبيعيّاً أمام تقدّم القوات الأوكرانيّة لتحرير كلّ إقليم خيرسون. وقد يتحوّل النهر إلى خطّ دفاعي كما خط بارليف على قناة السويس بعد حرب الأيام الستّة.
وهكذا، أصبح لزاماً على الجيش الأوكراني أن يتّبع تدفّق وانسياب المياه الطبيعي والذي قد يأخذه إلى إقليم زابوريجيا. لكن لماذا؟
نظرة بسيطة من فوق على خريطة المنطقة تقول بما يلي:
- لا يُشكّل نهر دنيبرو عائقاً أمام القوات الأوكرانيّة في زابوريجيا، فهي أصلاً متواجدة على الضفة الشرقيّة للنهر.
- كما تتواجد أكبر محطّة نوويّة في أوروبا في هذا الإقليم.
- وبعد تحرير مدينة خيرسون، قد تتحرّر بعض القوى الأوكرانيّة من مهمات حول خيرسون، لتصبح متوفّرة للقتال على جبهات أخرى.
- وهنا يتظهّر جلياً محور مدينة ميليتوبول المهم جداً جداً (Melitopol). لماذا؟
- تشكّل المدينة عقدة طرق مهمة جداً. منها قد يمكن الذهاب نحو الشرق لتحرير ما تبقّى من إقليم خيرسون، وبالتالي عزل شبه جزيرة القرم كما كانت قبل الحرب. ومن ميليتوبول، قد يمكن التوجّه نحو الجنوب إلى شواطئ بحر آزوف، وهكذا قد يُضرب الجسر البرّي الروسي والممتد من القرم إلى الدونباس. وأخيراً وليس آخر، من ميليتوبول قد يمكن الذهاب شرقاً إلى إقليم دونيتسك، حيث دور معارك طاحنة حاليّاً.
> جبهة دونيتسك!
- يُقال إن الرئيس بوتين وافق على الانسحاب من مدينة خيرسون، شرط أن يُحقّق الجيش الروسي إنجازاً عسكريّاً في الشرق. من هنا أهميّة مدينة بخموت، والتي استمرّت المعارك فيها رغم تراجع الجيش الروسي في إقليمي خاركيف وخيرسون.
> جبهة لوغانسك!
- بعد الإنجاز الأوكراني في إقليم خاركيف، يبدو أن المعارك الأساسيّة تدور على محور مدينتي سفاتوف وكريمينا (Svatove Kremina)، خاصة الطريق السريعة – P - 66.
- ولأن هذا المحور مهمّ جدّاً جدّاً، فقد كلّفت القيادة الروسيّة العسكريّة الجيش الأوّل المدرّع للدفاع عن سفاتوف، كما تم السماح باستعمال القنابل التفريغيّة إذا لزم الأمر (Thermobaric).
في الختام، مرحلة جديدة من الحرب قد تأتي بعد فصل الشتاء. لكن المرحلة الحالية هي مرحلة الاستعداد، إعادة التنظيم، التجهيز، اللهم إلا إذا حصل تطور بارز قبل انتهاء فصل الشتاء.
ما بعد خيرسون
ما بعد خيرسون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة