ماركيز: أنا طفل خجول يحتمي بالعزلة التي يوفرها الأدب ليصنع السحر

كتاب عن ذكريات طفولته وسنوات الصبا وروايته الأشهر

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

ماركيز: أنا طفل خجول يحتمي بالعزلة التي يوفرها الأدب ليصنع السحر

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

لم يكن «ماركيز» مجرد كاتب حصل على جائزة نوبل، بل هو ظاهرة أدبية شديدة العمق اتخذت من أميركا اللاتينية، وكولومبيا تحديداً، نافذة أطل منها هذا المبدع الاستثنائي على الروح الإنسانية في كل مكان. وعلى غير ما هو معتاد في معظم ما نشر عنه، يحكي هو بنفسه في كتاب «ماركيز - لن أموت أبداً» عن ذكريات طفولته وسنوات الصبا والمراهقة في بيت جدته، فضلاً عن الحكايات والملابسات الخاصة بتأليف وصدور عدد من أشهر رواياته مثل «مائة عام من العزلة».
الكتاب من تأليف الكاتب الكولومبي «كونرادو زولواجا»، وهو أيضاً محرر ثقافي وأستاذ لمادة الأدب في العديد من الجامعات، وصدرت ترجمته عن دار «العربي» بالقاهرة لسمير محفوظ بشير، مراجعة وتحرير هدى فضل. يقول ماركيز: إن اسمي أيها السنيور هو جابريل جارثيا ماركيز، آسف أنا أيضاً لا أحب هذا الاسم لأنه عبارة عن خيط من أسماء عادية لم أتمكن قط من الارتباط به، ولدت في بلدة أراكاتاكا في كولومبيا، من مواليد برج الحوت، وزوجتي اسمها مرسيدس وهما - زوجتي وبلدتي - أهم شيئين في حياتي ﻷنني بسببهما تمكنت من استخدام الكتابة للنجاة أو على الأقل النجاة حتى الآن»، ويضيف: «أنا كاتب لأنني إنسان خجول، إن صنعتي هي السحر لكن طول المدة التي استغرقتها في صناعة سحري تصيبني بالاضطراب فأضطر إلى أن أحتمي بالعزلة التي يوفرها لي الأدب».
في كنف الجد
كان أقوى دوافع ماركيز للقيام بأي شيء هو أن يحبه أصدقاؤه أكثر ومن أجل هذا الهدف وحده برع في أثناء طفولته في الرسم على حائط ورشة صائغ الفضة ثم برع في الخدع السحرية، وفي مراهقته أصبح لاعب بيانو وأكورديون ماهراً ثم بائع موسوعات وشاعراً وصانع أفلام وحكاءً للقصص ثم كاتباً لها.
نشأ ماركيز في بيت جده لأن أباه ركض وراء أحلامه فاستقال من وظيفته وقرر أن يستقر في مدينة «بارانكيا» بوصفه صيدلياً خبيراً في تحضير الأدوية منزلياً. أصر الجدان أن يظل جابرييل معهما في «أراكاتاكا» ولمدة سبعة أعوام كان تحت رعاية جده «باباليلو»، الكولونيل من حرب الألف يوم. ربته جدته «مينا» أيضاً فنشأ وحوله قريباتها وبنات زوجها غير الشرعيات أو إخوته وشارك في تربيته أيضاً الخدم وهم من هنود الـ«جواخيراس» والذين عوملوا وكأنهم أفراد من العائلة. كان من ضمن الذين نشأ وسطهم أيضاً مجموعة من النسوة كن مسؤولات عن المطبخ ويصنعن له الحلوى على شكل حيوانات ويدرن كل شؤون المنزل، بما في ذلك ميزانية البيت.

حول تلك الحقبة في حياته، يقول: «أؤمن أن الفضل في طريقتي في التفكير يعود إلى النسوة في عائلتي وكل الذين عملوا في خدمتنا وأثروا في طفولتي جميعهم تمتعوا بشخصيات قوية وقلوب رحيمة وعاملوني بتقائية جعلتني أشعر وكأن الجنة قد وجدت على الأرض». كانت النساء اللاتي تعاملن معه ذوات تأثير كبير فيه منذ أيام طفولته كما كن مسؤولات عن العديد من أقوى اعتقاداته مثل أن النساء هن اللاتي يحافظن على تماسك العالم بقبضاتهن الحديدية. ولكن يبدو أن تلك العلاقة لم تكن وردية طوال الوقت، فعندما اكتشف أن لديه موهبة الرسم، قرر فجأة أن يرسم على جدران المنزل فغضبت نساء المنزل ومنعن من فعل ذلك. هنا اشتعل غضب جده ﻷنهن منعنه من الرسم فأمر، وكان حينها جالساً في ورشة صائغ الذهب والتي كان يستخدمها أيضاً مكتباً له، أن يدهن أحد الجدران باللون الأبيض وأن يشتروا لحفيده الألوان، فقد آمن بأن هذا الطفل سيصبح رساماً. ومن مظاهر اعتزازه وحبه لحفيده أنه كان يجلسه إلى جانبه على رأس المائدة وباقي الضيوف على الجانبيين.
الصعلوك الشاب
اعترف ماركيز بأنه يدين بالفضل للكاتب الأميركي ويليام فوكنر خلال حواره الشهير مع كاتب البيرو الأشهر «ماريو بارجاس يوسا» بعد ثلاثة أشهر من صدور «مائة عام من العزلة» قائلاً: «إن الأسلوب الفوكنري مؤثر وفعال عند حكي أي قصة واقعية في دول أميركيا اللاتينية، وهو ما اكتشفناه في فوكنر دون أن نعي هذا الاكتشاف، وهو أننا رأينا الواقعية وأردنا وصفها وأدركنا بأن الأساليب الأوروبية لم تسعفنا في ذلك، ولا حتى الأساليب الإسبانية التقليدية، فجأة وجدنا أن الأسلوب الفوكنري هو المناسب لحكي القصة الواقعية».
لم يتأثر ماركيز بأسلوب فوكنر فقط، بل يبدو أنه أعجب بفكرة البوهيمية والصعلكة التي تنطوي عليها نصائحه في الحياة عندما قال ذات مرة ساخراً: «إن الفن لا يهتم بالمكان الذي سيعبر عنه وإذا كنت تقصدني بكلامك فإن أفضل وظيفة عرضت علي هي أن أكون مديراً لبيت سيئ السمعة، أرى أن هذه هي أفضل بيئة يمكن لفنان أن يعمل بها فهي توفر له حرية اقتصادية كاملة فيتحرر من خوفه من الجوع ويجد فوق رأسه سقفاً وليس عليه القيام بشيء سوى بعض الحسابات البسيطة وأن يذهب شهرياً إلى الشرطة ويدفع الإتاوة».
عاش ماركيز في شبابه حياة الصعلكة، حيث قضى عدة أشهر في فندق رخيص أطلق عليه هو وأصدقاؤه اسم «ناطحة السحاب» اعتاد رهن مخطوطاته لدى مكتب استقبال الفندق عندما لا يكون معه المال الكافي لتغطية نفقاته حتى أن بعض الفتيات سيئات السمعة أشفقن عليه وسمحن له بأن يشاركهن معجون الأسنان والصابون.
في تلك الفترة، بدا الشاب الموهوب وكأنه يبحث عن نفسه، فالتحق بالعمل الصحافي مراسلاً لإحدى الجرائد كما وقع في غرام السينما، وكان جاداً في دراسة الفن السابع. غطى ماركيز المحرر الصحافي وهو في إيطاليا الحالة الصحية المتدهورة للبابا «بيوس الثاني عشر» في الفاتيكان، وغطى كذلك ما حدث في مؤتمر جنيف 1954 الذي حضره ممثلون للدول الأربع العظمى. ملأت تلك الأحداث وقت المراسل الكولومبي في البداية، بالإضافة إلى شعوره بخيبة الأمل عندما اكتشف أن المراعي خارج باريس لا تختلف كثيراً في خضرتها عن مرتفعات بلاده في بوغوتا. بعد مرور عدة أسابيع رحل إلى البندقية لتغطية حدث استولى على كل اهتمامه وهو مهرجان البندقية السادس عشر للفن السينمائي، حيث قضى أسبوعين يشاهد الأفلام في كل الأوقات صباحاً وحتى وقت متأخر من الليل. كان مبهوراً بكل ما يراه لدرجة أنه شاهد القليل من تلك المدينة التي تتحمل بشكل عجيب موجات وتحركات القوارب الميكانيكية في قنواتها المختلفة. سارع بالتوجه إلى روما حيث حضر عروض مركز الأفلام التجريبية الإيطالي، وظل لعشرة أعوام اللاحقة شغوفاً بالكتابة للسينما لكنه حين يسجل نفسه للدراسة في استوديوهات «شينشيتا» شعر بالملل من الجانب الأكاديمي فصرف نظر عن الموضوع برمته.
الرواية الأشهر
وينتقل المؤلف إلى سرد كواليس وملابسات عدد من روايات ماركيز الشهيرة ومنها «مائة عام من العزلة» بعد أن أصبح كاتباً معروفاً ومتزوجاً، غير أن لعنة الظروف المادية السيئة ظلت تلاحقه. تسلمت زوجته «مرسيدس» مسؤولية إدارة المنزل بالكامل بالخمسة آلاف دولار التي أعطاها لها زوجها، كما باعت السيارة التي اشتروها بأموال الجائزة التي حصل عليها عن روايته «في ساعة نحس» لتنفق على المنزل. بعد مرور عام وتصف وبعد انتهاء ما كان معها من أموال اضطرت إلى أن تلجأ إلى مصادر أخرى مثل إقناع الجزار وصاحب البيت بأن تتعامل معهم بالآجل. وبحلول الوقت الذي انتهى فيه ماركيز من كتابة الرواية كانا في حالة مادية صعبة لدرجة أنهما اضطرا أن يقسما صفحاتها الـ600 لنصفين ثم رهنا آخر ما يمتلكان من أثاث منزلي ليتمكنا من إرسالها إلى «بونيس آيرس» حتى أن «مرسيدس» قالت: «لا ينقصنا الآن سوى أن تفشل هذه الرواية».
وحول الأسلوب الذي اتبعه ماركيز في إنجاز «مائة عام من العزلة»، فهو يختلف عن «هيمنغواي»، الذي كان يفضل أن يكتب وهو واقف على قدميه وأن يكتفي بنقل وزنه من ساق إلى أخرى، وعندما سئل عن سبب قيامه بذلك أجاب: «كي أتعب سريعاً فلا أكتب أي هراء» أما «فوكنر» فقال إن كل ما يحتاج إليه هو الورق والقلم والشراب والسجائر. أما ماركيز فكانت لديه طريقة عملية وفعالة ساعدته على أن يظل متصلاً بالقصة وألا يفقد ترابطها أو زخمها. كانت إحدى الصعوبات التي واجهته في أثناء كتابته تلك الرواية هي أن يربط ما كتبه في الليلة السابقة بما سيكتبه صباح اليوم التالي، لذلك توصل إلى أن الطريقة الوحيدة التي ستساعده على الربط بين كل شيء هو ألا يكتب كل ما لديه من أفكار مرة واحدة وهو شيء مشابه لاستراتيجية هيمنغواي بأنه ليس من الحكمة أن «تفرغ البئر ماءها»، وهو ما فعله ماركيز. لم يكتب كل ما لديه من أفكار وأحداث اكتفى بكتابة أفكاره المكتملة لكي يستطيع أن يركز بعدها على جعل الأفكار الأخرى المتناثرة داخله متكاملة وصالحة للكتابة. وبهذه الطريقة استطاع الكاتب الكولومبي صاحب نوبل أن يكتشف وسيلة فعالة ورائعة بعد أن يظل يكتب لست ساعات صباحاً يتوقف عن الكتابة في فترة الظهر ليستريح بعدها ويصحح ما كتبه بخط اليد صباحاً ثم يعود إلى الكتابة بعدها حتى وقت متأخر من الليل ثم يتوقف ويعود إلى العمل صباحاً مجدداً، وفي الصباح يطبق كل التصحيحات والملاحظات التي كتبها يدوياً في اليوم السابق وبعدها يبدأ عمل اليوم الجديد بسلاسة نسبية.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
TT

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

استعادت قوات الجيش السوداني، السبت، مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في جنوب شرقي البلاد، ما يسهل على الجيش السيطرة على كامل الولاية. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، مئات الأشخاص يخرجون إلى الشوارع احتفالاً باستعادة المدينة التي ظلت لأكثر من 5 أشهر تحت سيطرة «قوات الدعم السريع».

وقال مكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش، في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى دخلت رئاسة الفرقة 17 مشاة بمدينة سنجة». ولم يصدر أي تعليق من «قوات الدعم السريع» التي كانت استولت في مطلع يوليو (حزيران) الماضي، على مقر «الفرقة 17 مشاة» في مدينة سنجة بعد انسحاب قوات الجيش منها دون خوض أي معارك. ونشر الجيش السوداني مقاطع فيديو تظهر عناصره برتب مختلفة أمام مقر الفرقة العسكرية الرئيسة.

بدوره، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الثقافة والإعلام، خالد الأعيسر، عودة مدينة سنجة إلى سيطرة الجيش. وقال في منشور على صفحته في «فيسبوك»، نقلته وكالة أنباء السودان الرسمية، إن «العدالة والمحاسبة مقبلتان وستطولان كل من أسهم في جرائم، وستتم معاقبة المجرمين بما يتناسب مع أفعالهم».

وأضاف أن «الشعب السوداني وقواته على موعد مع تحقيق مزيد من الانتصارات التي ستعيد للبلاد أمنها واستقرارها، وتطهرها من الفتن التي زرعها المتمردون والعملاء ومن يقف خلفهم من دول وأطراف متورطة».

وفي وقت سابق، تحدث شهود عيان عن تقدم لقوات الجيش خلال الأيام الماضية في أكثر من محور صوب المدينة، بعد أن استعادت مدينتي الدندر والسوكي الشهر الماضي، إثر انسحاب «قوات الدعم السريع». وقال سكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، إن قوات الجيش وعناصر المقاومة الشعبية انتشروا بكثافة في شوارع سنجة، وإنهم فرحون بذلك الانتصار.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (أرشيفية - مواقع التواصل)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خاض الجيش معارك ضارية ضد «قوات الدعم السريع»، نجح من خلالها في استعادة السيطرة على منطقة «جبل موية» ذات الموقع الاستراتيجي التي تربط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض. وبفقدان سنجة تكون «قوات الدعم السريع» قد خسرت أكثر من 80 في المائة من سيطرتها على ولاية سنار الاستراتيجية، حيث تتركز بقية قواتها في بعض البلدات الصغيرة.

يذكر أن ولاية سنار المتاخمة لولاية الجزيرة في وسط البلاد، لا تزال تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، التي تسيطر أيضاً على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم ومنطقة غرب دارفور الشاسعة، إضافة إلى جزء كبير من ولاية كردفان في جنوب البلاد.

ووفقاً للأمم المتحدة نزح أكثر من نحو 200 ألف من سكان ولاية سنار بعد اجتياحها من قبل «قوات الدعم السريع».

واندلعت الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بعد خلاف حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للانتقال إلى حكم مدني، وبدأ الصراع في العاصمة الخرطوم وامتد سريعاً إلى مناطق أخرى. وأدى الصراع إلى انتشار الجوع في أنحاء البلاد وتسبب في أزمة نزوح ضخمة، كما أشعل موجات من العنف العرقي في أنحاء البلاد.