الفنان السعودي معاذ العوفي يلتقط الجمال من فوهة بركان

تشكيل فني لأقدم الحَرَّات التاريخية الواقعة غرب البلاد

«ثنان» إحدى أقدم الحرات البركانية بالسعودية في العمل الفني
«ثنان» إحدى أقدم الحرات البركانية بالسعودية في العمل الفني
TT

الفنان السعودي معاذ العوفي يلتقط الجمال من فوهة بركان

«ثنان» إحدى أقدم الحرات البركانية بالسعودية في العمل الفني
«ثنان» إحدى أقدم الحرات البركانية بالسعودية في العمل الفني

في عمق البراكين المنسية الخامدة، يغوص الفنان السعودي معاذ العوفي بأفكاره الجامحة، ليستقر على حَرَّة «ثِنان»، الأرض البركانية السوداء الواقعة في منطقة المدينة المنورة، والتي استلهم منها العوفي عمله ذا الأضواء الحمراء «ثِنان»، الذي يُعرض حالياً في معرض «من الشعاع إلى الشغف» المصاحب لاحتفالية «نور الرياض 2022» في العاصمة السعودية.
ويستكمل هذا التركيب الفني اللافت مسيرة العوفي الذي يهوى استكشاف الجمال المستتر في الأمكنة المهجورة، ليقع اختياره هذه المرة على حَرَّة «ثِنان»، غرب السعودية، التي تقع ضمن نطاق منطقتي المدينة المنورة وحائل، وتبلغ مساحتها نحو 3700 كيلومتر مربع، وتحتضن جبل ثِنان الذي يصل ارتفاعه إلى 1587 متراً.
ثِنان
قصة هذا العمل جاءت على إثر تراكم معرفي وفني، إذ إن العوفي الفنان والباحث والمستكشف الحاصل على درجة البكالوريوس في الإدارة البيئية والتنمية المستدامة من جامعة بوند في جولد كوست بأستراليا، قرر بعد العودة إلى مسقط رأسه في المدينة المنورة، بدء رحلة استكشاف الحرَّات البركانية، وخصص لها عدة أعمال فنية.


معاذ العوفي (الشرق الأوسط)

العوفي أوضح في حديث له مع «الشرق الأوسط» أنه بدأ رحلة استكشافه عام 2013، وجذبته آنذاك حَرَّة خيبر على وجه التحديد، التي تعد أكبر هضبة بركانية غرب البلاد، مسترجعاً حالة الدهشة التي عاشها حين شاهد بركان جبل القدر في ذاك المكان المليء بالتضاريس الفريدة من نوعها. وقال العوفي إنه تنقل من جبل لآخر، متأملاً فوهات البراكين السوداء التي شدته تضاريسها الآسرة، مشيراً إلى أن وكالة ناسا أدرجت حرَّة خيبر وبراكينها ضمن قائمة أجمل 10 مواقع من الممكن مشاهدتها من الفضاء، من المحطة الدولية. ويردف :«ثِنان هو اسم حَرَّة تعد من أقدم الحَرَّات في المملكة العربية السعودية، والحَرَّة كما نعلم هي بقايا الانفجارات البركانية».
قبل الضوء وبعده
بسؤاله عن قدرته على سبر أغوار الجمال المستتر في هذا المكان غير المألوف، يجيب: «أختصر ذلك في جملة واحدة: العمل ما قبل الضوء وما بعده». مبيناً أن الحَرَّة البركانية تعبر عن مرحلة ما بعد الضوء، عندما يحدث الانفجار؛ ويتشكل اللابة المنصهر بحيث يصبح مضيئاً حال رؤيته، وبعد الانتهاء من هذا كله لا يبقى إلا الحجارة البركانية، وهي حجارة صماء سوداء، لا يشع منها أي ضوء، وهو ما يُشبهه بحال بعض النجوم التي يصلنا نورها اليوم، وربما يكون النجم غير موجود في هذا المكان منذ سنوات طويلة.
أما عن مرحلة ما قبل الضوء، فيقول: «أقصد بها الأرض التي نمشي عليها الآن وهي مضيئة، وكل الصهارة هي عبارة عن مخرجات باطن الأرض التي هي أصلاً مضيئة من الداخل». ولتقريب المشهد لدى المتلقي، استخدم العوفي في هذا العمل حجارة بركانية من منطقة المدينة المنورة، دمجها مع أخرى مُصنعة، لخلق انطباع الحجارة البركانية، إلا أنه يبدو لافتاً ما ذكره العوفي في أنه لم يشاهد طيلة حياته الحمم البركانية (اللافا) وهي تتدفق على أرض الواقع، لكنه استطاع تجسيد هذا المشهد المهيب فنياً.
قسوة البراكين
يستكشف العوفي في هذا العمل أيضاً علاقتنا بالضوء من خلال إعادة إنشاء الحمم البازلتية وحجر السيج، حيث يصور قسوة البراكين ودور الضوء كمصدر للأمل. ويمتاز هذا العمل التركيبي بوجود بركان أسود في طور الثوران مع تشققات ينبعث منها ضوء برتقالي ساطع مثل الشمس. كما أن العمل يدعو الجمهور للتجول والتفاعل مع العمل ولمس «الحمم البركانية» والتدبر في الاحتمالات التي يوفرها لنا الضوء في «ثِنان»، باعتبار أن الضوء هو وسيلة للتحديق من خلال الفجوات في الأرض التي خلفتها الانفجارات القديمة. هذا العمل الفني ذو الحجم الكبير استوقف زوار المعرض، من السعوديين والقادمين من شتى دول العالم للمشاركة في احتفالية «نور الرياض 2022» المستمرة إلى تاريخ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وكان الفضول يحرك الكثير منهم لمعرفة المزيد عن البراكين في السعودية وكيف تبدو اليوم، في حالة قلما تتكرر، حين يصبح الفن مصدراً للمعرفة والإلهام.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
TT

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية» ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لـ«اليونيسكو» على أنه تراث مشترك بين 16 دول عربية.

ويأتي الملف التراثي نتيجة تعاون مشترك بين وزارتي الثقافة والخارجية المصريتين وسائر الدول العربية التي تعد الحناء من العناصر الثقافية الشعبية المرتبطة بمظاهر الفرح فيها، كما تمثل تقليداً رئيساً لمظاهر احتفالية في هذه المجتمعات وهي: السودان، مصر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، البحرين، المغرب، موريتانيا، سلطنة عمان، اليمن، وقطر.

وتعقد اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي اجتماعاً يستمر منذ الاثنين الماضي وحتى الخميس 5 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، في أسونسيون عاصمة باراغواي، للبت في إدراج 66 عنصراً جديداً رُشحَت على أنها تقاليد مجتمعية، وفق «اليونيسكو».

وذكّرت المنظمة بأن الحنّة (أو الحناء): «نبتة يتم تجفيف أوراقها وطحنها ثم تحويلها إلى عجينة تُستخدم في دق الوشوم وتحديداً تلك التي تتلقاها المدعوات في حفلات الزفاف، وتُستعمل أيضاً لصبغ الشعر أو جلب الحظ للأطفال».

الحنة تراث ينتقل بين الأجيال (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

وعللت «اليونيسكو» إدراج الحنّة في قائمة التراث الثقافي غير المادي بأنها «ترمز إلى دورة حياة الفرد، منذ ولادته وحتى وفاته، وهي حاضرة خلال المراحل الرئيسة من حياته، وترافق طقوس استخدام الحنّة أشكال تعبير شفهية مثل الأغنيات والحكايات».

من جهته أعرب الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، عن اعتزازه بهذا الإنجاز، مشيراً إلى أن تسجيل الحناء يُعد العنصر التاسع الذي تضيفه مصر إلى قوائم التراث الثقافي غير المادي منذ توقيعها على اتفاقية 2003، بحسب بيان للوزارة.

وأكدت الدكتورة نهلة إمام رئيسة الوفد المصري أن الحناء ليست مجرد عنصر جمالي، بل تمثل طقساً اجتماعياً عريقاً في المجتمعات العربية؛ حيث تُستخدم في الحياة اليومية والمناسبات المختلفة، كما أشارت إلى «ارتباط استخدام الحناء بتقاليد شفهية، مثل الأهازيج والأمثال الشعبية، وممارسات اجتماعية تشمل زراعتها واستخدامها في الحرف اليدوية والعلاجية».

وسلط الملف الذي قُدم لـ«اليونيسكو» بهدف توثيقها الضوء على أهمية الحناء بأنها عنصر ثقافي يعكس الروح التقليدية في المجتمعات المشاركة، وكونها رمزاً للفرح والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاحتفالية وفق الدكتور مصطفى جاد، خبير التراث الثقافي اللامادي بـ«اليونيسكو»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تمثل الحناء واحدة من أهم عناصر تراثنا الشعبي، فهي مرتبطة بمعظم مفردات التراث الشعبي المصري والعربي الأخرى؛ وهي وثيقة الارتباط بالنواحي الجمالية والتزيينية، وأغاني الحناء، فضلاً عن الأمثال والمعتقدات الشعبية، والاستخدامات والممارسات الخاصة بالمعتقدات الشعبية، وتستخدم الحناء في الكثير من طقوسنا اليومية، المتعلقة بالمناسبات السعيدة مثل الزواج والأعياد بشكل عام».

الحنة تراث عربي مشترك (بكسيلز)

وأكد جاد أن التعاون العربي تجاه توثيق العناصر التراثية يعزز من إدراج هذه العناصر على قوائم «اليونيسكو» للتراث اللامادي؛ مشيراً إلى أنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وقال: «تثمن (اليونيسكو) عناصر التراث الشعبي المشتركة بين الدول، وقد سبق تسجيل عناصر النخلة، والخط العربي، والنقش على المعادن المشتركة بين مصر وعدة دول عربية؛ مما يؤكد الهوية العربية المشتركة».

وأضاف: «نحن في انتظار إعلان إدراج عنصر آخر مشترك بين مصر والسعودية على القوائم التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بـ(اليونيسكو) اليوم أو غداً، وهو آلة السمسمية الشعبية المعروفة».

وكانت بداية الحناء في مصر القديمة ومنها انتشرت في مختلف الثقافات، خصوصاً في الهند ودول الشرق الأوسط، حتى صارت ليلة الحناء بمثابة حفل «توديع العزوبية» في هذه الثقافات، وفق عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأدلة الأثرية والتحاليل العلمية وثقت دور الحنة باعتبارها مادة أساسية ذات أهمية كبيرة في الحياة اليومية للمصريين القدماء»، وتابع: «بخلاف استخدامها في الأغراض التجميلية مثل صبغ الشعر، فقد تمت الاستعانة بها في الطقوس الجنائزية؛ إذ يعتقد استخدامها في التحنيط، كما كانت جزءاً من الممارسات الروحية لتحضير المومياوات للحياة الآخرة، فضلاً عن صبغ الأقمشة والجلود».

ارتبطت الحناء بالمناسبات والأعياد (بكسيلز)

الفنان العُماني سالم سلطان عامر الحجري واحد من المصورين العرب الذين وثقوا بعدستهم استخدام الحنة في الحياة اليومية، وسجّل حرص الجدات على توريثها للأجيال الجديدة من الفتيات الصغيرات، يقول الحجري لـ«الشرق الأوسط»: «الحنة في سلطنة عمان هي رمز للفرحة، ومن أهم استخداماتها تزيين النساء والأطفال بها في عيد الفطر، حيث عرفت النساء العربيات منذ القدم دق ورق الحناء وغربلته ونخله بقطعة من القماش وتجهيزه، مع إضافة اللومي اليابس (الليمون الجاف)، لمنحها خضاب اللون الأحمر القاتم، وذلك قبل العيد بعدة أيام، ثم يقمن بعجن الحناء المضاف له اللومي الجاف بالماء، ويتركنه لفترة من الوقت، وقبل النوم يستخدمن الحناء لتخضيب اليدين والرجلين للنساء والفتيات».