المصريون يتابعون «كسوف الجنيه»... ويترقبون إشراقة «قرض الصندوق»

الدولار يشتعل عقب اعتماد سياسة «الصرف المرن»

مصريون يمرون أمام أحد محال الصيرفة وسط القاهرة أمس (إ.ب.أ)
مصريون يمرون أمام أحد محال الصيرفة وسط القاهرة أمس (إ.ب.أ)
TT

المصريون يتابعون «كسوف الجنيه»... ويترقبون إشراقة «قرض الصندوق»

مصريون يمرون أمام أحد محال الصيرفة وسط القاهرة أمس (إ.ب.أ)
مصريون يمرون أمام أحد محال الصيرفة وسط القاهرة أمس (إ.ب.أ)

بعد يومين من هيمنة كسوف الشمس وما صحبها من نزوة مناخية على أحاديث المصريين، سيطر «سعر الدولار مقابل الجنيه» على جميع الحوارات والأطياف، وكانت صور لأحدث الأسعار الأكثر مشاركة على منصات التواصل الاجتماعي، بعدما بلغت العملة الخضراء مستويات غير مسبوقة على الإطلاق مقابل نظيرتها المصرية.
واستيقظ المصريون أمس على خبرين متواليين، أولهما يتعلق بقرارات من البنك المركزي شملت رفع سعر الفائدة، والأهم كان اعتماد سياسة «الصرف المرن» التي أطلقت يد الأسواق لتحديد سعر الدولار وفقاً للعرض والطلب. والخبر الثاني كان موافقة صندوق النقد الدولي على قرض لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يفتح باباً واسعاً لحصول مصر على تمويلات أخرى بقيمة نحو 6 مليارات دولار.
وفي الساعات الأولى للصباح، قال البنك المركزي المصري في بيان إنه قرر زيادة أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس خلال اجتماع استثنائي للجنة السياسات النقدية، واعتمد سياسة «الصرف المرن» للعملات الأجنبية.
ومع إعلان الخبر، انخفض الجنيه المصري إلى مستويات غير مسبوقة، ولم يتوقف المصريون عن متابعة الهبوط. وأفادت بيانات رفينيتيف بأن الجنيه المصري تراجع أكثر من 16 في المائة لأدنى مستوى على الإطلاق مقابل الدولار، وبحلول الساعة 1345 بتوقيت غرينتش، تخطى الدولار حاجز 23 جنيهاً.
وعقب الخبر الأول بسويعات، قال صندوق النقد الدولي إنه اتفق مع مصر على تسهيل تمويل ممدد مدته 46 شهراً بقيمة ثلاثة مليارات دولار، مرحباً بتحرك السلطات نحو «مرونة دائمة لأسعار الصرف» والالتزام بتعزيز الحماية الاجتماعية. وأوضح أنه سيتم ربط السياسة المالية للحكومة المصرية بموجب التسهيل المدد بتخفيض الدين الحكومي العام واحتياجات التمويل الإجمالية، كما أشار في بيانه إلى أنه من المتوقع أن يحفز الترتيب حزمة تمويل كبيرة لأجل عدة سنوات، بما في ذلك حوالي خمسة مليارات دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو (حزيران) 2023، مما يعكس الدعم الدولي والإقليمي الواسع لمصر.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن بلاده ستحصل على 3 مليارات دولار من الصندوق، ومليار دولار من صندوق الاستدامة، ونحو 5 مليارات من دول شريكة ومؤسسات دولية أخرى... وأشار وزير المالية محمد معيط بدوره في تصريح منفصل إلى تمويل يبلغ 9 مليارات دولار.
وقالت رئيسة بعثة صندوق النقد في مصر، إيفانا هولار، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي في مصر، إن «الصندوق عمل مع السلطات المصرية من أجل أن تكون هناك تعديلات هيكلية من أجل الوصول إلى التزام أقوى فيما يتعلق بالتعديلات الخاصة بالاقتصاد الكلي، وذلك بالطبع في ضوء الضغوط والتحديات الدولية».
وأكد حسن عبد الله محافظ البنك المركزي أن «الطرفين اتفقا على حزمة متكاملة من السياسات والتدابير والإصلاحات الاقتصادية والهيكلية المتسقة مع برنامج الإصلاح الوطني».
وفي تحليل للموقف في الشارع المصري بشكل عام عقب هذه الأحداث، فإن خلاصة آراء المراقبين ذهبت إلى أن «رد الفعل الأولي وتفاعل السوق المبكر طبيعي للغاية، الدولار شحيح بالأسواق، وقرار اعتماد سعر الصرف المرن مع وجود طلب كبير للغاية يدفع لزيادة فورية عنيفة لسعر العملات الأجنبية، خاصة أن أغلب المؤسسات الدولية كانت تشير خلال الفترة الماضية إلى أن السعر الحقيقي المتوقع للدولار مع نهاية العام حول 22.4 جنيه... لكن الحكم الحقيقي سيكون مع بداية تعاملات الأسبوع المقبل يوم الأحد، خاصة مع اطمئنان المتعاملين إذا توفر الدولار بعد الإعلان عن قرض صندوق النقد».
ويرى كثير من الخبراء أن الدولار قد يكسر حاجز 25 جنيهاً، لكنه سيهدأ خلال الأسابيع المقبلة، مشيرين إلى ظاهرة مشابهة - وإن اختلفت الأرقام - حدثت إبان «التعويم الأول» لسعر الدولار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، حين تجاوز الدولار 18 جنيهاً، قبل أن يستقر بعدها لسنوات عند 15.7 جنيه.
وبسؤال عمر، وهو مدير لواحد من أفرع أحد أكبر البنوك المصرية، الذي طلب عدم تعريف اسمه كاملاً لحساسية موقفه، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الدولار فتح التعاملات على 19.70، وبعد إعلان قرار المركزي لم يتوقف عن الصعود... الآن (1450 بتوقيت القاهرة) تخطى 23 جنيهاً، ولا أرى سقفاً لهذا الصعود». ورفض عمر الإجابة بشكل وافٍ حول توافر الدولار لديه، لكنه اكتفى بالقول: «موجود، لكن الطلب أعلى بأضعاف العرض... لذلك السعر يرتفع».
أما محمد عصمت، وهو أحد المستوردين لقطع غيار السيارات، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا يهم السعر، المهم توافر الدولار... البضاعة في الميناء منذ أشهر، ولو وصل 25 جنيهاً سأشتريه، المهم يكون موجوداً».
وعلى صعيد موازٍ، قال البنك المركزي إنه سيبدأ أيضاً الإلغاء التدريجي لتوجيهات تبناها في مارس (آذار) بشأن استخدام خطابات الاعتماد لتمويل الواردات، مع استهداف إلغائها بالكامل بحلول ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وتسببت التوجيهات في اختناقات بالنسبة للمستوردين، إذ أفادت بيانات من جهاز الإحصاء في البلاد بانخفاض بنسبة 57 في المائة في واردات السلع الاستهلاكية المعمرة بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) الماضيين. وأوضح المركزي أن «ذلك يعد بمثابة حافز لدعم النشاط الاقتصادي على المدى المتوسط. كما سيعمل البنك على بناء وتطوير سوق المشتقات المالية بهدف تعميق سوق الصرف الأجنبي ورفع مستويات السيولة بالعملة الأجنبية».
وفي توقع للمركزي، قال: «من المتوقع أن تؤدي الزيادة في الأسعار العالمية والمحلية إلى ارتفاع معدل التضخم العام عن نظيره المستهدف من قبل البنك المركزي والبالغ 7 في المائة (± 2 في المائة) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022. وتؤكد اللجنة على أن الهدف من رفع أسعار العائد هو احتواء الضغوط التضخمية الناجمة عن جانب الطلب وارتفاع معدل نمو السيولة المحلية والتوقعات التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض».
وعلى سبيل المؤثرات الإيجابية، شهدت البورصة المصرية قفزة بنحو أربعة في المائة في منتصف تعاملات الخميس، بالتزامن مع إعلان البلاد التوصل لاتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد. وكان المؤشر الرئيسي قد تخطى حاجز 11 ألف نقطة خلال تعاملات أمس، إذ بلغ في الساعة 0916 بتوقيت غرينتش 11048 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ الثامن من مايو (أيار)، وذلك قبل أن يعاود التراجع عن هذا المستوى.


مقالات ذات صلة

مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

الاقتصاد منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)

مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

وقّعت مصر وشركة «إيميا باور» الإماراتية اتفاقين باستثمارات 600 مليون دولار، لتنفيذ مشروع محطة رياح، بقدرة 500 ميغاواط في خليج السويس.

الاقتصاد اجتماع وزير البترول  والثروة المعدنية المصري كريم بدوي بمسؤولي شركة «إكسون موبيل» (وزارة البترول والثروة المعدنية)

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

ستبدأ شركة «إكسون موبيل» المتخصصة في أعمال التنقيب عن البترول وصناعة البتروكيماويات يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأنشطة الحفر البحري للتنقيب عن الغاز.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)

الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

دخلت الطبقة الوسطى في مصر مرحلة إعادة ترتيب الأولويات، بعدما لم يعد تقليص الرفاهيات كافياً لاستيعاب الزيادات المستمرة في الأسعار، فتبدلت معيشتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال استقباله الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر في العاصمة الإدارية الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

مصر وقطر ستتعاونان في مشروع عقاري «مهم للغاية» بالساحل الشمالي

قال مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، إن مصر وقطر ستتعاونان خلال المرحلة المقبلة في مشروع استثماري عقاري «مهم للغاية» في منطقة الساحل الشمالي المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
TT

صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)

كشف الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش أن الولايات المتحدة تخطط لفرض عقوبات على المورد الرئيسي للغاز لصربيا الذي تسيطر عليه روسيا.

وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش لهيئة الإذاعة والتلفزيون الصربية إن صربيا أُبلغت رسمياً بأن قرار العقوبات سيدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير (كانون الثاني)، لكنه لم يتلقَّ حتى الآن أي وثائق ذات صلة من الولايات المتحدة، وفق «رويترز».

تعتمد صربيا بشكل شبه كامل على الغاز الروسي الذي تتلقاه عبر خطوط الأنابيب في الدول المجاورة، ثم يتم توزيع الغاز من قبل شركة صناعة البترول الصربية (NIS)، المملوكة بحصة أغلبية لشركة احتكار النفط الحكومية الروسية «غازبروم نفت».

وقال فوسيتش إنه بعد تلقي الوثائق الرسمية، «سنتحدث إلى الأميركيين أولاً، ثم نذهب للتحدث إلى الروس» لمحاولة عكس القرار. وأضاف: «في الوقت نفسه، سنحاول الحفاظ على علاقاتنا الودية مع الروس، وعدم إفساد العلاقات مع أولئك الذين يفرضون العقوبات».

ورغم سعي صربيا رسمياً إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، فقد رفضت الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، ويرجع ذلك جزئياً إلى شحنات الغاز الروسية الحاسمة.

وقال فوسيتش إنه على الرغم من التهديد بالحظر، «لست مستعداً في هذه اللحظة لمناقشة العقوبات المحتملة ضد موسكو».

وعندما سئل عما إذا كان التهديد بفرض عقوبات أميركية على صربيا قد يتغير مع وصول إدارة دونالد ترمب في يناير، قال فوسيتش: «يجب علينا أولاً الحصول على الوثائق (الرسمية)، ثم التحدث إلى الإدارة الحالية، لأننا في عجلة من أمرنا».

ويواجه الرئيس الصربي أحد أكبر التهديدات لأكثر من عقد من حكمه الاستبدادي. وقد انتشرت الاحتجاجات بين طلاب الجامعات وغيرهم في أعقاب انهيار مظلة خرسانية في محطة للسكك الحديدية في شمال البلاد الشهر الماضي، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني). ويعتقد كثيرون في صربيا أن الفساد المستشري والمحسوبية بين المسؤولين الحكوميين أديا إلى العمل غير الدقيق في إعادة بناء المبنى، الذي كان جزءاً من مشروع سكة ​​حديدية أوسع نطاقاً مع شركات حكومية صينية.