النفط السوري... تعاون بين «أثرياء الحرب» وصراع أميركي ـ روسي

إنتاج حوالي 90 ألف برميل يومياً شرق الفرات للاستهلاك المحلي والتهريب إلى مناطق الحكومة والدول المجاورة

قوات أميركية تقوم بتدريبات مع «قوات سوريا الديمقراطية» بريف الحسكة في 7 سبتمبر الماضي (إ.ب.أ)
قوات أميركية تقوم بتدريبات مع «قوات سوريا الديمقراطية» بريف الحسكة في 7 سبتمبر الماضي (إ.ب.أ)
TT

النفط السوري... تعاون بين «أثرياء الحرب» وصراع أميركي ـ روسي

قوات أميركية تقوم بتدريبات مع «قوات سوريا الديمقراطية» بريف الحسكة في 7 سبتمبر الماضي (إ.ب.أ)
قوات أميركية تقوم بتدريبات مع «قوات سوريا الديمقراطية» بريف الحسكة في 7 سبتمبر الماضي (إ.ب.أ)

مع دخول الحرب في سوريا عامها الثاني عشر، ومع استمرار الصراع الأميركي - الروسي للسيطرة على قطاع النفط وإمكانياته، وجد المسلحون المحليون و«أثرياء الحرب» والخصوم الإقليميون في النفط نقطة إجماع نادرة على التعاون والاستحواذ على ما تبقى من الثروات وعائداتها.
بلغ إنتاج النفط من الحقول والمنشآت الواقعة بشكل رئيسي في شمال شرقي سوريا حوالي 400 ألف برميل يومياً قبل بدء الصراع. وبعد اندلاعه عام 2011، سيطرت قوى متناحرة مختلفة، بما في ذلك فصائل من المعارضة و«تنظيم داعش»، على جزء كبير من هذه الثروة النفطية. وأدت العقوبات الغربية المفروضة على قطاع النفط السوري إلى مغادرة شركات النفط الأجنبية البلاد.
حالياً، تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وهي عبارة عن ائتلاف مدعوم من الولايات المتحدة، على ربع الأراضي السورية، بما في ذلك منطقة شرق الفرات، الغنية بالثروات النفطية والغازية والزراعية والمائية. ويعني هذا أن «قوات سوريا الديمقراطية» تسيطر الآن على 90 في المائة من النفط، وأكثر من 50 في المائة من حقول الغاز الطبيعي، فضلاً عن البنية التحتية المملوكة لشركات أجنبية، تبعاً لعقود موقعة مع حكومة دمشق، بما في ذلك «غلف ساندز بتروليوم» و«توتال» و«شل». وجرى تطويق آبار ومنشآت النفط و«حمايتها» من قبل «قوات سوريا الديمقراطية» بقيادة أميركا.
من جهة أخرى، أعلنت دمشق أن خسائر قطاع النفط، منذ بداية الأزمة، بلغت 91.5 مليار دولار. وكشف وزير النفط بسام طعمة أن إنتاج النفط اليومي يبلغ 89 ألف برميل، معظمها في المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد». ويصف طعمة هذا النفط بأنه «مسروق» من الشعب السوري.

- صراع دولي
بعد التدخل الروسي العسكري أواخر عام 2015، وقعت دمشق عقوداً مع شركات روسية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز في سوريا والمياه الإقليمية التابعة لها. كما تعاقدت دمشق مع شركة «إفرو بوليس»، المرتبطة برجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، الذي يتولى تمويل مرتزقة «فاغنر»، لحماية منشآت النفط والغاز الطبيعي وتحريرها من قبضة «داعش»، مقابل 25 في المائة من العائدات. وتضمن ذلك سيطرة «إفرو بوليس» على موقع إيبلا الضخم لإنتاج الغاز الطبيعي التابع لشركة «سنكور» قرب تدمر، في عملية أدت لوقوع الكثير من الضحايا.
كان هذا الاتفاق الغطاء الذي تعمل تحته مجموعة «فاغنر» العسكرية. وتشير التقديرات إلى أن «فاغنر» كان لديها ما يصل إلى 2500 مقاتل داخل سوريا عام 2018، وقد شاركوا في القتال في سوريا أو في معسكرات التدريب والإعداد في روسيا، وجرى نقل بعضهم إلى ليبيا، والآن إلى أوكرانيا.
في الواقع، غطى الاتفاق بين «إفرو بوليس» ودمشق المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة فقط. وفي مطلع عام 2018 شن مرتزقة «فاغنر» هجوماً على منشأة إنتاج للغاز تتبع شركة «كونوكو» شرق الفرات، وهو موقع يخضع لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، لكنهم تعرضوا لقصف شديد بالمدفعية الأميركية وغارات جوية أميركية أسفرت عن مقتل نحو 200 من المرتزقة.
وفي عام 2019 أصدر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إعلاناً صادماً عن انسحاب القوات الأميركية من المنطقة المحيطة بالحدود السورية مع تركيا، الواقعة شرق الفرات، ما يمنح تركيا الضوء الأخضر للتوغل في شمال سوريا ووضع «قوات سوريا الديمقراطية»، حلفاء واشنطن، تحت ضغوط جديدة.
وفي 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أقنع السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، مع بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين، الرئيس ترمب بالاحتفاظ بـ900 من أفراد الجيش الأميركي شرق سوريا، لحماية النفط. وقال ترمب في وقت لاحق إن «عدداً صغيراً من الجنود سيبقون في المناطق التي تحتوي على النفط»، مؤكداً «حرصنا على تأمين وحماية النفط».
وفي يوليو (تموز) 2020 أعلنت واشنطن أن قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، مظلوم عبدي، أبلغ إدارة ترمب بتوقيع اتفاق مع شركة «دلتا كريسنت إنرجي» الأميركية للاستثمار في النفط بعد الحصول على إعفاء من وزارة الخزانة من العقوبات المفروضة على سوريا. وصرح وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، أن الهدف من الصفقة «تحديث صناعة النفط».
وتسبب الموقف في إحراج وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التي أصدرت بيانات متضاربة بهذا الشأن. بادئ الأمر، أعلن البنتاغون أن «النفط السوري للشعب السوري، وسنظل ملتزمين بوحدة وسلامة أراضي سوريا». لكن وزير الدفاع الأميركي السابق، مارك إسبر، أعلن لاحقاً: «نتخذ الآن إجراءات لتعزيز موقعنا في دير الزور لمنع (داعش) من الوصول إلى حقول النفط». وأكد البنتاغون إرسال قوات ومدرعات لحماية حقول النفط.
اليوم، لا يزال الصراع الأميركي - الروسي للسيطرة على النفط والغاز مستمراً. وقال قيادي في المعارضة إن ضباطاً روسيين رفيعي المستوى طالبوا مراراً قادة «قوات سوريا الديمقراطية» بالسماح لشركات روسية وقعت عقوداً مع دمشق بالعمل في حقول النفط الواقعة شرق الفرات، لكن المسؤولين الأكراد ردوا بأن الأمر يتطلب موافقة حلفاء الولايات المتحدة المشاركين في السيطرة على حقول النفط.

- «أثرياء الحرب»
تفاقم الصراع الروسي - الأميركي المستمر جراء الحرب في أوكرانيا، وتجمد الوضع العسكري في سوريا، خاصة في ظل غياب احتمال التوصل لحل سياسي مع تصاعد الاحتياجات الاقتصادية والإنسانية للشعب السوري. ويعني هذا أن النفط برز كعامل من عوامل التعاون الضمني بين المسلحين غير الشرعيين من السوريين والأجانب لتقاسم عائدات حوالي 89 ألف برميل يومياً. وتستغل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (الجناح الإداري لقوات سوريا الديمقراطية) جزءاً من الإنتاج محلياً، بينما ينقل الوسطاء والمتربحون من الحرب جزءاً آخر إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة (وتشكل ثلثي الأراضي السورية) من أجل التكرير أو الاحتفاظ به. وتنقل الصهاريج النفط من شرق الفرات إلى مصافي النفط في مناطق تخضع لسيطرة الحكومة السورية، علماً بأن الحكومة السورية تتهم القوى المهيمنة في شرق البلاد بأنهم «خونة» و«عملاء للاحتلال الأميركي».
ووفقاً لتقديرات بعض الخبراء، تتلقى الإدارة الذاتية في الشمال والشرق حوالي 16 دولاراً أميركياً للبرميل، فيما يذهب 15 دولاراً أميركياً أخرى للحكومة السورية. أما المبلغ المتبقي، والذي قد يصل إلى 50 دولاراً أميركياً للبرميل، فإنه «يُفقد» وينتهي به المطاف في أيدي هؤلاء المتربحين من الحرب.
وفي السياق ذاته، قال مصدر مطلع إن مسؤولين في «حزب العمال الكردستاني» نصحوا قادة «قوات سوريا الديمقراطية» بالتنسيق مع دمشق فيما يتعلق ببيع النفط على الصعيدين الداخلي والإقليمي.
كما تحدث مسؤولون عن شبكات تعمل في الظل لتهريب النفط ومشتقاته بين منطقة شرق الفرات الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية العماد الرئيسي لها، ومناطق «درع الفرات» أو جيوب أخرى تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية والجيش التركي. يذكر أن القوات العسكرية في هاتين المنطقتين تخوض يومياً قتالاً وغارات وضربات، وتتبادل الاتهامات بـ«الخيانة» و«الإرهاب».
واللافت أن التعاون بين المتناحرين يمتد إلى ما وراء الحدود. وتشير تقارير إلى تهريب النفط إلى كردستان العراق وبعض المناطق التركية، بمشاركة وسطاء وأفراد مقربين من أصحاب القرار هناك، رغم استمرار الخلافات السياسية والعسكرية بين أصحاب القرار في القامشلي وأربيل. كذلك أفادت تقارير بأن النفط يجري تهريبه إلى داخل كردستان العراق، إما من أجل الاستخدام المحلي أو التهريب إلى تركيا. ويجري بيع النفط بأسعار ضئيلة للغاية، في الوقت الذي تعاني فيه حقول النفط والبيئة المحيطة بها حالياً من ظروف شديدة.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول غربي مطلع: «على الأرجح أن صناع القرار في هذه المناطق ليسوا في عجلة من أمرهم للوصول إلى حل سياسي يعيق تدفق الأموال إلى جيوبهم. والأرجح أن المتربحين من الحرب داخل مناطق النفوذ المحلية والدول المجاورة لا يريدون للحرب أن تنتهي».

- اقتراح بديل
عندما تولى الرئيس جو بايدن منصبه، أعلنت إدارته إعفاءات من العقوبات سمحت ببعض الاستثمارات الهادفة، (رغم أن هذا استثنى صناعة النفط)، في شرق الفرات. إلا أنها قررت عدم تمديد الإعفاء من العقوبات الممنوح لشركة «دلتا كريسنت إنرجي» لأسباب عدة، أهمها اعتراض شركات أجنبية تملك حقوق السيادة في الحقول النفطية. على سبيل المثال، وقعت شركة «غلف ساندز بتروليوم» (غلف ساندز) عقداً مع دمشق عام 2003 للاستثمار في البلوك 26 شرق الفرات وتطويره. وطبقاً لما ورد في تقريرها السنوي لعام 2021 وصل الإنتاج غير المصرح به من البلوك 26 منذ أوائل عام 2017 قرابة 20 ألف برميل يومياً، ما يعني أنه جرى إنتاج حوالي 35 مليون برميل منذ ذلك الحين.
وفي غضون ذلك، تدعو شركة «غلف ساندز»، ومقرها لندن، إلى مبادرة إنسانية «رابحة للجانبين» من شأنها أن تمكنها وشركات النفط العالمية الأخرى من استعادة السيطرة على أصولها. وبدلاً من أن يتدفق النفط إلى الكيانات الخاضعة للعقوبات وغيرها من الوسطاء غير المصرح لهم، ستسهم مبادرة «غلف ساندز» في تحويل عائدات مبيعات النفط إلى صندوق تسيطر عليه الأمم المتحدة. من جهته، قال جون بيل، العضو المنتدب لشركة «غلف ساندز»، إن ثمة حاجة إلى توجه جديد للتخفيف من المعاناة الهائلة في سوريا. وأضاف «سوريا بحاجة إلى مليارات الدولارات التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال النفط والغاز»، ووصف الخطط بأنها «مكسب للأكراد ودمشق والشعب السوري». واقترح توجيه نصيب من عوائد النفط إلى حساب مخصص للأغراض الإنسانية يخضع لسيطرة الأمم المتحدة، بحيث تتوافق مدفوعاته بالكامل مع العقوبات المفروضة على سوريا. وقد يبدو هذا الأمر بسيطاً، لكنّ محللين ربطوا المبادرة ببرنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي جرى تطبيقه في العراق قبل الغزو الأميركي عام 2003، ويقر بيل بضرورة تعلم الدروس من هذا البرنامج المشؤوم، بينما يقترح المبادرة على أصحاب المصلحة الدوليين. وتأتي هذه المبادرة في الوقت المناسب، مع استمرار المناقشات حول توسيع نطاق تقديم المساعدات الدولية عبر الحدود، بما في ذلك شموله تمويل مشروعات التعافي المبكر وشؤون إنسانية وصحية أخرى.


مقالات ذات صلة

«قصف إسرائيلي» يُخرج مطار حلب من الخدمة

المشرق العربي «قصف إسرائيلي» يُخرج مطار حلب من الخدمة

«قصف إسرائيلي» يُخرج مطار حلب من الخدمة

أعلنت سوريا، أمس، سقوط قتلى وجرحى عسكريين ومدنيين ليلة الاثنين، في ضربات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع في محيط مدينة حلب بشمال سوريا. ولم تعلن إسرائيل، كعادتها، مسؤوليتها عن الهجوم الجديد الذي تسبب في إخراج مطار حلب الدولي من الخدمة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لا تأكيد أميركياً لقتل تركيا زعيم «داعش» في سوريا

لا تأكيد أميركياً لقتل تركيا زعيم «داعش» في سوريا

في حين أعلنت الولايات المتحدة أنها لا تستطيع تأكيد ما أعلنته تركيا عن مقتل زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي أبو الحسين الحسيني القرشي في عملية نفذتها مخابراتها في شمال سوريا، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن قوات بلاده حيدت (قتلت) 17 ألف إرهابي في السنوات الست الأخيرة خلال العمليات التي نفذتها، انطلاقاً من مبدأ «الدفاع عن النفس».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي إردوغان يعلن مقتل «الزعيم المفترض» لتنظيم «داعش» في سوريا

إردوغان يعلن مقتل «الزعيم المفترض» لتنظيم «داعش» في سوريا

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يوم أمس (الأحد)، مقتل «الزعيم المفترض» لتنظيم «داعش» في سوريا خلال عملية نفذتها الاستخبارات التركية. وقال إردوغان خلال مقابلة متلفزة: «تم تحييد الزعيم المفترض لداعش، واسمه الحركي أبو الحسين القرشي، خلال عملية نفذها أمس (السبت) جهاز الاستخبارات الوطني في سوريا». وكان تنظيم «داعش» قد أعلن في 30 نوفمبر (تشرين الأول) مقتل زعيمه السابق أبو حسن الهاشمي القرشي، وتعيين أبي الحسين القرشي خليفة له. وبحسب وكالة الصحافة الفرنيسة (إ.ف.ب)، أغلقت عناصر من الاستخبارات التركية والشرطة العسكرية المحلية المدعومة من تركيا، السبت، منطقة في جينديرس في منطقة عفرين شمال غرب سوريا.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
المشرق العربي الرئيس التونسي يعيّن سفيراً جديداً لدى سوريا

الرئيس التونسي يعيّن سفيراً جديداً لدى سوريا

قالت الرئاسة التونسية في بيان إن الرئيس قيس سعيد عيّن، اليوم الخميس، السفير محمد المهذبي سفيراً فوق العادة ومفوضاً للجمهورية التونسية لدى سوريا، في أحدث تحرك عربي لإنهاء العزلة الإقليمية لسوريا. وكانت تونس قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا قبل نحو عشر سنوات، احتجاجاً على حملة الأسد القمعية على التظاهرات المؤيدة للديمقراطية عام 2011، والتي تطورت إلى حرب أهلية لاقى فيها مئات آلاف المدنيين حتفهم ونزح الملايين.

«الشرق الأوسط» (تونس)
المشرق العربي شرط «الانسحاب» يُربك «مسار التطبيع» السوري ـ التركي

شرط «الانسحاب» يُربك «مسار التطبيع» السوري ـ التركي

أثار تمسك سوريا بانسحاب تركيا من أراضيها ارتباكاً حول نتائج اجتماعٍ رباعي استضافته العاصمة الروسية، أمس، وناقش مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة.


دبلوماسي سابق في «الخارجية الأميركية»: رفع العقوبات عن سوريا فرصة وفرها ولي العهد السعودي

وائل الزيات الرئيس التنفيذي لـ«إمغايج» التي تهدف لحشد مشاركة الناخبين المسلمين في الانتخابات الأميركية (أ.ب)
وائل الزيات الرئيس التنفيذي لـ«إمغايج» التي تهدف لحشد مشاركة الناخبين المسلمين في الانتخابات الأميركية (أ.ب)
TT

دبلوماسي سابق في «الخارجية الأميركية»: رفع العقوبات عن سوريا فرصة وفرها ولي العهد السعودي

وائل الزيات الرئيس التنفيذي لـ«إمغايج» التي تهدف لحشد مشاركة الناخبين المسلمين في الانتخابات الأميركية (أ.ب)
وائل الزيات الرئيس التنفيذي لـ«إمغايج» التي تهدف لحشد مشاركة الناخبين المسلمين في الانتخابات الأميركية (أ.ب)

أحدث قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب مفاجأتين بقراره رفع كل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على سوريا، ثم اجتماعه بالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع برعاية ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، في خطوة يمكن أن تمثل نقطة تحول لسوريا في سعيها إلى الخروج من عقود العزلة الدولية، وسط جهود إضافية لتسريع هذه العملية التي يمكن أن تكون بطيئة.

ولم يخف رئيس مجلس إدارة مؤسسة «إمغايج» وائل الزيات، السوري الأصل الذي عمل دبلوماسياً لدى وزارة الخارجية الأميركية في عهدي الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما، أن «المفاجأة» كانت بشمولية قرار ترمب «رفع كل العقوبات في وقت واحد» عن سوريا، لافتاً إلى أن تطبيق القرار «سيستوجب وقتاً».

الرئيس دونالد ترمب يصافح الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض بالمملكة اليوم الأربعاء (أ.ب)

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «عند الاطلاع على السياسة الأميركية، فهي عادة ما تتحرك بطريقة بطيئة للغاية»، موضحاً أنه «عندما يتخذ ترمب قراراً، تمشي السياسة والحكومة والبيروقراطية على وتيرته». وأضاف أن هناك «مفاجأة أخرى حصلت وهي اجتماع ترمب مع الشرع»، واصفاً ذلك بأنه «حركة تاريخية من ناحية التفكير بأن ترمب يعيش في فقاعة» تمكنه من التصرف بطريقة مختلفة عن الجمهوريين أو الديمقراطيين.

ومن منظور آخر، يمثل الاجتماع الذي عقده ترمب على هامش اجتماعه مع زعماء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، منعطفاً كبيراً في الأحداث بالنسبة لسوريا التي لا تزال تتكيف مع الحياة بعد أكثر من 50 عاماً من حكم الرئيسين حافظ وابنه بشار الأسد. وبذلك، صار الشرع أول زعيم سوري يلتقي رئيساً أميركياً منذ اجتماع الرئيس بيل كلينتون مع الرئيس حافظ الأسد في جنيف عام 2000.

يسير بالقرب من ملصق ممزق يُصوّر الرئيس السوري السابق بشار الأسد في دمشق 14 مايو بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات عن سوريا (إ.ب.أ)

ولاحظ الزيات أن قرار ترمب سيتبع باجتماع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في تركيا، الخميس، ما يعكس «رؤية وإمكانات وفرصاً جديدة» لدى ترمب والمستشارين الكبار لديه مثل المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وكذلك روبيو الذي تحدث عن «فرصة استراتيجية جديدة في المنطقة» بعد انهيار حكم الرئيس بشار الأسد، مستدركاً أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الرؤية تشمل أيضاً بقية مؤسسات الإدارة الأميركية، مثل البيت الأبيض ووزارة الخارجية والكونغرس في الوقت الراهن. علماً بأن «هناك نظرات مختلفة كثيراً، وبعضها غير إيجابي من ناحية التقدم الذي نراه».

وحتى قبل الحرب الأهلية المدمرة التي بدأت عام 2011، عانت سوريا اقتصاداً اشتراكياً مُحكم الرقابة، وعقوبات فرضتها الولايات المتحدة عليها كدولة راعية للإرهاب منذ عام 1979.

ولي العهد السعودي خلال ترؤسه القمة الخليجية - الأميركية في الرياض (أ.ف.ب)

ورأى الزيات أن هناك «فرصة كبيرة للاستثمار في بلد يحتاج إلى إعادة بناء وإعمار». ولكنه اعتبر أن «الفرصة الجيوبوليتيكية هي الأهم»؛ نظراً إلى الجهود التي بذلها ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اللذان «أقنعا ترمب بالحركة بهذه الطريقة». وقال إن العقوبات التي فرضت على رموز نظام الأسد «سيجري تحديدها»، متوقعاً أن يشمل رفع العقوبات «قطاعات النفط والكهرباء والإنتاج والتصدير والتوريد وحتى القطاع المالي، بما فيها البنك المركزي».

ونبه إلى أن العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة ستحتاج إلى موافقة دول كبرى، مثل روسيا والصين، لرفعها.

وعن علاقات الشرع مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في ظل استمرار خطر الجماعات الإرهابية مثل «داعش»، أكد الزيات أن ما حصل «سيقوي يد الشرع وحكومته كثيراً من ناحية المفاوضات والتعامل مع القوى المختلفة، مثل (قسد)»، التي «لم يعد الوقت معها حتى لجهة بقاء القوات الأميركية في سوريا»، معتبراً أنه «لم يعد هناك خيار أمام (قسد) سوى انضمامهم إلى الحكومة المركزية».

وكانت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، قد قالت في بيان، إن ترمب حض الشرع على الاعتراف دبلوماسياً بإسرائيل، و«إبلاغ جميع الإرهابيين الأجانب بمغادرة سوريا»، ومساعدة الولايات المتحدة في وقف أي عودة لـ«داعش»، فضلاً عن «تحمل مسؤولية» أكثر من 12 مركز احتجاز تضم نحو 9000 عضو مشتبه بهم في «داعش»، التي تديرها «قسد».

أحد أفراد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة عند برج مراقبة يُطل على جنوب سوريا من مرتفعات الجولان المحتلة في 25 مارس (أ.ف.ب)

وعلى رغم أن ترمب صرح بأن الشرع وافق على الانضمام إلى «اتفاقات إبراهيم» والاعتراف بإسرائيل «عندما تُصحح الأمور»، لفت الزيات إلى أن «هذا الأمر لم ينضج بعد»؛ لأن المسؤولين الحاليين في دمشق يعرفون ذلك، وأنهم «لن يقولوا: لا، ولن يغلقوا الباب»، مضيفاً أنه «لا يتخيل أن توافق أي حكومة سورية بأي طريقة على أن تتخلى عن الأراضي السورية»، علماً بأنه «يمكنهم القول إن الوضع عاد إلى ما قبل 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024 على خط (فك الاشتباك) في مرتفعات الجولان» مع تعهد «بعدم مهاجمة إسرائيل من سوريا، ومنع الجماعات الإرهابية فيها، أو حتى المنظمات الفلسطينية المصنفة».

واستبعد الزيات الانضمام إلى «اتفاقات إبراهيم» «من دون على الأقل عملية نقاش أو مفاوضات على الجولان، بل أيضاً على بحيرة طبريا»، معترفاً بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «لن يوافق على أي نقاش بهذا الاتجاه في الوقت الراهن».

ولطالما شككت إسرائيل في ماضي الشرع الذي كان بكنيته السابقة «أبو محمد الجولاني» يقود «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً)، الموضوعة على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة.