«براجماتية الغاز» تقترب من سواحل غزة

مساعٍ لاستخراج الخام من قبالة القطاع الفلسطيني بوساطة مصرية وأوروبية

فلسطينيون يقفون أمام شاطئ بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يقفون أمام شاطئ بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«براجماتية الغاز» تقترب من سواحل غزة

فلسطينيون يقفون أمام شاطئ بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يقفون أمام شاطئ بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

بعد أيام من إعلان التوصل إلى اتفاق لترسيم مناطق الحدود البحرية تمهيداً للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط قبالة سواحل لبنان وإسرائيل، أظهرت تقارير عززتها إفادات من مصادر مطلعة على الملف وتقديرات لخبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن حقل «غزة مارين» الواقع قبالة سواحل القطاع الفلسطيني مرشح إلى أن يكون «الوجهة التالية لجهود دولية وإقليمية من أجل إعادة إحياء جهود استخراج الغاز من السواحل الفلسطينية» وتحديداً من حقل «غزة مارين»، الواقع على بعد نحو 30 كيلومتراً قبالة ساحل القطاع.
وبينما توقعت مصادر مصرية إمكانية «الإعلان قريباً» عن اتفاق في هذا الشأن، بعد «وساطة أوروبية أسهمت في تليين الرفض الإسرائيلي» لاستخراج الغاز من ساحل غزة بحسب المصادر، نوه خبراء بمعضلة الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني وتحديداً بين السلطة الوطنية وحركة «حماس» معربين عن تخوف من أن يكون «الغاز أداة جديدة لتنازع السيادة على القطاع».
وتشير التقديرات إلى أن مخزون حقل «غزة مارين» يزيد على تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يمثل قيمة اقتصادية «تكفي احتياجات القطاع من الطاقة، ويمكن تصدير الفائض إلى الأسواق الأوروبية». ولم يُستغل الحقل منذ اكتشفته شركة «بريتش غاز» عام 1999.
وتحدث مصدر مطلع على مجريات المناقشات في «منتدى غاز شرق المتوسط» والذي انطلقت أعماله أمس في قبرص، بحضور أكثر من 100 مشارك من دول المنتدى الثماني، موضحاً أن «مسألة استخراج الغاز من السواحل الفلسطينية لم يتم طرحها بشكل رسمي خلال اجتماعات المنتدى»، لكن المصدر استدرك: «هناك نقاشات ودية جرت في هذا الشأن خلال اجتماعات للمنتدى».
وأوضح المصدر - الذي طلب عدم نشر اسمه أو جنسيته – أن «ممثلي فلسطين في المنتدى تمسكوا بـ(سيادية القرار) في هذا الشأن، واعتباره حقاً كاملاً للسلطة الوطنية الفلسطينية دون غيرها»، إلا أن المصدر عاد فأوضح أن «ثمة أفكاراً مطروحة بدعم أوروبي ومصري لتيسير إنتاج الغاز من سواحل قطاع غزة، تلبية للطلب الأوروبي المتصاعد على الغاز، وكإسهام في توفير عائدات اقتصادية تعود بالنفع على تحسين الموارد الفلسطينية».
وكشف المصدر أن من بين معززات التوصل لاتفاق في هذا الصدد أن «البنية التحتية متوافرة بالفعل لضخ الإنتاج ونقله إلى محطات الإسالة المصرية عبر خط أنابيب سابق كان يستخدم لتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل».
ويضم منتدى غاز شرق المتوسط ثماني دول هي مصر واليونان وقبرص وإسرائيل وفرنسا وإيطاليا والأردن وفلسطين، كما يحضر الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والولايات المتحدة الاجتماعات بصفة مراقبين.
ضغوط أوروبية
لكن مصدراً مصرياً اطلع عن قرب على المناقشات الأخيرة بشأن التنقيب عن الغاز في حقل «غزة مارين»، قال لـ«الشرق الأوسط» إن القاهرة «لا تستبعد أن تدفع ضغوط الحاجة الملحة للغاز أوروبا والرباعية الدولية إلى ممارسة مزيد من الضغط على الأطراف المعنية (إسرائيل - السلطة الفلسطينية – حماس) من أجل تغيير مواقفهم، ودفعهم للموافقة على استخراج الغاز، على غرار ما قامت به المفوضية الأوروبية من تسهيل لاتفاقيات تصدير الغاز إلى أراضيها بين مصر وإسرائيل، ومفاوضاتها المثمرة مع قطر والجزائر».
وعاد المصدر واعتبر أن «المعضلة بشأن التنقيب عن الغاز بالبحر المتوسط قبالة غزة ستظهر إذا ما تمسكت (حماس) بموقفها كمسيطرة على القطاع».
خلاف كبير
وقلل أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي من مسألة «قرب الإعلان» عن اتفاق لضخ الغاز من حقل «غزة مارين» قبالة قطاع غزة، لافتاً إلى أن المسألة «محل خلاف كبير»، لا سيما أن حركة «حماس» كانت قد أعلنت رفضها اتفاقاً سابقاً بين الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) وهي شركة حكومية، وبين صندوق الاستثمار الفلسطيني، لتطوير الحقل، وهو ما يلقي بظلاله على إمكانية تنفيذ الاتفاق في ظل عدم قدرة السلطة الفلسطينية على بسط سيطرتها على الحقل.
واعتبر فهمي أن «الانقسام الفلسطيني يمكن أن يعرقل التوصل إلى اتفاق بشأن «غاز غزة»، فالسلطة الفلسطينية تتمسك بالسيادة باعتبارها (الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني)، وأنه لا يحق لفصيل سياسي التدخل في شأن يتعلق بثروات الفلسطينيين، وتصعب مقارنته بمواقف سابقة وافقت فيها السلطة على قيام (حماس) بإبرام اتفاقات تتعلق بوقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى في القطاع».
وأوضح فهمي أن «(حماس) حركة نفعية وواقعية، وتحاول أن تقدم نفسها في الإقليم على أنها طرف يمكن أن يسهم في حل المشكلات، وبالتالي إذا ما استطاعت أطراف دولية كالاتحاد الأوروبي وأخرى إقليمية كمصر إقناع (حماس) بتبني منظور المصالح المباشرة من هذا الاتفاق، فيمكن عندها تمرير الأمر، لكن بعد مراجعة من جانب السلطة الفلسطينية».

فلسطينيون يمرون قبل أيام أمام شاطئ قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولم تفصح حركة «حماس» رسمياً عن موقفها من التقارير التي أشارت إلى إمكانية ضخ الغاز من سواحل غزة، لكنها بعثت بإشارات تؤكد اهتمامها بالأمر عبر تنظيم «فعالية بحرية» بمشاركة شعبية في ميناء مدينة غزة، منتصف الأسبوع الماضي، ترددت فيها هتافات وشعارات عن «حق الفلسطينيين في غازهم».
وجدد قياديو «حماس» المشاركون في الفعالية التأكيد على ما أبداه رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، خلال لقاء سابق في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن «حق الشعب الفلسطيني في ثرواته الطبيعية وخصوصاً الغاز».
وسعت «الشرق الأوسط» إلى التواصل مع اثنين من المتحدثين الإعلاميين لحركة «حماس»، إلا أنهما لم يردا على الأسئلة.
*«براجماتية» الغاز
ويبدو أن «الإعلان عن الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي مثّل فاتحاً لشهية أطراف أخرى من أجل تجاوز عقبات تاريخية وآيديولوجية عدة حالت دون استغلال ثروات المنطقة»، وهو ما يعتقد رئيس برنامج الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد قنديل أنه قد يكون «مثالاً يحتذى في ملفات أكثر صعوبة» مثل الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، أو الملف التركي - القبرصي.
وقال قنديل لـ«الشرق الأوسط» إن «نجاح مصر في جمع الفلسطينيين والإسرائيليين تحت مظلة «منتدى غاز شرق المتوسط» مثّل بحد ذاته نجاحاً سياسياً للقاهرة، فللمرة الأولى يعترف الإسرائيليون بأحقية الفلسطينيين في الحديث عن حقوقهم في ثروات الغاز بالبحر المتوسط، وهو ما يمكن أن يعطي مؤشراً إيجابياً على نجاح الدور المصري في خطوات أكبر مستقبلاً».
ويشير الخبير في ملف الطاقة، إلى أن الأوضاع الإقليمية والدولية والتعطش الأوروبي الكبير للغاز لتعويض وقف تدفقات الغاز الروسي يمكن أن تدفع بمساعٍ أوروبية وأميركية ضخمة في المنطقة تعيد بناء مواقف العديد من الدول، وتطلق مفهوم (براجماتية الغاز)، وهو مصطلح يمكن أن ينجح في تجاوز صراعات تاريخية وآيديولوجية كانت عسيرة على الحل، من خلال الاعتماد المتبادل بين الدول المتصارعة في الإقليم مثل لبنان وإسرائيل، أو الفلسطينيين وإسرائيل، بل ويفتح المجال أمام حلحلة ملفات أخرى كالصراع التركي القبرصي واليوناني.
ويضيف «قنديل» أن وجود ضامن دولي كالولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي يمكن أن يوفر فرصة أفضل لاستغلال ثروات الغاز في المناطق التي تشهد صراعاً، ويعطي ضوءاً أخضر للمستثمرين لبدء التنقيب وتطوير حقول الغاز.
ومع ذلك ينوه الخبير في شؤون الطاقة إلى أن «المساعي الراهنة ترتبط بالارتفاع الحالي في أسعار الغاز عالمياً، لكن ذلك قد لا يمثل ضمانة كافية إذا ما تراجعت أسعاره، وباتت كُلفة مخاطر الاستثمار عالية نتيجة عدم الاعتراف المتبادل بين الدول والفصائل المهيمنة على حقول الغاز، أو عندما تكون تلك المشروعات هدفاً لعمليات إرهابية بفعل حالة عدم الاستقرار في العديد من دول المنطقة.
ويلفت قنديل الانتباه إلى «عدم وضوح الموقف الإسرائيلي، الذي يشير إلى أنه يتسم أيضاً بالتذبذب والارتباك بضغط من الصراعات الداخلية، ويشير في هذا الشأن إلى التصريحات الصادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بنيامين نتنياهو، والذي أعلن أنه لن يلتزم بأي اتفاقات أبرمت بشأن الحدود البحرية مع الدول المجاورة، إذا ما نجح التكتل الذي يقوده في الفوز بالانتخابات النيابية المقبلة، وهو ما يضفي حالة من عدم اليقين بشأن أي اتفاقات تتعلق باستغلال الموارد في المنطقة، لكنه يضيف: «في النهاية المصالح الاقتصادية يمكن أن تكون لها كلمة الحسم، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها العالم والمنطقة حالياً».


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

الاقتصاد «الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

للمرة العاشرة منذ مارس (آذار) العام الماضي، اتجه البنك الاتحادي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة أساس، يوم الأربعاء، في محاولة جديدة لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، التي يصارع الاتحادي الفيدرالي لخفضها إلى 2 في المائة دون نجاح ملحوظ. وأعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع سعر الفائدة الرئيسي 25 نقطة أساس إلى نطاق 5.00 و5.25 في المائة، لتستمر بذلك زيادات أسعار الفائدة منذ مارس 2022 وهي الأكثر تشدداً منذ 40 عاماً، في وقت يثير المحللون الاقتصاديون تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيادة ستكون آخر مرة يقوم فيها الاتحادي الفيدرالي برفع الفائدة، أم أن هناك مزيداً من الخطوات خلال الفت

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

لا تتوقف تداعيات الحرب التجارية الدائرة منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين عند حدود الدولتين، وإنما تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، وكذلك على جهود حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي. وفي هذا السياق يقول الكاتب الأميركي مارك غونغلوف في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن فرض رسوم جمركية باهظة على واردات معدات الطاقة الشمسية - في الوقت الذي يسعى فيه العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ومكافحة تضخم أسعار المستهلك وتجنب الركود الاقتصادي - أشبه بمن يخوض سباق العدو في دورة الألعاب الأوليمبية، ويربط في قدميه ثقلا يزن 20 رطلا. وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن هذه الرسوم غير مثمرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الدولار يتراجع  في «ساعات الترقب»

الدولار يتراجع في «ساعات الترقب»

هبط الدولار يوم الأربعاء بعد بيانات أظهرت تراجع الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، فيما ترقبت الأنظار على مدار اليوم قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي صدر في وقت لاحق أمس بشأن أسعار الفائدة. وأظهرت بيانات مساء الثلاثاء انخفاض الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي خلال مارس (آذار)، وسجلت معدلات الاستغناء عن الموظفين أعلى مستوياتها في أكثر من عامين، ما يعني تباطؤ سوق العمل، وهو ما قد يساعد الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي  أقل من 70 دولاراً للبرميل

النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي أقل من 70 دولاراً للبرميل

واصلت أسعار النفط تراجعها خلال تعاملات أمس الأربعاء، بعد هبوطها بنحو 5 في المائة في الجلسة السابقة إلى أدنى مستوى في خمسة أسابيع، فيما يترقب المستثمرون المزيد من قرارات رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد 2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

أظهر تحليل أجرته منظمات دولية تشمل الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة المختلفة أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يشهدون أوضاعا تتسم بانعدام الأمن الغذائي ارتفع في مختلف أنحاء العالم في 2022. وتوصل التقرير الذي صدر يوم الأربعاء، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن أكثر من ربع مليار شخص عانوا من جوع شديد أو من مجاعات كارثية العام الماضي.

أحمد الغمراوي (القاهرة)

«إتش إس بي سي» ينسحب من أعمال بطاقات الائتمان في الصين

مقر بنك «إتش إس بي سي» في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
مقر بنك «إتش إس بي سي» في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
TT

«إتش إس بي سي» ينسحب من أعمال بطاقات الائتمان في الصين

مقر بنك «إتش إس بي سي» في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
مقر بنك «إتش إس بي سي» في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)

قالت مصادر مطلعة لـ«رويترز» إن بنك «إتش إس بي سي» سينسحب من أعمال بطاقات الائتمان في الصين بعد 8 سنوات من إطلاقها؛ حيث كافح البنك للتوسع وجعل المشروع مربحاً في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وقالت 3 مصادر مطلعة مباشرة على الأمر إن البنك الذي يركز على آسيا، توقّف عن إصدار بطاقات جديدة، ويعمل على تقليص الخدمة المقدمة لجزء كبير من العملاء الصينيين. وقال اثنان منهم إن الإغلاق المخطط له يأتي بعد محاولات فاشلة لبيع الأعمال.

وقالت المصادر إن البنك الذي لا يزال في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على الخطط، قد يستمر في خدمة بطاقات الائتمان لشريحة صغيرة من العملاء «المميزين». وقال أحد المصادر إن عملاء بطاقات الائتمان «المستقلين» لدى البنك، أولئك الذين لا يستخدمون خدمات «إتش إس بي سي» المصرفية في الصين، لن يتمكنوا من تجديد بطاقاتهم عند انتهاء صلاحيتها، مضيفاً أن هؤلاء العملاء يشكلون جزءاً كبيراً من الأعمال في البلاد.

ويؤكد قرار الانسحاب، الذي لم يتم الإبلاغ عنه سابقاً، على التحديات التي يواجهها البنك في توسيع نطاق وجوده في الصين كجزء من تعهده بالتحول إلى آسيا وتعميق وجوده في الاقتصادات الإقليمية الرئيسية.

ورفضت المصادر الكشف عن هُويتها لأنها غير مخوّلة بالتحدث إلى وسائل الإعلام. وقال متحدث باسم الشركة لـ«رويترز»، دون الخوض في التفاصيل: «كجزء من خدماتنا المصرفية الخاصة المتميزة والعالمية في البر الرئيسي للصين، نواصل تقديم خدمات بطاقات الائتمان التي تركز على السفر الدولي وميزات نمط الحياة».

وتمثل هذه الخطوة تراجعاً عن طموح البنك في تنمية أعمال بطاقات الائتمان في الصين بسرعة بعد إطلاقها في أواخر عام 2016 كجزء من محوره الآسيوي وتوسيع خدماته المصرفية للأفراد وإدارة الثروات في الصين.

وتُظهر بيانات من إصدارات البنك أن «إتش إس بي سي»، الذي يقع مقره الرئيسي في لندن، والذي يحقق الجزء الأكبر من إيراداته في آسيا، كان لديه نحو مليون مستخدم لبطاقات الائتمان الخاصة به في الصين بحلول سبتمبر (أيلول) 2019.

وقال أحد المصادر إنه في غضون 18 شهراً من إطلاق الخدمة، شهد بنك «إتش إس بي سي» وصول الأعمال إلى 500 مليون دولار من الرصيد المستحق، قبل أن يتوقف النمو وتنخفض المعاملات بسبب عمليات الإغلاق الصارمة الناجمة عن كوفيد في الصين... ومنذ ذلك الحين، شدد المستهلكون الصينيون الإنفاق في ظل تباطؤ الاقتصاد، مما أدى إلى انكماش سوق بطاقات الائتمان بشكل أكبر.

ووفقاً لبيانات من «إنسايت آند إنفو كونسالتينغ»، نما إجمالي إصدار البطاقات في 6 سنوات متتالية ليصل إلى ذروة بلغت 800 مليون بطاقة في عام 2021، وانخفض إلى 767 مليون بطاقة بحلول عام 2023.

وقالت مصادر إن «إتش إس بي سي» واجه أيضاً منافسة شديدة وقيوداً تنظيمية في أعمال بطاقات الائتمان في الصين لم يواجهها من قبل في أسواق أخرى، مثل القواعد المتعلقة بتسعير أسعار الفائدة وكيفية تعامل البنوك مع التخلف عن السداد. وأضافوا أن هذه القيود، إلى جانب ارتفاع تكلفة اكتساب العملاء والاحتيال، قوضت آفاق الأعمال.

وبصرف النظر عن نظرائها المصرفيين الصينيين، تواجه البنوك الأجنبية مثل «إتش إس بي سي» أيضاً تحديات من المنصات الرقمية الصينية التي توسعت بسرعة لتقديم خدمات القروض الاستهلاكية بتكاليف أقل بشكل حاد. ولا تقدم سوى حفنة من البنوك الأجنبية خدمات بطاقات الائتمان في الصين، بما في ذلك «ستاندرد تشارترد» وبنك شرق آسيا.

كما يراجع بنك «إتش إس بي سي» النفقات والضوابط التشغيلية في أعمال الثروة الرقمية الصينية، في خطوة قد تؤدي إلى تسريح العمال، حسبما ذكرت «رويترز»، الشهر الماضي.

وتُعد منطقة الصين الكبرى، التي تضم هونغ كونغ وتايوان، أكبر مصدر للدخل للمجموعة، لكن الصين هي السوق الوحيدة عالمياً التي لم تحقق فيها أعمال الثروة والخدمات المصرفية الشخصية في «إتش إس بي سي» أرباحاً بعد. وفي النصف الأول من عام 2024، أعلنت الوحدة عن خسارة قدرها 46 مليون دولار مقارنة بـ90 مليون دولار في الفترة المقابلة من العام الماضي.