«النقد الدولي» يقدم أعلى تمويل للدول العربية منذ عقود

جهاد أزعور لـ«الشرق الأوسط»: دول الخليج تجني حصاد إجراءات رفع الاحتياطي... ولا قيود تعجيزية على إقراض مصر

سياسة الاحتياطات المالية دعمت اقتصادات الخليج خلال جائحة «كورونا» وفي الإطار جهاد أزعور
سياسة الاحتياطات المالية دعمت اقتصادات الخليج خلال جائحة «كورونا» وفي الإطار جهاد أزعور
TT

«النقد الدولي» يقدم أعلى تمويل للدول العربية منذ عقود

سياسة الاحتياطات المالية دعمت اقتصادات الخليج خلال جائحة «كورونا» وفي الإطار جهاد أزعور
سياسة الاحتياطات المالية دعمت اقتصادات الخليج خلال جائحة «كورونا» وفي الإطار جهاد أزعور

قال جهاد أزعور، مدير دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إن العالم يمر بمرحلة دقيقة نظراً للصدمات المتتالية وعدم اليقين في وجهة سير النظام الاقتصاد العالمي، مما يتطلب تعاوناً دولياً لمواجهة التحديات، خصوصاً مع تراجع النمو وارتفاع مستويات التضخم، مع ضرورة استقرار توازنات العرض والطلب عالمياً.
وتحدث أزعور، في حوار مع «الشرق الأوسط»، عن أن اقتصادات المنطقة العربية انقسمت إلى قسمين: دول نجحت في التعامل مع الأزمة منها دول الخليج وأخذت منحى إيجابياً؛ نظراً للإجراءات التي اتخذتها، مما انعكس على عودة الانتعاش الاقتصادي للقطاعات غير النفطية تلاه ارتفاع القدرة الإنتاجية والتصديرية، مع ارتفاع مستويات الاحتياط، وانخفاض نسب عجز الموازنة وتحقيق فوائض، كذلك التحسن في حركة رؤوس الأموال، مقابل دول تعاني من ارتفاع الأسعار والدولار، وكذلك الأزمة الغذائية؛ لارتباطها بالاستيراد من دولتي روسيا وأوكرانيا، موضحاً أن هذه الدول ستحافظ على مستويات نمو معقولة في العام الحالي 2022، إلا أن التحدي الأساسي لها يتمثل في مواجهة التضخم، خصوصاً الدول التي فيها نسبة الديون مرتفعة.
ولفت إلى أن برنامج المفاوضات والأمور التقنية جارٍ مع مصر للوصول إلى الصيغة النهائية للقرض الدولي، موضحاً أن التشاور مع الحكومة المصرية وفريق صندوق النقد الدولي، مستمر وقطع أشواطاً جيدة، ونأمل بالوصول إلى اتفاق بأسرع وقت.
- الصندوق والمنطقة
يقول أزعور إن صندوق النقد الدولي قدم أعلى نسبة تمويل للعديد من الدول العربية منذ عقود، وهذه القيمة أضعاف ما قامت به مؤسسات مالية دولية وصناديق أخرى، موضحاً أنه خلال العامين الماضيين قدم الصندوق لدول المنطقة دعماً يقدر بنحو 50 مليار دولار على عدة مراحل؛ لمواجهة جائحة «كورونا»، وذلك من خلال وحدات السحب الخاصة لتأمين السيولة، وكانت هذه القروض مفيدة لعدد كبير من الدول؛ نظراً للأزمة المالية التي نشأت مع ارتفاع مستويات التضخم، وتغير في السياسات النقدية الأميركية، كذلك دعم الإجراءات في عمليات الإصلاح لهذه الدول.
- إجراءات لبنان
وتطرق إلى دور الصندوق في مساعدة لبنان قائلاً: «إنه جرى الوصول إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة اللبنانية في شهر أبريل (نيسان) الماضي، وهناك مجموعة من الإجراءات يجب على الحكومة اللبنانية القيام بها لإعادة الاستقرار الاقتصادي اللبناني، والتي ستكون مدخلاً لوضع الاتفاق في صيغته النهائية.
- تعجيز مصر
ونفى مدير دائرة الشرق الأوسط بـ«النقد الدولي»، وجود اشتراطات تعجيزية في إقراض مصر، وما يتناقل غير صحيح وبعيد عن الواقع وآلية المباحثات، موضحاً أن الأمور في هذا الإطار تنطلق عند وضع برنامج، وخلال هذا البرنامج يحدث هناك نقاشات وأمور تقنية للوصول إلى الصيغة النهائية، وهذه التفاصيل يجهلها الكثير، وفي أي مفاوضات لأي برنامج تكون هناك تفاصيل إجرائية يجب الوصول معها إلى نتيجة واضحة؛ لهذا السبب الأمور تأخذ وقتاً.
وتابع أن صندوق النقد الدولي يعمل مع الحكومة المصرية للتوصل إلى اتفاق يساعدها في مواجهة الصدمات، ومنها تداعيات الحرب «الروسية-الأوكرانية»، وارتفاع مستويات أسعار النفط والطاقة، ومساعدة مصر للقيام بالإصلاحات الضرورية التي تسهم بإعادة تنشيط الاستثمار بالقطاع الخاص، مع إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص لقيادة العجلة الاقتصادية، وخلق فرص عمل؛ للمحافظة على ما جرى تحقيقه في السنوات الماضية من استقرار مالي.
وأضاف أن التشاور الجاري الآن مع الحكومة المصرية وفريق صندوق النقد الدولي، مستمر وقطع أشواطاً جيدة، ونأمل بالوصول إلى اتفاق بأسرع وقت، موضحاً أن الصندوق واكب مصر خلال المرحلة الماضية، وأمّن دعماً لمصر في عام 2016 من خلال أول برنامج، وكان له انعكاس إيجابي على الاقتصاد المصري، والذي ساهم في إعادة رفع مستويات النمو ورفع تدفقات رؤوس الأموال والاحتياطات في البنك المركزي، كما ساهم في تخفيف أعباء أزمة جائحة «كورونا» على الاقتصاد المصري، إضافة إلى أن الصندوق قدم دعماً بنحو 8.8 مليار دولار لمصر في عام 2020؛ لمواجهة جائحة «كورونا»، ومساعدة الاقتصاد المصري على النهوض.
وحول قيمة القرض المطلوب، قال إن تحديد حجمه يجري وفقاً للحاجات والإجراءات التي سيجري تنفيذها، ومن الصعب التكهن الآن بحجم قيمة القرض.
- الاقتصاد العالمي
يقول أزعور إنه على الصعيد العالمي هناك ارتفاع في مستويات التضخم، كذلك تطور الأوضاع الجيواستراتيجية اللي أثرت في عدة نقاط مهمة، ومنها الأمن الغذائي، كذلك سلاسل الإنتاج التي كان لها انعكاس على التوقعات الاقتصادية العالمية، وواكبت هذه الأوضاع ارتفاع سعر الدولار مقارنة مع العملات الأخرى.
وأضاف أن إعادة تقييم التوقعات الاقتصادية لهذا العام تشير إلى أن الاقتصادات الكبرى ستشهد تبأطؤاً في مستويات النمو, وقد تبقى هذه المستويات إيجابية، في المقابل فإن اقتصادات المنطقة العربية تنقسم إلى مسارين؛ مسار الدول النفطية وخصوصاً دول الخليج التي تأخذ منحى إيجابياً؛ نظراً للإجراءات التي اتخذتها خلال أزمة جائحة «كورونا»؛ للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ومع عودة الانتعاش الاقتصادي للقطاعات غير النفطية في 2021، ارتفع معها سعر النفط وارتفعت القدرة الإنتاجية والتصديرية، مما ساهم في تعزيز هذا النمو، وهذا توافق مع ارتفاع مستويات الاحتياط، وانخفاض نسب عجز الموازنة وتحقيق فوائض على بعض الدول، كذلك التحسن الكبير في حركة رؤوس الأموال.
- الديون مرتفعة
في الجانب الآخر: الدول المستوردة للنفط في المنطقة التي تعاني من ارتفاع الأسعار والدولار، وكذلك الأزمة الغذائية لارتباطها بالاستيراد من دولتي روسيا وأوكرانيا، موضحاً أن هذه الدول ستحافظ بمستويات نمو معقولة في العام الحالي 2022، إلا أن التحدي الأساسي لها يتمثل في مواجهة التضخم، وانعكاس ارتفاع الأسعار العالمية عليها، خصوصاً الدول التي فيها نسبة الديون مرتفعة.
ولفت أزعور إلى أن ذلك يأتي في إطار حالة من الترقب المرتفعة، نظراً لأن هناك عدداً من الأزمات لم يحسم مصيرها، ومنها الأزمة الجيواستراتيجية «حرب أوكرانيا»، كذلك على الصيد المالي القدرة العالمية على لجم التضخم، وعلى صعيد المنطقة العربية قدرة هذه الدول على التكيف.
- السعودية والأزمة
يقول مدير الصندوق الدولي، في حواره مع «الشرق الأوسط»، إن السعودية وكذلك الإمارات نجحتا خلال أزمة جائحة «كورونا» في أخذ إجراءات سريعة، وهذا خفف من انعكاس الأزمة، ومن ذلك إجراءات لعملية تنشيط الاقتصاد، وكانت فعالة حيث مكّنت النشاط الاقتصادي من العودة في منتصف 2021، الذي شهد تحسناً تصاعدياً وبشكل جيد، موضحاً أنه تبع ذلك إجراءات أخرى لتحسين سوق العمل لرفع القدرة الإنتاجية، ونشاهد اليوم مؤشرات في السعودية تشير إلى تراجع مستويات البطالة بين المواطنين والمقيمين، وهذه الإجراءات تسير في المسار الصحيح.
ولفت إلى أن دولاً أخرى تختلف بحسب قدرتها الاقتصادية، وبحسب تأثرها بالصدمات، خصوصاً الدول التي تعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية ومواد الطاقة، من روسيا أو أوكرانيا، وتشكل المواد الأولية عنصراً أساسياً في مؤشرات التضخم، وهذه الدول اليوم بحاجة إلى تسريع وتيرة الإصلاح؛ حتى تتمكن من مواجهة تخفيض الانعكاسات السلبية، وتعود للقيام بعمل تنشيط اقتصادي سريع.
- النظرة المستقبلية
وحول تصوراته المستقبلية، يرى أزعور أن هذه المرحلة صعبة تتطلب حركة سريعة فيما يتعلق بالإصلاحات والسياسات، كذلك تعاون الدول لمواجهة التحديات، إلا أن هذه المرحلة غير استثنائية، ويزيد: «صحيح هناك تراجعات في النمو، إنما هذه التراجعات طبيعية... هناك مستويات تضخم مرتفعة يجب العمل على تخفيضها، وهناك توازنات لا بد أن تستقر بين العرض والطلب عالمياً».
وأوضح أن الاقتصاد العالمي في عام 2022 كان يشهد نمواً، واقتصادات المنطقة ستصل إلى 5 في المائة، وفي العام المقبل سيكون 5.3 في المائة، نحن نمر بمرحلة دقيقة، نظراً للصدمات المتتالية وعدم اليقين في وجهة سير النظام الاقتصاد العالمي.


مقالات ذات صلة

«البنك الدولي» يتوقع بلوغ شح المياه أدناه في الشرق الأوسط

الاقتصاد «البنك الدولي» يتوقع بلوغ شح المياه أدناه في الشرق الأوسط

«البنك الدولي» يتوقع بلوغ شح المياه أدناه في الشرق الأوسط

توقع تقرير جديد لـ«البنك الدولي»، أن تواجه الشعوب في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، شحّاً غير مسبوق في المياه، داعياً إلى سلسلة من الإصلاحات بشأن إدارة الموارد تتضمن إصلاحيات مؤسساتية، للتخفيف من حدة الضغوط المائية في المنطقة. وأشار التقرير الذي صدر بعنوان «اقتصاديات شح المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - حلول مؤسساتية»، إلى أنه، بنهاية العقد الحالي، ستنخفض كمية المياه المتاحة للفرد سنوياً عن الحد المطلق لشح المياه، البالغ 500 متر مكعب للفرد سنوياً. ووفق التقديرات الواردة في التقرير، فإنه، بحلول عام 2050، ستكون هناك حاجة إلى 25 مليار متر مكعب إضافية من المياه سنوياً، لتل

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد {النقد الدولي} يحذر الشرق الأوسط من 4 تحديات

{النقد الدولي} يحذر الشرق الأوسط من 4 تحديات

قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في «صندوق النقد الدولي» جهاد أزعور، إن نمو الناتج المحلي الإجمالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيتباطأ إلى 3.1 في المئة خلال 2023، من 5.3 في المئة خلال العام السابق. وأكد أزعور، في إفادة صحافية، أن النمو في الدول المصدرة للنفط بالمنطقة سيتباطأ إلى 3.1 في المائة أيضاً خلال 2023، من 5.7 في المائة خلال 2022، مع توقعات بأن يكون القطاع غير النفطي المحرك الرئيسي للنمو.

أحمد الغمراوي (القاهرة)
الاقتصاد الضغوطات تحيط بموائد الإفطار في الدول العربية

الضغوطات تحيط بموائد الإفطار في الدول العربية

سجلت حالة الرصد الأولية ضغوطات تواجه موائد الإفطار الرمضانية في المنطقة العربية التي تواجه إشكالية بالغة في توفير السلع خلال شهر رمضان المبارك؛ حيث يرتفع الطلب على مجموعات سلع غذائية يبرز منها القمح واللحوم بأشكالها المختلفة، مقابل قدرة إنفاق محدودة. وساهم ضعف الإصلاحات وتقلبات العملات العربية في تقلص إمكانيات الإنفاق على المائدة العربية، يضيف إليها مسؤول تنمية عربي أن الظروف الحالية للأزمات الأمنية والسياسية في البلدان العربية فاقمت الموقف. - نقص المعروض ووفقا للتقديرات، يسجل شهر رمضان المبارك للعام الحالي تراجعا ملحوظا في الإنفاق من دولة لأخرى في الإقليم العربي مقارنة بمواسم ماضية، خاصة في

سعيد الأبيض (جدة)
الاقتصاد مخاوف من اتساع تداعيات إفلاس «سيليكون فالي» إلى المنطقة العربية

مخاوف من اتساع تداعيات إفلاس «سيليكون فالي» إلى المنطقة العربية

في وقت زرع فيه الإعلان عن إفلاس بنك سيليكون فالي الأميركي مخاوف في أوساط العملاء والمودعين والشركات التكنولوجية المقترضة والمودعة في البنك على المستوى الاقتصاد الأميركي، ربما يدفع ذلك إلى مزيد من التداعيات بمناطق أوسع في العالم. ولا تبدو المنطقة العربية بمنأى عن التداعيات، إذ أفصحت بنوك في الكويت عن انكشافات ضئيلة على إفلاس البنك الأميركي، إلا أن هناك تحرزاً من الإعلان في بقع كثيرة من قطاعات البنوك والمصارف ومؤسسات الاستثمار في العالم العربي. - اتساع الرقعة وتوقع مختصون، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، اتساع رقعة تداعيات إفلاس البنك الأميركي وتأثيرها على بيئة الأعمال والقطاع المصرفي على مستوى العال

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
الاقتصاد مطالب بتشديدات حكومية لفرض كود بناء «زلزالي»

مطالب بتشديدات حكومية لفرض كود بناء «زلزالي»

فتح زلزال تركيا وسوريا، الذي ضرب المنطقة خلال فبراير (شباط) الحالي، وخلّفَ نحو 44 ألف قتيل، ملف إعادة النظر في قطاع التشييد وإنشاءات المباني بالمنطقة، ومدى متانة المباني وقدرتها على مواجهة الكوارث الطبيعية كالزلازل والهزات الأرضية، وكذلك متابعة السلطات التشريعية للمقاولين والتزامهم بمتطلبات السلامة العامة وأكواد البناء والاشتراطات الهندسية، بالإضافة إلى مدى جاهزية البنية التحتية المقاومة للكوارث الطبيعية في المدن الكبرى والمزدحمة. وأكد مختصون لـ«الشرق الأوسط» على وجوب تشدد الدول والسلطات التشريعية في قطاع الإنشاءات، وعدم التهاون في الالتزام بأكواد التصميم الزلزالي، والتخطيط الجيد والمستمر لإدا

محمد المطيري (الرياض)

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

TT

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء المخصصة لإقرار ميزانية عام 2025 (واس)
ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء المخصصة لإقرار ميزانية عام 2025 (واس)

جاء إعلان السعودية عن ميزانية العام المالي 2025، التي أقرّها مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بنفقات 1.285 تريليون ريال (342.6 مليار دولار)، ليظهر مدى توسع الاقتصاد السعودي، وانعكاساً على تغير ديناميكية وهيكلة الاقتصاد في المملكة، حيث تواصل البلاد المضي نحو رحلة «رؤية 2030»، وذلك من خلال تحقيق المستهدفات والمحافظة على المكتسبات.

وتتوقع السعودية إيرادات بقيمة 1.184 تريليون ريال (315.7 مليار دولار)، وبعجز 101 مليار ريال (26.9 مليار دولار) بانخفاض قدره 12 في المائة عن العجز المتوقع لهذا العام.

وأكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أن «المواطن السعودي هو المحرك الرئيس للتنمية وأداتها الفعالة، وشباب وشابات هذه البلاد هم عماد الإنجاز والمستقبل»، وذلك وفقاً لما جاء في مستهل البيان الختامي لميزانية عام 2025.

رحلة «رؤية 2030»

وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن ولي العهد وجّه الوزراء والمسؤولين، كلاً فيما يخصه، بالالتزام بتنفيذ ما تضمنته الميزانية من برامج واستراتيجيات ومشاريع تنموية واجتماعية ضمن رحلة «رؤية 2030».

وقال الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، إن ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة، وهو ينمو بوتيرة متسارعة، ويُوجد فرصاً غير مسبوقة، من خلال المحافظة على مستويات مستدامة من الدَّيْن العام واحتياطيات حكومية معتبرة، إضافةً إلى سياسة إنفاق مرنة تمكّنها من مواجهة التحديات والتقلبات في الاقتصاد العالمي.

وشدّد ولي العهد، عقب إقرار مجلس الوزراء ميزانية العام المالي لعام 2025، على أن الإصلاحات المالية التي نفّذتها المملكة انعكست إيجابياً على تصنيفاتها الائتمانية؛ نتيجة تبني الحكومة سياسات مالية تسهم في المحافظة على الاستدامة المالية وكفاءة التخطيط المالي.

وأشار محمد بن سلمان إلى أن ميزانية العام المالي 2025 تؤكد استهداف حكومة المملكة الاستمرار في عملية تنفيذ الإصلاحات التنظيمية والهيكلية وتطوير السياسات الهادفة إلى الارتقاء بمستوى المعيشة وتمكين القطاع الخاص وبيئة الأعمال، والعمل على إعداد خطة سنوية للاقتراض وفق استراتيجية الدين متوسطة المدى التي تهدف إلى الحفاظ على استدامة الدين وتنويع مصادر التمويل بين محلية وخارجية والوصول إلى أسواق الدين العالمية.

ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)

ونوّه بالدور المحوري للمملكة في دعم الاستقرار الاقتصادي والمالي إقليمياً وعالمياً، انطلاقاً من متانة اقتصادها القادر على تجاوز التحديات.

دعم النمو

وأوضح ولي العهد أن الحكومة ملتزمة مواصلة دعم النمو الاقتصادي من خلال الإنفاق التحولي مع الحفاظ على الاستدامة المالية على المديين المتوسط والطويل، وتواصل الحكومة تعزيز دور القطاع الخاص وتمكينه ليصبح المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي من خلال توفير البيئة الاستثمارية المحفّزة، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتكوين قطاع عمل قوي وواعد يعزز قدرات الكوادر البشرية في المشاريع المختلفة، ويُمكّن الحكومة من مواصلة العمل على تعزيز نموها الاقتصادي، بما يحقق للاقتصاد استدامةً مالية، واستمرارية المشاريع ذات العائدَين الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى مواصلة العمل على تحقيق وتنفيذ البرامج والمبادرات المتعلقة بتطوير البنية التحتية، ورفع جودة الخدمات الأساسية المقدَّمة للمواطنين والمقيمين والزائرين.

وقال ولي العهد: «إن الاقتصاد السعودي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، ويتأثر بالتطورات العالمية كأي اقتصاد آخر؛ وهذا ما يدعونا إلى مواصلة العمل على مواجهة أي تحديات أو متغيرات عالمية عبر التخطيط المالي طويل المدى للاستمرار على وتيرتنا المتصاعدة نحو تحقيق وتنفيذ البرامج والمبادرات، مع الالتزام بكفاءة الإنفاق، والتنفيذ المتقن والشفاف لجميع البنود الواردة في الميزانية، وإتمام البرامج والمشاريع المخطط لها في برامج (رؤية السعودية 2030) والاستراتيجيات الوطنية والقطاعية».

ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء (واس)

وقال إن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد السعودي تأتي امتداداً للإصلاحات المستمرة في المملكة في ظل «رؤية 2030»؛ إذ يقدر أن تسجل المملكة ثاني أسرع معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بين الاقتصادات الكبرى خلال العام المقبل عند 4.6 في المائة، مدفوعةً باستمرار ارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية التي بلغت مستوى قياسياً جديداً لها خلال عام 2024 عند 52 في المائة، وانخفض معدل بطالة السعوديين إلى مستوى قياسي بلغ 7.1 في المائة حتى الربع الثاني، وهو الأدنى تاريخياً، مقترباً من مستهدف 2030 عند 7 في المائة.

كما ارتفع معدل مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل ليصل إلى 35.4 في المائة حتى الربع الثاني متجاوزاً مستهدف الرؤية البالغ 30 في المائة، وبلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي 21.2 مليار ريال (5.6 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الحالي، ويعكس ذلك اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بجميع فئات المجتمع.

المملكة تسير على نهجٍ واضح

ولفت ولي العهد إلى الدور المحوري لصندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني والصناديق التنموية التابعة له في دعم الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة، كما يمثل الصندوقان قوة فاعلة لتنويع الاقتصاد والاستثمار في المملكة، بما يحقق مستهدفات «رؤية المملكة 2030».

وأضاف: «إن المملكة تسير على نهجٍ واضح، وهدف حكومتها - بقيادة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين - في المقام الأول هو خدمة المواطنين والمقيمين، والمحافظة على مكتسباتنا التنموية، والاستمرار في أعمالنا الإنسانية في الداخل والخارج، التزاماً بتعاليم ديننا الحنيف، ومواصلة العمل بكل الموارد والطاقات لتحقيق أهدافنا، مستعينين بالله - عز وجل - ومتوكلين عليه، وواثقين بطاقات وقدرات أبناء وبنات هذه البلاد الذين تسابقوا على الابتكار والإنتاج والإسهام في تحقيق رؤيتنا للوصول إلى مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح».

زيادة الإنفاق التحولي

وبحسب بيان الميزانية، تسعى الحكومة السعودية إلى مواصلة دعم النمو الاقتصادي وتعزيز مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين من خلال زيادة الإنفاق التحولي، مع الحفاظ على الاستدامة المالية.

وتشير التوقعات إلى استمرار الاقتصاد السعودي في تسجيل معدلات نمو إيجابية خلال عام 2024، وعلى المدى المتوسط، بفضل الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بـ«رؤية السعودية 2030». هذه الإصلاحات أسهمت في تنويع القاعدة الاقتصادية، واستغلال فرص النمو المحتمل، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، إضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص ودعم نمو القطاعات الواعدة.

وبحسب ما ورد في البيان، فإنه على الرغم من التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد العالمي بسبب التشديد النقدي لكبح التضخم والتقلبات الجيوسياسية، أظهرت توقعات المنظمات الدولية تفاؤلاً بأداء الاقتصاد السعودي، حيث من المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً بنسبة 0.8 في المائة في عام 2024، مدعوماً بنمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 3.7 في المائة، ما يعزز هذا الأداء المؤشرات الإيجابية للنصف الأول من العام الحالي، خاصة تلك المرتبطة بالاستهلاك والاستثمار الخاص.

كما انعكس النمو غير النفطي بشكل واضح في سوق العمل، حيث ارتفع عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص بنسبة 4.1 في المائة بنهاية الربع الثاني من عام 2024، بإضافة نحو 92 ألف وظيفة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. هذا الأداء يعكس التزام المملكة بتنفيذ استراتيجياتها لتحقيق نمو مستدام على المدى المتوسط.

التوسع في الإنفاق الاستثماري

وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن ميزانية عام 2025 تستهدف مواصلة التوسع في الإنفاق الاستراتيجي على المشاريع التنموية، وفق الاستراتيجيات القطاعية وبرامج «رؤية المملكة 2030»، واستمرار تنفيذ البرامج والمشاريع ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المستدام، وتطوير بيئة الأعمال لتعزيز جاذبيتها، والمساهمة في تحسين الميزان التجاري للمملكة، وزيادة حجم ونوع الاستثمارات المحلية والأجنبية.

وشدّد في مؤتمر صحافي، عقب إقرار ميزانية عام 2025، على أن الحكومة استمرت في الإنفاق التوسعي لما يحمل من أثر إيجابي للمواطن.

ولفت إلى أن اقتصاد المملكة وصل لمرحلة لا تؤثر فيه التقلبات التي تحدث في أسواق النفط كما كانت في السابق.

وزير المالية في مؤتمر صحافي عقب إقرار مجلس الوزراء ميزانية 2025 (الشرق الأوسط)

وقال إن 3.7 في المائة هو النمو المتوقع بالاقتصاد غير النفطي بنهاية 2024، موضحاً أن الأنشطة غير النفطية ساهمت في الناتج المحلي بنسبة 52 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وكاشفاً نمو الإيرادات غير النفطية بنسبة 154 في المائة منذ إطلاق «رؤية المملكة 2030».

وقال إن مساهمة النفط في الناتج المحلي اليوم هو 28 في المائة. وأضاف أن الناتج المحلي الاسمي وصل إلى 4.1 تريليون ريال.

وأفصح عن ارتفاع مساهمة الاستثمار الخاص في الناتج المحلي من 16 في المائة في عام 2016 إلى 24.7 في المائة حالياً، وأن قطاع الصناعة يستهدف جذب 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) استثمارات في عام 2025، وتقديم تسهيلات ائتمانية للمصدرين السعوديين بقيمة 12.3 مليار ريال (3.2 مليار دولار) في العام المقبل، مؤكداً أن السياحة تعدّ ثاني أكثر العوامل تأثيراً على ميزان المدفوعات بعد ‫النفط.

وشدّد على أن المؤشرات الاقتصادية تدعو إلى التفاؤل. وقال: «هناك قفزة بعدد الشركات الصغيرة والمتوسطة بفضل الإنفاق الحكومي... نواصل الالتزام بالتحفظ عند إعداد الميزانية. وأرقام الإيرادات دليل على ذلك».

ولفت إلى أن تغيرات هيكلية في اقتصاد المملكة بدأت تظهر نتائجها، كاشفاً أن 33 في المائة هي نسبة ارتفاع في الإنفاق على الاستراتيجيات وبرامج تحقيق «رؤية 2030».