محمد محسن لـ«الشرق الأوسط»: الأغنية الترند اليوم قد تُنسى غداً

المطرب المصري الشاب يعيد إحياء الزمن الجميل على طريقته

المطرب المصري محمد محسن
المطرب المصري محمد محسن
TT

محمد محسن لـ«الشرق الأوسط»: الأغنية الترند اليوم قد تُنسى غداً

المطرب المصري محمد محسن
المطرب المصري محمد محسن

المتأمّل في وجهه وصوته وهو يؤدّي أغنياته، يظنّه خارجاً للتوّ مما يُعرف بـ«الزمن الجميل». حتى عندما ينزل إلى السوق، يبحث محمد محسن عن التحف والقطع القديمة ليزيّن بها بيته.
المطرب المصري الشاب الذي كان فن سيّد درويش، وسلطنة أم كلثوم، وعبقرية عبد الوهاب بمثابة نهرٍ موازٍ للنيل بالنسبة إليه، ما زال متمسّكاً بأصول الغناء وبالكلام الراقي واللحن الأصيل. لا يمانع التحديث والتلوين، ولا يصمّ أذنَيه عن الموجات الغنائية الرائجة، لكن على كوكبه الموسيقي الخاص، ينبعث النور من التراث والطرب.
مشى طريق الموسيقى صغيراً. من أجلها تخلّى عن الهندسة الكيميائية التي تخصص فيها. أدركَ باكراً أنه وُلد للغناء. تأكّد من الأمر يومَ التصقَ صوتُه بحناجر جماهير «ثورة يناير (كانون الثاني) 2011»، في تلك اللحظات المصيرية من تاريخ مصر الحديث، أخرج محسن من ذاكرته الموسيقية أغنياتٍ وطنيّة أشعلت الحماسة وسط المتظاهرين. ومن الثورة استوحى ألبومه الأول «اللف في شوارعك» الذي صدر سنة 2012.

يقول محمد محسن، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، إنّ شيئاً من شغفه لم ينطفئ خلال تلك السنوات العشر: «شغفي تجاه الفن هو ذاته. ما زلت أنتقي الكلمة واللحن بحب وعناية، وما زلت مرتبطاً بالتراث والتاريخ على قدر بحثي عن التجديد. وحدَها خبرتي تطوّرت وصرتُ أنفّذ عملي بتقنيّة أعلى. كما أنّ آفاق استماعي اتّسعت وبات عندي الاستعداد كي أسمع أنواعاً مختلفة عمّا أؤدّي».
خرج للتوّ من استوديو التسجيل بعد أن وضع اللمسات الأخيرة على إحدى أغانيه المقبلة «ضي القمر» وهي باللهجة الليبيّة. يبدو متحمّساً لها، ليس لاختلاف لهجتها فحسب، بل للقصة الغريبة التي جمعته بها. سمعها عام 2014 في إحدى الحفلات الخاصة وبحث عن ملحّنها لسنوات قبل أن يعثر عليه بالصدفة. لحقته تلك الأغنية كما القدر، لتنضمّ إلى مجموعة من الأغاني المنفردة التي سيبدأ الفنان المصري بإصدارها بشكلٍ متتالٍ اعتباراً من أواخر فصل الخريف.

يُضاف إلى أسباب حماسته تلك، الحفل الذي أحياه مؤخراً في مهرجان قلعة صلاح الدين. فلهذه الاحتفالية الثقافية الثلاثينية التي يشارك فيها محسن منذ 10 سنوات، مكانة خاصة في قلبه. «بـ20 جنيه فقط يمكنك أن تدخلي إلى مهرجان القلعة، يعني ببلاش تقريباً»، يقول بفرح. ويضيف: «هو مهرجان للجمهور البسيط، لعامّة الناس الذين لا نراهم في الحفلات الأخرى. لكنهم المقياس الحقيقي لشعبيّة الفنان. أنتظر هذه الحفلة من السنة إلى السنة كي التقي هؤلاء الناس الذين لهم حقوق علينا كفنانين ويستأهلون اللقاء بنا والاستماع مباشرة إلى أغانينا».
يصغي محمد محسن باهتمام إلى آراء الناس ونبض الشارع. لا يعتمد على مشاهَدات يوتيوب أو «لايكات» إنستغرام، ليقدّر مدى اهتمامهم بفنّه. يقول في هذا السياق إنّ ترداد الناس لأغانيه في الحفلات يكفيه: «لا تشغلني أرقام المشاهدات وشبّاك التذاكر، بقدر ما يعنيني تقدير الناس لفنّي». وهذا ما اختبره خلال حفله في «موسم الرياض» العام الماضي، الذي خرج منه بانطباعٍ استثنائي: «تفاجأت بالجمهور السعودي البارع في الإصغاء. تفاعلوا مع أغانيّ التي يحفظونها. كان جمهوراً مختلفاً يحترم المحتوى الفني الراقي».

الفنان المصري محمد محسن في موسم الرياض 2021

من الصعب بل المستحيل أن تتحوّل أغنية طربية أو قصيدة كلاسيكية مغنّاة إلى «ترند» في زمننا هذا. اللحظة هي لأغاني المهرجانات والراب التي لا تشبه بشيء ما يقدّمه محمد محسن. فهل يشعر فنانٌ مثله بالغربة وسط التيارات الموسيقية المتحكّمة بالمزاج العام؟
يردّ ببساطة أن «لكل لحظة زمنيّة موسيقاها ولا يجب أن نحكم على الأمور الآن، لأن للتاريخ كلاماً آخر. العصر سريع وما يضرب اليوم ويصبح (ترند)، قد يُنسى بسرعة غداً. ليس ما نراه على السوشيال ميديا هو الدائم». لا يبدو محسن محبطاً ولا متردداً، إذ يقول: «أركّز على عملي بحب وأترك التصنيف للجمهور. أنا شبَه نفسي».
لا يزعجه أبداً أن يقال له إنّ أغانيه «زي أغاني زمان». لكنه لا يخفي بعض القلق على أغاني زمان الفعليّة من الاندثار: «ما ينفعش إن حد ما يعرفش أم كلثوم أو سيد درويش أو فيروز أو صباح...»... حسب رأيه، سيعبر الزمن ولن يصحّ إلا الصحيح في النهاية: «لن نجد أفضل من فيروز رفيقة لصباحاتنا ولا من أم كلثوم أنيسة لليالينا». ويضيف: «فليسمع الجيل الجديد ما يريد، لكن مع الحفاظ على حد أدنى من المعرفة عن تاريخ الفن العربي».

لم يقف محمد محسن على الخشبة غناءً فحسب، بل تمثيلاً كذلك. فهو شارك في مسرحية «حكايات الناس في ثورة 1919»، ثم لعب دوراً في مسلسل «زي الورد». أما التجربة المسرحية التي حفرت عميقاً في وجدانه، فهي السنوات الثلاث التي جمعته بالممثل القدير يحيى الفخراني في مسرحية «ليلة من ألف ليلة» على خشبة المسرح القومي في القاهرة. يتوقّف عند تلك المحطة واصفاً الفخراني بالرجل المتفاني في عمله، الدقيق في مواعيده، والعاشق للفن.
لم يؤثّر فيه ذلك المشروع على المستوى الفني فحسب، بل هو عاش تجربة شخصية فريدة خلال تلك المرحلة. فالمسرحية وليالي عرضِها التي فاقت الألف ليلة، شهدت على قصة حبه مع الممثلة هبة مجدي. في الكواليس أُغرم محمد بهبة، وعلى الخشبة أعلنا خطوبتهما، وفي فترة العرض تزوّجا وحملت هبة بطفلتهما الأولى. يسترجع الذكرى معلّقاً: «تشكّل المسرحية جزءاً أساسيا من حياتي، وخلال عرضها الطويل تحوّلَ التعامل مع الأستاذ يحيى الفخراني إلى علاقة إنسانية».

محمد محسن وزوجته الممثلة المصرية هبة مجدي

بين محمد محسن وهبة مجدي، حبٌ وطفلان وأحاديث في الموسيقى والمسرح والدراما تبدأ «من لما نصحى لحدّ لما ننام»، كما يخبر «الشرق الأوسط».
يأخذ الفن الحيّز الأكبر من حياتهما المشتركة، لكنه لا يسرقهما من طفلَيهما دهب وموسى. لهما يخصصان كل الوقت عندما لا يكونان في التسجيل أو التصوير. وبسبب وجودهما في حياته، صار يدقّق محمد أكثر في تفاصيل عمله: «الأبوّة غيّرت فيّ الكثير وصار للحياة معنى». يضيف: «بدخولهما إلى حياتي، انتهى عصر التجريب وصار كل شيء محسوباً. لا مساحة للمغامرة، لا سيّما فنياً لأن ولدي سيسمعان أرشيفي في المستقبل ويجب أن يكونا مقتنعَين وفخورَين به». يذهب محمد محسن في تخطيطه إلى أبعد من ذلك، إذ إنه ومع إعداد كل أغنية جديدة، بات يتصوّرها بصوت ولدَيه إن رغبا في الغناء وإعادة تسجيل أعماله لاحقاً.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


هل ينجح «الاتحاد الأفريقي» في تحقيق اختراق في ملف المصالحة الليبية؟

الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)
الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)
TT

هل ينجح «الاتحاد الأفريقي» في تحقيق اختراق في ملف المصالحة الليبية؟

الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)
الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)

وسط تجاذبات بين ساسة ليبيا حول «المصالحة الوطنية»، عادت الجهود الأفريقية، ممثلة في رئيس الكونغو برازافيل رئيس اللجنة الأفريقية بشأن ليبيا، دينيس ساسو نغيسو، لإحياء هذا الملف عبر زيارة إلى طرابلس، التقى خلالها محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة.

ويسعى الاتحاد الأفريقي لحلحلة الأزمة السياسية المتجمدة، عبر تجديد مسار «المصالحة الوطنية»، الذي تعطّل بسبب تزايد الخلافات السياسية بين «الشركاء والخصوم».

الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)

وفي ظل عدم وجود تقدم ملموس محلياً باتجاه تفعيل المصالحة، وبقاء الانقسام السياسي مسيطراً على المشهد العام في ليبيا، يواصل الاتحاد لقاءاته بـ«السلطة التنفيذية» في طرابلس، ما يطرح السؤال حول مدى إمكانية إحداث اختراق في هذا الملف المعقد.

والتقى مساء الاثنين الوفد الأفريقي، برئاسة ساسو نغيسو، رئيس المجلس الرئاسي، ورئيس حكومة «الوحدة»، لمناقشة المحاور النهائية، قبيل تحديد موعد لعقد مؤتمر للمصالحة.

غير أن قطاعاً كبيراً من المتابعين لملف المصالحة يرى أن العلاقات بين الليبيين «ليست في حاجة إلى مصالحة وطنية، لكن في حال عدم توافق ساسة البلاد على حلّ سياسي، فإن مشروع المصالحة لن ينتهي إلى شيء». وهي الرؤية التي يدعمها فريق كبير من المهتمين بعملية المصالحة في البلاد، من بينهم محمد المبشر، رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة».

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع المنفي في طرابلس، أوضح نغيسو ما انتهت إليه اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى، التي يترأسها، من خلاصات مع الأطراف الليبية، بالإضافة إلى النتائج التي خرجت بها من الاجتماعات الإقليمية والدولية لبحث المصالحة في ليبيا.

وتحدث نغيسو عن إمكانية استضافة العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أطراف المصالحة الوطنية في ليبيا ليوقّعوا بأنفسهم على ميثاق المصالحة، منتصف فبراير (شباط)، وقال برغم عدم وجود مؤشرات ملموسة على تفعيل المصالحة: «نعتقد أننا في الطريق الصحيح، ونتجه نحو المصالحة الوطنية، التي لا بد منها للمضي قدماً نحو الانتخابات».

الدبيبة مستقبلاً في طرابلس الرئيس الكونغولي (حكومة «الوحدة»)

وكان من اللافت تحدث نغيسو أيضاً عن «تواصله مع الأطراف الليبية كافة»، وهو الأمر الذي يراه متابعون أنه قد يسهم في تحريك الملف، شريطة «التقريب بين الأطراف السياسية المنقسمة والمتعارضة في توجهها السياسي».

ومن المنتظر أن يتجه الوفد الأفريقي إلى بنغازي (شرقاً) للقاء باقي الأطراف السياسية هناك، من بينها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والقائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، بهدف إيجاد توافق بشأن «الميثاق» الذي انتهت إليه «اللجنة الأفريقية».

وسبق أن قطع المجلس الرئاسي الليبي، رفقة الاتحاد الأفريقي، خطوات في مسار «المصالحة»، من خلال العمل على عقد «مؤتمر جامع للمصالحة» في مدينة سرت، نهاية أبريل (نيسان) الماضي، لكن أُجهض هذا التحرك بفعل الأزمات السياسية بين «الشركاء»، ممثلين في السلطة التنفيذية بطرابلس، والمجلس الأعلى للدولة، و«الخصوم» الممثلين في جبهتي غرب ليبيا وشرقها.

وفي زيارة الوفد الأفريقي السابقة في 11 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى طرابلس، لم يذهب إلى بنغازي، وهو الأمر الذي عدّه البعض أنه «لا يسهم في إيجاد حل حقيقي لإنهاء الفرقة والتباعد بين جبهتي شرق ليبيا وغربها».

وفي ليبيا يوجد قانونان لـ«المصالحة الوطنية»، الأول يُعده مجلس النواب، وعلى وشك إصداره، والثاني دفع به «المجلس الرئاسي» إلى البرلمان في فبراير (شباط) الماضي، وينتظر الموافقة عليه، ما يزيد الأمر تعقيداً.

وتقطّعت السبل بين الطرفين الداعيين للمصالحة، بعد أن دخلا في مشاحنات على خلفيات تتعلق بالسلطة والصراع على «الصلاحيات القانونية»، وهما يتسابقان حالياً على إدارة ملف المصالحة.

ومنذ رحيل نظام الرئيس معمر القذافي عام 2011، شهدت ليبيا اشتباكات وخلافات مناطقية، بعضها يرتبط بتصفية حسابات مع النظام السابق، والبعض الآخر كرّسه الانقسام السياسي، الذي عرفته ليبيا بداية من عام 2014.

وعقب تسلّم «المجلس الرئاسي» السلطة، أطلق في يونيو (حزيران) 2022 ما يسمى «الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية»، بقصد إنهاء الخلافات والعداوات المتراكمة منذ رحيل القذافي.

وقبيل أن ينتقل الوفد الأفريقي إلى بنغازي، ناقش مع الدبيبة مستجدات ملف المصالحة، ومقترح الميثاق الذي يهدف إلى توقيع الأطراف السياسية عليه.

وربط الدبيبة بين إجراء انتخابات عامة ونجاح المصالحة، ونقل مكتبه عنه قوله للوفد الأفريقي إن «الانتخابات هي الحل الوحيد للصراع السياسي الراهن»، مشيراً إلى أنه «لا توجد خلافات حقيقية بين الليبيين، لكنها موجودة بين الطبقة السياسية الحاكمة».

الفريق الممثل لسيف الإسلام شارك في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية» قبل أن يعلن انسحابه (صفحة سيف على «تويتر»)

وكانت أطياف ليبية كثيرة قد شاركت في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية»، من بينها الفريق الممثل لسيف الإسلام معمر القذافي، قبل أن تنسحب تباعاً، لأسباب من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق من السجن، والدفاع عن «نسبة مشاركتهم» في الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر.

وسبق أن انسحب ممثلو القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» من المشاركة في ملف المصالحة، رداً على سحب رئيس «المجلس الرئاسي» قراراً ضمّ «قتلى وجرحى» قوات الجيش إلى «هيئة الشهداء».

ويظل نجاح الجهود الأفريقية مرتبطاً بمدى قدرة الاتحاد على فكّ الاشتباك، والانقسام بين الأطراف الليبية، وجمع «المتخاصمين والمختلفين في التوجهات» من عدمه.