بعد عقدين من الزمن، تتنحى رئيسة مجلس النواب نانسي عن منصبها مخلّفة وراءها فراغاً في حزبها الديمقراطي سيكون من الصعب ملؤه.
فبيلوسي البالغة من العمر 82 عاماً، باتت من أبرز الوجوه المعروفة في الساحة السياسية الأميركية، ولعبت دوراً بارزاً في حزبها لإقرار الكثير من البنود على أجندته، وتحدت الحزب الجمهوري بكل جوارحها.
فقد دفعت رئيسة المجلس لإقرار قانون الرعاية الصحية المعروف بـ«أوباما كير»، ومشاريع الإنعاش الاقتصادي بمواجهة كوفيد-19. كما سعت إلى عزل الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي جمعتها به علاقة مضطربة وصلت إلى القطيعة، وأسست لجنة التحقيق بأحداث الكابيتول للنظر بدوره فيها.
اليوم، تغادر نانسي بيلوسي قيادة الحزب في وقت بسط فيه الجمهوريون سيطرتهم على مجلس النواب، لتترك منصب زعيم الأقلية شاغراً أمام الوجوه الشابة التي حثتها منذ عام 2016 على التنحي. فقالت في خطاب وداعها: «حان الوقت للجيل الجديد كي يقود التجمع الديمقراطي الذي أكن له كل الاحترام».
لكن مهمة شغر المنصب لن تكون سهلة، إذ أن بيلوسي التي فازت بمقعدها في الكونغرس في عام 1987 عرفت بمهارتها الفائقة في جمع الأصوات وعدّها، ومن النادر أن تطرح مشروع قانون في المجلس قبل أن تتأكد أنه سيحصل على الأصوات المطلوبة لإقراره. وهي مهارة أدت إلى لجوء خصومها إليها لمساعدتهم على عد الأصوات لإقرار مشاريعهم. وهذا ما تحدث عنه الرئيس الأميركي جو بايدن قائلاً: «عبر قيادتها، لم نقلق يوماً من أن المشاريع لن تمرر. إذا قالت إن لديها الأصوات فهي دوماً محقة. في كل مرة من دون استثناء».
مهارة أخرى عرفت بها رئيسة المجلس، وهي المرأة الأولى في تاريخ أميركا التي تصل إلى هذا المنصب، هي جمع التبرعات لحزبها. فقد أثبتت قدرتها على دعم المرشحين الديمقراطيين في الولايات المتأرجحة عبر المشاركة بحملاتهم الانتخابية، وجمع التبرعات من مانحين بارزين لدعم الحملات الحساسة.
بالإضافة إلى ذلك، عُرفت بيلوسي بعدم ترددها في مواجهة الجمهوريين كلما دعت الحاجة، لهذا فقد تنفس هؤلاء الصعداء عندما أعلنت عن قرارها بالتنحي. فقد كانت النائبة عن ولاية كاليفورنيا محوراً أساسياً في حملاتهم الانتخابية، إذ دعوا الناخبين بشكل متكرر إلى مساعدتهم على «طرد نانسي بيلوسي»، فيما رآه البعض كتحفيز على مهاجمة بيلوسي، ما أدى إلى الاعتداء على زوجها بول في مقر إقامتهما في كاليفورنيا، بحسب رأيهم.
وبدا هذا الصراع بين الجمهوريين وبيلوسي مرئياً للعين المجردة من خلال النظر إلى مقاعد مجلس النواب شبه الخالية من الجمهوريين خلال إعلانها تنحيها. فكيفين مكارثي المرشح الجمهوري لرئاسة المجلس من بعدها لم يكن موجوداً في مقعده لمتابعة خطابها، في دلالة على الانقسامات العميقة والمتزايدة بين الحزبين. وهو تهكم من قرارها خلال مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» قائلاً: «هي لا تريد أن تسلمني مطرقة المجلس شخصياً»، في إشارة إلى بروتوكول تسليم مطرقة رئاسة المجلس لدى افتتاح الكونغرس الجديد لدورته الـ118 مطلع العام المقبل.
فبيلوسي بعد تنحيها لن تكون الشخص الذي يسلّم الشعلة لمكارثي البالغ من العمر 57 عاماً، بل سيكون الشخص المكلف بذلك هو زعيم الديمقراطيين الجديد.
هنا تتوجه الأنظار إلى المرشح الأبرز لخلافة رئيسة المجلس: النائب الديمقراطي حكيم جيفريز الذي يمثل ولاية نيويورك. فجيفريز هو من الوجوه الشابة البارزة في الحزب الديمقراطي، يبلغ من العمر 52 عاماً. وسيكون، في حال انتخابه من قبل الديمقراطيين، زعيماً لهم في الثلاثين من الشهر الحالي، الزعيم الأول من أصول أفريقية.
وقد زعزع قرار بيلوسي هيكلية القيادات الديمقراطية في مجلس النواب. فمباشرة بعد إعلانها هذا، أكد نائبها زعيم الأغلبية الديمقراطية الحالية ستيني هوير أنه لن يسعى لتجديد ولايته في منصب القيادة، وقال هوير، البالغ من العمر 83 عاماً للصحافيين: «تذكرون عندما قالت نانسي إن هناك وقتاً مناسباً وموسماً مناسباً لقرارات من هذا النوع؟ أعتقد أن الآن هو الوقت المناسب والموسم المناسب، ولدينا خيارات ممتازة لنسلمها مناصبنا».
وبهذا يكون الديمقراطيون قد أفسحوا المجال فعلياً لوجوه شابة لقيادة الحزب الذي واجه مؤخراً انتقادات شديدة بسبب إصرار قياداته الكبيرة السن على الاحتفاظ بمقاعدها، على رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي سيحتفل بعيده الثمانين يوم الأحد.
ولعلّ أبرز ما قيل من أعضاء الحزب عن تنحي بيلوسي، هو ما ورد على لسان النائب جيمي غوميز، الذي قال: «الأشخاص حزينون، لكنهم في الوقت نفسه يعلمون أن الديمقراطية تعني طيّ الصفحة… لا تستطيع أن تخدم في منصبك للأبد، وعلى الجيل المقبل أن يتسلم دفة القيادة».
ما مصير الديمقراطيين في غياب «مطرقة» بيلوسي؟
رئيسة المجلس المخضرمة سلّمت الشعلة إلى «الشباب»... وزعزعت هيكلية الحزب
ما مصير الديمقراطيين في غياب «مطرقة» بيلوسي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة