هل الكذب مهارة اجتماعية لدى الأطفال؟

قول الصدق تلقائياً من دون جرح مشاعر الآخرين معادلة صعبة

هل الكذب مهارة اجتماعية لدى الأطفال؟
TT

هل الكذب مهارة اجتماعية لدى الأطفال؟

هل الكذب مهارة اجتماعية لدى الأطفال؟

على الرغم من حرص الآباء الدائم على أن يلتزم أطفالهم بقول الصدق. إلا أن تلقائية الأطفال وعفويتهم (في قول الصدق) تتسببان في بعض الأحيان في كثير من الحرج للآباء أو البالغين بشكل عام، ما يؤدي إلى إلقاء اللوم عليهم من قبل الآباء، وفي بعض الأحيان معاقبتهم. وهذا الأمر يمثل صدمة للطفل، ليس فقط لتلقي العقوبة، لكن لعدم القدرة على فهم المعايير المزدوجة للبالغين، ويضعهم في حيرة حقيقية، وسؤال يفرض نفسه، وهو هل الالتزام بالصدق أمر جيد أم سيئ العواقب؟ ويبدأ الأطفال في اعتبار الكذب وعدم قول الحقيقة كاملة ضرورتين مجتمعيتين وجزءاً من النمو الإدراكي.

- الصدق والمشاعر
في أحدث الدراسات المنشورة في بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في «مجلة التربية الأخلاقية» (the Journal of Moral Education) لباحثين من جامعة ولاية تكساس (Texas State University) بالولايات المتحدة، التي تعلق بالتنشئة السليمة، حاول الباحثون حل المعادلة الصعبة بين الالتزام بالصدق، وفي الوقت نفسه عدم جرح مشاعر الآخرين. ورصد الباحثون ردود أفعال البالغين مع المستويات المختلفة من الصدق لدى الأطفال في المواقف المتباينة، بداية من قول الحقائق بشكل مجرد تماماً إلى التصريح بالأكاذيب الواضحة. وتبين أنه في المجمل كان الحكم على الأطفال أشد قسوة عندما قالوا حقائق صريحة بدلاً من الكذب.
قام الباحثون بإجراء التجربة على 267 من البالغين من خلال عرض مقاطع فيديو تمثيلية لأربعة وعشرين طفلاً في مواقف مختلفة يقولون الحقيقة أو يكذبون. وكانت أعمار هؤلاء الأطفال تتراوح بين 6 و15 عاماً.
وشملت مقاطع الفيديو أمثلة لقول الصدق (لا أحب هذه الهدية إنها قبيحة)، وأمثلة مختلفة للكذب، حيث كان هناك طفل يكذب بشأن مكان اختفاء أخته ومثال آخر للكذب (لتجنب جرح مشاعر شخص معين). وكانت هناك أربعة أنماط للكذب والصدق في مقاطع الفيديو شملت الحقيقة بشكل مجرد تماماً (بشكل قاسٍ) و(أقل حدة)، والأمر نفسه فيما يتعلق بالكذب بشكل «صارخ» و«أقل حدة».
في المثال الذي كانت فيه الأخت مختبئة كانت الكذبة بشكلها الصارخ هي «أنها ذهبت إلى المكتبة لأداء واجباتها المدرسية»، بينما كانت الكذبة بشكلها الأقل حدة هي «أعتقد أنها ربما تكون ذهبت إلى الفراش أو شيئاً من هذا القبيل». وفي المقابل كانت الحقيقة «الأقل حدة» هي «أعتقد أنها قد تكون في الخارج»، وكانت الحقيقة «المجردة» أنها «تحت الشرفة»، وهو ما يمثل نوعية إيصال المعلومة بشكل مختلف تماماً تبعاً لالتزام الصدق بدون كياسة أو الكذب بشكل فج. وفى المقابل استخدام المهارات الذهنية لما يمكن اعتباره «تخفيف وطأة» خبر معين، سواء حقيقياً أو كذباً.
بعد مشاهدة مقاطع الفيديو تم عمل استبيان للمشاركين من البالغين عن انطباعاتهم عن شخصية كل الطفل تبعاً لإجابته عن السؤال الذي تضمنه الفيديو، وتم الطلب منهم بالحكم على الأطفال، وتقييم مصداقيتهم، ومدى لطفهم (kindness)، ولأي مدى يمكن الوثوق فيهم وكفاءتهم وقابليتهم للإعجاب (likeability) كأشخاص، ومعدل ذكائهم. وتم سؤال المشاركين في حالة إذا كان أحدهم والد طفل من المشاركين في الفيديوهات عن احتمالية معاقبة الطفل، أو مكافأته، سواء على الأكاذيب أو على الحقائق.

- أحكام قاسية
وجدت الدراسة أن البالغين حكموا بشيء من اللوم والتحفظ على الأطفال الذين قالوا حقائق صريحة بشكل أكثر قسوة من أولئك الذين كذبوا أو قالوا حقائق أقل حدة. وبشكل عام في أغلب الأحيان يكافئ البالغون الأطفال على قول «الحقيقة بشكل أقل حدة». ومن الأمثلة على ذلك في الدراسة إجابة الطفل حول اختفاء الأخت (أعتقد أنها ربما تكون في الخارج)، رغم معرفته الأكيدة لمكان اختبائها، بما في ذلك إخفاء لمعلومة حقيقية.
أوضحت الدراسة أن الأطفال رغم معرفتهم أن الكذب خطأ، إلا أنهم يبدأون في قول الأكاذيب منذ سن مبكرة كنوع من اكتساب المهارات الاجتماعية فيما يمكن اعتباره كذباً إيجابياً (prosocial lying). وربما يكون السبب في ذلك أن الأطفال يتعلمون الصدق في بيئة معقدة، ونظراً لصغر السن لا يمكنهم وضع الحقائق بشكل أخف حدة مما يدفعهم للكذب لتجنب العقاب والعزلة المجتمعية. وقال الباحثون، إن الطريقة التي يكافئ أو يعاقب بها البالغون الأطفال هي التي تشكل كيف يتعلم الأطفال التصرف بطريقة مقبولة في المجتمع، وليس مجرد النصائح فقط، وحينما يجد الأطفال أن الصدق يتم النظر إليه في بعض الأحيان على أنه سلوك قاس أو مجافٍ للذوق بالضرورة يدفع ذلك الأطفال للكذب.
نصحت الدراسة البالغين بضرورة تعليم الأطفال قول الصدق وعدم الكذب مع الالتزام بعدم إلحاق الضرر بالآخرين، سواء كان هذا الضرر مادياً أو معنوياً، وضرورة التحلي بالكياسة. وعلى سبيل المثال في حالة الهدية التي لم تعجب الطفل يمكن أن يقول «أنا شاكر لاهتمامك»، بدون التطرق إلى قبح الهدية من عدمه، كما يجب أن يقدم البالغون نموذجاً يحتذى به في الصدق وعدم الكذب أمام الأطفال حتى لا يفقد الأطفال ثقتهم في النصائح الأخلاقية التي تقال إليهم. وأيضاً شددت الدراسة على ضرورة عدم عقاب الصدق أو اللوم بشكل عنيف، ولكن يمكن توجيه الطفل بضرورة التعبير عن رأيه برفق دون إساءة للآخرين.
* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

بريطانيا: الأطفال يعيشون حياة أقصر بسبب الوجبات السريعة

صحتك التقرير يوضح أنه من الأقل احتمالاً أن يكون أمام الأطفال في وسط المدن فرصة للحصول على خيارات غذائية صحية وبتكلفة مقبولة (رويترز)

بريطانيا: الأطفال يعيشون حياة أقصر بسبب الوجبات السريعة

كشف كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا عن أن «الصحاري الغذائية» في المدن إلى جانب إعلانات الوجبات السريعة تتسببان في عيش الأطفال حياة «أقصر وغير صحية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة جديدة تشير إلى إمكانية علاج مرض قصور القلب (ميديكال إكسبرس)

علاج ثوري جديد لقصور القلب... والتعافي غير مسبوق

تاريخياً، عُدَّت الإصابةُ بقصور القلب غير قابل للعكس، لكن نتائج دراسة جديدة تشير إلى أن هذا قد يتغير يوماً ما.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)
هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)
TT

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)
هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

ووفقاً لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية، فقد أصدرت الحكومة تعليمات إلى وزارة الصحة في كوينزلاند ببدء تحقيق فيما يوصف بأنه «خرق تاريخي كبير لبروتوكولات الأمن البيولوجي».

وأفادت بأن هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة - بما في ذلك فيروسات: هندرا وليسا وهانتا - اختفت من مختبر علم الفيروسات للصحة العامة في كوينزلاند في أغسطس (آب) 2023.

وهيندرا هو فيروس حيواني المنشأ (ينتقل من الحيوان إلى الإنسان) تم العثور عليه في أستراليا فقط، في حين أن فيروس هانتا هو عائلة من الفيروسات التي يمكن أن تؤدي إلى مرض خطير ووفاة، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، في حين أن ليسا هو فيروس يمكن أن يسبب داء الكلب.

ويقول خبراء الصحة إن هذه الفيروسات الثلاثة يمكن أن يكون لها معدلات وفيات عالية جداً لدى البشر، لكنها لا تنتقل بسهولة من شخص لآخر.

وقالت حكومة كوينزلاند إنه من غير المعروف ما إذا كانت العينات المختفية قد سُرقت أو دمرت.

ومن جهته، قال وزير الصحة تيموثي نيكولز، في بيان: «مع مثل هذا الانتهاك الخطير لبروتوكولات الأمن البيولوجي وعينات الفيروسات المعدية المفقودة، يجب على وزارة الصحة في كوينزلاند التحقيق فيما حدث وكيفية منع حدوثه مرة أخرى».

وأضاف أن التحقيق سيشمل فحص السياسات والإجراءات الحالية المعمول بها اليوم في المختبر وسلوك الموظفين.