«أخبار النساء» مخطوط نادر رحل من إيران وقادته الصدفة إلى الرياض

اقتناه مركز الملك فيصل في 2013 وقريباً سيطرحه إلى المكتبات العربية

مخطوط «أخبار النساء» (تصوير: بشير صالح)
مخطوط «أخبار النساء» (تصوير: بشير صالح)
TT

«أخبار النساء» مخطوط نادر رحل من إيران وقادته الصدفة إلى الرياض

مخطوط «أخبار النساء» (تصوير: بشير صالح)
مخطوط «أخبار النساء» (تصوير: بشير صالح)

قادت الصدفة المحضة مخطوط تاريخي نادر بقي لعقود مهملة في إيران، قبل أن يتلقفه أحد الباحثين ويحوز عليه، ويصل عبره إلى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات في مدينة الرياض، الذي تلقاه بالحرص والاهتمام، وشرع يتحقق من قيمته الثمينة، ويبث فيه الحياة، وهو في طريقه اليوم بشكله القشيب إلى المكتبات العربية من جديد.
مخطوط أخبار النساء، لأسامة بن منقذ، هو أول كتاب أدبي عربي، يؤلف في أخبار النساء. توسَّع من خلاله في تناول الناحية الأدبية لديهن، وأضحى اليوم بين يدي أحد المحققين من العراق للدفع به إلى المكتبات العربية، بعد أن أخذ رحلة كاملة من التحقيق والتدقيق والتأهيل في مركز للمخطوطات بمدينة الرياض.
وقال محقق التراث، عمار تمالت، إن المخطوط منذ كتبه «أسامة بن منقذ» غاب عن الأنظار، ولم يقع عليه باحث أو مطلع، وقد ذكره المقريزي في كتابه المقفى، الذي ترجم فيه للعلماء، وأورد كتاب «أخبار النساء»، وذكر أنه وقف عليه، وعلى بعض تفاصيله، كما ذكره الصفدي في «الوافي بالوفيات»، وذكره الذهبي في «تاريخ الإسلام»، وبذلك فإن الكتاب كان مشهوراً لديهم، لكن لم يُعرف السبب وراء عدم توفر المخطوط، وقد يكون ذلك بسبب عدم نسخ الكتاب إلا بعدد محدود جداً، لأن النسخ وتناقل التلاميذ كان هو الوسيلة التقليدية قديماً لانتشار الكتاب وذيوعه، وبالتالي حفظه وبلوغه إلى المتأخرين من الباحثين.
وتعود قصة اكتشاف المخطوط التاريخي والنادر إلى الدكتور أحمد خان من باكستان، الذي اشتراه بمحض الصدفة من إيران قبل 40 سنة، وتركه في خزانة بيته، لم يأبه بقيمته، ولم يطلع عليه أحد، حتى تمكن قسم المخطوطات في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات من اقتنائه عام 2013. وذلك بفضل الآلية التي يتبعها المركز منذ سنوات، في فتح الباب للراغبين في بيع أو منح مقتنياتهم الثمينة من المخطوطات التاريخية والنادرة، سواء من داخل السعودية أو خارجها، لتتولى لجنة متخصصة استقبال تلك المخطوطات وتقييمها، وترشيحها حسب درجات معيارية للأقدمية والأهمية.
ويضيف تمالت، رئيس قسم المخطوطات في مركز الملك فيصل، في حديث مع «الشرق الأوسط»: «عندما تلقينا النسخة، أجرينا عليها الخطوات العلمية المتبعة في المركز للتحقق من جودة وقيمة المخطوط. وسيُطبع الكتاب من طرف أحد أدباء العراق، بالتعاون مع المركز، وسيرى النور قريباً... والمخطوط الذي لم يعثر عليه قبل ذلك، ولم تسبق طباعته مطلقاً، باستثناء ورود ذكره في بعض النقولات التاريخية، وفي ترجمة أسامة بن منقذ وفهرسة مؤلفاته، له قيمة تاريخية وأدبية، بالنظر إلى مؤلفه، وحضوره المؤثر في التاريخ العربي الإسلامي، وقد عاصر مرحلة الحروب الصليبية في أيامها الأولى، وقُرأ الكتاب عليه، كما ثبت في مواضع متفرقة داخل المخطوط، ومن المرجح أن مؤلفه (ابن منقذ) كتب فقرات منه بخط يده، كما ثبت لدينا عند تحقيق وتدقيق المخطوط».
ويلفِت محقق التراث، عمار تمالت، إلى واحد من الأسباب التي قد تكون وراء اختفاء بعض المخطوطات النادرة، وذلك لتواضع إمكانات العصور العربية والإسلامية المتقدمة في حفظ ورعاية كنوز الكتب وخزائن التراث والمدونات، ويضيف: «كانت مكة المكرمة والمدينة النبوية ملتقى المسلمين على اختلاف مشاربهم واهتماماتهم، وكانوا قديماً يجلسون بها شهوراً طويلة، تكون فرصة لنسخ ما يتوفر من الكتب والمؤلفات، للعودة بها إلى أوطانهم، وهذا يحقق للكتاب مزيداً من الانتشار والذيوع».
ويتذكر في ذلك المؤلف المطبوع الذي يوثق الكتب التي ورد بها الخطيب البغدادي إلى دمشق في القرن الرابع الهجري، عندما خرج من بلدته بغداد إلى دمشق، واصطحب معه كتباً كثيرة، وأخذ أهل دمشق يتسابقون في نسخها، قبل أن تحين ساعة عودته، وهو واحد من شواهد حرص المجتمعات العربية المبكرة على صيانة العلم وحفظ مدوناته ورعاية كنوز التراث العلمية والأدبية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».