هرمون الحب... هل يشفي القلب العليل؟

يُعيد إحياء خلايا عضلته بعد الإصابة بالنوبة القلبية

هرمون الحب... هل يشفي القلب العليل؟
TT

هرمون الحب... هل يشفي القلب العليل؟

هرمون الحب... هل يشفي القلب العليل؟

عند الإصابة بنوبة الجلطة القلبية، وحصول تلف في خلايا عضلة القلب جراء ذلك، هل يمكن أن يساعد هرمون الحب «الأوكسيتوسين» في تجديد خلايا عضلة القلب؟ وهل يمكن استخدام «هرمون الحب» في علاج القلب بعد الإصابة بنوبة الجلطة القلبية (Myocardial Infarction)؟

هرمون الحب
هذا ما طرحته دراسة حديثة لباحثين من قسم بيولوجيا الخلايا الجذعية وقسم الهندسة الطبية الحيوية بجامعة ولاية ميشيغان بالولايات المتحدة، وذلك ضمن عدد سبتمبر (أيلول) الماضي من مجلة «آفاق علم أحياء الخلية والتطور Frontiers in Cell and Developmental Biology».
وكانت الدراسة بعنوان «الأوكسيتوسين يعزز تنشيط تجديد خلايا القلب بعد إصابة القلب». ويأمل الباحثون أن يكون في هذا الاكتشاف وسيلة للبدء في استكشاف طرق جديدة في مساعدة المرضى مستقبلاً، على استعادة خلايا عضلة القلب المفقودة جراء النوبة القلبية. ومن جهة أخرى قد تعزز هذه النتائج الدور الإيجابي للمشاعر النفسية الإيجابية لدى مريض القلب، ولترابطه الأسري، ولمودة وحب شريكة الحياة، في تحسين حالته الصحية، ودعم تناوله للأدوية، واهتمامه بممارسة السلوكيات الصحية في حياته اليومية.
ويصف كثير من المصادر الطبية هرمون الأوكسيتوسين Oxytocin بهرمون الحب، وذلك لتقريب إدراك عدد من وظائفه في الجسم، ذات العلاقة بتعزيز الترابط والمزاج النفسي الإيجابي. ولذا يزداد مستواه في الجسم من خلال أنشطة تربط العقل والجسم Mind - Body Activities، التي نجدها غالباً ممتعة و- أو مُرضية. وضمن مقالات كلية طب هارفارد لصحة المرأة، تقول ستيفاني واتسون، المحررة التنفيذية، في مقالتها بعنوان «الأوكسيتوسين: هرمون الحب»، (20 يوليو - تموز 2021): «يمكن أن يساعدنا الأوكسيتوسين على الارتباط بأحبائنا، ويمكن إطلاقه من خلال اللمس والموسيقى والتمرين».
وهو هرمون يتم إنتاجه في منطقة ما تحت المهاد Hypothalamus في الدماغ، وتطلقه الغدة النخامية Pituitary Gland في مجرى الدم. وتتمثل وظيفته الرئيسية في تسهيل الولادة (والسيطرة على نزيف الرحم بعد الولادة)، وهو أحد أسباب تسميته بهرمون الحب. وفي بعض الأحيان، يُعطى الأوكسيتوسين للنساء اللواتي يتباطأ مخاضهن، لتسريع العملية. وبمجرد ولادة الطفل، يساعد الأوكسيتوسين في نقل الحليب من القنوات الموجودة في الثدي إلى الحلمة، وتعزيز الرابطة بين الأم والطفل. وتنتج أجسامنا أيضاً الأوكسيتوسين عندما نكون متحمسين لشريكنا الجنسي، وعندما نقع في الحب. ولهذا السبب أيضاً اكتسب لقب هرمون الحب. كما أظهرت الأبحاث السابقة أيضاً أن الأوكسيتوسين له تأثير إيجابي على القلب، بما في ذلك المساعدة في خفض ضغط الدم.

أمراض القلب
وتعد أمراض القلب حالياً السبب الرئيسي للوفاة في جميع أنحاء العالم. حيث تؤكد الإحصائيات العالمية الحديثة أنه يموت سنوياً ما يقرب من 18.6 (ثمانية عشر فاصلة ستة) مليون شخص على مستوى العالم بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية.
وأكثر أنواع أمراض القلب انتشاراً، وتسبباً بالوفيات والإعاقات، هو مرض شرايين القلب التاجية Coronary Artery Disease. وينشأ هذا المرض القلبي عندما تتراكم الدهون والكولسترول (اللويحات) Plaque داخل جدران شرايين القلب التاجية، وهي الأوعية الدموية التي تغذي عضلة القلب نفسها. ومع نشوء التضيقات تلك في مجاري الشرايين التاجية، لا تعبر من خلالها كمياتٌ كافية من الدم لتغذية عضلة القلب وتزويدها بالأكسجين. وبالمحصلة، لا يتلقى القلب الدم والأكسجين الذي يحتاج إليه، خصوصاً عند ارتفاع الطلب عليه حال ممارسة الجهد البدني أو الانفعال العاطفي. وهذا ما يتسبب بمعاناة المرء، إما بنوبات ألم الذبحة الصدرية Angina Pectoris، وذلك عندما «يقل» تدفق الدم إلى عضلة القلب من خلال الشرايين التاجية «المتضيقة»، أو المعاناة من نوبة الجلطة القلبية، عندما «يتوقف» تماماً وصول الدم إلى عضلة القلب من خلال الشرايين التاجية «المسدودة تماماً». وهي حالات تهدد سلامة حياة المريض، وتتسبب باحتشاء عضلة القلب، أي تلف وموت خلايا عضلة القلب، وبالتالي ضعف قوته.

عضلة القلب
وتاريخياً، اعتقد العلماء أن خلايا عضلة القلب Cardiomyocytes، لا يمكن أن تتجدد، ولا تنمو خلايا جديدة تعوض تلك التالفة منها، ما يعني أن أي خلايا عضلية قلبية فقدها الشخص في أثناء نوبة الجلطة القلبية لن يتمكن من استعادتها لاحقاً بمرور الوقت. ومع ذلك، تُظهر الأبحاث الأحدث أن خلايا عضلة القلب قد تكون قادرة على التجدد، ما يفتح أملاً واسعاً للمرضى، ويتطلب من الباحثين الطبيين بذل الجهود في معرفة العوامل والمركبات الكيميائية التي لها القدرة على تنشيط عملية تجديد خلايا العضلة القلبية.
وبنى الباحثون دراستهم، وآمالهم المستقبلية على المقدمات الثلاث التالية:
> أظهر العمل الحاسم في العقدين الأخيرين أن خلايا عضلة القلب المفقودة، يمكن تجديدها جزئياً بواسطة عملية معقدة تقوم بها طبقة خلايا غشاء القلب (نخاب القلب) Epicardium، وهي الطبقة الظاهرية الخارجية للقلب، وذلك في عملية تلخص دورها الحيوي، وغير المدروس جيداً حتى اليوم، في نمو القلب.
> عند الإصابة بالنوبة القلبية، وحصول تلف في خلايا عضلة القلب، تنشط خلايا غشاء القلب الناضجة، وتدخل في سلسة معقدة من عمليات التحول EMT، لتشكيل خلايا بدائية من أصل سلالات خلايا تكوين القلب EpiPCs، أي خلايا أسلاف متعددة القدرات Multipotent Progenitors، قادرة على إنتاج خلايا عضلة القلب وخلايا الأوعية الدموية للقلب.
> في الحالات الطبيعية، فإن هذه العملية وحدها غير كافية للتجديد الكبير المطلوب لتغطية ما تم فقده من خلايا عضلة القلب نتيجة النوبة القلبية. ولكن من الممكن تضخيم تلك العملية، وتضخيم نتائجها، عن طريق إعطاء عوامل إعادة برمجة محددة، لتعزيز نشاط هذه الخلايا البدائية، كي تُنتج خلايا عضلية قلبية جديدة بكميات كافية.

تجديد الخلايا
وفي الدراسة الحديثة، قدم فريق باحثي جامعة ولاية ميشيغان دليلاً على أن هرمون الأوكسيتوسين، قد يساعد في تحفيز تجديد خلايا عضلة القلب Cardiomyocytes Regeneration. ويعتقد الباحثون أن هذه النتيجة قد تساعد يوماً ما في استعادة خلايا عضلة القلب المفقودة لدى الأشخاص الذين أُصيبوا بالنوبة القلبية.
وأفاد الدكتور آيتور أغيري، الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الطبية الحيوية في جامعة ولاية ميشيغان والباحث الرئيسي في الدراسة، بالقول: «تجديد الخلايا عملية يتطلب الكثير من الطاقة ويفرض قيوداً شديدة على وظائف القلب، لذلك اعتقدنا أنه يجب أن يكون هناك نوع من التحكم المركزي، بدلاً من أن تكون عملية موضعية مستقلة تماماً تحصل في أنسجة القلب». وأضاف: «كان تخميننا المستنير، استناداً إلى ما هو معروف عن التحكم المركزي في العمليات الحرجة الأخرى في الجسم، هو أن الدماغ يتحكم في ذلك عبر مسارات الغدد الصم العصبية Neuroendocrine Pathways. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، انتقينا نحو 20 هرموناً مهماً من هرمونات الغدد الصم العصبية، وفحصنا قدرتها على تنشيط الخلايا الجذعية لطبقة خلايا القلب، التي تشارك في تجديد القلب. ووجدنا أن الأوكسيتوسين كان أعلاها في الأهمية».
واستخدم الدكتور أغيري وفريقه الأنسجة البشرية في المختبر لدراسة كيفية مساعدة الأوكسيتوسين في تحفيز الخلايا الجذعية Stem Cells التي تم إنشاؤها من خلايا غشاء القلب، لتتطور إلى خلايا عضلية القلب. وأوضح الدكتور أغيري، أن «الأوكسيتوسين يعيد برمجة مجموعة من الخلايا البالغة في الطبقات الخارجية لغشاء لقلب، ويحولها إلى خلايا جذعية. ثم تنتقل هذه الخلايا الجذعية إلى الطبقات العميقة من عضلة القلب. وهناك تُصلح الأجزاء التي أصابها التلف، عن طريق إطلاق عوامل الشفاء Healing Factors وبتحولها إلى خلايا عضلة قلب وأوعية دموية».

المشاعر الإيجابية والراحة النفسية مهمة بعد الإصابة بالنوبة القلبية
> قدمت رابطة القلب الأميركية في عدد يناير (كانون الثاني) 2021 من مجلة الدورة الدموية «Circulation»، مراجعتها العلمية بعنوان «الصحة النفسية والرفاهية والاتصال بين العقل والقلب والجسم: بيان علمي من رابطة القلب الأميركية».
واستهلت عرض بيانها الطبي بالقول: «بصفتنا أطباء يقدمون الرعاية الصحية، فنحن جيدون جداً في علاج المرض، ولكن في كثير من الأحيان لا نجيد علاج الشخص. كان تركيز انتباهنا على الحالة الجسدية تحديداً، بدلاً من المريض ككل. وتم إيلاء اهتمام أقل للصحة النفسية وكيف يمكن أن يسهم ذلك في الصحة الجسدية والمرض. ومع ذلك، هناك الآن تقدير متزايد لكيفية مساهمة الصحة النفسية، بطريقة إيجابية لتحسين صحة القلب والأوعية الدموية بعد الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وكذلك لتقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وهذا البيان العلمي لرابطة القلب الأميركية حول العلاقة بين الصحة النفسية وصحة القلب والأوعية الدموية والأمراض».
وأفادت بعرض نتائج المراجعات العلمية حول هذا الأمر بقولها النقاط التالية:
- هناك بيانات جيدة تُظهر ارتباطات واضحة بين الصحة النفسية والأمراض القلبية الوعائية والمخاطر.
- هناك أدلة متزايدة على أن الصحة النفسية قد تكون مرتبطة سببياً بالعمليات والسلوكيات البيولوجية التي تسهم في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وتسببها.
- تشير كثرة البيانات إلى أن التدخلات العلاجية لتحسين الصحة النفسية، يمكن أن يكون لها تأثير مفيد على صحة القلب والأوعية الدموية.
- يمكن لمقدمي الرعاية الصحية استخدام إجراءات الفحص البسيطة للمرضى المصابين أو المعرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لتقييم الحالة الصحية النفسية لديهم.
- يوصى بمراعاة الصحة النفسية في تقييم وإدارة المرضى المصابين أو المعرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وبعد عرضها الأدلة العلمية ونتائج الدراسات التي أفادت بأنواع التأثيرات السلبية على صحة القلب لحالات الصحة النفسية السلبية، مثل: التوتر المزمن والضغوط الاجتماعية والغضب والعدوانية والقلق والاكتئاب والتشاؤم، عرضت في المقابل تأثيرات مقومات الصحة النفسية الإيجابية على صحة القلب.
وعلى سبيل المثال، في جانب «التفاؤل»، قالت: «يتميز التفاؤل بوجود شعور بالأمل والثقة بأن الأمور ستسير بشكل جيد في المستقبل وتوقع أفضل النتائج الممكنة. لقد وجدت دراسات متعددة أن التفاؤل مرتبط بالسلوكيات الصحية مثل زيادة ممارسة النشاط البدني، وعدم التدخين، واتباع نظام غذائي صحي، وجودة نوم أفضل، ودرجة أعلى في صحة القلب والأوعية الدموية. ويترافق مع شيخوخة صحية وخطر أقل للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك السكتة الدماغية وفشل القلب، وخطر أقل للوفاة لجميع الأسباب. وفي الأفراد الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية المؤكدة، تم ربط التفاؤل بنتائج أفضل للقلب والأوعية الدموية وبانخفاض خطر إعادة الدخول إلى المستشفى».
كما أفادت قائلة: «الراحة مهمة بعد الإصابة بنوبة قلبية، ولكن من المهم أيضاً أن تشارك في المناسبات الاجتماعية والترفيهية، وأن تبدأ في جعل النشاط البدني جزءاً من حياتك اليومية. وسيخبرك طبيبك بما هو أفضل لحالتك الخاصة». وأضافت: «من أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها لنفسك الدخول في برنامج إعادة تأهيل القلب، لمساعدتك على تحسين صحتك ورفاهيتك وتغيير عادات نمط حياتك من خلال التدريب على التمارين والتعليم والاستشارة لتقليل التوتر».
وحول العودة للعمل، تقول الرابطة: «يعود معظم مرضى النوبات القلبية إلى العمل في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أشهر حسب شدة النوبة القلبية. وسيحدد طبيبك متى يمكنك العودة، وما إذا كانت وظيفتك الحالية مناسبة لشخص أُصيب بنوبة قلبية».
وتضيف: «يمكن لمعظم الناس الاستمرار في نفس نمط النشاط الجنسي في غضون أسابيع قليلة بعد تعافيهم من نوبة قلبية. تحدَّثْ إلى طبيبك لتحديد ما هو آمن لك».



هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».