«كاوست»: ساحل شرم الشيخ حضانة محتملة لـ«شيطان البحر»

باحثون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية هذه الأسماك وسبب تسميتها

سمكة شيطان البحر
سمكة شيطان البحر
TT

«كاوست»: ساحل شرم الشيخ حضانة محتملة لـ«شيطان البحر»

سمكة شيطان البحر
سمكة شيطان البحر

رغم اسمها المخيف، وهو «أسماك شيطان البحر العملاقة»، فإن هذه الأسماك المعروفة علميا باسم «موبولا بيروستريس»، والمنتمية لعائلة «مانتا راي»، من الكائنات المحببة للغواصين في البحر الأحمر، لكنها أصبحت تدرج ضمن قائمة الحيوانات المهددة بالإنقراض.
ولا يُعرف الكثير عن هذا المخلوق البحري الشهير، رغم أهميته، وهي المشكلة التي سعى فريق بحثي من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) إلى حلها، عبر تقديم رؤى ثاقبة حول تركيبتها السكانية وحركتها عبر منطقة البحر الأحمر، ولمحوا في دراسة تم نشرها في العدد الأخير من دورية «مارين آند فريش ووتر إيكو سيستم» إلى حضانة محتملة لهذه الأسماك قبالة ساحل شرم الشيخ بمصر.
وهناك الكثير من الأمور المجهولة حول هذه المخلوقات «الكاريزمية»، وأرادت «آنا كنوشل»، طالبة ماجستير سابقة في جامعة الملك عبد الله، والتي قادت المشروع تحت إشراف مايكل بيرومين، مدير مركز أبحاث البحر الأحمر بكاوست، معرفة المزيد عن هذه الأسماك، لكن إجراء مسح علمي كامل سيكون صعبا ومكلفا، ولذلك أدركت أنه يمكنها الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المساعدة.
بدأت كنوشل وزملاؤها جمع الصور وتفاصيل المشاهد التي شاهدوها، وتواصلوا مع إلك بويانوفسكي، عالمة البحار المتخصصة في أسماك القرش بالبحر الأحمر، والتي تقيم في مصر، والتي سمحت لهم بالوصول إلى أرشيف الصور الخاصة بها، ثم تواصلوا مع أفراد من الجمهور نشروا صورا لهذه الأسماك التقطت في منطقة البحر الأحمر على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وضاعفت هذه الصور عبر الإنترنت كمية البيانات للمشروع.
أمضت كنوشل أسابيع في تحليل الصور لجمع أكبر كمية من المعلومات، وخلصت إلى أنه مثل أسماك قرش الحوت، تمتلك أسماك شيطان البحر بقعا فريدة على أجسامها، كما توجد أحجام مختلفة منها.
وحددت الباحثة 267 سمكة بأحجام مختلفة من 395 مشاهدة لصور من مصر والمملكة العربية السعودية والسودان والأردن وإسرائيل، في الفترة من 2004 إلى 2021.
وتم تسجيل الحركة لـ21 سمكة شوهدت في أكثر من موقع، وهذه القدرة لتلك الأسماك على القيام بحركات لمسافات طويلة فوق المياه العميقة تعني أن التعاون متعدد الجنسيات سيكون مطلوبا لحمايتها بشكل فعال.
وتقول كنوشل في تقرير نشره الموقع الرسمي لجامعة كاوست (الاثنين): «لاحظت أن العديد من الأسماك كانت صغيرة جدا، وكان بإمكاني رؤية الذكور اليافعين بأعضاء تناسلية غير ناضجة، ولقد حددت 27 منهم و29 من الإناث، وقد تم رصد الأسماك الصغيرة بانتظام في شرم الشيخ، مما يشير إلى أن المنطقة يمكن أن تكون حضانة».
ومنطقة الحضانة الأخرى المعروفة لأسماك شيطان البحر هي، «فلاور غاردن بانكس» وهي محمية بحرية في خليج المكسيك بأميركا، حيث تم تأكيد مشاهدة الذكور الصغيرة من هذه الأسماك في ورقة بحثية نشرت مؤخرا.

إلك بويانوفسكي

وتقول إلك بويانوفسكي، التي تمت الاستعانة بصورها في الدراسة لـ«الشرق الأوسط »، إن منطقة شرم الشيخ بالفعل، هي حضانة محتملة لهذه الأسماك، حيث رصدت خلال رحلات الغوص التي قامت بها، الكثير من الأحجام الصغيرة التي تشير إلى ذلك.
وعن قيمة هذه الأسماك، أوضحت أنها جزء من النظم البيئية المعقدة ولديها أيضا قيمة هائلة لسياحة الغوص والغطس في العديد من البلدان حول العالم، وأهمية دراسة هذه الأسماك تكمن من كونها معرضة بشدة لخطر الانقراض، وهي أكثر عرضة لهذا الخطر من بعض الحيوانات البحرية الضخمة الأخرى ذات الجاذبية الكبيرة، بسبب قدرتها الإنجابية المنخفضة للغاية.
ومن جانبها، وصفت أنغيلا زيلتنر، عالمة الأحياء المائية بجامعة زيوريخ، والتي تجري أبحاث حاليا في سواحل البحر الأحمر بمصر، هذه الأسماك بالمخلوقات الجميلة والهادئة والرائعة، وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط »، إنها تحب الغوص بجوارها.
وأضافت أن هذه الأسماك تتغذى على الكريل النرويجي وبعض الأسماك الصغيرة، وجاءت تسميتها بشيطان البحر، بسبب الزعانف الرأسية المثبتة على جانبي الرأس، والتي تشبه القرون عندما تلتف السمكة، للإمساك بفريستها من الأسماك الصغيرة.

أنغيلا زيلتنر
وتوجد قصة شهيرة ترتبط بهذه الأسماك بطلها المشير عبد الحكيم عامر، وزير الحربية في بداية الخمسينات وحتى قرب نهاية الستينات، ففي عام 1954 كان في رحلة بحرية في البحر الأحمر وظهرت سمكة «شيطان البحر» فوق سطح المياه، وما أن شاهدها حتى أطلق عليها 7 رصاصات، ثم تم نقلها إلى معهد علوم البحار في الغردقة وتم تحنيطها.
وقالت سحر خير، مسؤولة الأكواريوم (الحوض المائي) في معهد علوم البحار في تصريحات صحافية، إن «الرصاصات السبع نفذت في بطن السمكة، وعند عملية التحنيط وعقب الانتهاء، كانت السبع رصاصات ظاهرة جدا، وما زالت ظاهرة حتى الآن حتى بعد تحنيطها ومرور أكثر من 60 عاما عليها».
https://vimeo.com/750832949?embedded=true&source=vimeo_logo&owner=107561994
 


مقالات ذات صلة

«خديعة» لردع أسماك القرش عن مهاجمة ركّاب الأمواج

يوميات الشرق أمكن لعشّاق الموج «الاطمئنان» (شاترستوك)

«خديعة» لردع أسماك القرش عن مهاجمة ركّاب الأمواج

الخوف من أسماك القرش البيضاء قائم منذ فترة طويلة، وأحد أسبابه هو عدم فهمنا لهذه الحيوانات بشكل جيد...

«الشرق الأوسط» (سيدني)
بيئة السمكة الشبح (المعهد الوطني للمياه والغلاف الجوي في نيوزيلندا)

باحثون يكتشفون سمكة قرش جديدة ومذهلة في نيوزيلندا

تم اكتشاف نوع جديد من أسماك القرش الشبح في أعماق المياه بنيوزيلندا.

«الشرق الأوسط» (ويلينغتون)
يوميات الشرق السمكة الصغيرة تتميز بمظهرها الشرس وأنيابها الكبيرة (الباحث فيكتور نونيس بينيمان)

اكتشاف نوع جديد من «الأسماك الغاضبة» في البحر الأحمر

اكتشف فريق من الباحثين في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بالسعودية، وجامعة واشنطن نوعاً جديداً من الأسماك يظهر بمظهر غاضب دائماً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الصيّادة التونسية سارة السويسي في قاربها (أ.ف.ب)

صيّادات تونسيات «عالقات في شباك» السيطرة الذكورية والتغيّر المناخي

تزاول تونسيات مهنة صيد السمك رغم السيطرة الذكورية على القطاع وتحدّيات يفرضها التغيّر المناخي.

«الشرق الأوسط» (تونس)
يوميات الشرق التلوّث مُسمِّم للأسماك (تعبيرية - أ.ف.ب)

أجسام الأسماك مُخترَقة بالبلاستيك وإطارات السيارات

تخترق المواد البلاستيكية الدقيقة المُنتشرة في مختلف جوانب البيئة أعماق أجسام الأسماك، وهي موجودة بكثافة في الشرائح التي يأكلها المستهلكون.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».