«الحكومة الموحدة»... مطلب ليبي ينتظر إشارات الخارج

دعوة المشري أشعلت «بورصة الترشيحات»

خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا (المكتب الإعلامي للمجلس)
خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا (المكتب الإعلامي للمجلس)
TT

«الحكومة الموحدة»... مطلب ليبي ينتظر إشارات الخارج

خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا (المكتب الإعلامي للمجلس)
خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا (المكتب الإعلامي للمجلس)

تكرار دعوة رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، لإزاحة الحكومتين الحالتين المتنافستين على السلطة بالبلاد، واستبدالهما بحكومة جديدة «موحدة» تقود لإجراء الانتخابات، أشعل سريعاً بورصة الترشيحات لرئاستها، وبدأت بعض الشخصيات السياسية التي عرفت بشغفها وسعيها المستمر للترشح، سواء لرئاسة البلاد أو الحكومة، بالفعل في الترويج لنفسها، أملاً بالفوز.
وبعيداً عن حظوظ الشخصيات ببورصة الترشيحات، التي تضمنت المشري نفسه، رأى عدد من السياسيين والمتابعين للشأن الليبي أنه لا توجد بالأساس بوادر لتمتع ليبيا بحكومة «موحدة» في آجل قريب رغم طول معاناتها من الانقسام السياسي والحكومي. يقول عضو المجلس الأعلى للدولة، أبو القاسم قزيط، إن «تشكيل حكومة موحدة للبلاد لا يمكن أن يتأسس على مجرد توافق بين المشري وعقيلة صالح أو مجالسهما»، مشدداً على أن تلك المسألة «تحتاج لتوافق أوسع بكثير».
وكان عقيلة صالح والمشري، استأنفا مؤخراً، برعاية المملكة المغربية، مفاوضاتهما بشأن تغيير شاغلي المناصب السيادية، وأعلنا العمل على تشكيل حكومة موحدة في «أقرب الأوقات»، ومواصلة الحوار لعمل ما يلزم من أجل إجراء الانتخابات.
وأضاف قزيط لـ«الشرق الأوسط»: «البداية ستتركز على ملف تغيير شاغلي المناصب السيادية فقط، بالطبع تشكيل حكومة موحدة يظل هدفاً سامياً، تحتاجه البلاد للذهاب نحو الانتخابات، لأنه من غير المنطقي بالأساس أن توجد بها حكومتان، لكني أقل تفاؤلاً من المشري، ولا أتصور أن هدف إيجادها قابل للتحقق في التوقيت الراهن، أو بداية العام المقبل».
وفي مقابلة مع «العربية»، هاجم المشري كلاً من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وغريمه رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا، ووصف سيناريو وجود حكومة جديدة بكونه «وارداً ويتم الدفع به والاتفاق مع عقيلة صالح حوله، وهناك تشاور مع أطراف دولية مهمة والبعثة الأممية حوله».
وفي تحليله للمشهد، اقترب جلال حرشاوي، الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف»، من الطرح السابق بالإشارة إلى أن تطبيق اتفاق الرباط، سواء ما تعلق بالمناصب السيادية والحكومة الموحدة، يعتمد بالضرورة على «مواقف دول متدخلة بقوة في الساحة الليبية كتركيا والولايات المتحدة».
وقال حرشاوي لـ«الشرق الأوسط»: «المشري يطمح فعلياً في رئاسة الحكومة المقبلة، لذا يأمل في إزاحة الدبيبة، وتلك الإزاحة هي أيضاً هدف رئيسي لكل من عقيلة صالح وباشاغا، لكن قبل إزاحة الدبيبة تحتاج واشتطن وأنقرة إلى اتخاذ قرار بشأن كيفية استبداله، وما زالت العاصمتان لم تقررا».
ويصف الباحث طموح المشري «بالكبير جداً وغير معقول، ويدفعه للتقليل من الضرواة التي ستدافع بها تركيا عن مصالحها»، موضحاً: «هو يهدد عبر مسار بوزنيقة بشأن المناصب السيادية بالإطاحة بمحافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، والأخير حليف قوي وحيوي لتركيا في ليبيا، كما هاجم رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، المكلف حالياً بتطبيق مذكرة التفاهم التي عقدت مؤخراً بين تركيا وليبيا حول التنقيب عن النفط».
عضو مجلس النواب الليبي، جبريل أوحيدة، أكد أن الأزمة لا تتمثل في التوافق المحلي بإيجاد حكومة موحدة، وإنما في «تمكينها من ممارسة عملها وبسط سيطرتها»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: «هل سيتم إخراج المجموعات المسلحة من العاصمة طرابلس، وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من عموم البلاد؟! تلك اشتراطات واستحقاقات لا بد أن تنفذ قبل تشكيل تلك الحكومة، لنضمن أنها لن تكون كسابقاتها خاضعة لتهديد وسطوة السلاح، وأنها ستلتزم بمصلحة البلاد، لا مصالح وأهداف دول بعينها، وإلا ما الفائدة من وجودها».
وتابع أوحيدة تساؤلاته: «هل ستوافق تركيا على إخراج قواتها ومرتزقتها؟ وهل ستوافق بالأساس على استبدال حكومة الدبيبة التي عقدت معها كثيراً من التحالفات؟... المشري فقط يزايد، وهو يعلم أن الدبيبة، ومن قبله الصديق الكبير، مدعومان من دول بعينها، وليس من السهل إزاحتهما... حتى لو أزيحا، لن يقبل أحد برئاسة المشري لتلك الحكومة الجديدة».
بالمقابل، أعرب عضو مجلس النواب الليبي، إسماعيل الشريف، عن عدم استبعاده «لوجود هذه الحكومة، وإن كان الإعلان عن بدء تشكيلها لن يأخذ مساراً جدياً إلا بحلول العام الجديد، وبعد إتمام ملف المناصب السيادية، وأيضاً دون الانفصال عن مسار الإعداد الانتخابات».
وفيما يتعلق بكيفية إزاحة الحكومتين المتصارعتين حالياً، خاصة الدبيبة الذي يتمتع بدعم كبير من تشكيلات مسلحة تتمركز بالعاصمة، قال الشريف لـ«الشرق الأوسط»: «الأزمة فعلياً تنحصر بالدبيبة، ومن الضروري وجود دعم أممي ودولي لتحقق ذلك، ومن قبلهما أيضاً دعم كل القوى الوطنية».
وفي توقعاته بالنسبة للحكومة الموحدة، ذهب الشريف إلى أنها لن تبعد عن مسار أغلب الحكومات التي تولت السلطة بعد ثورة فبراير (شباط) بالاعتماد في تشكيلها على «المحاصصة السياسية»، موضحاً: «ستتضمن تسويات سياسية نظراً لوجود أزمة ثقة بين الفرقاء، ورغبة الجميع في المشاركة بصناعة القرار، لكن عدد مقاعدها سيكون محدوداً مقارنة بالحكومتين الحالتين، وسيتم التدقيق في أن يكون الاختيار يتضمن معايير النزاهة والكفاءة».
عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أحمد الشركسي، حذّر بدوره من أن تحقيق أهداف لقاء الرباط الثلاثة، أي المناصب السيادية والحكومة والانتخابات، قد يعترضه كثير من العراقيل، إذا «ما ترك للمجلسين بمفردهما إنجازه، خاصة في ظل فشل مفاوضاتهما السابقة كلها، ورغبتهما بالتمديد للبقاء في السلطة للتمتع بامتيازاتها».
وأوضح الشركسي لـ«الشرق الأوسط»؛ أن أحداً «لا يتوقع شيئاً من تلك الأجسام المتهالكة، لا بد من وجود إشراف دولي يلزمهم بالسير بشكل متوازٍ في الأهداف الثلاثة جملة واحدة، لتفادي أن يتم الاكتفاء بتقاسم المناصب أو تشكيل الحكومة وإهمال الانتخابات».
واستدرك: «في ظل وجود حلفاء لكل طرف، فمن المرجح ألا يستكملوا ما بدأوه بملف المناصب السيادية، تدخل البعثة ضروري، ويجب أن يكون جدياً يحقق تناغم المواقف الإقليمية والدولية حول نتائج اتفاق الرباط... وحينها لن تغامر التشكيلات المسلحة بمخالفة مواقف داعميها الغربيين والإقليميين».
ويرى الشركسي أن التدشين الحقيقي لبورصة الترشيحات لرئاسة الحكومة الجديدة جاء بعد تأكيدات السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، أن الدبيبة وباشاغا «لا يمكنهما إدارة البلاد، وهو ما مثّل للحالمين بهذا المنصب ضوءاً أخضر بقرب ولادتها».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

هل وصلت العلاقات الجزائرية - الفرنسية لنقطة «اللاعودة»؟

الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
TT

هل وصلت العلاقات الجزائرية - الفرنسية لنقطة «اللاعودة»؟

الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

تشهد العلاقات المضطربة على مرّ التاريخ بين فرنسا والجزائر خضّات جديدة، إثر توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق في فرنسا، بسبب رسائل كراهية نشروها، ومواجهة دبلوماسية جديدة حول توقيف كاتب جزائري - فرنسي في العاصمة الجزائرية، وهو ما يجعل البعض يرى أن العلاقة بين البلدين وصلت فعلاً إلى «نقطة اللاعودة».

سلطات فرنسا شنت حملة توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق بسبب رسائل كراهية نشروها (أ.ب)

وأوقفت السلطات في باريس مؤخراً ثلاثة مؤثرين جزائريين للاشتباه في تحريضهم على الإرهاب، ووضع منشورات تحث على ارتكاب أعمال عنف في فرنسا ضد معارضين للنظام الجزائري. أحدهم أوقف الجمعة في ضواحي غرونوبل، بعد نشره مقطع فيديو، تم حذفه في وقت لاحق، يحث المتابعين على «الحرق والقتل والاغتصاب على الأراضي الفرنسية»، بحسب لقطة مصورة من شاشة لوزير الداخلية برونو ريتايو.

وزير الداخلية الفرنسية برونو ريتايو (أ.ب)

ونشر هذا الرجل: «أنا معك يا زازو»، مخاطباً مؤثراً جزائرياً آخر، يدعى يوسف أ، المعروف باسم «زازو يوسف»، كان قد أوقف قبل ساعات قليلة بشبهة الدعوة إلى شن هجمات في فرنسا ضد «معارضي النظام الحالي في الجزائر»، بحسب القضاء الفرنسي. ونشر الشخص الثالث، الذي تم اعتقاله على تطبيق «تيك توك»: «اقتلوه، دعوه يتعذب»، في إشارة إلى متظاهر جزائري معارض للنظام. وفتح القضاء أيضاً تحقيقات ضد اثنين آخرين من المؤثرين الفرنسيين الجزائريين، بسبب فيديوهات تنشر الكراهية. وقال المعارض الجزائري، شوقي بن زهرة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «العشرات» من مستخدمي وسائط التواصل الجزائريين، أو مزدوجي الجنسية «نشروا محتوى معادياً على الإنترنت».

محمد تاجديت ضحية تحريض بالقتل من مؤثر جزائري مقيم بفرنسا (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

كان لدى يوسف أ. أكثر من 400 ألف متابع على تطبيق «تيك توك»، وقد حذفت المنصة حسابه منذ ذلك الحين.

* اتهام الجزائر بالتحريض

اتهم بن زهرة، وهو نفسه لاجئ سياسي في فرنسا، السلطات الجزائرية بالوقوف وراء هذه «الظاهرة»، والدليل بحسبه أن المسجد الكبير في باريس، الذي تموله الجزائر، «يستقبل أيضاً مؤثرين» جزائريين. وردت مؤسسة مسجد باريس على هذه التصريحات «التشهيرية»، التي أدلى بها «مدون مغمور»، واعتبرتها جزءاً من «حملة افتراء غير محتملة»، لكنها أكدت على «دورها البناء في العلاقات بين البلدين». وحسب العديد من المعارضين الجزائريين المقيمين في فرنسا، الذين التقتهم «وكالة الصحافة الفرنسية»، فإن هذه الرسائل العنيفة بشكل خاص ازدادت حدة بعد أن غيرت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، موقفها من قضية الصحراء، التي كانت مسرحاً لنصف قرن من الصراع بين المغرب وجبهة «البوليساريو»، المدعومة من الجزائر. ففي نهاية يوليو (تموز) الماضي انحاز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جانب إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية، معتبراً أن مستقبل الصحراء يكمن «في إطار السيادة المغربية»، وساعد ذلك في التقارب مع الرباط، واندلاع أزمة جديدة مع الجزائر، التي لم تعد تقيم علاقات دبلوماسية مع جارتها منذ أغسطس (آب) 2021.

الجزائر اعتبرت موقف الرئيس ماكرون من الصحراء المغربية «خيانة» لها (أ.ف.ب)

في صيف 2022، بدأ الرئيس الفرنسي خطوة «للتقارب» مع الجزائر بشأن «قضايا الذاكرة»، ومسألة «الماضي الاستعماري»، المرتبطة بحرب الاستقلال التي خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى، لكن موقفه من الصحراء اعتبرته الجزائر «خيانة»، كما لاحظ ريكاردو فابياني، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية. سبب آخر من أسباب التوتر هو مصير الكاتب الفرنسي - الجزائري، بوعلام صنصال (75 عاماً)، الذي يقبع في السجن في الجزائر منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتهمة المساس بأمن الدولة، وهو في وحدة العناية الصحية منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

* امتعاض جزائري

بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها الكاتب صنصال لموقع «فرونتيير» الإعلامي الفرنسي، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، تبنى فيها موقفاً مغربياً يقول إن أراضي مغربية انتُزعت من المملكة، في ظل الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر. وكان الرئيس الفرنسي اعتبر الاثنين أن «الجزائر التي نحبها كثيراً، والتي نتشارك معها الكثير من الأبناء والكثير من القصص، تسيء إلى سمعتها، من خلال منع رجل مريض بشدة من الحصول على العلاج»، مطالباً بالإفراج عن الكاتب المحتجز «بطريقة تعسفية تماماً».

الروائي المسجون في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

ومباشرة بعد ذلك، عبرت وزارة الخارجية الجزائرية عن استغرابها من «التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي بشأن الجزائر، والتي تهين، في المقام الأول، من اعتقد أنه من المناسب الإدلاء بها بهذه الطريقة المتهاونة والمستهترة». ووصفتها بـ«التدخل السافر وغير المقبول في شأن جزائري داخلي». في هذا السياق، أشار مدير «مركز الدراسات العربية والمتوسطية» في جنيف، حسني عبيدي، في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن العلاقة بين البلدين وصلت إلى «نقطة اللاعودة». وأعرب عن أسفه لأن «تصريحات ماكرون القاسية وغير المألوفة» من شأنها «تعزيز دعاة القطيعة التامة بين البلدين، وتكشف عن فشل الرئيس (الفرنسي) في سياسته حيال الجزائر». أما كريمة ديراش، الباحثة في «المركز الوطني الفرنسي» للبحث العلمي في باريس، فقد اعتبرت أننا «أمام رئيس دولة فرنسي لا يعرف كيف يتصرف»، و«يترك انفعالاته تتغلب عليه ولا يحترم القواعد»، وأمام سلطة جزائرية «حساسة جداً تجاه كل ما يصدر عن الدولة الفرنسية». وشدّدت على أنه رغم هذه «المناوشات» المتكررة بانتظام، تظل العلاقة الفرنسية - الجزائرية «متينة» من الناحيتين الاقتصادية والأمنية، مضيفة بسخرية أن فرنسا والجزائر «ثنائي يتنازع بانتظام».