اهتمام عالمي بزراعة «المانغروف» لمواجهة تغير المناخ

أشجاره تمتص الكربون بنسبة تفوق الغابات 5 مرات

أشجار المانغروف تحمي الشواطئ من النحر وتخزن الكربون (الصندوق العالمي للطبيعة)
أشجار المانغروف تحمي الشواطئ من النحر وتخزن الكربون (الصندوق العالمي للطبيعة)
TT

اهتمام عالمي بزراعة «المانغروف» لمواجهة تغير المناخ

أشجار المانغروف تحمي الشواطئ من النحر وتخزن الكربون (الصندوق العالمي للطبيعة)
أشجار المانغروف تحمي الشواطئ من النحر وتخزن الكربون (الصندوق العالمي للطبيعة)

هل يكون حل المشكلة في هذه الشجرة؟! كانت هذه العبارة التي رددها باستهانة بعض من أبناء المجتمعات المحلية بمحافظة البحر الأحمر؛ حيث تنفذ مصر مشروعاً لاستزراع غابات المانغروف على الساحل، لمواجهة تداعيات تغير المناخ، محفزة القائمين على المشروع لتنفيذ لقاءات توعية، توضح أهمية تلك الشجرة التي يمكن أن تكون خط الدفاع ضد مجموعة من تداعيات تغير المناخ.
وفقدت دول العالم -بما فيها مصر- كميات كبيرة من هذه الشجرة المهمة؛ لأن المجتمعات المحلية كانت إما تستفيد من أخشاب تلك الأشجار وإما تستخدمها مرعى لحيواناتهم مثل الجمال، دون الالتفات لأهميتها البيئية التي يحاول المشروع المصري لفت الانتباه لها، على غرار ما هو معمول به الآن في أكثر من دولة حول العالم.
ويقول سيد خليفة، الأستاذ بمركز بحوث الصحراء بمصر ومدير المشروع ونقيب الزراعيين المصريين لـ«الشرق الأوسط»: «بدأ مشروعنا قبل نحو 5 سنوات، ونحاول من خلاله استزراع أشجار المانغروف، وتوضيح قيمتها للمجتمعات المحلية، حتى تكون تلك المجتمعات أكثر حرصاً منا على حمايتها».
وتؤدي تلك الشجرة وظيفة بيئية مهمة للغاية، فهي تقاوم عوامل النحر التي تسبب تآكل الشريط الساحلي، كما تقوم بتخزين الكربون بنسبة تفوق الغابات الاستوائية بنحو 5 مرات، بحسب دراسة أبرزت أهمية الشجرة بيئياً في يونيو (حزيران) الماضي في دورية «ويرز كلايمنت تشانغ».
ولا تعرف المجتمعات المحلية هذه الفوائد التي قد تكون حماية لها من أن تبتلعها مياه البحر، بالإضافة إلى فائدتها في امتصاص الكربون، لذلك كانت توعيتهم بتلك الفوائد، بالإضافة إلى تنفيذ مشروعات قائمة على تلك الشجرة لخلق مزيد من الاهتمام للمجتمعات المحلية بها، وهو المرتكز الرئيسي لهذا المشروع الذي تم إطلاقه قبل 5 سنوات بتكلفة بلغت نحو 50 ألف دولار سنوياً.
ويقول خليفة: «نفذنا مؤخراً مشروعاً لتربية نحل العسل، قائم على أزهار غابات المانغروف، وذلك بعد أن قمنا بعمل دورات تدريبية للمجتمعات المحلية، وننوي في نهاية مشروعنا تمليك المجتمعات المحلية المناحل التي أقيمت بالمنطقة، لخلق ارتباط بين تلك المجتمعات وأشجار المانغروف».
وعلى الرغم من أن مدة هذا المشروع كانت 5 سنوات فقط تنتهي هذا العام، فإن الاستدامة التي حققها من خلال مشروع نحل العسل القائم على أزهار أشجار المانغروف، جعلته واحداً من أبرز مشروعات التكيف المناخي التي ستقدمها مصر على أجندة مؤتمر «كوب 27»، كما يوضح خليفة.
ويمثل الجمع بين الأهداف البيئة والاقتصادية من أجل تحقيق الاستدامة لأشجار المانغروف، إحدى أهم التوصيات التي يوصي بها الصندوق العالمي للطبيعة.
وينفذ الصندوق مشروعاً شبيهاً للمشروع المصري في 4 بلدان، هي: المكسيك ومدغشقر وفيجي وكولومبيا، وتبلغ مدة هذا المشروع 5 سنوات، ويهدف إلى حماية واستعادة وتعزيز إدارة 2.47 مليون فدان من أشجار المانغروف، وبالتالي امتصاص ما يقدر بملياري طن من الكربون، وحماية 300 ألف شخص يعيشون بجانب هذه الغابات الساحلية.
ولفت الصندوق على موقعه الإلكتروني، في تقرير نشره 4 يناير (كانون الثاني) من العام الجاري، إلى أهمية الإدارة المستدامة لمشروعات المانغروف، من خلال تحويلها إلى مصدر لعديد من فرص كسب العيش للمجتمعات المحلية، بما يمكن أن يساعد في الحفاظ على هذه النظم الإيكولوجية الساحلية القيمة.
ومن الأنشطة الاقتصادية التي يمكن أن تساعد فيها هذه الأشجار: جمع المحار، وصيد الأسماك، وتربية النحل؛ حيث تكون بيئة هذه الأشجار مأوى للأسماك والمحار، بينما تكون أزهارها مفيدة في تربية نحل العسل، كما يوضح التقرير.
ولفت التقرير أيضاً إلى أن أشجار المانغروف تولد دخلاً غير مباشر للمجتمعات؛ حيث تعمل هذه الأشجار وأنظمتها الجذرية الشاسعة كمأوى وقائي للحياة البحرية الشابة المعرضة للخطر في أثناء نموها ونضجها، بما في ذلك أسماك القرش الصغيرة والهامور، وتدعم دورة الحياة هذه كلاً من التنوع البيولوجي وسبل عيش المجتمع، من خلال سياحة الشعاب التي يتم إجراؤها بشكل مستدام، والصيد البحري.
وإضافة لهذه الفوائد، توفر تلك الأشجار حماية للمجتمعات المحلية من العواصف؛ حيث يؤدي النمو الضيق لجذور وفروع المانغروف المتشابكة إلى مقاطعة ارتفاع المياه والأمواج الكبيرة، وبالتالي حماية الناس والمنازل والبنية التحتية للأعمال من هبوب العواصف القوية، وهي ميزة ستزداد أهميتها فقط مع استمرار الظواهر الجوية الشديدة في التفاقم نتيجة للمناخ.
وهذه الفائدة الأخيرة التي أشار إليها التقرير كان تقرير لمنظمة «الرؤية العالمية الدولية» المعنية بقضايا البيئة والمناخ، قد أشار إليها في تقرير نشره موقعها الرسمي في 25 يوليو (تموز) الماضي.
وإضافة إلى المشروع المصري الخاص بخلق استفادة اقتصادية من الأشجار، والمشروعات التي أشار إليها الصندوق العالمي للطبيعة، يوجد مشروع آخر يتم في كينيا، ركز عليه تقرير منظمة «الرؤية العالمية الدولية»، ويعتمد على بيع «أرصدة الكربون».
ويزرع السكان المحليون في هذا المشروع أشجار المانغروف، ويبيعون «أرصدة الكربون» التي تجمعها الأشجار، لتمويل التنمية المستدامة في المنطقة.
ونظراً لقدرة المانغروف على امتصاص الكربون، تُعرف غاباته باسم «أحواض الكربون»، أو «المناطق الأحيائية الغنية بالكربون»، ومن خلال تخزين الكربون الزائد، فإنها تساعد في تقليل الاحتباس الحراري، ومن ناحية أخرى يمكن بيع «أرصدة الكربون» التي تخزنها تلك الأشجار.
و«أرصدة الكربون» هي حوافز مالية تقدم في مقابل كل طن من ثاني أكسيد الكربون لم يعد ينبعث في الغلاف الجوي، بفضل تقليل الغازات أثناء الإنتاج، أو بسبب إدخال حلول جديدة، ومنها الحلول القائمة على الطبيعة، مثل المانغروف.
ومن جانبه، يثني خالد قابيل، أستاذ النباتات بجامعة المنيا (جنوب القاهرة)، على توجه الربط بين مشروعات المانغروف، وخلق فائدة اقتصادية من تلك الأشجار للمجتمعات المحلية.
ويقول قابيل لـ«الشرق الأوسط»: «جهود استزراع المانغروف ستكون دون طائل، ما لم تحمِها المجتمعات المحلية نفسها».
ويشير إلى دراسة مصرية في عام 2018، كشفت عن أن حجم الضرر الذي لحق بغابات المانغروف «ربما يتجاوز بكثير ما يمكن استبداله بأي برنامج إعادة استزراع لسنوات قادمة»؛ لكنه من ناحية أخرى يعرب عن أمله في أن تثمر قمة المناخ «كوب 27» عن تمويل يسمح بالتوسع في هذه المشروعات.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مجهولون في طرابلس يخطفون عميداً بالاستخبارات الليبية

الدبيبة ورئيس أركان قواته (حكومة «الوحدة»)
الدبيبة ورئيس أركان قواته (حكومة «الوحدة»)
TT

مجهولون في طرابلس يخطفون عميداً بالاستخبارات الليبية

الدبيبة ورئيس أركان قواته (حكومة «الوحدة»)
الدبيبة ورئيس أركان قواته (حكومة «الوحدة»)

خطف مجهولون في العاصمة الليبية طرابلس، مدير إدارة الأمن المركزية بجهاز الاستخبارات، العميد مصطفى علي الوحيشي، وهو ما دفع عدداً من الغاضبين في مدينة الزنتان للتلويح بإغلاق حقول النفط؛ تنديداً بعملية الخطف.

وأدان أعضاء جهاز الاستخبارات، التابع لإدارة الأمن المركزية في غرب البلاد، في بيان، الخميس، خطف الوحيشي، الذي جرى، مساء أمس الأربعاء، مشيرين إلى أن العملية «جرت على خلفية التحقيقات الجارية في قضايا عدة تتعلق بوقائع تمس الأمن القومي الليبي».

وحمّل أعضاء الجهاز الجهة المتورطة في الخطف «كامل المسؤولية القانونية، وما يترتب عن تداعيات هذا العمل»، الذي وصفوه بـ«الجبان»، داعين الأطراف الفاعلة في الدولة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق سراحه.

كما حذّر أعضاء الجهاز من أن «عمليات الاستهداف والإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي تُعطي ذريعة لنهج الغلو والتطرف، والترويع الذي يزج بالبلاد في دوامة العنف والفوضى».

والوحيشي، وفقاً لمقربين منه، خريج كلية الشرطة ينحدر من مدينة الزنتان، الواقعة غرب ليبيا، ويعمل على ملف قضايا الفساد، وكان، سابقاً، مسؤولاً عن التحقيقات في إدارة الجرائم الاقتصادية، مشيرين إلى أن الخاطفين تربصوا به عند خروجه من مكتبه، ليل الأربعاء، وإرغامه على النزول من سيارته، بينما كان في الطريق إلى منزله واقتادوه قبل أن يلوذوا بالفرار.

النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

وفي شأن يتعلق بمكافحة الفساد، أمرت النيابة العامة بحبس مسؤول شركة التنمية الفندقية، المملوكة للشركة «الليبية للاستثمارات الخارجية»؛ لاتهامه بـ«التربح».

وأوضح مكتب النائب العام، اليوم الخميس، أن نائب النيابة بالمكتب بحث نتائج فحص معاملة مدير الشركة لمشروع تأهيل فندق وهران باي (شيراتون سابقاً)، فاستدل على إساءة المسؤول سلطته الوظيفية لحساب الغير؛ وذلك بصرف 34 مليوناً و509 آلاف و500 يورو لفائدة إحدى أدوات التنفيذ، كما صرف مليونين و780 ألفاً و125 يورو لمكتب استشاري.

ونوه مكتب النائب العام بأن المسؤول صرف مبالغ تساوي 70 في المائة من قيمة المشروع، على الرغم من أن نسبة الإنجاز به لم تتجاوز 2 في المائة، إضافةً إلى اعتماد المسؤول ثمن صيانة كل غرفة في الفندق بمبلغ 275 ألفاً و548 يورو، في حين أن تكلفة الصيانة لكل غرفة لا تتجاوز 80 ألف يورو.

وانتهى المكتب إلى أن هذه المخالفات أسفرت عن تحصيل منافع مادية للغير، مما دفع المحقق إلى حبسه على ذمة التحقيق.