السعودية لإنشاء أكبر صناديق رأس المال الجريء في العالم

ضخ استثمارات وتشغيل حزمة مشاريع بمليارات الدولارات

توقيع اتفاقية إنشاء حزمة مشاريع فندقية بقيمة ملياري دولار في مكة المكرمة على هامش مؤتمر مبادرة الاستثمار أمس (واس)
توقيع اتفاقية إنشاء حزمة مشاريع فندقية بقيمة ملياري دولار في مكة المكرمة على هامش مؤتمر مبادرة الاستثمار أمس (واس)
TT

السعودية لإنشاء أكبر صناديق رأس المال الجريء في العالم

توقيع اتفاقية إنشاء حزمة مشاريع فندقية بقيمة ملياري دولار في مكة المكرمة على هامش مؤتمر مبادرة الاستثمار أمس (واس)
توقيع اتفاقية إنشاء حزمة مشاريع فندقية بقيمة ملياري دولار في مكة المكرمة على هامش مؤتمر مبادرة الاستثمار أمس (واس)

بالتزامن مع جهود السعودية نحو تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، أفصحت شركة «أرامكو» أمس (الأربعاء) عن إنشاء صندوق للاستدامة بقيمة 1.5 مليار دولار للاستثمار في التقنية لدعم تحول مستقر وشامل للطاقة، الذي يعد أحد أكبر صناديق رأس المال الجريء على مستوى العالم.
جاء ذلك خلال فعاليات النسخة السادسة من مبادرة مستقبل الاستثمار، حيث من المقرر أن يدير الصندوق الجديد شركة أرامكو فينتشرز - ذراع أرامكو لرأس المال الجريء - وذلك يعد امتدادا لجهودها في تقليل انبعاثات الغازات.
الحياد الصفري
وسيسعى الصندوق للاستثمار في التقنيات التي تدعم طموح أرامكو بالوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات في أعمالها التشغيلية خلال 2050، بالإضافة إلى تطوير أنواع وقود جديدة منخفضة الكربون.
ومبدئياً ستشتمل مجالات تركيز الصندوق على احتجاز الكربون وتخزينه، وحلول انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وكذلك المناخية القائمة على الطبيعة، والاستدامة الرقمية، والهيدروجين، والأمونيا قليلة الكربون، والوقود الصناعي، بالإضافة إلى التقدم في كفاءة الطاقة.
وتخطط الشركة من خلال «أرامكو» للتجارة التابعة والمملوكة لها بالكامل، في أول مزاد طوعي لأرصدة الكربون ينظمه صندوق الاستثمارات العامة، ويأتي ذلك عقب توقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين في وقت سابق من هذا العام للمشاركة في سوق كربون طوعية إقليمية يتم إطلاقها في عام 2023.
تحديات الطاقة
وقال ياسر الرميان، رئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية: «يُعد التغير المناخي قضية بالغة الأهمية، ولذلك فإن إطار الاستدامة متكامل مع استراتيجية الشركة وقراراتها الاستثمارية».
وأضاف، أن الشركة تسخر الابتكار والتعاون في سعيها لإيجاد حلول طويلة الأجل لتحديات الطاقة العالمية، ومن خلال تعزيز الاستثمارات واسعة النطاق وبناء شراكات محلية وإقليمية ودولية رئيسية، تهدف «أرامكو» إلى تمكين تحول مستقر وشامل للطاقة يلبي احتياجات العالم من الطاقة مع انبعاثات أقل.
من جانبه، أوضح المهندس أمين الناصر، رئيس أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين، أن إطلاق صندوق الاستدامة الخاص بالشركة والمشاركة في سوق الكربون الطوعية يمثل إضافات متميزة في التوجه نحو الحياد الصفري.
واستطرد «نحن نتعامل مع تحديات المناخ كأولوية كبرى، ونركز جهودنا على تحديد حلول عملية وملموسة يمكن أن يكون لها تأثير مفيد، ومن خلال الصندوق نخطط للاستثمار في تقنيات جديدة ومبتكرة لديها القدرة على تقليل الانبعاثات الناتجة عن غازات الاحتباس الحراري، وفي الوقت نفسه من خلال المساعدة في إنشاء سوق طوعية للكربون في المملكة، نأمل في تشجيع الاستثمار في تلك التقنيات لجعلها مُجدية اقتصاديا».
الأمونيا الزرقاء
بجانب ذلك، تطمح أرامكو السعودية إلى تحقيق الحياد الصفري في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في النطاقين (1 و2) عبر أصولها التي تملكها وتديرها بالكامل بحلول 2050.
وفي يونيو (حزيران) السابق، أعلنت الشركة أيضاً مجموعة من الأهداف المرحلية بحلول 2035، والتي تسعى من خلالها إلى خفض أو تخفيف انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في النطاقين (1 و2) في مرافق أعمالها التي تملكها وتديرها بالكامل بأكثر من 50 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً، عند مقارنتها بتوقعات أعمال الشركة الاعتيادية.
وتعمل الشركة على تطوير أعمالها لإنتاج الأمونيا الزرقاء والهيدروجين، بهدف إنتاج ما يصل إلى 11 مليون طن متري من الأمونيا الزرقاء سنوياً بحلول 2030، مع إمكانية المساعدة على خفض الانبعاثات بشكلٍ كبير في القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها.
وتستكشف الشركة أيضاً فرصاً لتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري على طول سلسلة القيمة الكاملة لمنتجاتها، وتهدف إلى تنفيذ مجموعة من المبادرات لدعم إطار الاقتصاد الدائري للكربون لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وإعادة استخدامها، وإعادة تدويرها، وإزالتها.
فرص استثمارية
من جانب آخر، أعلنت مجموعة «إس تي سي» السعودية خلال مبادرة مستقبل الاستثمار أمس، أنها خصصت مبلغ 300 مليون دولار إضافي، بالإضافة إلى 500 مليون دولار لـ«إس تي في»، أكبر شركة استثمار تكنولوجي مستقلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتوقعت «إس تي في» في تقرير نشر مؤخراً أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستعد لإنشاء 45 شركة يونيكورن بحلول 2030، مما يوفر فرصة بقيمة 100 مليار دولار ليتم توفيرها من خلال الاكتتابات العامة الأولية المحلية.
وتعتزم «إس تي في» الاستحواذ على جزء كبير من عملية إنشاء اليونيكورن المتسارعة على خلفية استثماراتها في شركات رائدة عبر القطاعات التي تنمو بسرعة.
التحول الرقمي
وذكر المهندس عليان الوتيد، الرئيس التنفيذي لـ«إس تي سي»، أن هذا الاستثمار الإضافي رؤية المجموعة المستقبلية ومساهمتها في مساعي التحول الرقمي في المملكة وخارجها، ويعكس التوجه في ضخ المشاريع المبتكرة في الاقتصاد الرقمي، فضلاً عن التطلعات لتطوير التقنيات في البلاد ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وزاد المهندس عليان «لقد حققت استثماراتنا في إس تي في، منذ الإطلاق عوائد استثمارية كبيرة كانت هي المحفز الأبرز لمضاعفة مشاركتنا اليوم، إضافة إلى أننا نسعى من خلال استراتيجيتنا الشاملة إلى تقديم الدعم والتحفيز للشركات الرقمية الرائدة بهدف النمو وتوسيع نطاق استثمارات المجموعة في القطاعات التقنية الحديثة».
من ناحيته، أفاد عبد الرحمن طرابزوني، الرئيس التنفيذي لـ«إس تي في»، بأن المنطقة وصلت إلى نقطة تحول تصاعدية وظهرت كواحدة من أكثر المناطق جاذبية على مستوى العالم لاستثمارات المشاريع.
رأس المال
ومنذ إطلاقها في 2018 استثمرت «إس تي في» في مجموعة من شركات التكنولوجيا في عدد من القطاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع التركيز بشكل أساسي على الفرص المتاحة مع وجود فجوة بين العرض والطلب الرقمي في الصناعات الكبيرة تقليدياً، مثل الخدمات اللوجيستية والتجارة الإلكترونية والتقنيات المالية، وذلك من أجل مضاعفة هذه الفرص ودعم شركاتها الناشئة الحالية.
وقامت بتوسيع فريقها إلى أكثر من 20 شخصية احترافية متنوعة الخلفيات، بما في ذلك التكنولوجيا والاستثمارات والعمليات.
وسيسهم هذا الدعم الإضافي لـ«إس تي سي» في ترسيخ مكانته بصفته المستثمر الأكثر نشاطاً في المنطقة، حيث قاد الصندوق ما يقرب من 60 في المائة من فرص رأس المال الاستثماري في السعودية، ووفرت محفظته ما يقرب من 3 ملايين وظيفة غير مباشرة، بالإضافة إلى أنه أصبح من الفاعلين في القطاع نظير التوسع الذي حققه في جميع أنحاء المنطقة وعلى الصعيد الدولي.
ومع زيادة التوسع في رأس المال الاستثماري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة، أصبحت الرياض أسرع الأسواق نمواً في المنطقة مع نمو رأس المال الاستثماري بنسبة 244 في المائة على أساس سنوي لتبلغ 584 مليون دولار في النصف الأول من 2022، إضافة إلى أن برامج «رؤية 2030» أسهمت في تعزيز الرقمنة والابتكار ووفرت بيئة اقتصادية قوية، إلى جانب التدفق الكبير لرأس المال المؤسسي الدولي.
مشاريع فندقية
من ناحية أخرى، أفصحت شركة أم القرى للتنمية والإعمار المالك والمطور لـ«مسار» عن وجهة الـ100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)، والشريك الاستراتيجي لـ«مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار»، على هامش المؤتمر، عن توقيع اتفاقية إنشاء وتشغيل حزمة مشاريعها الفندقية بقيمة إجمالية تقارب ملياري دولار، بحضور المهندس صالح الرشيد، رئيس الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
وأثمرت جهود وجهة «مسار» في سعيها لإرساء معايير جديدة وعالمية ضمن قطاع الضيافة في المنطقة عن تعيين مشغلين عالميين، حيث شملت الاتفاقية علامات الضيافة العالمية «كمبينسكي» و«تاج» لأول مرة في مكة المكرمة لتولي عمليات التشغيل لبرجين فندقيين من فئة خمس نجوم، إضافة إلى البرج السكني للعلامة الأولى، إذ تحتل هذه المجموعة الفندقية موقعاً فريداً بالمنطقة المركزية، وتبعد مسافة 500 متر فقط عن الحرم المكي، وتحتوي على مُجمع تجاري بمساحة تزيد على 43 ألف متر مربع، وتوفر مجموعة من مواقف السيارات ومحطة توقف للحافلات سريعة التردد.
ووقعت وجهة «مسار»، في يوليو (تموز) الفائت، عقد شراكة استراتيجية مع مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار، وذلك في إطار حرصها على الإسهام بفاعلية في عمل المؤسسة واهتمامها بتعزيز الأثر الإيجابي على الإنسانية، ودعم مختلف المبادرات في مجالاتها الأربعة: الذكاء الصناعي والروبوتات، والتعليم، والصحة، والاستدامة.
الائتمان الكربوني
من جهة أخرى، أعلن صندوق الاستثمارات العامة أمس خلال حفل نتائج المشاركين في مزاد مبادرة السوق الطوعية لتداول الائتمان الكربوني في المؤتمر خلال دورته السادسة بالرياض نجاح تداول 1.4 مليون طن من الائتمان الكربوني في المزاد الأكبر من نوعه على مستوى العالم.
وشهد المزاد مشاركة 15 كياناً وطنياً وإقليمياً رائداً في المنطقة، وقامت «أرامكو» وشركة العليان المالية، و«معادن» بشراء أكبر عدد من وحدات الائتمان الكربوني في المزاد. وشملت قائمة المشاركين الآخرين البنك الأهلي السعودي، والخطوط السعودية، و«سابك»، والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، وإينووا التابعة لـ«نيوم»، وبنك الخليج الدولي، وشركة إسمنت ينبع، و«أكوا باور»، وشركة رياضة المحركات السعودية، ومجموعة الزامل القابضة، إضافة إلى شركة عبد اللطيف جميل، والشركة السعودية للجولف.
معايير «كورسيا»
وتتوافق شهادات الائتمان الكربوني المقدمة خلال المزاد مع معايير «كورسيا» المسجلة في برنامج «فيرا» التي تسهم في تمكين الشركات من المساهمة في الوصول إلى الحياد الصفري، بالإضافة إلى ضمان شراء أرصدة الكربون لتخفيض الانبعاثات الكربونية في سلاسل القيمة.
ولمبادرة السوق الطوعية لتداول الائتمان الكربوني دور مهم في تعزيز جهود صندوق الاستثمارات العامة في دعم مبادرات المملكة لتعزيز الاستثمار والابتكار لمواجهة تأثير التغير المناخي، وتحقيق الحياد الصفري في البلاد بحلول 2060.
ويقوم الصندوق بدور أساسي في دعم جهود الرياض في مواجهة تحديات تغير المناخ باعتباره محركاً للتنمية والتنويع الاقتصادي.
وتعتبر مبادرة السوق الطوعية لتداول الائتمان الكربوني استمراراً لمبادرات الصندوق في هذا المجال، من بينها إعلان إتمام طرح أول سندات دولية خضراء بقيمة 3 مليارات دولار، وبرنامج الطاقة المتجددة والذي يتضمن تطوير 70 في المائة من قدرة توليد الطاقة المتجددة في البلاد بحلول 2030 بما ينسجم مع أهداف «رؤية المملكة» الطموحة.


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

الاقتصاد «الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

للمرة العاشرة منذ مارس (آذار) العام الماضي، اتجه البنك الاتحادي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة أساس، يوم الأربعاء، في محاولة جديدة لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، التي يصارع الاتحادي الفيدرالي لخفضها إلى 2 في المائة دون نجاح ملحوظ. وأعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع سعر الفائدة الرئيسي 25 نقطة أساس إلى نطاق 5.00 و5.25 في المائة، لتستمر بذلك زيادات أسعار الفائدة منذ مارس 2022 وهي الأكثر تشدداً منذ 40 عاماً، في وقت يثير المحللون الاقتصاديون تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيادة ستكون آخر مرة يقوم فيها الاتحادي الفيدرالي برفع الفائدة، أم أن هناك مزيداً من الخطوات خلال الفت

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

لا تتوقف تداعيات الحرب التجارية الدائرة منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين عند حدود الدولتين، وإنما تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، وكذلك على جهود حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي. وفي هذا السياق يقول الكاتب الأميركي مارك غونغلوف في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن فرض رسوم جمركية باهظة على واردات معدات الطاقة الشمسية - في الوقت الذي يسعى فيه العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ومكافحة تضخم أسعار المستهلك وتجنب الركود الاقتصادي - أشبه بمن يخوض سباق العدو في دورة الألعاب الأوليمبية، ويربط في قدميه ثقلا يزن 20 رطلا. وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن هذه الرسوم غير مثمرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الدولار يتراجع  في «ساعات الترقب»

الدولار يتراجع في «ساعات الترقب»

هبط الدولار يوم الأربعاء بعد بيانات أظهرت تراجع الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، فيما ترقبت الأنظار على مدار اليوم قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي صدر في وقت لاحق أمس بشأن أسعار الفائدة. وأظهرت بيانات مساء الثلاثاء انخفاض الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي خلال مارس (آذار)، وسجلت معدلات الاستغناء عن الموظفين أعلى مستوياتها في أكثر من عامين، ما يعني تباطؤ سوق العمل، وهو ما قد يساعد الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي  أقل من 70 دولاراً للبرميل

النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي أقل من 70 دولاراً للبرميل

واصلت أسعار النفط تراجعها خلال تعاملات أمس الأربعاء، بعد هبوطها بنحو 5 في المائة في الجلسة السابقة إلى أدنى مستوى في خمسة أسابيع، فيما يترقب المستثمرون المزيد من قرارات رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد 2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

أظهر تحليل أجرته منظمات دولية تشمل الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة المختلفة أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يشهدون أوضاعا تتسم بانعدام الأمن الغذائي ارتفع في مختلف أنحاء العالم في 2022. وتوصل التقرير الذي صدر يوم الأربعاء، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن أكثر من ربع مليار شخص عانوا من جوع شديد أو من مجاعات كارثية العام الماضي.

أحمد الغمراوي (القاهرة)

هل يكرر ترمب سياسات الإنفاق المفرط ويزيد ديون أميركا؟

دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)
دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

هل يكرر ترمب سياسات الإنفاق المفرط ويزيد ديون أميركا؟

دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)
دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)

على مدى العقود الماضية، شهد الاقتصاد الأميركي تسارعاً ملحوظاً في وتيرة تراكم الدَّين العام ليصبح سمة «تاريخية» وجزءاً لا يتجزأ من الهوية الاقتصادية الأميركية، بدءاً من الرئيس فرنكلين روزفلت الذي أسهم بأكبر نسبة زيادة في الدين الوطني حتى الآن، مروراً بالرئيس باراك أوباما، وصولاً إلى الرئيس جو بايدن.

وقد استمر هذا الاتجاه، خلال الفترة الأولى من رئاسة دونالد ترمب (2017-2021)، حيث تميزت بزيادة قياسية في الدين العام، إذ أضافت إدارته أكثر من 7 تريليونات دولار إلى خزينة الدولة، ليصل حجم الدين إلى نحو 28 تريليون دولار مع نهاية ولايته.

وجاء هذا التوسع مدفوعاً بحزمة مساعدات ضخمة لمواجهة تداعيات جائحة «كورونا»، بلغت قيمتها 900 مليار دولار. وبذلك يواصل الدين الوطني الأميركي ارتفاعه ليبلغ في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي 35.8 تريليون دولار، ما يمثل نحو 99 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويقارب المستوى الذي سُجل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

وبعودة ترمب إلى الرئاسة في 2024، يثار عدد من التساؤلات حول احتمالات تكرار هذا السيناريو. وتشير توقعات لجنة الموازنة الفيدرالية إلى أن خططه قد تضيف نحو 7.75 تريليون دولار جديدة إلى الدين العام، إذ يتعهد ترمب بتخفيضات ضريبية جديدة، وزيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية، ما قد يُنذر بزيادة الدين مرة أخرى.

ورغم أن ترمب يرى في هذه السياسات دافعاً لنمو الاقتصاد وتعزيز التنافسية، فإن هذا الإنفاق المعتمد على العجز قد يؤدي إلى تدهور الوضع المالي العام، ولا سيما مع التوقعات بارتفاع أسعار الفائدة. وبذلك، سيواجه ترمب تحديات مالية جسيمة قد تهدد مكانة الولايات المتحدة في أسواق الديون العالمية، مما يؤثر على إقبال المستثمرين على شراء سندات الدين الأميركية، ويرفع تكاليف الاقتراض الحكومي.

تحذيرات من مخاطر تراكم الديون

يشير الواقع إلى أن الدين العام بات يشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل الاقتصاد الأميركي. ووفق بيانات مكتب الموازنة في الكونغرس، من المتوقع أن ترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة إلى 155 في المائة بحلول 2050. وفي الآونة الأخيرة، تزداد التحذيرات من ضرورة ضبط العجز، إذ إن استمرار الاعتماد على الدين قد يُعرّض الاقتصاد لمخاطر أعمق، خصوصاً في حال حدوث تباطؤ اقتصادي مفاجئ. ووفقاً لرئيسة مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية السابقة، شيلا باير، فإن أزمة الديون الفيدرالية تُعد من أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة حالياً. فالحكومة الأميركية اعتمدت مراراً على الإنفاق المموّل بالعجز وتخفيض الضرائب، لمواجهة أزمات كبرى، مثل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، والأزمة المالية العالمية 2007-2008، وجائحة «كورونا». إلا أن استمرار هذه السياسات بعد انحسار الأزمات أسهم في تراكم ديون هائلة.

سيارة تمر أمام لافتة تعرض رقم الدين الوطني الأميركي بعد أن وصل إلى حد الاقتراض البالغ 31.4 تريليون دولار (رويترز)

ارتفاع العوائد على السندات الأميركية

ومع إعلان فوز ترمب في الانتخابات، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى 4.479 في المائة، مع ازدياد التوقعات بأن سياسات ترمب التجارية والضريبية قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم وتفاقم الوضع المالي للبلاد. وقال الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط «تولو كابيتال مانجمنت»، سبنسر حكيمي: «نتوقع أن تؤدي ولاية ترمب إلى تأثيرات سلبية على العوائد؛ نظراً لزيادة العجز ورفع الرسوم الجمركية».

وأظهر استطلاع لمعهد المحللين الماليين المعتمدين أن 77 في المائة من المحللين يرون أن المالية الأميركية تسير في اتجاه غير مستدام، بينما يرى 61 في المائة أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الإرادة السياسية لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. ويعتقد 63 في المائة أن الولايات المتحدة قد تفقد مكانتها بوصفها عملة احتياطية خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة. هذه التوقعات قد تعني أن المستثمرين في سندات الخزانة الأميركية قد يواجهون خسائر كبيرة، ما سيؤدي إلى تراجع قيمة الأصول المالية المملوكة للبنوك والصناديق والمديرين الماليين، وازدياد موجات التخارج في الأسواق المالية، مما يهدد بتفاقم الأزمة الاقتصادية.

تحديات إعادة تفعيل سقف الدين

من بين التحديات الكبرى التي ستواجه إدارة ترمب إعادة تفعيل سقف الدين الفيدرالي (حد الدين) في 2 يناير (كانون الثاني) 2025، بعد أن جرى تعليقه في 2023 على أثر مفاوضات مطوّلة مع الكونغرس. وتقوم واشنطن بتحديد حد أقصى للاقتراض الفيدرالي، ويجب أن توافق غالبية أعضاء الكونغرس على هذا الحد.

وبين عامي 1992 و2012، جرى تعديل سقف الدين 15 مرة. ومع بداية عام 2013، بدأ صنّاع السياسات تعليق السقف، بدلاً من رفعه بشكل مباشر، بحيث تجري إعادة ضبطه في نهاية كل فترة تعليق. ومنذ ذلك الحين، عُلّق السقف، وأُعيد فرضه سبع مرات إضافية، مما أدى إلى زيادة السقف من 16.7 تريليون دولار في 2013، إلى 31.4 تريليون دولار في 2023. وفي حال عدم التوصل إلى حل سريع، سوف تضطر وزارة الخزانة إلى استخدام احتياطياتها النقدية والإجراءات الاستثنائية، وهي مجموعة من المناورات المحاسبية، لتمويل الحكومة حتى تاريخ «X»؛ وهو التاريخ الذي لن تتمكن فيه الحكومة من دفع جميع فواتيرها. ويقدِّر بعض التحليلات أن هذا التاريخ قد يكون في النصف الثاني من العام المقبل.

وقد أدت النزاعات حول سقف الدين في الماضي إلى دفع البلاد إلى حافة التعثر، مما أثر على تصنيفها الائتماني. وقد يتكرر هذا السيناريو في حال وجود حكومة منقسمة، حيث فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلس الشيوخ، لكن لا يبدو أن أياً من الحزبين يملك الأفضلية في السيطرة على مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون حالياً بأغلبية ضئيلة. كما أن هذا الأمر يؤثر سلباً على سندات الخزانة الأميركية التي تُعد استثماراً آمناً ومستقراً.

وفي حال اعتبار الديون الأميركية أكثر خطورة، قد يتجه المستثمرون إلى أسواق أخرى، مما يرفع معدلات الفائدة ويزيد أعباء الفائدة على الحكومة. وتشير تقديرات مؤسسة «بروكينغز» إلى أن التخلف عن السداد أو المساس بسلامة سوق الخزانة، قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الفائدة بنحو 750 مليار دولار خلال عشر سنوات. علاوة على ذلك، فإن تكاليف الفائدة على الديون الأميركية في طريقها إلى تجاوز مستوياتها القياسية السابقة، نسبة إلى حجم الاقتصاد في عام 2025، ويرجع هذا جزئياً إلى الزيادات المطردة بأسعار الفائدة في السنوات الأخيرة.

تمثال للسيناتور السابق ألبرت غالاتين يقف أمام وزارة الخزانة بواشنطن (رويترز)

مناورات تهدد بخفض التصنيف الائتماني

لم تقم الولايات المتحدة قط بالتخلف عن سداد ديونها، لكن المشرّعين غالباً ما ينتظرون حتى اللحظة الأخيرة لرفع أو تعليق سقف الدين. وهذه المناورات المالية لها عواقب سلبية، مثل احتمال خفض تصنيف الولايات المتحدة الائتماني من قِبل وكالات التصنيف، وهي مصدر للقلق بالنسبة للأسواق المالية.

وفي العام الماضي، خفّضت وكالة «فيتش» تصنيف الولايات المتحدة الائتماني بمقدار درجة واحدة من «إيه إيه إيه» إلى «إيه إيه +»، ونظرتها إلى «سلبية» من «مستقرة»؛ بسبب المناورات السياسية حول حد الدين. كما أبدت «موديز» و«ستاندرد آند بورز» مخاوف مشابهة.

الدولار واستدامة الديون

أتاحت المكانة المتميزة للدولار بوصفه عملة احتياطية للولايات المتحدة تجاهل العواقب المباشرة لازدياد الديون الفيدرالية، لكن هذا الوضع يشهد تراجعاً ملحوظاً؛ فقد انخفضت حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية من أكثر من 70 في المائة خلال عام 2000، إلى 58 في المائة حالياً، كما انخفضت ملكية الأجانب للسندات الأميركية من 34 في المائة خلال 2012، إلى 28 في المائة خلال 2024، ما يعكس تآكل الثقة بقدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها المالية.

وإذا استمر هذا التوجه، فقد تواجه الولايات المتحدة أزمة في تمويل ديونها، ما سيدفع الحكومة لدفع تكاليف فائدة مرتفعة. فقد بلغت تكلفة خدمة الدين الفيدرالي 892 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن ترتفع بشكل كبير إذا استمر الدين في الارتفاع، مما يضيف ضغوطاً مالية إضافية على الموازنة الفيدرالية، وقد يضطر الاقتصاد الأميركي إلى التعامل مع زيادات ضريبية أو تخفيضات في الإنفاق؛ في محاولة للتعامل مع هذه الضغوط.

بين السياسات التوسعية والعجز المالي

على الرغم من أن الولايات المتحدة تمكنت تدريجياً في الماضي من تقليص الدين العام إلى نحو 31 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول عام 1981، فقد أسهمت السياسة المالية الحالية، سواء من الجمهوريين أم الديمقراطيين، في تعميق العجز، عبر تسهيل تمويل المبادرات الشعبية بالاقتراض المتزايد. ويبدو أن كلا الحزبين اتفق ضمنياً على أن العجز يمثل الوسيلة الأسهل لتحقيق أهدافهما السياسية، ما أضعفَ الاهتمام بمعالجة المشكلات المالية.

وبالنسبة لترمب، سيكون التحدي الأكبر في ولايته الثانية هو موازنة سياساته التوسعية في تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق، مع الحاجة إلى السيطرة على الدين المتزايد. وإذا قرر مواجهة الدين، فقد يتعين عليه تقليص بعض أوجه الإنفاق، أو تعديل التخفيضات الضريبية، وهي خطوات غير شعبية، كما يمكنه الاستفادة من دعم الأغلبية الجمهورية لتحقيق «اكتساح أحمر» يساعده في تمرير إصلاحات هيكلية تعزز استدامة النمو المالي، دون التأثير على الاقتصاد.