انفتح المشهد الليبي مجدداً «تلويحاً وتصريحاً» على إعادة تهيئة المسرح (للاقتتال المحتمل) بين جبهتي شرق وغرب البلاد، بقصد «استعادة الدولة من المجهول»، في وقت رأى متابعون «ضرورة كسر الجمود السياسي، واستعجال التفاوض بين الأطراف المتنازعة قبل جرّ البلاد إلى حرب جديدة».
وانعكس التوتر بالعلاقات بين طرفي النزاع في مدى إظهار كل طرف قدرته على حسم المعركة، سواء باستعراض ما يمتلكه «الجيش الوطني» بقياد المشير خليفة حفتر، من مقاتلات حربية، أو توقيع عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، اتفاقيات عسكرية مع حلفائه الأتراك لرفع كفاءة الطيران العسكري؛ بغية التحضّر لـ«المستقبل».
وانقسم الليبيون حول مغزى تكرار حفتر لغة الحرب، وهل هو تلويح فقط واستعجال للحل السياسي المتعثر، أم رغبة في ضم أنحاء البلاد تحت سيطرته، لكن الرجل القوى في شرق ليبيا قال كاشفاً، خلال زيارة لمنطقة الجفرة (وسط البلاد): «سنخوض معركة فاصلة من أجل تحرير البلاد، إذا فشلت المساعي السلمية في ذلك».
ولم تكن تلك المرة الأولى التي هدّد فيها حفتر بخوض المعارك، بل دعا من قبل إلى «انتفاضة ضد الطبقة السياسية»، ووعد بأن القيادة العامة «لن تتردد في تقديم أقصى ما بوسعها لمساندة القوى الوطنية في كل الأوقات، والعمل معاً لإنقاذ الوطن ورفع المعاناة عن المواطن».
ولم يَسلم كل من الطرفين المتنازعين في البلاد من اتهامات بتعلقهما بالسلطة، ففيما ذهب المحلل السياسي الليبي عبد العظيم البشتي إلى أن حفتر «يحلم بحكم ليبيا، ويسعى لضم العاصمة طرابلس إلى سيطرته»، مدللاً على ذلك بحربه عليها عام 2019، قال معارضون للدبيبة إن «(ليبيا الغربية) باتت في قبضة أسرته»، وفق قولهم.
وبرَّر مناوئو الدبيبة حديثهم بتحصّنه بأنقرة، ودخوله معهم في مباحثات جديدة أثمرت اتفاقيتين عسكريتين وقّعهما مع وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتنص الاتفاقية الأولى على رفع كفاءة قدرات الطيران الحربي في غرب ليبيا، بالاستعانة بالخبرات التركية في هذا المجال، كما تضمنت الاتفاقية الثانية بروتوكولات تنفيذية للاتفاقية الأمنية الموقَّعة من قِبل المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق الوطني» السابقة عام 2019.
وعقد الطرفان مباحثات بمقر وزارة الدفاع في إسطنبول، ضمّ من الجانب الليبي رئيس الوزراء وزير الدفاع، ورئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، ومن الجانب التركي وزير الدفاع التركي، ورئيس الأركان العامة التركي، إلى جانب عدد من الضباط والمسؤولين من الجانبين.
وفيما رأى البعض ما أقدم عليه الدبيبة تصعيداً لافتاً وخرقاً لـ«اتفاق وقف إطلاق النار»، نشر «الجيش الوطني» للمرة الأولى صوراً لمقاتلات حربية رابضة في قاعدة الجفرة الجوية، في أعقاب زيارة حفتر للمنطقة، وتوعّده بـ«خوض المعركة الفاصلة».
وكانت «شعبة الإعلام الحربي» التابعة للجيش، قد نشرت صورة المقاتلات، وقالت إن هذا «جانب من التجهيزات العسكرية لمقاتلات سلاح الجو، أثناء وصول القائد العام المشير خليفة حفتر إلى الجفرة».
وأظهرت الصور صدام؛ نجل المشير حفتر، بجوار آمر «اللواء 128 معزز» حسن الزادمة، وقائد سلاح الجو التابع للجيش اللواء محمد المنفور، واللواء عمر مراجع المقرحي، وقائد «اللواء 106 مجحفل» خالد خليفة حفتر؛ النجل الثاني للمشير.
وأمام تصاعد المخاوف من بروز لغة الحرب، نادت أصوات تطالب الساسة في البلاد بضرورة الجلوس سريعاً على طاولة التفاوض، والتوافق على قواسم مشتركة «تمنع الانزلاق إلى فوضى الاحتكام للسلاح»، وهو ما رأى فيه البشتي «أمراً مُلحاً يستوجب تقديم التنازلات المتبادلة الضرورية، مهما كانت عدم الرغبة في ذلك».
ومضى البشتي قائلاً، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «كي نصل إلى تفاهمات، لن يكون ذلك إلا عبر الحلول الوسطى، وهذا يحتاج إلى تنازلات متبادلة»، متابعاً: «لكل منا وجهة نظر مقتنع بها، ويتمنى تجسيدها كاملة دون تنازلات، لكن هكذا السياسة، لا أحد يحصل على كل شيء».
وانضمت 14 طائرة روسية من طراز «ميغ 29» إلى أسطول «الجيش الوطني» في 26 مايو (أيار) 2020، وفق ما سبق أن أعلنته القوات العسكرية الأميركية في أفريقيا «أفريكوم»، وبعد 5 أشهر على انضمامها أعلن الجيش مشاركة هذا الطراز في مناورة «رعد 2021»، التي برّرتها حينها القيادة العامة بأنها تستهدف رفع الكفاءة القتالية والمحافظة الدائمة على الجاهزية.
في موازاة ذلك، وفي منتصف الأسبوع الماضي، قال جمال شلوف، رئيس مؤسسة «سلفيوم» الليبي للدراسات والأبحاث، إن وزارة الدفاع التركية نشرت «تغريدة» على حسابها الرسمي عبر «تويتر» تفيد بأن الفرقاطة التركية «TCG Göksu» قامت بتدريبات بطائراتها الهيلكوبتر قبالة ساحل مصراتة (غربي ليبيا)، لافتاً إلى أن هذه الفرقاطة هي في أصلها القطعة البحرية الأميركية
USS Estocin Oliver Hazard Perry)FFG-15) والتي جرى تسليمها للبحرية التركية، في الثالث من أبريل (نيسان) 2003 كجزء من برنامج المساعدة الأمنية الأميركية، لكنها غيّرت اسمها بعد ذلك.
ولفت شلوف، في تصريح صحافي، إلى أنه «بحسب المتعارف عليه في برنامج المساعدات الأمنية الأميركية، فإن القطع والمعدات العسكرية التي يتم تقديمها لبلد آخر فإنها تستخدم فقط للأغراض الدفاعية، ولا يجوز لهذا البلد استخدامها في أي عمل مهدد أو عدائي في بلد آخر».
تلويح عسكري في ليبيا يستعجل «الحل السياسي»
«الجيش الوطني» يستعرض مقاتلاته... والدبيبة يتحصّن باتفاق تركي
تلويح عسكري في ليبيا يستعجل «الحل السياسي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة