دعم أوروبي جديد لمصر للتغلب على «شح الموارد»

«المياه الخضراء» ضمن أولويات العمل المناخي في قمة شرم الشيخ

دعم أوروبي جديد لمصر للتغلب على «شح الموارد»
TT

دعم أوروبي جديد لمصر للتغلب على «شح الموارد»

دعم أوروبي جديد لمصر للتغلب على «شح الموارد»

بالنسبة للكثيرين، فإن «المياه الخضراء»، هي أحد الأنواع التجارية للمياه المستخدمة في «ردياتير» السيارات، لكن علمياً فإن هذا المصطلح «غير المتداول» على نطاق واسع، يشير إلى جزء من الأمطار التي تتسرب إلى التربة وتكون متاحة للنباتات.
وعادة ما يتم تجاهل المياه الخضراء في تقييمات الموارد المائية، لا سيما عند النظر في تأثيرات المناخ المستقبلية، رغم أن موارد تلك المياه، الضرورية لنمو النبات، تعكس معدل هطول الأمطار، الذي يتسلل إلى طبقة التربة غير المشبعة ويعود إلى الغلاف الجوي عن طريق نتح النبات وتبخر التربة من خلال ما يعرف بـ«الدورة الهيدرولوجية».
وبالتزامن مع سعي الرئاسة المصرية لوضع المياه في قلب العمل المناخي، وهو ما تم ترجمته بتخصيص يوماً كاملاً لأنظمة المياه، في سابقة لم تحدث في مؤتمرات المناخ، كما قال هاني سويلم، وزير الري وموارد المياه المصري، في كلمته (الاثنين)، كانت هناك جلسة مخصصة للمياه الخضراء، كما ورد ذكرها في أكثر من جلسة خلال اليوم، كأحد مصادر المياه التي لا يتم الالتفات لها كثيراً عند الحديث عن تأثيرات تغير المناخ.
يقول بشير إمام، المستشار الإقليمي لعلوم المياه بمكتب اليونيسكو الإقليمي للعلوم في الدول العربية، خلال الجلسة التي خصصت للحديث عن هذا المصدر «يوجد مصدران رئيسيان مستخدمان في الزراعة، وهما المياه في التربة المتاحة للنباتات من الأمطار (تسمى المياه الخضراء) والري من مصادر المياه العذبة مثل الأنهار والبحيرات وخزانات المياه الجوفية (تسمى المياه الزرقاء)».
ولفت إمام إلى أن مدى توافر المياه الخضراء للمحاصيل، يعتمد على مستوى هطول الأمطار في منطقة معينة، وكذلك على درجة الخسارة في الجريان السطحي والتبخر، كما تؤثر عوامل أخرى مثل الممارسات الزراعية وأنواع التربة وطبقات الأرض على توافر المياه في التربة، بالإضافة إلى ذلك، سيكون للطلب المتزايد على المياه في العقود القادمة وتغير المناخ تأثير أيضاً على مصادر المياه الخضراء.
وشدد إمام على أن هذا المصدر للمياه سيكون الأكثر تأثراً بتغير المناخ، مشيراً إلى إمكانية متابعته وتتبع مستويات وفرته من خلال بيانات توفرها الأقمار الصناعية. وأضاف «زيادة معدلات الجفاف بسبب تأثيرات الاحترار العالمي، ستنعكس سلباً على هذا المصدر المهم؛ مما يؤدي بدوره إلى استنزاف التربة الزراعية، التي تم استنزاف 35 مليار طن منها منذ الثورة الصناعية».
من جانبها، دقت ماريا هيلينا سيميدو، نائب مدير منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، ناقوس الخطر، بشأن تعرض موارد المياه الخضراء للنقصان، بما سيؤثر على الحاجة إلى إطعام 10 مليارات نسمة بحلول عام 2025.
وقالت سميديو، إن أزمة المناخ تفاقمت بشكل كبير، وأثرت كثيراً على الموارد الطبيعية، وقدرة التربة على احتفاظها بالمياه، مشيرة إلى أن «الأمن الغذائي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن المائي».
ودعت نائب مدير «فاو» إلى أهمية البيانات في التعامل مع تلك المشكلة، عن طريق آليات الاستشعار عن بعد وأنظمة الإنذار المبكر، حتى يتم توجيه المزارعين إلى ممارسات تحافظ على التربة ولا تستنزفها.
في سياق متصل، كانت «المياه الخضراء» أحد البنود الرئيسية في المبادرة المصرية للتكيف في قطاع المياه، والتي أعلن عنها وزير الري والموارد المائية المصري هاني سويلم في افتتاح فعاليات يوم المياه.
وقال سويلم، إن هذه المبادرة الدولية، تم إعدادها بالشراكة مع منظمة الأرصاد العالمية وغيرها من الشركاء الدوليين، بالاعتماد على مخرجات العديد من اللقاءات الدولية الممتدة خلال الشهور الماضية، والمنعقدة تحت مظلة عدد من الائتلافات الدولية مثل «ائتلاف قادة المياه والمناخ” و«تحالف العمل من أجل التكيف» و«مسار عمل شراكة مراكش المائية».
تضمنت المبادرة 6 محاور، هي مراعاة عدم تأثير النمو الاقتصادي على استخدام المياه العذبة وتدهورها، واحتساب المياه الخضراء عند وضع الخطط الوطنية لاستخدام المياه واستراتيجيات التكيف والتخفيف وحماية النظم الإيكولوجية للمياه العذبة، والتعاون على نطاق أحواض الأنهار الدولية فيما يخص التكيف مع التغيرات المناخية، وتعزيز الإدارة المستدامة منخفضة الانبعاثات ومنخفضة التكاليف لمياه الشرب ومياه الصرف الصحي، ووضع أنظمة إنذار مبكر للظواهر المناخية المتطرفة، وربط سياسات المياه الوطنية بالعمل المناخي لتعكس تأثيرات تغير المناخ طويلة الأجل على موارد المياه والطلب عليها.
إلى ذلك، يخطط بنك الاستثمار الأوروبي لإتاحة تمويل جديد لمصر بقيمة 1.5 مليار دولار سيتركز أغلبه في قطاع معالجة المياه، وفقاً لما قالته جيلسومينا فيليوتي، نائبة رئيس البنك.
وخلال مقابلة مع «بلومبرغ»، على هامش قمة المناخ (COP27) بشرم الشيخ، قالت فيليوتي، إن «البنك يركز مع الحكومة المصرية على الربط بين الماء والغذاء والطاقة لتنفيذ استراتيجية تنظر إلى التغيّر المناخي من جوانب عدة تتعلق بالاقتصاد والتأثير على السكان».
وأردفت نائبة رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، بأن البنك سيعمل مع مصر كذلك في قطاعي النقل والطاقة؛ نظراً لارتباطهما بانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وكانت مصر قد أطلقت برنامج «نُوفّي» مطلع يوليو (تموز) الماضي، وهو برنامج يمثّل إحدى آليات الحكومة المصرية لخفض الانبعاثات الكربونية عن طريق جذب تمويلات لتنفيذ حزمة مشروعات خضراء حتى عام 2030 في 3 قطاعات رئيسية: المياه، والغذاء، والطاقة.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.