يستوقفهم المُعجبون بعد أن نالوا شهرة مجتمعية، وتتهافت عليهم الكاميرات والوسائل الإعلامية، بعد أن أضحوا بين عشية وضحاها مشاهيرَ، رغم أنهم كانوا قبل أيام قليلة مغمورين ومهمشين لا تعرفهم دوائر الضوء.
مشاهير صنعهم «الترند»، هي حالة عرفتها مصر أخيراً، بعد أن تعددت وقائع الظهور والانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان آخرها واقعة عامل النظافة «محمد عادل» الذي أصبح مادة إعلامية ومصدر صدارة لـ«ترند» منصات التواصل الاجتماعي عقب واقعة طرده من مطعم «كشري» ورفض إدارة المطعم جلوسه داخل صالة المطعم بملابس العمل، وهو ما أكسبه تعاطفاً كبيراً تحول به إلى «ترند».
https://www.youtube.com/watch?v=MUW6l6RC0YY
ثم كانت إثارته للجدل بعد ظهوره في عزاء المحامي الشهير الراحل فريد الديب بصحبة ما تردد أنه «حارس شخصي»، ثم كان ظهوره مجدداً بجدلٍ جديد بتصريحاته عن اعتذاره عن حضور مؤتمر المناخ COP27 المزمعة إقامته في شرم الشيخ بعد ساعات.
https://twitter.com/sniper00_76/status/1587312574156120065
سبق «محمد» في قائمة المغمورين الذين ذاع صيتهم خلال الأشهر الأخيرة، الشاب هيثم أحمد، صاحب «الترند» الشهير «أنتش وأجري»، الذي تصدر به مواقع التواصل الاجتماعي، ثم كان انتشار أنباء عن تعاقده على عدد من الأعمال الفنية خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى تعاقده مع إحدى شركات المحمول لطرح أغنيته «كول تون»، ورغم نفي الأمر بعدها فإنه أثار جدلاً واسعاً، وسط اتهامه بـ«تشويه الذوق العام».
تضم القائمة أيضاً «التيك توكر» إبراهيم مالك، الذي بدأ محتواه بمقاطع يبحث خلالها عن عروس، أصبح بها «ترند» عبر تطبيق «تيك توك»، أعقبها بمقاطع أخرى كانت سبباً في إلقاء القبض عليه وخضوعه للتحقيق حالياً بتهمة نشر محتوى مسيء وخادش للحياء العام.
«البحث عن عروس» كان أيضاً محور جدل أثارته الزوجة المصرية «ثويبة»، التي نشرت صورتها برفقة زوجها عبر «فيسبوك»، وأعلنت بحثها عن زوجة ثانية لزوجها، وهو ما تسبب في انقسام كبير بين رواد السوشيال ميديا ما بين التأييد والرفض لموقفها.
أما الفتاة يارا جمال، المعروفة بـ«دلوعة بابي»، فقد تصدرت «الترند» قبل عدة أسابيع، وحققت ملايين المشاهدات -وكذلك الانتقادات- بعد فيديوهات نشرتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، اعتادت الظهور وهي تطلب المال من والدها الذي يلبي لها جميع رغباتها.
كذلك أثارت خبيرة التجميل المصرية إيمي كمال، الشهيرة بـ«إيمي تاتو»، جدلاً واسعاً، قبل أسابيع، عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أصبحت مذيعة بقناة «الشمس» الفضائية، حيث انتقد كثيرون «تحدثها بطريقة غير لائقة»، الأمر الذي دعا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر بوقف برنامجها بعد أن تلقى المجلس شكاوى كثيرة حول خرق البرنامج للأكواد الإعلامية، ومخالفة شروط الترخيص الصادر للقناة.
الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، يعلق على هذه الوقائع وأصحابها قائلاً: «هناك مجموعة من العوامل التي تدفع مشاهير الترند إلى الأمام، من بينها أن وسائل الإعلام لا تناقش الأمور الجادة، وبالتالي تراجع ترتيب الأولويات وتوارت الأجندات الجادة، كما أن هناك عملية تحول في الأجيال، حيث نرى الأجيال الحالية تستوعبها وسائل التواصل الاجتماعي، التي تتسم بأن المجال العام فيها مفتوح، فـ(التيك توك) على سبيل المثال تمكّن في العامين الأخيرين من السيطرة على 35 في المائة من الأنفلونسر في العالم، وبالتالي سمح المجال بظهور هؤلاء بعيداً عما هو جاد، وتحقيق مشاهدات عالية من خلال وسائل التواصل، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار أن السواد الأعظم منصرف عن القراءة، ومع تراجع الثقافة والتعليم، فهي أيضاً جذور لما يحدث».
ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «تقول الدراسات الحديثة إن الجيل الحالي منصرف عن السياسة والتاريخ والاقتصاد، وبالتالي نجد أن ما يسيطر هو التَوَافِه، وهو ما يدعونا أن نطلق عليها (التفاهات الآمنة)، فلا تعرض أو عقاب لمن يمررها أو يروج لها، بل إنها أصبحت مصدراً للربح والشهرة على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً مع التقنيات الحديثة التي تساعد على انتشارها، فنجد أن فرداً عادياً لا مواهب له وليس لديه رسالة أو محتوى مفيد (يتصدر الترند) في وقت سريع، وينال نصيباً من الشهرة، وبالتالي دعا ذلك ألا يفكر أحد فيما هو جاد».
ويلفت إلى أن «ما يساعد هذه الوجوه على الانتشار هو أن وسائل الإعلام المحترفة تسعى مؤخراً وراء أخبار الترندات، وأصبح لها محتوى يتابع ذلك، وهو أمر نعيبه على هذه الوسائل الإعلامية».
وبشأن الواقعة الأخيرة التي أظهرت طرد عامل نظافة من أحد مطاعم الكشري، ثم ظهوره الإعلامي المتكرر بعد ذلك، وما أثير حول هويته، يقول أستاذ الإعلام: «حتى تتكشف حقيقة الواقعة فهي تصنف ضمن ما يسمى (Fake news) أو الأَخبار الزائفة، التي تتكون من معلومات مضللة منتشرة عبر وسائط الأخبار التقليدية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي نوعية الأخبار التي ننصح الجمهور معها بألا يسرعوا إلى الحكم، وأن يكون لديهم وعي بما ينشر، والتفريق بين الغث والسمين، والبحث عن مصدر المعلومة، وهل هي قابلة للتصديق أما لا».
أسباب أخرى تقدمها الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، حول وقائع الظهور الإعلامي السريع، حيث توضح أن الانتشار عبر «الترند» والسوشيال ميديا، يعود إلى أن نسبة الشباب في المجتمع المصري تمثل نسبة 65 في المائة، وبالتالي هم القوة العظمى فيه، كما أنهم قوة على وسائل التواصل الاجتماعي، بل هم كفة الميزان التي تروج لهؤلاء الأشخاص، الذين يحاولون استغلال هذه الوسائل الحديثة نسبياً في تحقيق الظهور والشهرة.
وتتابع: «استغلال وسائل التواصل الاجتماعي فيما يفيد هو أمر طبيعي، لكن انتشار ما ليس له معنى هو ما ننتقده، فالمشكلة أننا كمجتمع كنا قديماً نُعظم ما له معنى، لكننا أغلقنا كافة أشكال الإبداع والثقافة وأطفأنا أنوارها، مع مسح العقول، وبالتالي سمحنا لأي فرد يجيد الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي أن يحقق شهرة، خاصة مع تسليط الأضواء عليه».
وتوضح أستاذ علم الاجتماع أنه «مع ما يراه الشباب أمامهم من أفراد يحققون الثراء السريع، بل الاستعراض بما جنوه من أموال، أثرّ في شباب كثيرين، ودعا إلى تولد حالة من حب الشهرة والظهور، خصوصاً مع غياب المُثل العليا والقدوة، وهي الأمور التي تستوجب مواجهتها والتوعية بها، وأن يفكر الشباب بطرقة سليمة في كيفية الاستغلال الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي.
مغمورون في دائرة الضوء... هل أصبحت «السوشيال ميديا» صانعة للمشاهير؟
أثاروا جدلاً في مصر وتصدروا «الترند»
مغمورون في دائرة الضوء... هل أصبحت «السوشيال ميديا» صانعة للمشاهير؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة