الاهتمام بتحقيق نمو اقتصادي يحول دون مواجهة التحديات المناخية

الصين تزيد اعتمادها على الفحم الملوث للبيئة لمواجهة نقص الطاقة

محطة تعمل بالفحم في الصين (رويترز)
محطة تعمل بالفحم في الصين (رويترز)
TT

الاهتمام بتحقيق نمو اقتصادي يحول دون مواجهة التحديات المناخية

محطة تعمل بالفحم في الصين (رويترز)
محطة تعمل بالفحم في الصين (رويترز)

في مواجهة ارتفاع درجات الحرارة هذا الصيف ونقص موارد الطاقة وازدياد أسعار النفط والغاز، زادت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبعض الدول الأوروبية إنتاجها من الفحم، في خطوة تثير القلق بسبب تداعياتها على المناخ.
ذلك يعني إعطاء أولوية للاقتصاد، لتحقيق معدلات نمو على حساب شؤون البيئة والصحة. وهو ما قد يسمى بـ«نمو اقتصادي أسود»، وهذا ما ظهر بوضوح في تصريحات وزيرة البيئة الألمانية السابقة باربارا هندريكس، والتي أفادت بأنه كان للقضايا الاقتصادية ثقل أكبر غالبا من حماية المناخ خلال فترة توليها الوزارة.
وقالت لشبكة التحرير الصحافي بألمانيا في تصريحات تم نشرها أمس الأحد: «تم منح الاقتصاد أولوية أعلى من المناخ»، لافتة إلى أنه لم يكن من السهل دائما أن تنجح في مساعيها بصفتها وزيرة بيئة داخل الحكومة الاتحادية. وتابعت هندريكس: «خلال فترة وجودي كوزيرة بيئة لاحظت أكثر من مرة أن المعارضين الطبيعيين لوزيرة البيئة هم وزير الزراعة ووزير النقل ووزير الاقتصاد».
تولت هندريكس منصب وزيرة البيئة في ألمانيا خلال الفترة من نهاية عام 2013 وحتى منتصف مارس (آذار) 2018.
أما على الصعيد الصيني، أكبر منتج للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، فقد تعهد الرئيس الصيني شي جينبينغ بالحد من استخدام الفحم ابتداءً من العام 2026 في إطار سلسلة تعهدات تهدف إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة من الصين بحلول العام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2060.
وانخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين خلال عام بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي، وفق دراسة نشرها مرصد «كربون بريف» للمناخ في مطلع سبتمبر (أيلول).
ولكن بهدف إنعاش النمو الاقتصادي، قررت الصين، زيادة إنتاجها من الفحم، وهو مصدر طاقة يضر بالمناخ إلى حد كبير.
وتثير سياسة دعم هذا القطاع الذي يرتكز عليه الجزء الأكبر من إنتاج الكهرباء، قلق الخبراء، إذ يخشون أن يعقد ذلك الانتقال المحتمل إلى زيادة استخدام الطاقة المتجددة.
والخريف الماضي، أمرت السلطات منتجي الفحم بزيادة طاقتهم الاستخراجية بمقدار 300 مليون طن خلال عام 2022، أي ما يعادل شهراً إضافياً من إنتاج الفحم في البلاد، خوفاً من نقص الطاقة.
وفي الربع الأول من 2022، سمحت الصين بمناجم فحم بسعة إجمالية تبلغ 8.63 غيغاواط وفق منظمة «غرينبيس»، ما يمثل نحو نصف السعة التي أقرتها في كامل العام 2021.
في الأسابيع الأخيرة، وبسبب موجة حر غير مسبوقة، تم حرق واستخراج كميات أكبر من الفحم لتشغيل مكيفات الهواء وتعويض انخفاض إنتاج سدود المياه بسبب الجفاف.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، دعا رئيس الوزراء لي كه تشيانغ إلى «زيادة إنتاج الفحم قدر الإمكان وإنشاء مخزون طويل الأمد منه».
وأكدت منظمة «كلايمت أكشن تراكر» المستقلة أنه حتى الأهداف المناخية «الأكثر تقييداً» التي حددتها بكين لمكافحة الاحتباس الحراري ستؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض من 3 إلى 4 درجات مئوية قبل نهاية القرن، وهو ما يتجاوز هدف اتفاقية باريس بالحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض بـ1.5 درجة مئوية.
ولتحقيق الهدف، سيتعين على الصين «خفض انبعاثاتها في أسرع وقت وقبل عام 2030» و«تقليل استهلاك الفحم وأنواع أخرى من الوقود الأحفوري بمعدل أسرع بكثير من المقرر».
تعود عدم رغبة بكين في التخلي عن الفحم إلى عدم فاعلية شبكتها الكهربائية، والتي لا تسمح بنقل الطاقة الزائدة من منطقة إلى أخرى.
ويوفر الفحم والغاز مصدراً مباشراً للطاقة ويشكلان عملياً «السبيل الوحيد للسلطات المحلية لتجنب نقص الكهرباء»، وفق ما قال الباحث لوري ميليفيرتا في تقرير لـ«كربون بريف». إلى ذلك حققت الصين تقدماً حقيقياً في مجال الطاقة المتجددة.
ويشكل إنتاج البلاد للطاقة من الأشعة الشمسية حالياً نحو نصف الإنتاج العالمي، وفق منظمة «غلوبال إينيرجي مونيتور» غير الحكومية والتي تتخذ من سان فرنسيسكو مقراً. ولكن يمكن تخزين الفحم والغاز لاستخدامهما وقت الحاجة بعكس طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، ما يمنح السلطات المحلية شعوراً بالأمان.
وقال ميليفيرتا، وفق وكالة الصحافة الفرنسية، إن «بناء مزيد من المنشآت العاملة بالفحم يعني خفض التركيز على إصلاح مشاكل الشبكة»، متخوفاً من أن يدفع ذلك أصحاب المصانع إلى «إبطاء عملية الانتقال» إلى الطاقة المتجددة، بهدف استخدام مخزونهم الجديد.
في الوقت نفسه، تريد الحكومة المركزية «تجنب انقطاعٍ للتيار الكهربائي على نطاق واسع كالذي طال مقاطعات في شمال شرقي البلاد الشتاء الماضي، في هذا العام الحاسم سياسيا لشي جينبينغ»، وفق ما قال المستشار السياسي الرئيسي لمجموعة البحث في شؤون المناخ «آي 3 جي» بيفورد تسانغ.
ويتوقع أن يضمن الرئيس شي ولاية ثالثة غير مسبوقة في مؤتمر الحزب الشيوعي في 16 أكتوبر (تشرين الأول).
وأوضح تسانغ أن ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا دفع بدوره بكين إلى تعزيز إنتاج الفحم المحلي، لافتاً إلى انخفاض واردات الفحم في النصف الأول من عام 2022 بنسبة 17.5 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
وقال وو جينغهان مدير مشروع المناخ والطاقة في منظمة «غرينبيس» في شرق آسيا لوكالة الصحافة الفرنسية: «كلما راهنت الصين على الفحم حالياً، أصبح من الصعب تمويل وتحقيق مشاريع الطاقة المتجددة في وقت لاحق». وأضاف «كلما انتظرنا لتحقيق الانتقال (إلى الطاقة المتجددة)، أصبح مسار الانتقال أكثر تعقيداً».


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

الاقتصاد «الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

للمرة العاشرة منذ مارس (آذار) العام الماضي، اتجه البنك الاتحادي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة أساس، يوم الأربعاء، في محاولة جديدة لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، التي يصارع الاتحادي الفيدرالي لخفضها إلى 2 في المائة دون نجاح ملحوظ. وأعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع سعر الفائدة الرئيسي 25 نقطة أساس إلى نطاق 5.00 و5.25 في المائة، لتستمر بذلك زيادات أسعار الفائدة منذ مارس 2022 وهي الأكثر تشدداً منذ 40 عاماً، في وقت يثير المحللون الاقتصاديون تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيادة ستكون آخر مرة يقوم فيها الاتحادي الفيدرالي برفع الفائدة، أم أن هناك مزيداً من الخطوات خلال الفت

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

لا تتوقف تداعيات الحرب التجارية الدائرة منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين عند حدود الدولتين، وإنما تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، وكذلك على جهود حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي. وفي هذا السياق يقول الكاتب الأميركي مارك غونغلوف في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن فرض رسوم جمركية باهظة على واردات معدات الطاقة الشمسية - في الوقت الذي يسعى فيه العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ومكافحة تضخم أسعار المستهلك وتجنب الركود الاقتصادي - أشبه بمن يخوض سباق العدو في دورة الألعاب الأوليمبية، ويربط في قدميه ثقلا يزن 20 رطلا. وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن هذه الرسوم غير مثمرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الدولار يتراجع  في «ساعات الترقب»

الدولار يتراجع في «ساعات الترقب»

هبط الدولار يوم الأربعاء بعد بيانات أظهرت تراجع الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، فيما ترقبت الأنظار على مدار اليوم قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي صدر في وقت لاحق أمس بشأن أسعار الفائدة. وأظهرت بيانات مساء الثلاثاء انخفاض الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي خلال مارس (آذار)، وسجلت معدلات الاستغناء عن الموظفين أعلى مستوياتها في أكثر من عامين، ما يعني تباطؤ سوق العمل، وهو ما قد يساعد الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي  أقل من 70 دولاراً للبرميل

النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي أقل من 70 دولاراً للبرميل

واصلت أسعار النفط تراجعها خلال تعاملات أمس الأربعاء، بعد هبوطها بنحو 5 في المائة في الجلسة السابقة إلى أدنى مستوى في خمسة أسابيع، فيما يترقب المستثمرون المزيد من قرارات رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد 2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

أظهر تحليل أجرته منظمات دولية تشمل الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة المختلفة أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يشهدون أوضاعا تتسم بانعدام الأمن الغذائي ارتفع في مختلف أنحاء العالم في 2022. وتوصل التقرير الذي صدر يوم الأربعاء، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن أكثر من ربع مليار شخص عانوا من جوع شديد أو من مجاعات كارثية العام الماضي.

أحمد الغمراوي (القاهرة)

السعودية الأولى عربياً والـ20 عالمياً في مؤشر «البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة»

منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (أ.ف.ب)
منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (أ.ف.ب)
TT

السعودية الأولى عربياً والـ20 عالمياً في مؤشر «البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة»

منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (أ.ف.ب)
منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (أ.ف.ب)

حققت السعودية المركز الأول على المستوى العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمركز العشرين على المستوى العالمي، وذلك وفق مؤشر البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة «QI4SD» لعام 2024.

ويصدر المؤشر كل عامين من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «يونيدو»، حيث قفزت المملكة 25 مرتبة بالمقارنة مع المؤشر الذي صدر في عام 2022. وأوضح محافظ الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة الدكتور سعد بن عثمان القصبي، أنّ نتائج المؤشر تعكس الجهود الوطنية التي تقوم بها المواصفات السعودية بالشراكة مع المركز السعودي للاعتماد، والجهات ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص، وذلك نتيجة الدعم غير المحدود الذي تحظى به منظومة الجودة من لدن القيادة الرشيدة لتحقيق مستهدفات «رؤية 2030»، وتعزز من مكانة المملكة عالمياً، وتسهم في بناء اقتصاد مزدهر وأكثر تنافسية.

وأشاد بتطور منظومة الجودة في المملكة، ودورها في تحسين جودة الحياة، والنمو الاقتصادي، ورفع كفاءة الأداء وتسهيل ممارسة الأعمال، مما أسهم في تقدم المملكة بالمؤشرات الدولية.

ويأتي تصنيف المملكة ضمن أفضل 20 دولة حول العالم ليؤكد التزامها في تطوير منظومة البنية التحتية للجودة، والارتقاء بتشريعاتها وتنظيماتها، حيث تشمل عناصر البنية التحتية للجودة التي يتم قياسها في هذا المؤشر: المواصفات، والقياس والمعايرة، والاعتماد، وتقويم المطابقة والسياسات الوطنية، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية.