الضحكة الأخيرة للويس أرمسترونغ

فيلم وثائقي جديد يلقي الضوء على العنصرية التي واجهها أشهر مغني جاز في القرن الـ20

لويس أرمسترونغ مع زوجته أمام الأهرامات في القاهرة عام 1961 (غيتي)
لويس أرمسترونغ مع زوجته أمام الأهرامات في القاهرة عام 1961 (غيتي)
TT

الضحكة الأخيرة للويس أرمسترونغ

لويس أرمسترونغ مع زوجته أمام الأهرامات في القاهرة عام 1961 (غيتي)
لويس أرمسترونغ مع زوجته أمام الأهرامات في القاهرة عام 1961 (غيتي)

الشرائط مثيرة وكاشفة ومؤلمة بما تحمله من صوت لويس أرمسترونغ الدافئ، الذي ربما يعدّ أشهر صوت في القرن العشرين، وهو يتحدث عن حقائق قاسية موجعة عن العنصرية الأميركية، والكراهية المجردة للإنسانية، التي تحمّلها وعانى منها هو وملايين غيره، في عالم ظل حتى النهاية يؤكد أنه كان رائعاً. إنه يروي قصص عن أحد معجبيه وهو يقول له في وجهه مباشراً: «لا أحب الزنوج»، وعن مرسال يعمل في أحد الأفلام يعامله بعدم احترام على نحو لا يتعرض له أي نجم أبيض البشرة، ويتساءل بغضب وضجر: «هل يمكن تصديق ذلك؟». إنه يروي تلك القصص بحس دعابته المعهود، وأدائه ذي الطابع المسرحي الترفيهي، إلى جانب حسّه الموسيقي الواضح المتجلي في إيقاع سُبابه.

لويس أرمسترونغ عده النقاد من أشهر الأصوات في القرن العشرين (غيتي)

يمكن لعامة الناس سماع تلك القصص، التي سجلها أرمسترونغ بشكل خاص كجزء من مشروع من التوثيق الذاتي يمتد بطول حياته، في فيلم وثائقي لساشا جينكينز باسم «لويس أرمسترونغ- بلاك آند بلوز» الذي يتم بثه عبر «أبل تي في». كثيراً ما يستحضر أرمسترونغ ويستدعي إطلاق ضحكة أخيرة على من ازدروه، حيث وبّخ ذلك المرسال، والاستوديو أيضاً، بحديثه عن الموضع المثالي لفيلمهم بطريقة ساخرة.
لا يعدّ من قبيل الكشف أو إذاعة السر أن يواجه رجل ذو بشرة سوداء، وُلد بعد مرور أقل من 40 عاماً على إلغاء العبودية، عنصرية مفجعة، أو ألّا تعفيه نجوميته، التي ترقى إلى مستوى نجومية بينغ كروسبي وفرانك سيناترا، من هذا المصير. لقد واجه أرمسترونغ هجوماً عام 1957 لحديثه ضد التمييز، وتبرع لحركة الحقوق المدنية. مع ذلك عادةً ما كان يتجنب الجدال والخلاف.
بحلول ستينات القرن العشرين، أثار تحفظ أرمسترونغ، إلى جانب طريقة أدائه بما تتضمنه من ابتسامة عريضة وتحريك لبؤبؤ عينيه التي تحاكي أسلوب الأشعار الشعبية، هجوماً ضده، وما كان أكثر إثارة للألم والأسى هو أن مصدر ذلك الهجوم كان موسيقيي الجاز الشباب، الذين كانوا يبجّلون تسجيلاته وأعماله التي قدمها خلال عشرينات القرن العشرين، وهي الفترة التي تمثل منبع ومصدر فن الجاز.
أخذ ذلك الهجوم يضم بشكل شامل منذ ذلك الحين نقّاداً كثيراً ما كانوا يقسّمون إرث وأعمال أرمسترونغ إلى قسمين: الأول لشاب فنان موهوب عبقري أجاد فنون التمايل، وغناء «السكات» (طريقة غناء ارتجالية دون ألفاظ) والأداء المنفرد الارتجالي، وكان يرتفع بنغمات البوق بدرجة كبيرة تدغدغ أصابع القدم، والآخر لفنان ترفيهي عالمي له أعمال ناجحة طوال ستة عقود، ومولع بفن البوب الوجداني المثير للعاطفة، والألحان المربكة مثل «وين إيت إذ سليبي تايم داون ساوث»، و«في وقت النعاس في داون ساوث».
ظهرت خلال هذه الألفية محاولات للدفاع عن السنوات الأخيرة من حياة أرمسترونغ، لكن يستند فيلم جينكينز، الذي يأتي بعد السيرة التي قدمها ريكي ريكاردي عام 2012 بعنوان «يا له من عالم رائع: سحر السنوات الأخيرة من حياة لويس أرمسترونغ»، بعمق وقوة إلى سجلات أرمسترونغ الخاصة لتقديم حجة إيجابية تأكيدية، كثيراً ما تكون بكلمات أرمسترونغ نفسه، توضح أن الرجل، الذي كان يطلق عليه اسم «بوبس»، كان معنياً وملتزماً بقضية المساواة العرقية. قال جينكينز خلال مقابلة تمت عبر برنامج «زوم»: «ظلت قصة أرمسترونغ واضحة ومنكشفة للعيان لسنوات طويلة، وتم إساءة فهمها لسنوات طويلة أيضاً. إن أميركا تمر بأمرٍ ما. من عدة أوجه، لم تتغير الأمور، وحدث ارتداد وتقهقر في الأوضاع».
وفي الوقت الذي يتم فيه عرض الفيلم، يستعد متحف منزل لويس أرمسترونغ في نيويورك، للاحتفاء بالذكرى العشرين لتأسيسه، وكذلك يتم افتتاح مركز لويس أرمسترونغ الجديد التابع للمتحف خلال فصل الربيع الحالي. قالت ريجينا بين، المديرة التنفيذية للمتحف، إن المركز سوف يعمل على زيادة انتشار المتحف بشكل تصاعدي، وهي مهمة أساسية تمتد جذورها إلى تطور أرمسترونغ نفسه، حيث تلقى أول تدريب موسيقي رسمي حين كان مراهقاً في مؤسسة «كالارد ويفس هوم فور بويز» لرعاية الأيتام في نيو أورلينز. كذلك سوف يقيم المركز حفلات موسيقية، ويعرض سجلات أرمسترونغ الخاصة، ويستعرض برنامج «أرمسترونغ ناو» الخاص به الذي يضع الفنانين في حوار مع إرث أرمسترونغ.
تُقرّ بين بتعقيد ذلك الإرث، حيث تقول خلال محادثة هاتفية: «حين تنظر إليه، ينبغي أن ترى ما يراه أكثر الناس، وهو شخص أيقونة وعبقري موسيقي ذو ابتسامة رائعة، وشخصية مفعمة بالحيوية والمرح. ينبغي أيضاً أن ترى ما مر به هو ومن حوله من إرهاب عنصري أثَّر على حياته وجسده ومع ذلك كان قادراً على تجاوز ذلك».
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مقتل 9 بعد هجوم لـ«الدعم السريع» على المستشفى الرئيسي في الفاشر

أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)
أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)
TT

مقتل 9 بعد هجوم لـ«الدعم السريع» على المستشفى الرئيسي في الفاشر

أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)
أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)

قال مسؤول محلي في قطاع الصحة ونشطاء سودانيون إن قوات «الدعم السريع» هاجمت المستشفى الرئيسي الذي ما زال يعمل في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور بالسودان، اليوم الجمعة، مما أسفر عن مقتل تسعة، وإصابة 20 شخصاً.

وذكر المدير العام لوزارة الصحة بولاية شمال دارفور إبراهيم خاطر، و«تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر»، وهي جماعة مؤيدة للديمقراطية ترصد العنف في المنطقة، إن طائرة مسيَّرة أطلقت أربعة صواريخ على المستشفى، خلال الليل، مما أدى إلى تدمير غرف وصالات للانتظار ومرافق أخرى.

ووفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء، أظهرت صور حطاماً متناثراً على أَسرَّة بالمستشفى ودماراً لحق الجدران والأسقف. وتقول قوات «الدعم السريع» إنها لا تستهدف المدنيين، ولم يتسنَّ الوصول إليها للتعليق.

واندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» منذ أكثر من 18 شهراً، وأدت إلى أزمة إنسانية واسعة، ونزوح أكثر من 12 مليون شخص. وتُواجه وكالات الأمم المتحدة صعوبة في تقديم الإغاثة.

والفاشر هي واحدة من أكثر خطوط المواجهة اشتعالاً بين قوات «الدعم السريع» والجيش السوداني وحلفائه الذين يقاتلون للحفاظ على موطئ قدم أخير في منطقة دارفور.

ويخشى مراقبون من أن يؤدي انتصار قوات «الدعم السريع» هناك إلى عنف على أساس عِرقي، كما حدث في غرب دارفور، العام الماضي.