«ما هو شعوركم عند تعرض شيء جميل وثمين للتخريب أمامكم؟ هل تشعرون بالغضب؟ جيد. أين يذهب هذا الغضب عندما ترون الكوكب يدمر أمام أعينكم؟» جملة قالها ناشط بيئي بعد أن ألصق رأسه بزجاج لوحة «الفتاة ذات القرط اللؤلؤي» للفنان الهولندي يوهانس فيرمير بمتحف موريتسهاوس في لاهاي بينما قام رفيقه بسكب الحساء على رأسه وملابسه ثم ألصق يده بالحائط أسفل اللوحة. لم تخفف كلمات الناشط من غضب الحاضرين في المتحف الذين رشقوه بكلمات مثل «عار عليك» و«مشين»، ولكن ما أراده الناشط حدث وطارت صورته على متن «تويتر» ووسائل التواصل الاجتماعي لكل مكان حاملة كلماته، أما إن كانت رسالته ستلقى آذاناً صاغية فذلك أمر آخر.
الكاتبة البريطانية تريسي شيفالييه مؤلفة رواية «الفتاة ذات القرط اللؤلؤي» والتي تحولت لفيلم سينمائي شهير علقت بدورها على مهاجمة اللوحة الأثيرة لديها قائلة، إنها تتعاطف مع الإحباط الذي يشعر به نشطاء المناخ إلا أنها كانت تأمل أن يختاروا «أهدافاً مرتبطة بشكل واضح بقضيتهم العادلة غير لوحتي المفضلة... بالنسبة لي رؤية هذه اللوحة تتعرض للتخريب كان بمثابة رؤية ابنة تتعرض للهجوم، أشعر بارتياح شديد لأنها محمية بالزجاج».
لم تكن الفتاة ذات القرط اللؤلؤي الأولى في محاولات الناشطين للفت الانتباه، سبقتها محاولات كثيرة عبر العقود أشهرها قيام مدافعة عن حقوق المرأة ماري ريتشاردسون بشق لوحة «فينوس» للرسام فيلاسكويز باستخدام سكين عام 1914، أصلحت اللوحة وبقيت تعرض للجمهور وغابت الناشطة.
وفي الفترة الأخيرة زادت الاعتداءات على اللوحات الفنية الشهيرة؛ ففي شهر مايو (أيار) الماضي حاول رجل ارتدى ملابس امرأة مقعدة إلقاء كعكة على لوحة الموناليزا في اللوفر بباريس هاتفاً «فكروا بالكوكب... هناك أناس يدمرون الكوكب»، وهذا الشهر ألقت فتاتان بالحساء على لوحة «زهور دوار الشمس» لفان جوخ في «الناشيونال غاليري» بلندن وفي محاولة أخرى ألقي الحساء على لوحة «الرحى» للفنان مونيه في متحف ألماني هذا الشهر. سبقت هذا كله محاولات نشطاء لإلصاق أيديهم بالحائط أسفل لوحات شهيرة أخرى مثل ما قام به ناشطان مناخيان، حيث ألصقا يديهما بالغراء على زجاج لوحة بابلو بيكاسو «مجزرة في كوريا» المعروضة في متحف في مدينة ملبورن الأسترالية. وكان بالقرب منهما رجل يرتدي قميصاً عليه رمز الحركة الناشطة من أجل المناخ، وهو ساعة رملية محاطة بدائرة وتحت قدميهما، وُضعت لافتة سوداء تحمل شعار «فوضى المناخ = حرب مجاعة».
في وجه موجة من الغضب من الجمهور في كل مرة تتهدد فيها لوحة فنية شهيرة، بدأت الجماعات البيئية في نشر مقاطع فيديو لنشطائها يتحدثون عن الأسباب اتي دعتهم لمهاجمة الأعمال الفنية. قالت، أنا هولاند (20 عاماً) وهي واحدة من جماعة «جاست ستوب أويل» (أوقفوا النفط) في لقاء على الإنترنت أن ما قامت به مع ناشطة أخرى من إلقاء حساء الطماطم على لوحة «دوار الشمس» «كان لحظة تطهير وعلاج روحي»، مضيفة «أنا لست مجرمة، أنا شابة خائفة تحاول القتال من أجل المستقبل». وقالت أخرى «أين الغضب عندما يكون الأمر متعلقاً بكوكبنا والحياة التي تتعرض للتدمير؟ أين الصدمة عندما نخسر زهور دوار الشمس الحقيقية؟».
أيلين غيتي سليلة عائلة غيتي الشهيرة التي يحمل اسمها متحف ضخم في لوس أنجليس كتبت في صحيفة «الغارديان» أمس تحت عنوان «أنا أمول النشاط المناخي وأؤيد الاحتجاج أمام لوحة فان غوخ». تذكر غيتي في المقال، أن عائلتها كونت ثروة طائلة من وراء النفط وأنها قررت دعم حركات الاحتجاج المطالبة بالالتفات لأزمة المناخ بالمال، تذكر أن الهجوم على لوحة فإن جوخ صدمها «إلقاء الحساء على لوحة محبوبة هو أمر يدل على اليأس»، غير أنها ترى أن ما فعله النشطاء أثار الحديث حول قضية المناخ «لقد توقع النشطاء الشباب بحق أن استهداف لوحة شهيرة، مألوفة وشخصية للكثير منا، سيضرب وترا حساسا. لقد ذكروا بوضوح أنهم لم يقصدوا أبداً إلحاق ضرر حقيقي بالفن، مع العلم أنه كان مغطى بزجاج واقٍ. كان الهدف من هذا الإجراء لفت الانتباه إلى الحالة الأليمة للكوكب والمطالبة بإنهاء جميع عمليات التنقيب عن النفط والغاز الجديدة. لقد لفت انتباهنا وبدأ محادثة حول ما يهم حقاً».
ويبقى السؤال، هل سيستجيب الجمهور لرسالة الناشطين إذا رأوا أن أعمالاً فنية يحبونها تتعرض للخطر؟ لم يستجب الجمهور بالشكل الذي أراده الناشطون، ومثال على ذلك ردة فعل الجمهور في متحف موريتسهاوس أول من أمس الذي رفض الإنصات لكلمات الناشط هاتفين «اصمت». ويأتي تعليق المذيع البريطاني أندرو مار على الحادثة ليختصر مشاعر الكثيرين حول العالم إزاء الهجمات، حيث قال، إن أزمة المناخ حقيقية ويجب التعامل معها بجدية، ولكنه أضاف «أزمة المناخ تجعلنا نفكر بجمال كوكبنا وأهمية الحفاظ عليه، ولكن الجمال أيضاً يكمن في الفن والأعمال الفنية الخالدة، لن تكسبوا الجمهور بهذه الطريقة».
من جانب آخر، علق كثيرون بأن هذه الهجمات ستدفع المتاحف إلى زيادة الإجراءات الأمنية وزيادة الحواجز أمام اللوحات الفنية، مثال لوحة الموناليزا الموضوعة خلف حاجز زجاجي؛ وهو ما سيؤثر على الزوار وعلى قدرتهم من الاقتراب من الأعمال الفنية للاستمتاع بتفاصيلها.