بوركينا فاسو: تزايد العنف يثير الانتقادات ضد «المجلس العسكري»

ارتفاع عدد ضحايا هجوم شمال البلاد لأكثر من 60 قتيلاً ومفقوداً

داميبا خلال حضوره اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك (رويترز)
داميبا خلال حضوره اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك (رويترز)
TT

بوركينا فاسو: تزايد العنف يثير الانتقادات ضد «المجلس العسكري»

داميبا خلال حضوره اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك (رويترز)
داميبا خلال حضوره اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك (رويترز)

تزايدت الضغوط والانتقادات التي يتعرض لها «المجلس العسكري» الحاكم في بوركينا فاسو، في ظل ارتفاع لافت لأعمال العنف التي تشهدها البلاد، منذ سنوات، وكانت سببا في الانقلاب على الرئيس السابق مطلع العام الحالي.
وقتل 11 عسكريا على الأقلّ، فيما بات نحو 50 مدنياً في عداد المفقودين، بحسب المتحدّث باسم الحكومة في واغادوغو مساء (الثلاثاء)، بعد تعرض قافلة تموين متّجهة إلى مدينة دجيبو لهجوم وصفه بـ«جبان وهمجي». وتزود القوافل التي يرافقها الجيش المدن التي يحاصرها مسلحون شمال البلاد. ووفق مصادر أمنية «تمّ إحراق القافلة بأسرها، بما فيها من آليات ومواد غذائية».
وتشهد بوركينا، التي تقع في منطقة الساحل الأفريقي، منذ 2015 هجمات واسعة تشنّها جماعات مسلحة تنتمي إلى تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، خلّفت آلاف القتلى وما يقارب مليوني مهجّر.
وأدى الإحباط من تصاعد العنف إلى انقلاب عسكري على الرئيس السابق لبوركينا فاسو روك كابوري، حين أطاح به اللفتنانت كولونيل سانداوغو داميبا، في يناير (كانون الثاني) الماضي، متّهماً إياه بـ«العجز عن مكافحة العنف»، لكنّ الوضع الأمني في بوركينا فاسو لم يتحسّن بعد هذا الانقلاب العسكري.
ويرى عبدالقادر كاوير، الباحث السياسي المتخصص في الشأن الأفريقي، والمقيم في نيروبي، أن «أعمال العنف في بوركينا تشعل المزيد من الغضب الشعبي على السلطات العسكرية، باعتبار أن مجيئها ارتبط بوعود ضخمة للقضاء على المسلحين».
ويرجع كاوير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، «فشل المجلس العسكري في السيطرة على العنف»، إلى ما وصفه بـ«تعقيدات كثيرة اجتماعية واقتصادية وسياسية دولية، حالت دول الوصول إلى هذا الهدف»، منوها إلى أن «الهجمات في بوركينا تدخل في سياق عدوى العنف التي تشمل كذلك معظم دول الساحل والغرب الأفريقي مثل مالي».
وانتقد التنافس الفرنسي – الروسي في المنطقة، مشيرا إلى أن «كل طرف يحاول أن يحقق نوعا من المكاسب إما بدعم الجماعات المسلحة أو دعم الحكومات في المنطقة، الأمر الذي أثر على استقرار تلك الدول»، مؤكدا أن أيا من تلك الجماعات سواء كانت (إرهابية أو مسلحة بدافع سياسي)، لن تحقق أي مكاسب دون دعم خارجي. وبحسب الأرقام الرسمية فإنّ أكثر من 40 في المائة من مساحة بوركينا فاسو لا تسيطر عليها الدولة.
ويتوقع كاوير بمرور الوقت أن ينجح التمرد المسلح في ضعف سيطرة الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو، ما لم يتم الاستعانة بقوى خارجية، خاصة روسيا، في ظل توجه أفريقي بتقليل الاعتماد على فرنسا.
ودفع التصعيد في الهجمات الإرهابية، المجلس العسكري إلى إقالة وزير الدفاع الجنرال بارثيليمي سيمبور في منتصف سبتمبر (أيلول) الحالي. وقال الدكتور محمد عبد الكريم أحمد، الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي بمعهد الدراسات المستقبلية في بيروت، لـ«لشرق الأوسط» إن «الطريقة التي تم بها إعلان الإقالة أوحت بتذمر من أداء وزير الدفاع السابق، وأولوية ملف مواجهة الإرهاب في إدارة داميبا، مع ملاحظة أن الانقلاب على الرئيس السابق كان بدافع الملف نفسه».
ولفت عبد الكريم إلى «تصاعد الأعمال الإرهابية في شمال البلاد خلال سبتمبر الحالي، في مقابل تهدئة ملموسة في المناطق الداعمة لداميبا»، واعتبرها «تمثل هاجسًا خطيرًا لمستقبل البلاد في تقدير المجلس العسكري».
ومع استمرار معاناة أكثر من مليوني فرد في بوركينا فاسو، أو نحو 10 في المائة من إجمالي السكان، من تمدد الأنشطة الإرهابية وقصور عمليات الإغاثة والإمداد (التي تمثل هدفا رئيسيا مرحليا لأنشطة الجماعات الإرهابية)، يشير عبد الكريم إلى «استمرار حالة الاستياء الشعبي وتعاظمها في ظل الفشل المرتقب للأداء على الصعيد الاقتصادي حيث يصنف أكثر من 40 في المائة من سكان البلاد دون خط الفقر».
ويضيف الخبير السياسي أن «عوامل الاستياء المحلي إزاء مزيد من تصعيد الأنشطة الإرهابية وعدم قدرة المجلس العسكري الحاكم على مواجهتها بشكل حاسم تضاف إلى عوامل هيكلية أخرى تعاني منها بوركينا فاسو منذ سنوات وتحتاج إلى مقاربة تنموية - أمنية مشتركة لمواجهة التهديدات الإرهابية وتحجيمها وإعادة فرض الحكومة سيطرتها على جميع أقاليم البلاد ومن ثم حل مشكلات التنمية بأساليب أكثر جدية ونجاعة على المديين القريب والمتوسط».


مقالات ذات صلة

«مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

العالم «مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

«مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

بدأت بوركينا فاسو التحقيق في «مذبحة» وقعت في قرية الكرمة شمال البلاد، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، على أيدي مسلحين يرتدون زي القوات المسلحة البوركينابية. وقُتل نحو 136 شخصاً في الهجوم، الذي وقع في 20 أبريل (نيسان) واتَّهم فيه مواطنون قوات الجيش بالمسؤولية عنه، لكنّ مسؤولين قالوا إن «مرتكبي المذبحة إرهابيون ارتدوا ملابس العسكريين»، في حين ندّدت الحكومة بالهجوم على القرية، في بيان صدر في 27 أبريل، دون ذكر تفاصيل عن الضحايا، قائلة إنها «تواكب عن كثب سير التحقيق الذي فتحه المدعي العام للمحكمة العليا في واهيغويا، لامين كابوري، من أجل توضيح الحقائق واستدعاء جميع الأشخاص المعنيين»

محمد عبده حسنين (القاهرة)
العالم الحرب على الإرهاب في بوركينا فاسو... مقتل 33 جندياً و40 إرهابياً

الحرب على الإرهاب في بوركينا فاسو... مقتل 33 جندياً و40 إرهابياً

أعلن الجيش في بوركينا فاسو أن 33 من جنوده قتلوا في هجوم نفذته مجموعة إرهابية على موقع عسكري، يقع في شرق البلاد، وذلك في آخر تطورات الحرب الدائرة على الإرهاب بهذا البلد الأفريقي الذي يعاني من انعدام الأمن منذ 2015. وقال الجيش في بيان صحافي إن مجموعة من المسلحين هاجمت فجر الخميس موقعاً عسكرياً في منطقة أوجارو، شرق البلاد، على الحدود مع دولة النيجر، وحاصروا وحدة من الجيش كانت تتمركز في الموقع، لتقع اشتباكات عنيفة بين الطرفين. وأعلن الجيش أن الحصيلة تشير إلى مقتل 33 جندياً وإصابة 12 آخرين، لكنهم في المقابل قتلوا ما لا يقلُّ عن 40 من عناصر المجموعة الإرهابية التي ظلت تحاصرهم حتى وصلت تعزيزات فكت عن

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو «تعبئة عامة» لمنح الدولة «الوسائل اللازمة» لمكافحة الإرهاب، تزايدت الجماعات المسلحة في الأسابيع الأخيرة، والتي يتم تحميل مسؤوليتها عادة إلى مسلحين مرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتشهد بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، أعمال عنف ونشاطاً للجماعات المتطرفة منذ 2015 طالها من دولة مالي المجاورة. وقتل مسلحون يرتدون أزياء عسكرية في بوركينا فاسو نحو 60 شخصاً، بحسب مصدر قضائي، الاثنين، ذكر لوكالة «الصحافة الفرنسية»، نقلاً عن جهاز الشرطة، أن «الهجوم وقع (الخميس) في قرية كارما في شمال إقليم ياتنغا»، مضيفاً أن المسلحين «استولوا» على كميات من البضائع ا

العالم بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو «تعبئة عامة» لمنح الدولة «الوسائل اللازمة» لمكافحة الإرهاب، تزايدت الهجمات المسلحة في الأسابيع الأخيرة، التي يتم تحميل مسؤوليتها عادة إلى مسلحين مرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتشهد بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، أعمال عنف ونشاطاً للجماعات المتطرفة منذ 2015 طالاها من دولة مالي المجاورة. وقتل مسلحون يرتدون أزياء عسكرية في بوركينا فاسو نحو 60 شخصاً، حسب مصدر قضائي (الاثنين) ذكر لوكالة الصحافة الفرنسية، نقلاً عن جهاز الشرطة، أن الهجوم وقع (الخميس) في قرية كارما شمال إقليم ياتنغا، مضيفاً أن المسلحين «استولوا» على كميات من البضائع المتنوعة خ

أفريقيا مقتل 60 مدنياً بهجوم في شمال بوركينا فاسو

مقتل 60 مدنياً بهجوم في شمال بوركينا فاسو

قال مسؤول من بلدة أواهيجويا في بوركينا فاسو، أمس الأحد، نقلاً عن معلومات من الشرطة إن نحو 60 مدنياً قُتلوا، يوم الجمعة، في شمال البلاد على أيدي أشخاص يرتدون زي القوات المسلحة البوركينية. وأضاف المدعي العام المحلي لامين كابوري أن تحقيقاً بدأ بعد الهجوم على قرية الكرمة في إقليم ياتنجا في المناطق الحدودية قرب مالي وهي منطقة اجتاحتها جماعات إسلامية مرتبطة بـ«القاعدة» وتنظيم «داعش» وتشن هجمات متكررة منذ سنوات. ولم يذكر البيان مزيداً من التفاصيل بشأن الهجوم، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء. وذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في مارس (آذار) أن هجمات الجماعات المسلحة على المدنيين تصاعدت منذ عام 2022 ب

«الشرق الأوسط» (واغادوغو)

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.