«الجوع» يطل برأسه على العالم من جديد

بعد الانسحاب الروسي من اتفاق تصدير الحبوب

سفينة تابعة للأمم المتحدة تنقل مساعدات غذائية من أوكرانيا إلى منطقة القرن الأفريقي (رويترز)
سفينة تابعة للأمم المتحدة تنقل مساعدات غذائية من أوكرانيا إلى منطقة القرن الأفريقي (رويترز)
TT

«الجوع» يطل برأسه على العالم من جديد

سفينة تابعة للأمم المتحدة تنقل مساعدات غذائية من أوكرانيا إلى منطقة القرن الأفريقي (رويترز)
سفينة تابعة للأمم المتحدة تنقل مساعدات غذائية من أوكرانيا إلى منطقة القرن الأفريقي (رويترز)

لم تكد تنتهي المخاطر التي تحيط بأزمة الغذاء العالمية نتيجة تراجع معظم العملات حول العالم، ومستويات التضخم القياسية، حتى ظهرت أزمة انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب من موانئ البحر الأسود، مع أوكرانيا، مما يلقي بظلاله على ملايين البشر حول العالم الذين قد يعانون أزمة جوع شديدة قد تمتد رقعتها الجغرافية في فترة قصيرة.
وبموجب الاتفاق، صدرت أوكرانيا منذ أغسطس (آب) الماضي نحو 9 ملايين طن من المواد الغذائية، بما في ذلك القمح والذرة.
وقرار روسيا، يعرض طريق التصدير الرئيسي للحبوب والأسمدة التي تشتد الحاجة إليهما لمعالجة أزمة الغذاء العالمية الناجمة عن حربها ضد أوكرانيا، للخطر. وأغلقت العقود الآجلة للقمح، يوم الجمعة الماضي، عند أدنى مستوياتها في خمسة أسابيع وسط مخاوف بشأن الطلب، لكنها قد تقفز مرة أخرى بعد الخطوة الروسية.
علقت روسيا الاتفاق بعد هجمات بطائرات من دون طيار على سفنها البحرية في شبه جزيرة القرم التي ضمتها.
وانسحاب روسيا يعني تفاقم أزمة الغذاء حول العالم، إذ تستحوذ موسكو وكييف، على ثلث أسواق الحبوب العالمية، في الوقت الذي تعاني فيه دول العالم من أزمة غذائية مستمرة منذ أزمة «كورونا»، التي أثرت على توافر المنتجات والسلع مع تأخر وصولها عبر سلسلة إمدادات ما زالت غير طبيعية، بالإضافة إلى قوة الدولار التي تزيد أسعار السلع والخدمات لحائزي العملات الأخرى، فضلا عن التغيرات المناخية التي أدت في بعض الدول إلى غرق أو احتراق محاصيل بالكامل.
وقبل الانسحاب الروسي، توقع البنك الدولي، تراجع أسعار الحاصلات الزراعية بنسبة 5 في المائة العام القادم. وقد تراجعت أسعار القمح في الربع الثالث من العام الجاري نحو 20 في المائة لكنها لا تزال أعلى بنسبة 24 في المائة عما كانت عليه قبل عام. ويُعزى التراجع المتوقع لأسعار الحاصلات الزراعية في 2023 وفق توقعات البنك الدولي، إلى تحسن محصول القمح العالمي على نحو أفضل من المتوقع، واستقرار إمدادات المعروض في سوق الأرز، واستئناف صادرات الحبوب من أوكرانيا.
ووسط إدانات دولية لقرار موسكو، الانسحاب من الاتفاق، الموقع بوساطة الأمم المتحدة، للسماح بتصدير الحبوب الأوكرانية من ثلاثة موانئ على البحر الأسود، اتهم مسؤولون من كييف، موسكو بأنها عادت للتلويح مجددا بهاجس المجاعة على نطاق واسع في أفريقيا وآسيا، عبر تعطيل حركة ما لا يقل عن 176 سفينة حتى الآن. غير أن نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي كونستانتين كوساتشيف، قال إن موسكو «مستعدة لاستبدال الحبوب الأوكرانية بالكامل في السوق العالمية».
وندد الرئيس الأميركي جو بايدن بالقرار الروسي، وقال: «سيزيد ذلك المجاعة... لا يوجد سبب لقيامهم بذلك». كما ندد الاتحاد الأوروبي أيضا.
وسرعان ما أوضح مسؤول تركي، أن محادثات جارية مع روسيا، أمس الأحد، وستتواصل اليوم الاثنين، حول وضع اتفاقية تصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود. وذكرت بلومبرغ، أن المسؤول، الذي لم يُخول له التحدث علنا، قال إن هناك أسبابا تدعو للتفاؤل رغم الخطوة التي اتخذتها روسيا، بالانسحاب من اتفاق العبور الآمن «إلى أجل غير مسمى».
كان البنك الدولي قد حذر الأسبوع الماضي، من أن «انكماش قيمة العملات في معظم الاقتصادات النامية يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود على نحوٍ قد يفاقم أزمات الغذاء والطاقة التي يشهدها بالفعل كثيرٌ من هذه البلدان».
ووفق نشرة «آفاق أسواق السلع الأولية»، الصادرة عن البنك الدولي، فإن «أسعار معظم السلع الأولية المحسوبة بقيمة الدولار قد تراجعت عن مستويات ذروتها بفعل المخاوف من ركود عالمي وشيك. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 حتى نهاية الشهر الماضي، انخفض سعر نفط برنت الخام المُقوم بالدولار الأميركي نحو 6 في المائة. ولكن بسبب انخفاض قيمة العملات، شهد قرابة 60 في المائة من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية المستوردة للنفط ارتفاع أسعار النفط بالعملة المحلية في خلال هذه الفترة. وشهد نحو 90 في المائة من هذه الاقتصادات أيضا زيادة أكبر في أسعار القمح بالعملات المحلية بالمقارنة بزيادة الأسعار بالدولار».
يؤدي ارتفاع أسعار سلع الطاقة التي تعد من مستلزمات الإنتاج الزراعي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وخلال الفصول الثلاثة الأولى من العام الجاري، بلغ معدل تضخم أسعار المواد الغذائية في منطقة جنوب آسيا في المتوسط أكثر من 20 في المائة.
أما معدل تضخم أسعار الأغذية في المناطق الأخرى ومنها أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأفريقيا جنوب الصحراء، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى فقد تراوح في المتوسط بين 12 في المائة و15 في المائة.
وكانت منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي المنطقة الوحيدة التي انخفض فيها معدل تضخم أسعار المواد الغذائية فيما يُعزَى جزئياً إلى الأسعار المستقرة بوجه عام للأرز، وهو الغذاء الرئيسي في هذه المنطقة.


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

الاقتصاد «الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

للمرة العاشرة منذ مارس (آذار) العام الماضي، اتجه البنك الاتحادي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة أساس، يوم الأربعاء، في محاولة جديدة لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، التي يصارع الاتحادي الفيدرالي لخفضها إلى 2 في المائة دون نجاح ملحوظ. وأعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع سعر الفائدة الرئيسي 25 نقطة أساس إلى نطاق 5.00 و5.25 في المائة، لتستمر بذلك زيادات أسعار الفائدة منذ مارس 2022 وهي الأكثر تشدداً منذ 40 عاماً، في وقت يثير المحللون الاقتصاديون تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيادة ستكون آخر مرة يقوم فيها الاتحادي الفيدرالي برفع الفائدة، أم أن هناك مزيداً من الخطوات خلال الفت

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

لا تتوقف تداعيات الحرب التجارية الدائرة منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين عند حدود الدولتين، وإنما تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، وكذلك على جهود حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي. وفي هذا السياق يقول الكاتب الأميركي مارك غونغلوف في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن فرض رسوم جمركية باهظة على واردات معدات الطاقة الشمسية - في الوقت الذي يسعى فيه العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ومكافحة تضخم أسعار المستهلك وتجنب الركود الاقتصادي - أشبه بمن يخوض سباق العدو في دورة الألعاب الأوليمبية، ويربط في قدميه ثقلا يزن 20 رطلا. وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن هذه الرسوم غير مثمرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الدولار يتراجع  في «ساعات الترقب»

الدولار يتراجع في «ساعات الترقب»

هبط الدولار يوم الأربعاء بعد بيانات أظهرت تراجع الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، فيما ترقبت الأنظار على مدار اليوم قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي صدر في وقت لاحق أمس بشأن أسعار الفائدة. وأظهرت بيانات مساء الثلاثاء انخفاض الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي خلال مارس (آذار)، وسجلت معدلات الاستغناء عن الموظفين أعلى مستوياتها في أكثر من عامين، ما يعني تباطؤ سوق العمل، وهو ما قد يساعد الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي  أقل من 70 دولاراً للبرميل

النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي أقل من 70 دولاراً للبرميل

واصلت أسعار النفط تراجعها خلال تعاملات أمس الأربعاء، بعد هبوطها بنحو 5 في المائة في الجلسة السابقة إلى أدنى مستوى في خمسة أسابيع، فيما يترقب المستثمرون المزيد من قرارات رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد 2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

أظهر تحليل أجرته منظمات دولية تشمل الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة المختلفة أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يشهدون أوضاعا تتسم بانعدام الأمن الغذائي ارتفع في مختلف أنحاء العالم في 2022. وتوصل التقرير الذي صدر يوم الأربعاء، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن أكثر من ربع مليار شخص عانوا من جوع شديد أو من مجاعات كارثية العام الماضي.

أحمد الغمراوي (القاهرة)

بعد ساعات على تعيين بايرو... «موديز» تخفّض تصنيف فرنسا بشكل مفاجئ

رئيس الوزراء الفرنسي المعين فرنسيس بايرو وسلفه المنتهية ولايته ميشال بارنييه خلال حفل التسليم (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الفرنسي المعين فرنسيس بايرو وسلفه المنتهية ولايته ميشال بارنييه خلال حفل التسليم (د.ب.أ)
TT

بعد ساعات على تعيين بايرو... «موديز» تخفّض تصنيف فرنسا بشكل مفاجئ

رئيس الوزراء الفرنسي المعين فرنسيس بايرو وسلفه المنتهية ولايته ميشال بارنييه خلال حفل التسليم (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الفرنسي المعين فرنسيس بايرو وسلفه المنتهية ولايته ميشال بارنييه خلال حفل التسليم (د.ب.أ)

خفّضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف فرنسا بشكل غير متوقع يوم الجمعة، ما أضاف ضغوطاً على رئيس الوزراء الجديد للبلاد، لحشد المشرّعين المنقسمين لدعم جهوده للسيطرة على المالية العامة المتوترة.

وخفض التصنيف، الذي جاء خارج جدول المراجعة المنتظم لـ«موديز» لفرنسا، يجعل تصنيفها «إيه إيه 3» من «إيه إيه 2» مع نظرة مستقبلية «مستقرة» للتحركات المستقبلية، أي 3 مستويات أقل من الحد الأقصى للتصنيف، ما يضعها على قدم المساواة مع تصنيفات وكالات منافسة «ستاندرد آند بورز» و«فيتش».

ويأتي ذلك بعد ساعات من تعيين الرئيس إيمانويل ماكرون للسياسي الوسطي المخضرم، وحليفه المبكر فرنسوا بايرو كرئيس وزراء رابع له هذا العام.

وكان سلفه ميشال بارنييه فشل في تمرير موازنة 2025، وأطاح به في وقت سابق من هذا الشهر نواب يساريون ويمينيون متطرفون يعارضون مساعيه لتقليص الإنفاق بقيمة 60 مليار يورو، التي كان يأمل في أن تكبح جماح العجز المالي المتصاعد في فرنسا.

وأجبرت الأزمة السياسية الحكومة المنتهية ولايتها على اقتراح تشريع طارئ هذا الأسبوع، لترحيل حدود الإنفاق وعتبات الضرائب لعام 2024 مؤقتاً إلى العام المقبل، حتى يمكن تمرير موازنة أكثر ديمومة لعام 2025.

وقالت «موديز» في بيان: «إن قرار خفض تصنيف فرنسا إلى (إيه إيه 3) يعكس وجهة نظرنا بأن المالية العامة في فرنسا سوف تضعف بشكل كبير بسبب التشرذم السياسي في البلاد، الذي من شأنه في المستقبل المنظور أن يقيد نطاق وحجم التدابير التي من شأنها تضييق العجز الكبير».

وأَضافت: «بالنظر إلى المستقبل، هناك الآن احتمال ضئيل للغاية بأن تعمل الحكومة المقبلة على تقليص حجم العجز المالي بشكل مستدام بعد العام المقبل. ونتيجة لذلك، نتوقع أن تكون المالية العامة في فرنسا أضعف بشكل ملموس على مدى السنوات الثلاث المقبلة مقارنة بسيناريو خط الأساس الخاص بنا في أكتوبر (تشرين الأول) 2024».

وفتحت وكالة التصنيف الائتماني الباب لخفض تصنيف فرنسا في أكتوبر، عندما غيرت توقعاتها للبلاد من «مستقرة» إلى «سلبية».

وكان بارنييه ينوي خفض عجز الموازنة العام المقبل إلى 5 في المائة من الناتج الاقتصادي من 6.1 في المائة هذا العام، مع حزمة بقيمة 60 مليار يورو من تخفيضات الإنفاق وزيادات الضرائب. لكن المشرّعين اليساريين واليمينيين المتطرفين عارضوا كثيراً من حملة التقشف وصوتوا على إجراء حجب الثقة ضد حكومة بارنييه، مما أدى إلى سقوطها.

وقال بايرو، الذي حذر منذ فترة طويلة من ضعف المالية العامة في فرنسا، يوم الجمعة بعد وقت قصير من توليه منصبه، إنه يواجه تحدياً «شاقاً» في كبح العجز.

وقال وزير المالية المنتهية ولايته أنطوان أرماند، إنه أخذ علماً بقرار «موديز»، مضيفاً أن هناك إرادة لخفض العجز كما يشير ترشيح بايرو. وقال في منشور على أحد مواقع التواصل الاجتماعي: «إن ترشيح فرنسوا بايرو رئيساً للوزراء والإرادة المؤكدة لخفض العجز من شأنه أن يوفر استجابة صريحة».

ويضيف انهيار الحكومة وإلغاء موازنة عام 2025، إلى أشهر من الاضطرابات السياسية التي أضرت بالفعل بثقة الشركات، مع تدهور التوقعات الاقتصادية للبلاد بشكل مطرد.

ووضعت الأزمة السياسية الأسهم والديون الفرنسية تحت الضغط، ما دفع علاوة المخاطر على سندات الحكومة الفرنسية في مرحلة ما إلى أعلى مستوياتها على مدى 12 عاماً.