رصد باحث عربي أقوال وكتابات عدد من المستشرقين الأوروبيين والمؤرخين والزائرين - عربا ومسلمين - الذين التقوا الملك المؤسس للسعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن، أو عملوا معه. وأجمعوا على أن شخصية الملك فريدة من نوعها، إذ يملك قدرة على البناء والتحديث على أسس عصرية ونجح في نشر الأمن ومحاربة الجهل والجمود، مما يؤهل لوصفه بطل الأمة ومرشح لحكمها وقيادتها.
الباحث في التاريخ وعلم الاجتماع والدراسات الأنثروبولوجية، وشؤون البادية والقبائل والأنساب العربية، والخبير في الأرشيف العثماني الدكتور إسماعيل بن محمد السلامات (سوري مقيم في السعودية)، رصد أقوال وكتابات بعض المستشرقين والمؤرخين الذين عايشوا الملك عبد العزيز، وشدد في حديث لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة ذكرى اليوم الوطني السعودي الـ92، أن شخصية الملك عبد العزيز، الذي أسس المملكة العربية السعودية في 1932، «اتسمت بمزايا الحاكم المؤمن التقي المحب لنشر العدل، والإنصاف والمساواة بين الناس، فكان كريماً شجاعاً، حليماً عفواً عند المقدرة؛ فأحبه وأعجب بشخصه النبيل كل من قابله أو عرفه».
وكان من ذلك إعجاب المستشرقين والزائرين، مشدداً على أن لهذه الشخصية التي فطر ونشأ عليها أثرها الكبير في كل من قابلهم في حياته وعرفوه، فشخصيته صقلتْها الظروف الاجتماعية والسياسية، وطبيعة البيئة التي نشأ وترعرع فيها، مبرزاً في هذا الصدد أقوال العرب والمسلمين والمستشرقين الأوروبين، بدءاً بالأمين العام للجامعة العربية عام 1364هـ عبدالرحمن عزام الذي قال: «عرفت جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، وعرفني، قبل أن نلتقي ببضع سنين، فلما كان حج سنة 1346هـ وأتيح لي أن أتشرف بلقائه، وأنزل ضيفاً في ساحته، رأيت فيه مثلاً للعروبة في حالتها النظرية، تتجلى فيه المعاني التي ظهرت في حياة العرب في جاهليتهم، وإسلامهم، وأول هذه المعاني: العزة، والثقة في النفس، وما ينطوي عليه ذلك من عقيدة في سمو القوم الذين ينتسب إليهم، فكل شيء في نظره هو دون المستوى الذي ترسمه العروبة في خاطره، وهو في ذلك مثل كل عربي لم تلوثه الحضارة الغربية، يعتقد أن العزة لله، ثم لرسوله الكريم».
أمين الريحاني
ولفت الباحث السلامات إلى أن شهادة الكاتب والأديب العربي أمين الريحاني «تأتي شهادة حق، تظهر تفوق الملك عبدالعزيز في الكثير من المواهب والخصال الحميدة، مقارنة بمن قابلهم من ملوك العرب، وأمرائهم في عصره، شهادة بعيدة كل البعد عن الادعاء». ويقول الريحاني: «لقد قابلت أمراء العرب كلهم، فما وجدت فيهم أكبر من هذا الرجل، إن الرجل فيه أكبر من السلطان، ومهما قيل في ابن سعود فهو رجل قبل كل شيء، رجل كبير القلب والنفس والوجدان، عربي تجسمت فيه فضائل العرب إلى حد يندر في غير الملوك الذين زينتْ آثارهم شعرنا وتاريخنا، رجل صافي الذهن والوجدان، خلو من الادعاء والتصلف، خلو من التظاهر الكاذب».
أما عباس محمود العقاد، فيقول في شخص الملك عبدالعزيز إنه «بطل الأمة من الأمم، هو الرجل الذي يتجمع في شخصه صفاتها، ومزاياها على أتمها، وأوضحها، وأقواها، فهو مرشح بالفطرة لحكمها وقيادتها».
وعندما نقرأ ما كتبه خير الدين الزركلي الذي عاصره، وكتب عنه مؤلفاً قيماً، فيقول: «الكرم من سجايا العرب المحمودة قديماً وحديثاً، والملك عبدالعزيز اشتهر بالجود في عهدي: ضيق ذات اليد، وإقبال دنيا النفط على خزائنه. كان يعطي ويتلذذ بالعطاء، وأخباره في هذا كثيرة. أنشأ الدولة، ودوّخ أعداءه ومنافسيه، وأدخل في بلاده أنواع الإصلاح، واشتهر بما انفرد به من الكرم. وذلك كله قبل أن يدر النفط فيضه، وقبل أن يكون له ولمملكته من الثروة ما ينهض به وبأعماله. ولما تدفق النفط أكمل ما بدأ».
وحول ما قاله بعض المستشرقين الأوربيين في الملك عبدالعزيز، أشار المؤرخ السلامات إلى أن «صفات وسجايا الملك عبدالعزيز الحميدة لفتت أنظار المستشرقين الأوربيين، ممن التقوا به، وعرفوه عن قرب، وسعدوا بصحبته، فكان ذلك كفيلاً بأن يعرفوا حقيقة أخلاق العرب، ومبادئ الإسلام والمسلمين من خلاله». وضرب مثلاً بالرحالة البريطاني فيلبي الذي كان قريباً من الملك عبدالعزيز منذ شبابه، وقال فيه: «جندي ناجح، ومصلح أصيل، تقي كل التقى، صريح حازم، ذكي متواضع. ولا أعلم أن في العالم حاكماً غيره تتحدث معه رعيته بمثل الحرية التي تتحدث بها رعية عبدالعزيز معه، وذلك إلى جانب ما تكن له من إكبار وإخلاص عظيمين».
جواهر لال نهرو
ويذكر الزعيم الهندي جواهر لال نهرو في كتابه «رسائل إلى ابنتي»: «أثبت ابن سعود أنه أذكى من الحسين، فقد استطاع أن يقنع الإنجليز بالاعتراف باستقلاله، وأن يبقى على الحياد. وبعد أن نجح ابن سعود جندياً ومحارباً، كرّس كل جهوده لبناء بلاده على أسس عصرية حديثة، لقد أراد القفز بها من حياة القبيلة إلى حياة العصر الحديث. ويظهر أن ابن سعود نجح في ذلك إلى حد كبير، وأثبت أنه رجل سياسي قدير بعيد النظر».
ويقول المستشرق المجري جرمانوس: «إنه بطل بما تسعه الكلمة القصيرة من معانٍ، وإن الملك كان شديد التأثير فيمن يعرفه أو يلقاه. الملك الذي لا يقاتل الناس، ولا يعتدي عليهم، وإنما يحارب الجهل، ويقاتل الجمود، ويكافح التآمر».
وبعدما جالسه، وتأثر بشخصه النبيل قال: «استروحت في أحاديثه للعواطف التي تصدر عن أب يحيط ابنه بجليل سجاياه، حتى يتأثر بها، ويحتذيها، وكانت هذه الأحاديث دلالة قوية على أنني أجلس إلى رجل عربي التفكير».
وكتب جورج أنطونيوس: «بدّل ابن سعود شكل الحياة في غرب الجزيرة تبديلاً أساسياً، في نواحيها الخاصة والعامة؛ بما أوجده من نظام للحكم، وما ذهب إليه من فهم الواجبات المدنية، فقضى على العادات الشائعة منذ قرون، كما أنه جعل الشرع الإسلامي له المقام الأول في تسيير أمور الدولة، وعسى أن تثبت الأيام أنه أنفع تطور حدث في الجزيرة منذ الدعوة إلى الإسلام».
ويقول برنارد لويس إن «خلفية الملك عبدالعزيز السياسية، جعلته يفهم أن الدول الكبيرة القوية المنظمة هي وحدها التي ستبقى بعد الحرب، ولذلك بدأ بتغيير الأسس والتطبيقات في المملكة، واكتسب صورة من يبنون الإمبراطوريات بسيوفهم».
ورآه كنث وليامز مثال الرجل المصلح، فكتب يقول إنه «كان رجلاً عميق الورع، بكرم لا حدود له، كان من أعظم إنجازاته أنه ساهم في تحويل مجتمعه إلى مجتمع مستقر، وقاد إصلاح التعليم وعين وزيراً له، واستقدم المدرسين من الدول المجاورة الناطقة باللغة العربية كمصر وسوريا، وأولى صحة الحجاج اهتماماً بالغاً، وقد كان الأساس الذي قاد إلى ذلك كله، هو تحقيقه للأمن المطلق، والنظام في المملكة».
الضابط شكسبير
ويثني الرحالة الإنجليزي النقيب وليام إرفيان شكسبير على الملك عبدالعزيز ثناء المعجب به. وجاء ذلك في أكثر من موضع في تقاريره التي كتبها، ومنها قوله فيه إنه «ذو وجه وضاح، وصريح كريم. طبقت شهرته آفاق القبائل. ناقشني بكل الصراحة والوضوح فيما يخص بلاده وعاداتها وتقاليدها. ولم أجد فيه أثراً للتعصب». ويقول: «لقد وجدت في عبدالعزيز رجلاً نبيلاً كريماً، لا يمكن إطلاقاً أن يسمح لخاطره بالانشغال بسفاسف الأمور».
وفي رسالة من الرحالة شكسبير إلى كوكس، يبدو أكثر وضوحاً عند وصفه للملك عبدالعزيز، إذ يقول: «يولد الانطباع بأنه ذو شخصية مستقيمة، صريحة، وكريمة. لقد عاملني بأقصى درجات الضيافة والصداقة. وأراني مقتنعاً بصدق انطباعاتي، خصوصاً بعد نقاشنا في مسائل مثل العقيدة والدين. وكنت دائماً أحظى بإجابات هادئة تنم عن ذكاء ومنطق». ويقول في موضع آخر: «تحرك عبدالعزيز وطنية صادقة، وولاء لوطنه، وتقديس عميق مؤصل لدينه، ورغبة أكيدة لا يخامرها ظل شك أبداً في العمل على خدمة مواطنيه، والوصول بهم إلى السلم والأمن».
ويتحدث عن مكانة الملك عبدالعزيز بين الزعماء العرب من معاصريه، إذ يقول: «لقد وجد العرب الآن قائداً تعلو هامته هامة أي زعيم آخر، وبات المشايخ الآخرون من الحلفاء العرب يحيلون إلى ابن سعود قضاياهم كافة، يطلبون فيها نصحه».
أما ليزلي ماك لوغن، فكتب عن الملك عبدالعزيز: «لقد كان له قبل كل شيء ذكاء هائل، وبصيرة فطرية، وقدرة على التفكير في موضوعات متنوعة، وبسرعة عالية. وكان حاضر الذهن دوماً، وأبدى دائماً معرفة واسعة جداً بموضوعات كثيرة وواسعة. ولقد رأينا للتو قوة تأثيره في جميع من قابلوه: غرترود بل، برسي كوكس، شيزمان، فيلبي، وغيرهم».
ويقول الروسي المعاصر إليكسي فاسيلييف عن شخصية الملك عبدالعزيز، وتحليه بخصال الشيخ والأمير: «تحلى بالبسالة والمهارة في القيادة، وأثبتت الأحداث اللاحقة أن عبدالعزيز كان شخصية بارزة من دون ريب بمقاييس الجزيرة العربية، وهذا ما أجمع عليه كل المؤرخين والرحالة من عرب وأوروبيين».
وينقل لنا المفوض السياسي البريطاني في الكويت جيرالد دي غوري صورة عن الملك عبدالعزيز أثناء زيارته له في الرياض سنة 1934: «إن لبعض الحكام العرب سحراً طاغياً. وكانت ابتسامة ابن سعود مليئة بالرجولة، ولهجته مليئة بالثقة، ويتحدث بعربية فصحى يلونها بأقوال بدوية بين حين وآخر. وما أن يبدأ الحديث حتى يتحول كلامه إلى فيضان لا يوقفه شيء، إلا الدعوة إلى صلاة الظهر. إن قوة هذا الزعيم، كما يبدو لي، في ذكائه الخارق».
د. إسماعيل السلامات
ويوضح الدكتور السلامات حقيقة الموقف الثابت للملك عبد العزيز من القضية الفلسطينية بدعمه الدائم لها مادياً، ومعنوياً، وعسكرياً، وتأييدها في المحافل الدولية والعربية، وخاصة لدى حكومات بريطانيا، وفرنسا، وأميركا. ويضيف أن «مناصرة الملك عبدالعزيز القضية الفلسطينية بدأت بمجابهته لبريطانيا عندما عرضوا عليه في اجتماعات وادي العقيق سنة 1926، (1345هـ) مشروع اتفاقية جدة، وطلبوا فيها وضع مادة لاعتراف الملك عبدالعزيز بمركز خاص لبريطانيا في فلسطين والعراق وشرق الأردن. وعندما عرضها نائب القنصل البريطاني في جدة المستر جوردان رفضها الملك عبدالعزيز رفضاً قاطعاً، فتوقفت المفاوضات حينها من أجل هذه المادة ومواد أخرى، إلى أن تنازلت بريطانيا عنها».
وعلق الأديب أحمد عبدالغفور عطار على هذا الموقف السعودي الحازم بقوله: «عندما وصل نبأ اعتداء مجموعة من اليهود بإلقاء قنابل على المصلين يوم الجمعة في المسجد الأقصى أغسطس (آب) 1929 الموافق (ربيع الأول 1348هـ)، كتب الملك عبد العزيز كتاباً إلى ملك بريطانيا، يعرب فيه عن سوء الأثر الذي أحدثه الاعتداء في نفسه، ونفس شعبه، ويطلب منه بكل شجاعة وحمية بضرورة معاقبة المعتدين، ومنع تكرار مثل ذلك الحادث بحق أشقائه أهل فلسطين، وقد أجابه العاهل الإنجليزي في 10 ديسمبر 1929 (رجب 1348هـ) مؤكداً له اهتمام حكومته بالأمر».
كما اتضح اهتمام الملك المؤسس بالقضية الفلسطينية من خلال قراره بتأسيس جمعية أهلية للدفاع عن فلسطين وإيفاده لوزير الدفاع السعودي آنذاك الأمير منصور بن عبد العزيز لفلسطين سنة 1943 لمؤازرة شعبها إبان الحرب العالمية الثانية، وإرساله للمساعدات العاجلة، إذ أصدر الملك عبدالعزيز في ربيع الأول من سنة 1355هـ أمره السامي بإرسال المساعدات العاجلة إلى منكوبي فلسطين من المؤن، والأرزاق، والمال، وصولاً إلى مشاركة السعودية في حرب فلسطين، وإسقاط قرار التقسيم في هيئة الأمم المتحدة.